أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - محمد عناني … ذلك العظيم














المزيد.....

محمد عناني … ذلك العظيم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5481 - 2017 / 4 / 4 - 11:41
المحور: بوابة التمدن
    


حين شاهدتُ ابنته على خشبة "المسرح القومي" العريق، تُلقي كلمة أبيها في اليوم العالمي للمسرح، شعرتُ بهول اللحظة. يعيشُ بيننا رجلٌ عظيم ساهم في تغيير وجه المكتبة العربية وإعادة رسم ملامحها بقلم رفيع وفكر رفيع ورؤية رفيعة وإبداع عزّ نظيرُه. وحين خرجنا من قاعة العرض بعد انتهاء مسرحية "ميراث الريح" في ثوبها العربيّ البهيّ: "المحاكمة"، أسرعتُ نحو تلك الابنة التي أكرمها الزمانُ بأبوّة هذا الرجل الاستثنائي، ثم عانقتُها وقبّلتُها، فكأنما بهذا كنتُ أُقبِّل جزءًا أثيرًا من الرجل الذي أدينُ له بالكثير، مثلما تدين له مصرُ والناطقون بالعربية، بالشيء الكثير.
مازلتُ أذكرُ خفق قلبي بعنف وأنا بعدُ في بداية مشواري الأدبي، جالسةً في مكتب الأستاذ بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة القاهرة، أنتظرُ لقاءه، بوجل، وشغفٍ، وترقّب، وقلق، وحبّ، وفرح. مجموعة من الصراعات النفسية المتنافرة لا تلتقي في قلب إنسان، إلا قُبيل لحظات مواجهة العظماء. كنتُ قد هاتفتُه وطلبت لقاءه راجيةً أن يكتب لي تصديرًا لأحد كتبي الذي يضمُّ ترجمةً لإبداع قامة إنجليزية شاهقة. ولم أذكر له اسم المؤلفة الذي ترجمتُ أدبَها خوفًا من سخريته أو رفضه المُسبق. وكنتُ قد أعددتُ كلامًا كثيرًا حتى أقنعه بالموافقة على تصدير كتاب لكاتبة في بداية مشوارها، هي أنا، لم تصنع اسمَها بعد وقتذاك، والأخطر أنني قادمةٌ من عالم بعيد كلّ البعد عن عالم الآداب والفنون. فماذا تفعلُ خريجةُ كلية الهندسة في دنيا ترجمة الآداب المعقّدة؟ خصوصًا حين تتصدّى لإبداع روائية "مخيفة" مثل فرجينيا وولف، تُعدُّ أحد أهرامات الأدب العالميّ، ضربَها القَدرُ بمسٍّ من الفصام الذُّهاني جعل إبداعَها يقفُ على الحافة الحرجة بين الإبداع وبين الجنون! وهالني أنني لم أحتج إلى حُجج ليوافق على مقابلتي، وضرب لي موعدًا بمكتبه بجامعة القاهرة. وكانت لحظات الفرح والشغف برؤية رجل عظيم، والقلق والترقّب تحسّبًا لرفضه. ودخل الأستاذُ في كامل بهائه وجماله وسطوته وتحضّره وسموّه وبساطته ورأفته وحُنوّه، ثم ذكائه الحادّ الذي جعله يقرأ فورًا على صفحتي عيني كل ما بداخلي من صراعات. استقبلني كأنما يعرفني منذ دهور، ورحبّ بي كأن لي باعًا في دنيا الأدب، ووافق على تقديم كتابي كأنما أبٌ رحيم يُهدي ابنتَه قطعة من الألماس من خزانة مِداده وحروفه. سألني: “ترجمتِ لمين يا حبّوبة؟" وحين سمع من كلماتي المتعلثمة كلمتي: “فرجينيا وولف"، ضحك قائلا: “ايه اللي وداكي في سكّتها؟ دي حارة سدّ.” وهنا، تأكدتُ من رفضه وغشاني الحزنُ، حتى فوجئتُ به يقول: “قرأتُ كتابَك الأول عن وولف: "جيوب مثقلة بالحجارة" وأعجبني، وقرأت ما كتبه د. ماهر شفيق فريد في مقدمة الكتاب، وهي شهادة طيبة عنك، فدعيني أقرأ مخطوطة كتابك الجديد، ونشوف.” وهنا أقدّم الشكرَ عظيمَه للدكتور ماهر، أحد أكبر رموز فنّ الترجمة، وصديق الأستاذ عناني ومصدر ثقته. بعد أيام، هاتفني الأستاذ عناني ليقدّم لي عدة ورقات تحمل مقدمةً رفيعةً لكتابي الجديد بخط يده الجميل. مازلتُ أحتفظُ بها في خزانة كنوزي الأثيرة. مقدمةً أتيهُ بها فرحًا كأنما هي وثيقة حيثيات فوزي بجائزة نوبل للآداب. إضافةً إلى كون تلك المقدمة بمثابة درس عميق في فن الترجمة، لا يقلّ قيمة عن كتابه العمدة "فن الترجمة". أذهلني تواضعُه حين كتب: “كنتُ انتوي كتابةَ كلمةٍ موجزةٍ عن فرجينيا وولف ... ولكنني عندما قرأتُ مقدّمةَ المُتَرجِمة، هنا بهذا الكتاب، التي تنثر فيها مفاتيحَ قراءة وولف التي أسمتها ناعوت: "الفَرَسُ الحرون"، وجدتُ أنها تفي بالغرض، وهكذا اكتفيتُ بالمراجعة اللغوية.... نجحت ناعوت في تَمَثُّل أبنيةِ فرجينيا وولف واستيعابها قبل نقلِها بلونٍ من المحاكاة يقترب من الإبداع الجديد، فهو بلغةٍ جديدة، وهو ترجمةٌ (والترجمةُ في معناها الاشتقاقيّ نقلٌ للمكان)، تنقلنا من مكانٍِ إلى مكان، فتعيدُ فاطمة ناعوت بناءَ المواقف الشعورية في القصص الأصلية بلغة الضاد، متيحةً للقارئ العربيّ فرصةَ الاطلاع على فنِّ فيرجينيا، ولو اختلفتِ اللغةُ.... لقد نجحت فاطمة ناعوت فيما تصدَّتْ إليه هنا في هذه المجموعة: "أثرٌ على الحائط"، مثلما قدمّت لنا قبل سنواتٍ كتابًا آخر لفرجينيا وولف ذاتِها، عنوانُه: "جيوبٌ مُثْقَلةٌ بالحجارة"، ونرجو أن تتبعه بآثارٍ أدبية أخرى تُثري بها المكتبةَ العربية.”
أثرى الدكتور محمد عناني ذاكرة الأمّة العربية ومكتبتها بما يُقارب المائتي كتاب من أمّهات الأدب الإنجليزي وعيونها لأساطين الأدب مثل شكسبير، ملتون، هارولد بنتر وغيرهم، بالإضافة إلى فرائد من الكتب في تعليم فنون الترجمة الأدبية، وعشرات من إبداعه الخاص في المسرح، عطفًا على موسوعة "المصطلحات الأدبية الحديثة"، على أنني أقفُ مشدوهةً أمام ترجماته لمسرحيات هارولد بنتر التي يحارُ المرء كيف كُتبَت فضلاً عن كيف بوسعها أن تُترجم حيث يقف الحوارُ بين الشخوص على الخيط الحرج بين الغرابة والتهديد واللامعقول والفانتازيا والارتجال والعبثية.
ثمّة أسطورة فكرية وأدبية ولغوية تعيش بيننا، اسمها د. محمد عناني، قبّلتُ جبيَن ابنته قبل أسبوع، وأقبّل اليومَ يدَه عبر هذا المقال. وإن كان هناك ما أندم علي في حياتي، فهو أنني لم أتتلمذ على يد هذا الرجل العظيم، فطوبى لمن حصدوا هذا المجد ونالوا ذاك الشرف.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
- الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
- أمهاتٌ على أوراق الأدباء
- مَن يكره عيدَ الأم؟
- مصحفٌ من يد دميانة
- محمد عبد الوهاب طاووس الشرق
- تحية احترام للبابا تواضروس
- عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر
- المعاصي سرُّ الغلاء
- لستُ متسامحة دينيًّا
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (5)
- الأقباط ليسوا بحاجة إلى بيوتنا بل إلى بلادهم
- فيس بوك من دون زجاج
- امنعوا بناتكم من التعلّم!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (6/6)
- إنهم يصنعون المستقبل


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - محمد عناني … ذلك العظيم