أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - محمود محمد طه (6) الأضاحي مخالفة للدين















المزيد.....


محمود محمد طه (6) الأضاحي مخالفة للدين


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 5473 - 2017 / 3 / 27 - 10:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أشرككم هنا كما فعلت في المقالات السابقة وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه.
.
الأضاحي مخالفة للدين
--------------
ملاحظة: لكي أكون أمينًا مع فكر محمود محمد طه، أفضل اقتباس النصوص. فأفكاره خاصة ويصعب تلخيصها دون خيانتها.
وموقف محمود محمد طه في مجال الأضاحي يخالف تصرفات المسلمين في كل أنحاء العالم، وهو في رأينا الموقف الأخلاقي والعقلاني الوحيد.
.
تذكر الدكتوره بتول:
من وقت مبكر في الستينات اتجه محمود محمد طه إلى أن يكون نباتيًا، إذ كان لا يميل إلى الأطعمة المعدة باللحوم ويقول لنا دائما: "انا لا احب اللحوم ولكني منتظركم لتكونوا في هذا الإتجاه"، إذ كان لا يرغب أن يعد له طعامًا خاصًا به، وفي السبعينات توسعت الدعوة، واخذ يحدث الجمهوريين عن ضرورة الإقلاع عن أك اللحوم، ولكنه ينبه دائمًا أن ذلك متروك للمواقف الفردية، وميول الإنسان ومقدرته ومشهده الخاص. وفي 1979 تحدث عن النباتية وعلاقتها بالفكر الجمهوري إذ من المطلوب أن يعيش الإنسان في سلام مع الأحياء والأشياء. فإننا نتقاسم هذه البيئة مع الحيوانات (هم اخوتنا في الحياة). لذا يجب ان نعيش في سلام معهم. [...] ومنذ السبعينات تحول طعام منزل الأستاذ إلى نبات وقال انه يتأذى ولا يرتاح إلى رائحة اللحوم خاصة عندما يمر على أماكن بيعها أو اعدادها .
.
وتوضيحًا لهذا الإتجاه اصدر الإخوان الجمهوريون تحت اشرافه في سبتمبر 1979 كتاب "الأضحية غير واجبة لا على الفقراء ولا على الأغنياء " وقد جاء في الإهداء:
إلى افراد الشعب.. لا تضحوا! فالنبى الكريم قد اسقط الضحية فى حق أمته! عندما ضحى عنها... وفهم ذلك كبار الأصحاب وعلماؤهم واغنياؤهم فلم يكونوا يضحون.. كما أن حكم الضحية انها سنَة عادة، تتغير بتغير الظروف التاريخية، والإجتماعية، والأقتصادية.. واليوم فإن أضرارها الإقتصادية والإجتماعية واضحة للعيان. ولكل ذلك فإن الضحية اليوم ليست مطلوبة دينيا! بل انَ تركها قربة دينية اكثر من فعلها! اتركوا الضحية واحرصوا على السنَة الحقيقية فى حسن العبادة وحسن المعاملة.. فإن وقت السنَة الذى اظلنا، يتطلب دقة التمييز والتمسك بجوهر السنة وأساسها.
.
وقد عزز رأيه بنص القرآن:
فاليوم لا يؤخذ منكم فدية، ولا من الذين كفروا، مأواكم النار.. هي مولاكم وبئس المصير* ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما أنزل من الحق .. ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (سورة الحديد 15-16).
لن ينال الله لحومها، ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم .. كذلك سخرَها لكم لتكبروا الله على ما هداكم، وبشر المحسنين (سورة الحج 37).
.
