أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - قراءة في رواية سيرة الانتهاك














المزيد.....

قراءة في رواية سيرة الانتهاك


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5472 - 2017 / 3 / 26 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


الأدب، بل الفن بالعموم هو المجال الوحيد الذي تلتحم فيه ذات الإنسان بذاتها. تجعله عصفورًا صغيرًا يبحث عن الخلود في الزمن، يرحل، يطير، يحط فوق جداول المياه، بين الوديان باحثًا عن نسمة يغذي بها ريشه، ويقظته الصباحية.. والرواية هي المدخل، تعرية لوجع الحياة والرموز الثقيلة العالقة في دفف جدرانها الخفية. هي فضح للمخبأ والضائع والمستتر. إنها دفع قوي للعري كضرورة، أنه عودة إلى الذات، إلى الولادة والذاكرة الأولى، إلى الحقيقة والطبيعة. إن مملكة الحرية كامنة في ذلك العري، قبل أن يتم تخبئتها وطمسها، وبالتالي فقدان الأبدية براءتها. البراءة هي أس الحياة الطبيعية، مدخل إلى الطبيعة قبل أن تتآطر وتتحول إلى قانون آخر.
رواية سيرة الانتهاك للروائي السوري، أيمن مارديني، دخلت أرض عذراء، الجنس، الذي لا يتجرأ إلا القلة ملامستها أو الاقتراب منها بهذه الشجاعة والإبداع. دخل المجهول، العري، الجمال الأول ذلك الذي كان منكشفًا قبل الستر والانتقال إلى العتمة:
" إلا أنني انجذبت إلى ما يحدث في ضوء النهار، وليس تحت ستائر الليل. أجبرني على خلع ملابسي، وبدأ في اللهو غير البريء"
ثم تابع
" بل هو البراءة، الرمز الوحيد في حياتي".
من من الأطفال لم يمارس هذه اللعبة اللذيذة، عندما كان الوعي حرًا طليقًا، يتناغم مع نسائم الصباح وجلال اليقظة الأولى. وهل هناك طفل لم يفعل هذا، المدخل إلى أكتشاف الذات المجهولة في الجنس، البحث الأول، التخيل، وتمرير الذات في الكلمات كامتصاص لهذه الرعشة الأولى والدخول إلى المعرفة:
" تعلمت المفردات في اللغة من الإيحاءات الجنسية التي استهوتني في يفاعتي. كم من مرة استثرت. تهيجت".... " واندفاقات شهوية اعترتني عند سماعي تلك الكلمات".... " دائمًا استعيدها داخلي في الخلوة، واستلذ بالسرية المستعادة"
ودائمًا كان بطل الرواية يبحث عن ذاته المفقودة، عن تلك الشفرة، المكمن الأولى للوجود ليتسلل ويرى صورته، وجهه المتألق. إن نهم الإنسان كان وما زال يعمل باحثًا عن ذلك المفتقد، تلك الحسرة اللاشعورية التي تغفو، الحلم الضائع، البحث المضني عن التكوين الأول، الرعشة التي انبهق منها هذا الكون. هذه الشفرة، هي المدخل إلى الانفتاح والتعمية، تجعل الإنسان قلقًا، متوترًا غارقًا في حب المجهول والبحث عنه. والجنس مدخل إلى الجمال والحرية. ففي كل لقاء بين محبين أو حبيبين، هناك نهم للاكتشاف، ومحاولة لا شعورية للدخول في عمق الأبدية والوجود. عبر هذا الجسد، جسد الحبيب، دخول إلى حدود اللامحدود، إلى ذلك المكان المترامي الأطراف.
