أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - محمود محمد طه (8) الجهاد - جزء أول















المزيد.....


محمود محمد طه (8) الجهاد - جزء أول


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 5476 - 2017 / 3 / 30 - 17:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أشرككم هنا كما فعلت في المقالات السابقة وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه.
.
الجهاد في فكر محمود محمد طه (الجزء الأول)
--------------
ملاحظة: لكي أكون أمينًا مع فكر محمود محمد طه، أفضل اقتباس النصوص. فأفكاره خاصة ويصعب تلخيصها دون خيانتها.
.
يفهم محمود محمد طه الجهاد ضمن نظريته القرآن والإسلام المكي - القرآن والإسلام المدني. وهذا الأخير (الذي يسميه الرسالة الأولى من الإسلام) هو الذي سيطر منذ هجرة محمد إلى المدينة عام 622، ولكن يجب تركه لأنه لا يصلح للوقت الحاضر ويجب الرجوع للقرآن والإسلام المكي (الذي يسميه الرسالة الثانية من الإسلام الذي يبشر به)، وهو الأصل في الإسلام. وقد تعرض محمود محمد طه في كثير من كتبه لموضوع الجهاد مع كثير من التقرار. وسوف نحاول هنا اختصار ما قاله معتمدين على نصوصه مع تفادي التكرار على قدر الإمكان.
.
في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" يشرح محمود محمد طه التحول من القرآن والإسلام المكي إلى القرآن والإسلام المدني كما يلي:
الأصل في الإسلام أن كل انسان حر، الى أن يظهر، عمليا، عجزه عن التزام واجب الحرية، ذلك بأن الحرية حق طبيعي، يقابله واجب واجب الأداء، وهو حسن التصرف في الحرية، فإذا ظهر عجز الحر عن التزام واجب الحرية صودرت حريته، عندئذ، بقانون دستوري، والقانون الدستوري، كما سلفت إلى ذلك الإشارة، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، وقد قررنا آنفا أن ذلك هو قانون المعاوضة.
هذا الأصل هو أصل الأصول، وللوفاء به بدئت الدعوة إلى الإسلام بآيات الاسماح، وذلك في مكة، حيث نزلت(ادع الى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين) وأخواتها، وهن كثيرات، وقد ظل أمر الدعوة على ذلك ثلاث عشرة سنة، نزل أثناءها كثير من القرآن المعجز، وتخرج أثناءها من المدرسة الجديدة، كثير من النماذج الصالحة، من الرجال والنساء والصبيان. وكان المسلمون الأولون يكفون أذاهم عن المشركين، ويحتملون الأذى، ويضحون، في صدق ومروءة، في سبيل نشر الدين، بكل أطايب العيش، لا يضعفون ولا يستكينون. يبينون بالقول البليغ، وبالنموذج الصادق، واجب الناس، في هذه الحياة، نحو ربهم، بإخلاص عبادته، ونحو بعضهم، بصلة الرحم، وإصلاح ذات البين.
والله سبحانه وتعالى يقول (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولقد أعطانا من نعم العقل، والجسد، وأطايب العيش، ما يمكننـا من عبادته وعرفان فضله. ويقول (إن الله يأمر بالعدل، والاحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون) ويقول (ولا تقتلوا أولادكم من املاق، نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به، لعلكم تعقلون). كل ذلك جاء به القرآن في الدين الجديد، وبلغه النبي وأصحابه، بالقول، وبالسيرة، وفيه لأمر الناس صلاح وفلاح، فإذا أصر الناس، بعد ذلك، على عبادة الحجر الذي ينحتون، وعلى قطع الرحم، وقتل النفس، ووأد البنت، فقد أساءوا التصرف في حريتهم، وعرضوها للمصادرة، ولم يكن هناك قانون لمصادرتها، فلم يبق إلا السيف، وكذلك صودرت. وبعد أن كان العمل بقوله تعالى (فذكر انما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر) انتقل الى قوله تعالى (الا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر) فكأنه قال أما من تولى وكفر فقد جعلنا لك عليه السيطرة، فيعذبه الله بيدك العذاب الأصغر بالقتال، ثم يعذبه العذاب الأكبر بالنار. (إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم) واعتبرت الآيتان السابقتان منسوختين بالآيتين التاليتين، وكذلك نسخت جميع آيات الاسماح، وهن الأصل، بآية السيف وأخواتها، وهن فرع أملته الملابسة الزمانية، وقصور الطاقة البشرية، يومئذ، عن النهوض بواجب الحرية. ومن ههنا جاء حديث المعصوم حين قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وأمرهم الى الله).