يرى محمود محمد طه أن الضحية كانت عادة في زمن النبي فتبناها تمشيًا مع عصره "حيث تقتضى الحكمه الا تصادم الرسالة العرف، وانما ان تعايشه وتهذبه، وتتسامى به. قال تعالى لرسوله الكريم: "خذ العفو، وأمر بالعرف، واعرض عن الجاهلين" (سورة الأعراف 199)، وذلك تدريجا للناس، ورحمة بهم، ودفعا للمشقة، والعنت، عنهم.. قال تعالي: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" (سورة التوبة 128).. ومن هذه الحكمة أن سنة العادة ليست سنة باقية، وإنما هي رهينة بالظروف التاريخية الموقوتة، فهي تتطور، وتتغير حسب ما يجد من تطور المجتمع البشري، والفرد البشري.. ومن سنة العادة كانت اللحية، والعمامة، والعصا، والضحية" .
وتختلف سنة العادة عن سنة العبادة. فسنة العبادة "هي السنة الباقية، الواجبة الاتباع، لأنها تقوم علي أصول القرآن الثابتة، وتمثل عمل النبي الكريم، في خاصة نفسه، والدال علي معرفته بربه، وعبوديته له. هذه هي السنة التي نعنيها حيثما تحدثنا عن السنة، وذلك كالصلوات الخمس، وصلاة القيام في الثلث الأخير من الليل، وكالزكاة النبوية في إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة.. وهذه السنة هي معاملة النبي لربه، وهي تثمر معاملة النبي للخلق، وهي تقوم إبتداء علي كف الأذي عن الناس، ثم تحمل الأذى منهم، ثم توصيل الخير إليهم" . "والضحية سنة من سنن العادة التي فعلها الرسول الكريم، ولكنها، حتى كسنة عادة، أقل سنن العادة تأكيدا، فقد أسقطها عن أفراد أمته، لقيامه بها عنهم، فلم يلتزمها أكابر أصحابه، وسائرهم" .
.
ويذكر محمود محمد طه أن "الضحايا والهدايا كانت عادة اجتماعية سائدة، قبل الإسلام، ولكنها كانت قرابين للآلهة، يذكرون عليها أسماءها، ولا يأكلون لحومها فلمّا جاء الإسلام أبقى على هذه العادة لارتباطها بالتطور التاريخي لذلك المجتمع، ولكنه جعلها قربة لله، بدلا عن الآلهة، وجعل ما يذكر عليها هو اسم الله، بدلا عن أسماء الآلهة، ومنع نضح دمائها ولحومها علي الكعبة، وأباح أكل لحومها.. قال تعالى: "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله، لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها، وأطعموا القانع والمعتر، كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون" (سورة الحج 36).
.
ويضيف أن الرسول الكريم قد ضحى عن امته فأسقط عنها الضحية:
فدى الرسول صلى الله عليه وسلم امته بأن ضحى عنها، فأسقط الضحية عن كافتها! جاء فى تفسير ابن كثير، الجزء الرابع، صفحة 642: "عن على بن الحسين عن أبي رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين اقرنين املحين، فاذا صلى وخطب الناس اتى بأحدهما وهو قائم فى مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: اللهم هذا عن امتى جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لى بالبلاغ" ثم يأتي بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول: هذا عن محمد وآل محمد" فيطعمهما جميعا للمساكين، ويأكل هو واهله منهما. رواه احمد، وابن ماجة". ثم يمضى ابن كثير فيقول، فى صفحة 646: "وقد تقدم انه عليه السلام ضحى عن امته فأسقط ذلك وجوبها عنهم" .
.
وساق محمود محمد طه عدة دلائل على إسقاط الرسول للضحية عن أمته:
1) جاء فى "سبل السلام"، الجزء الرابع، صفحة 91: "وقد اخرج مسلم وغيره من حديث ام سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا دخلت العشر فأراد احدكم ان يضحى فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئا قال الشافعى: ان قوله "فأراد احدكم" يدل على عدم الوجوب"، وفى "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، الجزء الاول، صفحة 464 مثل هذه الرواية، ومثل هذا التعقيب.