إن حب الأكتشاف هو الغاية الحقيقية، محاولة الوصول إلى الشهوة الأولى، الحقيقة، وسباحة في الكون. إن جسد المحبوب مدخل إلى ذلك الضوء البعيد عن متناول اليد، بحث حثيث عن اللاشعور. ففي كل لقاء بين المحب والمحب، هناك جسد أخر، تمازج واندغام، وانفصال وتواصل ورغبة عميقة في المعرفة. ففي هذا الجسد، الأبدية، نرى هذا العالم اللامرئي ولا نراه:
" جردني من ثيابي. نزع عني الحياء والخجل".
هذا الحياء هو الحاجز، الغلاف الحضاري، القناع الذي شوه الإنسان من داخله وخارجه وجرده من إنسانيته وحوله إلى كائن مستلب يبحث عن الحرية في اللاحرية.
" أصبحت دون غطاء أحتمي به من ضوء شمس أغرقتني في الخطيئة، وعلى مرأى منها، ومني، ومن العالم. لم يحرك أحد ساكنًا، والكل لم يعلم فقط، بل الكل اشترك في الجريمة الانتهاك على الجسد والروح، بل على الماضي والحاضر الذي غرقت فيه دون إرادة مني، دون وعي، ودون أسلحة يمتلكها طفل جرد من الطفولة"
. وهل هناك خطيئة في هذه الحياة، وما هي؟ وهل مداعبة الحياة وجمالها عبر الجسد الجميل خطيئة؟ ومن يحدد ذلك؟ السعادة في هذا الحاضر ليست جزءًا من التكوين النفسي للإنسان. إنه يستجديها. لذا هي خارجًا عنه، يسعى جاهدا للوصول إليها. الشيء الذي لا ينبع منك وفيك لا يعول عليه. في العلاقة مع الجسد نتحول إلى إنسان، نتجول بعيدًا، نبتعد عن الأرض وثقلها. يخف وزننا النوعي والكمي، نحلق ونطير في عوالم أخرى:
" إلى من زرع الشهوة، وأظهر العورة. إلى من قطفنا على مرأى منه الثمرة، ولم ينهنا. لنزداد رغبة، ونشتاق إلى الرغبة".
وهذه الحضارة تميع حياتنا، تجعلنا خارجها بالرغم من أننا في داخلها. نكبت ذواتنا، ونقمع الرغبة بالرغم من أنها توحدنا: " ونكبتها أيضًا تلك الرغبة الكامنة. الملتحفة خلايا الروح".
تذهب الرواية بعيدًا، تتناول الجانب النفسي للإنسان، اختبار الطفل لجسده في المراحل الأولى لحياته، الانتقالات النوعية، كانتقال الرغبة من الداخل، الكامن إلى الخارج والإعلان عن ذلك، أي من الذات الأمنة والمجهولة إلى الوسط العام، المعلوم. أي أنها مجمل العلاقات التي يمر بها الطفل ما بين الكبت والتعبير عن الذات. والصراع بين الأنا الأعلى الذي ينظمه قمع المجتمع وقوانينه ومحاولة التمرد عليه.
ويمضي بطل الرواية في التمرد على الواقع وشروطه:
" أعلن، وعلى الملأ أنني لست أبنًا شرعيًا له، وأن ما أتى بي إلى الحياة هو فعل اقترفته أمي ذات طيش".
كأن البطل أراد قتل الأب عن سابق اصرار وترصد. وأدخل العشيق إلى مخدع أمه برحابة صدر. ومن خلف ثقب الباب جلس يسترق النظر والسمع حسرةً وخوفًا أن يلتفت إليه احدًا ويفعلها به. وكأن عقدة أوديب تحلق في سماء الرواية برؤية معاصرة.
الرواية قصيرة لا تتجاوز المئة وثماني صفحات، بيد أنها مكثفة، متمردة نابضة بالحياة، غنية. تدخل الأماكن السرية، المجهول.






#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاغتراب في رواية
- النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
- حكاية حنا يعقوب
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية
- خبايا العولمة
- جيلبريت سينويه وابن سينا
- عدت والعود ليس أحمدُ 4
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - قراءة في رواية سيرة الانتهاك