وقد ظن بعض علماء المسلمين أن حروب الإسلام لم تكن إلا دفاعية، وهذا خطأ قادهم اليه حرصهم على دفع فرية بعض المستشرقين الذين زعموا أن الإسلام إنما استعمل السيف لينتشر. والحق أن السيف إنما استعمل لمصادرة حرية أسئ استعمالها، وقد تلبث بذلك ثلاثة عشر عاما يدعو الى واضحة من أمر الفرد، وأمر الجماعة، فلما لم ينهضوا بأعباء حريتهم، ولما لم يحسنوا التصرف فيها، نزع من أيديهم قيامهم بأمر أنفسهم، وجعل النبي وصيا عليهم، حتى يبلغوا سن الرشد. فإذا دخلوا في الدين الجديد، فحرموا من دمائهم وأموالهم ما حرم، ووصلوا من رحمهم ما أمر به أن يوصل، رفع عنهم السيف، وجعلت مصادرة حرية المسئ إلى القانون الجديد، وكذلك جاء التشريع الإسلامي، ونشأت الحكومة الجديدة.
وكل ما يقال عن تبرير استعمال الإسلام للسيف هو أنه لم يستعمله كمدية الجزار، وإنما استعمله كمبضع الطبيب. وكانت عنده الحكمة الكافية، والرحمة الكافية، والمعرفة الكافية، التي تجعله طبيبا لأدواء القلوب. ولقد قال تعالى في ذلك (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب، والميزان، ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليـعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز) قوله (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) يعني بالدلائل القواطع على صدق دعواهم، (وأنزلنا معهم الكتاب) يعني (لا إله إلا الله) و(الميزان) يعني الشريعة لوزن ما بين العبد والرب، وما بين العبد والعبد، و(ليقوم الناس بالقسط) يعني ليعدلوا في المعاملة، وقوله (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس) يعني وشرعنا القتال بالسيف في مصادرة حرية من لا يحسن التصرف في الحرية، حتى يرده بأس السيف إلى صوابه، فيـحرز يومئذ حريته، وينتـفع بحياته. هذا بالطبع إلى ما للحديد من منافع أخرى لا تحتاج منا الى إشارة. وقوله (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) يعلم علم تجربة لكم، لأن القتال كره للنفوس. ليعلم من يحتمل مكروه الحرب في سبيل الله لنصرة المستضعفين، بإقامة القسط بين كل فرد وبين نفسه، وبينه وبين الآخرين، وقـوله (إن الله قوي عزيز) يعني بالقوي الذي لا يحتاج لنصرة ناصر، و(عزيز) يعني لا ينال ما عنده إلا به، وما عنده في هذا المقام هو النصر، فكأنه يشير إشارة لطيفة إلى قوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم) إن تنصروا الله بنصرة أنبيائه لإقامة القسط، ينصركم الله على أنفسكم، وهذا يعني، بعبارة أخرى، إن تنصروا الله في الجهاد الأصغر، ينصركم في الجهاد الأكبر، حيث لا قوة لكم إلا به، ولا ناصر لكم إلا هو. (ويثبت أقدامكم) يعني يطمئن قلوبكم. وتثبيت الأقدام الحسية غير مجحود في مقام النصرة.
ومن الحكمة في طب أدواء القلوب أن تبدأ الدعوة باللين، وألا يلجأ الى الشدة إلا حين لا يكون منها بد، فإن الكي آخر الدواء. وما العذاب بالقتل بالسيف في الدنيا إلا طرف من عذاب الآخرة بالنار، وليس لعذاب الآخرة موجب إلا الكفر، وكذلك الأمر في القتال. فإن هو أضاف الى الكفر دعوة إلى الكفر، وصداً عن سبيل الله، فقد أصبح قتاله وقتله أوجب، وإلا فهو مقاتل بكفره لا محالة، قال تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا الى جهنم يحشرون * ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيركمه جميعا، فيجعله في جهنم، أولئك هـم الخاسرون * قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا فان الله بما يعملون بصير) تأمل قوله تعالى (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب) تجد أن موجب العذاب هو الكفر (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما). وقـولـه (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يعني حتى لا يكون شرك، ودعوة إلى الشرك، وصد عن سبيل الإيمان. وقوله (ويكون الدين كله لله) هو غرض القتال الأصلي (وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه) ذلك أمر الله. والله بالغ أمره ولو كره الكافرون.