2) وتدل الروايات على ان النحر قد كتب على الرسول الكريم، ولم يكتب على امته، قياما عنها بسنة هذه العادة الموروثة وفداء لها باسقاطها عنها.. فقد اورد "سبل السلام" في نفس الصفحة السابقة: "ولما اخرجه البيهقى ايضا من حديث ابن عباس قال: ثلاث هن علي فرض ولكم تطوع، وعد منها الضحية.. وأخرجه أيضا عن طريق آخر بلفظ: "كتب علي النحر، ولم يكتب عليكم".. فالنبي الكريم ضحى إسقاطا لوجوبها على أمته، وضحى أصحابه تطوعا، لا وجوبا، وكبارهم، وعلماؤهم، وأثرياؤهم، تركوها، فلم يضحوا، عملا بحكم إسقاطها، كما سنرى بعد قليل.
3) وجاء في "سبل السلام"، صفحة 96: "وأخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لايجدها، فقال: قلّم اظافرك، وقص شاربك، واحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل"! رواه ايضا ابو داؤود فى سنن ابى داؤود الجزء الثالث، صفحة 93. وفى هذا الحديث اشارة لطيفة الى استبدال الضحية بالحيوان بعمل يتجه الى تهذيب بقايا الموروث الحيوانى فى البشر، انفسهم، وهى الشعر والاظافر، مما يفتح الطريق امام قيمة جديدة هى ان يفدى الانسان نفسه، بتهذيب نفسه لا بكائن خارجه، انسانا كان او حيوانا!
.
وذكر محمود محمد طه امثلة على ترك الصحابة الضحية:
جاء فى تفسير ابن كثير الجزء الرابع صفحة 646: "وقال ابو سريحة: كنت جارا لأبي بكر وعمر وكانا لا يضحيان خشية ان يقتدي الناس بهما". وجاء فى "سبل السلام" الجزء الرابع صفحة 91: "وافعال الصحابة دالة على عدم الايجاب - ايجاب الضحية - فأخرج البيهقى عن أبى بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية ان يقتدى بهما" وجاء فى "الاعتصام" للشاطبى الجزء الثامن صفحة 91: "وكان الصحابة رضى الله عنهم لا يضحون - يعنى انهم لا يلتزمون" وهكذا.. فلو لم تسقط الضحية عن الامة لكان الأصحاب، وعلى رأسهم الشيخان، اولى الناس بادائها.. وابو بكر وهو من عرف بتحري الاتباع، والتجافي عن الابتداع، وقد اورد عنه كتاب "الاعتصام" للشاطبى، فى صفحة 55: "وعن ابي بكر الصديق رضى الله عنه انه قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله عليه وسلم يعمل به الا عملت به، اني اخشى ان تركت شيئا من امره ان ازيغ"!
واليكم طائفة اخرى من الصحابة ادركت سقوط الضحية عنها، فلم تضح، بل ذهبت شتى المذاهب لتأكيد هذا السقوط:- فقد أورد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، الجزء الأول، صفحة 464: "قال عكرمة: بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري بهما لحما، وقال: من لقيت فقل له هذه أضحية ابن عباس! وروي عن بلال أنه ضحي بديك"!
وذكر "سبل السلام"، الجزء الرابع، صفحة 91: "أخرج عن أنه إذا حضر الأضحى أعطى مولى له درهمين فقال: اشتري بهما لحما، وأخبر الناس أنه ضحية ابن عباس، وروي أن بلالا ضحى بديك، ومثله روي عن أبي هريرة، والروايات عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة".. وروى الشاطبي في "الاعتصام" نفس الرواية، في نفس الموضوع السابق، كما روي عن بلال قوله: "لا أبالي ان أضحي بكبشين أو بديك".. وهكذا فإن ضحية ابن عباس باللحم، وضحية بلال بالديك إنما هي إمعانا منهما في تأكيد سقوط الضحية.. وقد ذهب ابن عباس الى أكثر من ذلك فيما يرويه "الاعتصام"، صفحة 91: "وقال طاقوس: ما رأيت بيتا أكثر لحما وخبزا وعلما من بيت ابن عباس، يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد".
