أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - مسدّسات















المزيد.....

مسدّسات


حسين سليم
(Hussain Saleem)


الحوار المتمدن-العدد: 5479 - 2017 / 4 / 2 - 01:53
المحور: الادب والفن
    


صفحات حمراء، كلمات تقطر دما أحمر، تنساب من السطر الأول على التالي، وهذا على الآخر، ومن صفحة إلى أخرى، إلى نهاية الفصل، ومن فصل إلى آخر. أجدني فيه، قد غرقت في بركة من الدم، وحدي أراها قد تسربت إلى أصابعي، يديّ، مرفقيّ، حضني، مبتلا إلى فخذيّ، الساقين، فقدميّ داخل الحذاء. كان يشهر فوهته عليّ كلما قرأت صفحة أو ختمت فصلا، يأمرني أن أعود إلى ما قبل الفصل الأول. وحين أعاند يضع فوهته على صدغي أو هامة رأسي. كان يلاحقني بين طيّات الكتاب، يدفعني من فصل إلى آخر، يحاول ارجاعي إلى الغلاف حيث العنوان. كان الغلاف بألوان مختلفة متداخلة باهتة، لا وضوح فيه، وقبل وصول الغلاف كان قد رماني في المقدمة، كانت الحياة فيها بسيطة. كنت أعمل في بيع وشراء الكتب القديمة والجديدة، في (شارع المتنبي)، منذ زمن الحصار، أواخر القرن الماضي، ومن عشقي لها، كنت ومازلت أحمل معي كتابا انّى حللت، رفيقي الذي لا يفارقني كظلّي، فهو خير جليس وأنيس، يفيد ولا يضر، خصوصا في الازدحامات، وأوقات الانتظار المتنوعة. كنت قد أنهيت قراءة نصف الكتاب من "رحلة مدينة"؛ النصف الذي لم أعشه ، كتاب لم تكتمل فصوله بعد، في كل طبعة يُضاف فصل جديد. وفي أوقات الراحة وقلة الازدحام، أجدها فرصة للقراءة، أحس بمتعة المعرفة. وفي يوم ممطر خلا الشارع من المتسوقين والمثقفين، بقيت وحدي في المكتبة. تراءى لي وأنا أحدق في الكتب المتراصة على الرفوف، وعلى أرضية المكتبة، ماسورات سوداء تبرز من كل كتاب، بعضها قديمة وأخرى حديثة. هرشت رأسي ، رفعت نظارتي عن عينيّ ومسحتمها، لعلني في حلم. نهضت من مكاني لأبعد هذا المنظر من أمامي، أبتعدت من كرسي المكتب ، تقدمت بعض خطوات، رجعت ، استدرت أحدق فيها مرة أخرى، تقدمت نحو باب المكتبة لعل بعض الهواء البارد يصفع وجهي، أخرجت سجارة وأشعلتها حائرا مما أنا فيه، هل هو حلم؟ حقيقة؟ كيف حدث أو يحدث هذا؟ رميت السجارة وعدت حذرا تلفّني الهواجس. نظرت مرّة أخرى ، كانت المسدسات في أوج فوضاها تتحرك وتتقافز بين الكتب، محدثة ضجيجا يشبه صوت اصطدام الحديد، جلست إلى المكتب واضعا رأسي بين راحتي يديّ. لحظات واسندت ظهري إلى الكرسي، تنتابني أسئلة: هل الكتب تتقاتل فيما بينها؟ أعرف إنها تتحاور نحو الأفضل، والمسدسات لا تتحاور، لكن، من أين جاءت كل هذه المسدسات؟ وهل يلتقي الكتاب بالمسدس، يتصاحبان مثلا؟ بدأت أسمع صوت إطلاقات تصفر في رأسي، وبدت لي تمرّ من رفّ إلى رفّ، وأنا وسطها لا أعرف ماذا أفعل. طويت الكتاب ، تركت المكتبة وهربت سريعا إلى البيت .
لم تبدأ رحلة عذابي مع الكتاب إلا في الفصل الأول ، كانت المسدسات قليلة وفيها شيء من الرحمة، لا تطلق إلاّ لسبب وجيه. لكن حين جاء الأجانب إلى المدينة، جلبوا معهم الكثير من المسدسات، ووجدوا فيها مَن يبيع ويشتري، وكثرت عمليات التهريب، وصار حكم الحياة في مدينتنا لمن يمتلك المسدسات الأقوى. انقسم الناس في مواجهتها، بل تصارعوا فيما بينهم. كان كل مسدّس يظن أنه يمتلك الحقيقة التي يجب أن تسود، ومن يومها جرت الدماء في كل أرجاء المدينة، وبعض منّا تعاون مع مسدسات أجنبية لقتل أبناء جلدته. كانت فصول دامية لم نتعلم منها شيئا، والغريب في الفصل السابع عشر، يطالب بعض منها، أهل الضحية بدفع ثمن الطلاقات. كان يرمي إطلاقاته على الكلمات والصفحات التي لا تعجبه، خصوصا في الفصل الرابع عشر، الذي استعدنا فيه شيء من الراحة، عاشت المدنية خلاله بطمأنينة لم تألفها، بدأنا نخرج في الليل حتى الصباح، لم تعجب بعض من أصحاب المسدسات.