وقال تعالى في موضع آخر (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوا إلا على الظالمين) والظالمون على مستويين: مستـوى من يجعل الدين لغير الله، ويصر على ذلك، ومستوى من يذعن لله بالطاعة ولكنه يتعدى على حقوق الناس، ويحيف عليهم. وفي الآية أمر بمصادرة حرية من يسئ التصرف في الحرية، وإنما تكون المصادرة على مستوى الاساءة. فللجاحدين قانون الحرب، وبأس الحديد. وللمعتدين على حقوق الناس قانون السلام، وفصل الحقوق. وهذا معنى قوله تعالى (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين). [...]
نخلص مما تقدم الى تقرير أمر هام جدا، وهو أن كثيرا من صور التشريع الذي بين أيدينا الآن ليست مراد الإسلام بالأصالة. وإنما هي تنزل لملابسة الوقت والطاقة البشرية".
.
وفي كتابه "الثورة الثقافية" يفند محمود محمد طه قول "بعض الناس أن الإسلام لم يستعمل العنف إلا دفاعاً عن النفس. وإنما ساقهم إلى هذا الخطأ بعض ملابسات التاريخ الإسلامي في نشأته، وظنهم أن إستعمال العنف، من حيث هو، أمر معيب، وحرصهم على الدفاع عن الإسلام مما يعتبر نقصاً في حقه، في اعتبار خصومهم" . ولكنه يفسر لجوء الإسلام لعنف على طريقته:
أن سبب لجوء الإسلام إلى السيف إنما يجيء من جهتين، أولاهما: المقاومة التي لقيها من أصحاب النفوذ وممن وقعوا تحت تضليلهم، أو تحت إرهابهم من المستضعفين. واخراهما: إستحالة الاقناع في وقت لم تكن العقول فيه مستنيرة بانتشار التعليم، ولا القلوب فيه سليمة بتوفر أسباب الأمن. وإنما بدأ القرآن بتقديم آيات الإسماح، وبالتركيز عليها، لكونها الأصل . ثم لما ظهر، ظهوراً عملياً، أن الوقت غير مهيأ لتطبيق هذا الأصل، نزل عنه على حكم الوقت، واستبدله بالآيات الفرعية لتكون مرحلة تعد الناس للارتفاع إلى مستوى الأصول وذلك بأن يكونوا قادرين على رؤية الحق، وعلى التمييز الدقيق بينه، وبين الباطل. ويومئذ تكون قوة الحق كافية لإحداث التغيير إلى الأحسن، بين الأفراد والمجتمعات، من غير حاجة إلى اللجوء إلى العنف.
إن الأصل في اللجوء إلى العنف، إنما هو مصادرة حرية من يسيء التصرف في إستعمال الحرية. فإن الناس لم يخلقوا عبثاً، وإنما خلقوا لحكمة. هذه الحكمة هي أن يعرفوا الحق، وأن يلزموا الحق، وأن يكونوا بالحق أحراراً. وقد قال الله في تقرير هذا: "وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزقٍ، وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين". فإذا كانت الحكمة من خلق الناس هي أن يعبدوا الله، ثم أن الله أسبغ عليهم نعمه من جميع أنواعها فكفروا بها، وعبدوا الحجارة التي ينحتونها بأيديهم، مهدرين بذلك كرامة عقولهم، وإنسانيتهم، فأرسل الله إليهم رسولاً، يعرفون فيه كمالات الصدق، والخلق، وأنزل عليهم قرآناً معجزاً، ثم لم يكن ردهم على كل أولئك، إلا الإصرار على الضلالة، والغواية، والكفر، فقد دل ذلك على أنهم لا يحسنون التصرف في حريتهم، وأنهم لا يزالون في حاجة إلى وصاية عليهم تحملهم على الجادة، وتصادر من حريتهم القدر الزائد عما يطيقون حسن التصرف فيه. إن سبب العنف، هو سوء التصرف في ممارسة الحرية من المدعوين.[...] هذا هو سبب القتال في الإسلام. ولكنه لم يبدأ إلا بعد أن قوي المسلمون بالقدر الكافي ليستطيعوا أن يناجزوا، وإلا بعد أن أعطى الكافرين الزمن الكافي ليرعووا. وكل هذا وضع طبيعي، ومنطقي. وهذا الإمهال هو الذي ضلل من ظنوا أن الإسلام لم يقاتل إلا دفاعاً عن النفس. قوله: "وقاتلوهم" أمر صريح بالقتال. قوله: "حتى لا تكون فتنة" غاية صريحة من وراء القتال. والفتنة معناها الشرك. وحتى "يكون الدين لله" أمر صريح أيضاً في سبب القتال. ثم قال: "فإن انتهوا" يعني عن الشرك. قال: "فلا عدوان إلا على الظالمين" عنى بالظالمين الخارجين على القانون ممن دخلوا في ظل الإسلام.