أما عبد الله إبن مسعود فلم يدع قط حجة لمحتج بوجوبها، لا علي المعوزين، ولا على الموسرين! فقد روى الشاطبي في "الاعتصام"، الجزء الثاني صفحة 91: "وقال ابن مسعود: اني لأترك أضحيتي، وإني لمن أيسركم، مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة"!
جاء فى "سبل السلام" الجزء الرابع عن الضحية ما يلى: "جاء فى صحيح مسلم عن عائشة قالت ان رسول الله امر بكبش اقرن فأتى به ليضحى به، فقال: يا عائشة هلمى المدية اشحذيها بحجر، ففعلت، ثم اخذها، واخذه، فاضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله تقبل من محمد وآل محمد ومن امة محمد ثم ضحى به".
قال ابن حزم: "لم يصح عن احد من الصحابة قال انها واجبة".
كما ورد عن جابر، قال: "ذبح النبي يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجأين "مخصيين" فلما وجههما قال: "أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض علي ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا المسلمين.. اللهم منك ولك عن محمد وأمته بإسم الله والله أكبر ثم ذبح" رواه أبو داؤود وإبن ماجة .
.
واثبت محمود محمد طه ضعف أدلة وجوب الضحية. فهو يقول:
وأدلة وجوب الضحية ضعيفة، في حد ذاتها.. فقد ذكر "سبل السلام"، الجزء الرابع، صفحة 91 حديث "من كان له سعة ولم يضح فلا يقربنّ مصلانا"، وحديث "على أهل كل بيت في كل عام أضحية" وآية "فصل لربك وانحر"، وقال: "والحديث الأول موقوف فلا حجة فيه والثاني ضعف بأبي رملة، قال الخطابي: انه مجهول، والآية محتملة فقد فسر قوله - وانحر- بوضع الكف على النحر في الصلاة، أخرجه ابن أبي حانم، وابن أبي شاهين في سننه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس، وفيه روايات من الصحابة مثل ذلك، ولو سلم فهي دالة علي أن النحر بعد الصلاة فهي تعيين لوقته لا لوجوبه" انتهى.. وقد ذكر "تنوير المقباس" في تفسير ابن عباس هذا التفسير للآية أيضا ..
وجاء في تفسير ابن كثير، الجزء الرابع، صفحة 646 حول حديث "من وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا" "على أن فيه غرابة وأستنكره أحمد بن حنبل"، وتعليقنا على هذا الحديث جاء في "سنن ابن ماجة"، الجزء الثاني، صفحة 26: "وقد ضعّفه أبو داؤود، والنسائي"، ووجه الصحة في الأمر أن الضحية قد سقطت في حق الأمة، فقيرها، وغنيها، ولكنها انما كانت تؤدى أحيانا من بعض الأصحاب تطوعا، ولا عبرة إطلاقا، برأي بعض الفقهاء بوجوب الضحية حتى ولو بالاضطرار الى استدانة ثمنها (الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 715)، فإنه قول بالرأي، يتناقض مع روح الدين، وحكمة مشروعية أحكامه ونصوصه! ويرى بعض الفقهاء وجوبها على الموسرين فحسب.. جاء في تفسير ابن كثير، في نفس الموضع السابق: "وقد ذهب أبو حنيفة ومالك الثوري الى القول بوجوب الضحية على من ملك نصابا" ثم أورد الرأي الآخر:"قال الشافعي وأحمد: لا تجب الأضحية بل هي مستحبة كما جاء في الحديث ليس في المال حق سوى الزكاة". فالقول بعدم وجوبها علي الموسرين، والفقراء، على السواء، إنما يتمشى مع روح الآثار القرآنية، والنبوية، وأقوال وأفعال الصحابة.. أكثر من ذلك! فلا معنى حتى لأن يقال انها مستحبة في حق الموسرين. وقد حسم أكابر الصحابة، ومنهم الموسرين سقوطها عنهم، حسما جازما لا لبس فيه ولا شبهة.. والفقهاء يقولون عن الضحية: "سنة عين مؤكدة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها" - الفقه علي المذاهب الأربعة، الجزء الأول، صفحة 715.. وذلك أخذا بما كان عليه الأمر أيام مرحليتها كعمل تطوعي من الأصحاب، ولكن هذا التعريف قاصر تماما عن مبلغ الأمر، فقد حسم الصحابة مرحليتها بسقوطها عنهم، قولا، وفعلا بصورة نهائية .