في الطريق شاهدت مسدّسات مختلفة الاحجام والصنع، بعض منها قد رأيتها سابقا، أيام الخدمة الإلزامية في الجيش: المسدس العسكري، مكاروف، بيرتيا، والتر، روجر، سوير، جلوك، الثور المنحني، وكولت. تنتشر في الشوارع، في كل زاوية من المدينة، وصار البحث عنها واقتنائها من صفات الشجاعة والرجولة، فيما يوصف كل مَن يحمل كتابا بالميوعة والرومانسية. ماذا يمكن أن يفعله كتاب أمام هذا الكم الهائل، من مسدسات مرئية ولا مرئية؟ كنت خائفا من كل الأشياء التي حولي؛ سيارة مفخخة ، قد تنفجرأي لحظة، عبوة ناسفة داخل سيارة أو شارع، سيطرات وهمية وغير وهمية. ارى وجوه الناس وكأنها تحولت إلى مسدسات تترصدني، وتتربص بعضها بعضا، تخرج الكلمات منها كرصاصات قاتلة، فيما كانت هناك جثث موزعة في أماكن متفرقة، على طول الطريق، مادام القتل على الهوية.
كان المسدس اللامرئي يعطيني استراحة أو أنا استشعرها، حين يكون في فترة تنظيف، يتفكك إلى بضع قطع، يوزعها على فصول لا يحبها، يزيل ما لحق بها، من غبار أو بارود متبقٍ من غزوة ليلة ماضية، مستخدما بعض صفحات لا يرغب فيها، وقليل من الزيت. يقطع صفحة ويلفّها بشكل إصبع ويدفعها في الماسورة، مع قطرات زيت، ويطوي صفحة أخرى على الهيكل، ويلفّ القبضة بورقة، ويدهن أجزاء الرؤية والحركة بصفحات من فصول، طالما كره سماعها أو نشرها، وبعد أن يعيد تركيب نفسه من جديد، يستعد للقيام بواجباته في صولات أخرى. كان يوجه التحذيرات لي خلالها، ويتهمني دائما بالخطورة وإثارة القلاقل. وكانت أولى محاولاته لقتلي في الفصل الثامن، حين أطلق رصاصة، أصابت صدري، نجوت منها بإعجوبة ، بعد إجراء عملية. رحت بعدها لفترة، لا أقرأ في العلن إلا الكتب المسموحة، ليس لها علاقة بالمدينة، وفي السر أقرأ الكتب الممنوعة المستنسخة. كنت أشعر بأمان مؤقت، حين أطويه وأضعه في جيبي ، أخذت قسطا من الراحة، إذ إن غلق الكتاب يعني لا حركة للمسدّس. لكن هناك مسدسات أخرى يخيفها منظر الكتاب وحامله، مسدسات مرئية، منها يرافقني كظلّي في المدينة، كنت أظن أن مسدّس الكتاب ليس له علاقة بهذا. لكن بمرور الوقت، مع ازدياد المسدّسات، عرفت أن لهما علاقة سرية ترتبط بشبكة محلية وعالمية من المسدسات يلتقيان خلف الكواليس في آخر الليل.
ومن الشارع العام، حيث رمتني السيارة، اسرعت إلى البيت، التفت يمنة ويسرة، حذرا من مسدس أو إطلاقة طائشة، أو سيطرة مسدسات وهمية. دخلت الحمّام، وقفت بملابسي تحت الدّش، داعيا الماء يغمرني، يزيل الدم عن ملابسي، حزينا شارد الذهن؛ أحب الكتاب وأكره المسدس، فالكتاب فكرة والمسدس طلقة! الأول يحب الحياة، يهبها الجمال، والثاني يحب السطوة، يريد القتل، هل أحمل كتابا أم مسدسا بعد الآن؟...
2017



#حسين_سليم (هاشتاغ)       Hussain_Saleem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : خوف
- همبلة 4 : أنت تعرف تسبحلوجي ؟!
- قصة قصيرة : سيميسدي *
- الإعلام الصحي
- صاحب المفتاح
- همبلة 3 : موكبكم ما يشبع بطن !
- همبلة 2 : ذني مو النا !
- أفكار
- همبلة 1 : لا تهمبلون علينا !
- شّوق
- الوطن والمنفى في كويستيان
- الصحة العامة للمرأة العاملة
- قليل الكلام : الأخلاق أم الدِّين أولاً !
- قليل الكلام :أنا-المواطن والبرنامج الحكومي !
- شيوخ
- سبعة ألوان
- حالات حبّ : عيون
- قليل الكلام : جائزة الاديب الميت !
- صورة
- حالات حبّ


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - مسدّسات