.
ما ذكره محمود محمد طه أعلاه من استعمال الإسلام للعنف يطلق عليه إسم "الثورة الإسلامية الأولى"، والتي يجب ان يتبعها ثورة إسلامية ثانية تتخلى عن العنف وتعود للقرآن والإسلام المكي الذي هو أصل الإسلام . ويبرر هذا الإنتقال كما يلي في كتاب "الثورة الثقافية":
ثورة الإسلام الأولى إذن إقترنت فيها القوة بالعنف، وإن كان عنفها يختلف عن العنف الذي تراد به السيطرة من القوي على الضعيف في غير حكمة نفع يعود على الضعيف، إلا نفعاً يجئ عن طريق عرضي، غير مراد من القوى. ولكنه عنف على أي حال. وقد حاولنا تبيين ذلك. وأما ثورة الإسلام الثانية، التي بها تكون عودته من جديد، فإنها ثورة تقوم على القوة المبرأة من العنف، وذلك بفضل الله، ثم بفضل حكم الوقت، حيث أن البشرية قد تقدمت تقدماً كبيراً، وأصبحت مستطيعة أن ترى الحق، وأن تتخذ الحق سبيلاً حين تراه [...]. وحين لم يكن الإسلام، في ثورته الأولى دين تبشير، وإنما كان دين جهاد، فإنه، في ثورته الثانية، دين تبشير، ولا مكان للسيف فيه، على الإطلاق. والذين يتحدثون عن عودة الإسلام ويتحدثون عن السيف، يخطئون حقيقة الإسلام، ويخطئون حكم الوقت، في آنٍ معاً. وهم يحسنون، إلى انفسهم، ويحسنون إلى الإسلام، إذا تركوا هذه الدعوة المعوقة. [...]والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية. وأن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف، ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي. وهذه هي الصفات التي لا تكتسب إلا بالممارسة. أعني ـ أن يمارس الداعي دعوته في نفسه، وأن يعيشها ـ أعني أن يدعو نفسه أولاً، فإن إستجابت نفسه للدعوة دعا الآخرين. فإن شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون مالا يفعلون. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد. قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
.
ونجد عند محمود محمد طه فكرة الجهاد الأصغر (بالسيف) والجهاد الأكبر (جهاد النفس). وهو يرى أن الجهاد الأكبر نسخ اليوم الجهاد الأصغر. ففي كتابه "تعلموا كيف تصلون" يقول:
من لطائف إشارات العارفين في القرآن قولهم، في قوله تبارك وتعالى : (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، وأعلموا أن الله مع المتقين) قالوا : إن الذين يلوننا من الكفار إنما هم جوارحنا، وحواسنا. فيجب عليك أن تجاهد عينك فلا تنظر إلى محرم، ويجب أن تجاهد سمعك، ولسانك، ويدك، ورجليك، وفرجك، وبطنك، وأن تحفظها جميعاً، بقوة، وبشدة. وثق أن الله ناصرك، ومؤيدك، ما دمت على ذلك : (وأعلموا أن الله مع المتقين). وجهاد هذه هو ما أسماه المعصوم بالجهاد الأكبر، وذلك حين كان يقول، في غير مرة، عند عودته من غزوات الجهاد في سبيل الله : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر). يجب أن يكون واضحاً فإن الجهاد بالسيف منسوخ، منذ اليوم، وأن الجهاد الأكبر معلن، منذ اليوم. فإن الله بمحض فضله، ثم بفضل حكم الوقت، إنما يريد للناس، منذ اليوم، أن يعيشوا في سبيله، لا أن يموتوا في سبيله. وهذا، لعمري ! هذا أصعب، مئات المرات، من ذاك، وهو ما من أجله أسماه المعصوم بالجهاد الأكبر.