.
ويرى محمود محمد طه أنه كما استبدل تضحية الإبن بتضحية الحيوان مع قصة إبراهيم، يجب الآن استبدال ضحية الحيوان بالفكر:
والكرامة البشرية إنما لا تتحقق، في قمتها، إلا إذا صحح الفرد البشري حاله، وطور قدرته من داخله، عن طريق فكره، لا بوسيلة خارجة عنه، كالحيوان، يفدي بها نفسه، أو يتقرب بها الى الله. ففداء الفرد البشري نفسه بنفسه، بوسيلة الفكر في الاستغفار، والشكر، مثلا، وهما عملان فكريان، في المقام الأول، إنما هو إيقاظ لهذه القوى الدرّاكة وتنمية لها لتتحمل مسئوليتها التامة عن تصحيح خطئها، والتسامي بحالها.. وفي فداء الفرد البشري نفسه بنفسه، عن طريق فكره، فداء للحيوان من أن يتخذ وسيلة تقرّب أو تفدية، وتوسيع، بذلك، لقاعدة الحياة، وتسام بالعلاقة مع كل الأحياء والأشياء .
.
ويضيف:
في عهد (السلام) "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".. والمسلم هنا تتسع لتشمل الأحياء والأشياء! ذلك بأن كل عاقل، وكل غير عاقل مسلم لله تعالى! والدليل: "أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون" (سورة آل عمران 83) و "وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم" (إلإسراء 44)).. ولذلك، ففي عهد (السلام) يكف المسلم يده عن ذبح الحيوان بغرض الفداء أو التقرب، وهو يملك وسيلة، الي ذلك أفضل، وأعمق، وهي الفكر!
.
وهو يرى:
إن تمسك المسلمين بالضحية اليوم إنما يعطي صورة لتمسكهم العام بقشور الدين، وتفريطهم في لبابه! ولا نحتاج الى جهد كبير في التدليل على هذا التفريط، فنظرة عجلى الى ما عليه المسلمون اليوم من مفارقات، في الأخلاق، والمعاملة، تسعفنا بالدليل. ومعروف في الأثر النبوي: "الدين المعاملة" و"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. المسلمون اليوم ليسوا على شيء، يؤدون، أو يؤدي بعضهم، الشعائر الدينية بصورة ميتة، لا روح فيها، ولا حياة، وقد تملكها سلطان العادة، فلا تؤثر في أخلاقهم، ولا في أخلاق من حولهم.. فذهب عنهم بذلك لباب الدين الأصلي، وإن بقيت القشرة الخارجية، وصاروا كغيرهم من النصاري واليهود، علي مظاهر تحكي الدين، بلا دين! يذهبون الى أماكن العبادة، بصورة تقليدية، آلية لا ثمرة من ورائها تظهر على أخلاقهم، وقاماتهم الروحية .
.
لا بل أن محمود محمد طه يعتبر الضحية اليوم عمل مخالف للدين:
إذا اقتضي نضج العقل البشري أن ينفتح الدين أمام القربة الدينية بالفكر، بدلا عن القربة الدينية بإهراق دم الحيوان، وإذا جعلت الظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، كما سنرى، أمر الضحية شاقا، وعسيرا، وضارا، وإذا كانت الضحية أصلا غير واجبة في حق الأمة المحمدية بتوجيه النبي الكريم وحسن اتباع أكابر الأصحاب، فإن الضحية، اليوم، وفي وجه الاعتبارات التي جدت، تصبح عملا مخالفا للدين، تمام المخالفة! بل هي لا تعدو أن تكون تداعيا، وتأكيدا لتمسك المسلمين بقشور دينهم، وتفريطهم في لبابه! .
.