.
وفي كتابه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" يقول:
إن القتال في سبيل الله إنما هو نفسه مرحلي. فإن الله إنما يريد للناس أن يعيشوا في سبيله، لا أن يموتوا في سبيله. ومن هاهنا جاء قول النبي، عقب كل عودة من عوداته من الغزوات: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر.) ويعني بالجهاد الأكبر جهاد النفس، في حين أن الجهاد الأصغر هو جهاد العدو. وأصول الدين كلها تقوم على الدعوة إلى الحق عن طريق الإقناع، والإفهام، والإسماح. قال تعالى: (وقل الحق من ربكم. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها. وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل، يشوي الوجوه، بئس الشراب، وساءت مرتفقا). وقال، في معنى هذا الإسماح،: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين). وقال، في منع الإكراه: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي. فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها. والله سميع عليم). فكأنه قال: لا تكرهوا الناس، بل بينوا الرشد من الغي بلسان حالكم، وبلسان مقالكم، فهذا يكفي كل ذي فطرة سليمة. وقال، في منع التسلط، وهو أوضح ما يقال في هذا الباب: (فذكر! إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر) فهو، تبارك، وتعالى، ينهى نبيه الكريم، على كمال خلقه، وتجافيه عن مواطن الاستعلاء، ينهاه أن يسيطر على الناس. وما ذاك إلا لقيمة كرامة الإنسان عند الله. وفي هذا المستوى من الديـن، تنتقل الصورة تماما، من قانون الغابة إلى قانون الإنسان.
.
ولتحقيق الإنتقال من الإسلام المدني والقرآن المدني إلى القرآن والإسلام المكي، يجب تطوير الشريعة الإسلامية. فهو يقول في كتاب "جنوب السودان المشكلة والحل":
لقيام الدستور الإسلامي هذا الذي يقوم علي آيات الأصول، لا بد من تطوير التشريع الإسلامي. والتطوير هو انتقال من نص في القرآن خدم غرضه، الي نص آخر في القرآن. هو انتقال من القرآن المدني، حيث الشريعة التي نظمت حياة الأمة في القرن السابع الي القرآن المكي الذي كانت عليه حياة النبي الكريم في خاصة نفسه. وهذا التطوير يقع في المجالات الخاصة بتنظيم المجتمع وهي الاقتصاد والسياسة والاجتماع. فمثلا في الدعوة يتم الانتقال من آية الجهاد بالسيف: (فاذا انسلخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، ليقوم العمل علي آيات الاسماح التي تدعو الناس، من خلال عقولهم، ومنها مثلا قوله تعالي: (أدع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، أو: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) .
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلاموفوبيا موقف سليم
- محمود محمد طه (7) اتهامه بهدم اركان الإسلام
- محمود محمد طه (6) الأضاحي مخالفة للدين
- محمود محمد طه (5) الحجاب والإختلاط
- الكراهية 17 مرة في اليوم
- محمود محمد طه (4)
- محمود محمد طه (3)
- محمود محمد طه (2)
- محمود محمد طه (1)
- توحيد النص القرآني
- تغيير تصرفات المسلمين بتغيير ترتيب القرآن
- كيف تغير المسلمين How to change Muslims
- هل نحرق القرآن؟
- الشيخ ميزو أمام محاكم تفتيش الأزهر الشريف
- عثمان حرف القرآن... وحفص كذاب
- الف نعم لدولة واحدة
- سخافة فصل المقابر وفقًا للديانات
- اخطاء القرآن: التكرار والتشتت والحشو
- الدين بين الجد والهزل
- اخطاء القرآن: التقديم والتأخير 4


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - محمود محمد طه (8) الجهاد - جزء أول