بعد هذه الإعتبارات الدينية بين محمود محمد طه ألأضرار الاقتصادية للضحية اليوم:
العامل الاقتصادي وراء حكم الضحية المرحلي قد انتفى اليوم حيث لم يعد اللحم غذاء موسميا نادرا، يضطر الناس ادخاره كما كانوا يفعلون في الماضي، أكثر من ذلك فقد تحولت المنفعة الاقتصادية من الضحية في الماضي الى ضرر اقتصادي اليوم! ففي بلادنا، كما هو في سائر البلاد اليوم، ارتفعت أسعار الماشية، ارتفاعا مذهلا، تحت ظروف الغلاء العالمي مما يجعل من العسير إن لم نقل من المستحيل على الأسرة السودانية، المتوسطة الحال، ناهيك عن الفقيرة، أن تشتري كبشا للضحية! وبذلك، صارت الضحية اليوم، من وجهة النظر الاقتصادية التي تدخل في إطار الدين، إنما تشكل مشقة واستحالة عملية.. وكثير من هذه الأسر يعجز عن مواجهة متطلبات الحياة الأساسية فكيف بالضحية؟ إن مثل هذا العبء المالي الذي تسببه الضحية إنما هو في غياب التربية الدينية الصحيحة مما يفتح الباب أمام كثير من المخالفات التي ترتكب للحصول على المال، بأي سبيل.. أيسرها تكبيل ميزانيات الأسر بالديون، ثم هي قد تمتد الى الارتشاء، أو التلاعب بالمال العام، أو العجز عن الوفاء بالالتزامات المالية! وهذه وتلك من الأضرار الاقتصادية التي تجعل الضحية، في هذه الظروف، عملا غير مرغوب فيه دينيا، دفعا للضرر، وسدا للذريعة.. الضحية ساقطة شرعا في حق المسلمين وبخاصة اليوم، فلماذا التمسك الأعمى بها، وهي تجر الويلات المالية علي الأفراد، والأسر، وتحدث خللا اقتصاديا في الطاقة الاستهلاكية، والتصديرية للبلاد، في هذه الظروف الصعبة؟
.
ثم بين محمود محمد طه الأضرارالإجتماعية والصحية للضحية اليوم:
الآثار الاجتماعية الضارة الناجمة عن تضحية الاغنياء دون الفقراء تؤكد هذا السقوط للضحية فى حق الاغنياء، والفقراء، على السواء. فلك ان تتصور الآثار النفسية المحيطة بالاسر الفقيرة وهى لا تضحي، وجيرانهم الاغنياء يضحون، ثم هى تتلقى منهم اللحم صدقة! ولانحب هنا، ان يظل الحديث عن اضرار الضحية الصحية، فى ظروف غياب الوعى الصحي، واكتظاظ الأحياء بالسكان، فالارشادات الصحية المألوفة التى تقدم لتجنب الاضرار الصحية للضحية انما تعطي صورة لحجم هذه الاضرار .
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود محمد طه (5) الحجاب والإختلاط
- الكراهية 17 مرة في اليوم
- محمود محمد طه (4)
- محمود محمد طه (3)
- محمود محمد طه (2)
- محمود محمد طه (1)
- توحيد النص القرآني
- تغيير تصرفات المسلمين بتغيير ترتيب القرآن
- كيف تغير المسلمين How to change Muslims
- هل نحرق القرآن؟
- الشيخ ميزو أمام محاكم تفتيش الأزهر الشريف
- عثمان حرف القرآن... وحفص كذاب
- الف نعم لدولة واحدة
- سخافة فصل المقابر وفقًا للديانات
- اخطاء القرآن: التكرار والتشتت والحشو
- الدين بين الجد والهزل
- اخطاء القرآن: التقديم والتأخير 4
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس ترامب حول الإرهاب والهجرة
- حظر القرآن في شكله الحالي المخربط
- اخطاء القرآن: التقديم والتأخير 3


المزيد.....




- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - محمود محمد طه (6) الأضاحي مخالفة للدين