أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)















المزيد.....

والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5470 - 2017 / 3 / 24 - 13:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن أحوال وتوجهات منظومة الثقافة السائدة في المجتمع المصري المعاصر لا تهيئه بالقطع لمجابهة التحديات التي يفرضها الواقع الجديد ... واقع حضارة الألف الثالثة. وهي بالإضافة إلى ذلك تشكل عائقا أمام كافة الجهود الساعية لتنميته ولضمان مستويات حياتية مقبولة لأفراده. لذا تصبح قضية "تحديث المنظومة الثقافية للأمة"، بكافة مكوناتها من أنماط سلوكية ومنظومة قيم ورؤية كلية، هي القضية والتحدي الأكبر الذي يتعين على المثقفين المصريين التصدي له وتوجيه كافة جهودهم للاستجابة له. ولقد طرحت هذه القضية نفسها بقوة على المجتمع المصري، ولازالت، منذ بدأ احتكاكه وتواصله مع العالم الخارجي الذي بدأ مع الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر (1798–1801). وهي أيضا القضية التي باتت تحتل المرتبة الأولى في سلم الأولويات في زمن العولمة. زمن "نهاية الجغرافيا" الذي أزالت فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحدود بين الثقافات والحضارات وزادت فيه "الاعتمادية المتبادلة" بين شعوب كوكب الأرض إلى حد غير مسبوق. وهنا لا يمكننا الحديث عن المثقفين المصريين وتتبع وتقييم الدور الذي لعبوه ويلعبوه وذلك الذي عليهم أن يلعبوه في تغيير منظومة الثقافة السائدة في المجتمع المصري دون تعريف مفهوم "المثقف".

تعريف يتمتع بالدقة من الناحية السيكولوجية فلا يرتكز على أيدولوجية بعينها ولا على صفات شخصية قد تتوفر فيمن ينطبق عليهم هذا التعريف بل يرتكز في المقام الأول على كل من:
 وظيفة أفراد هذه الفئة، فئة المثقفين، في مجتمعهم (البعد الوظيفي)،
 موقعهم المتميز في بنية هذا المجتمع وعلاقتهم بأفراده (البعد البنيوي).

وبالنسبة للبعد الوظيفي يعتبر التعريف الذى قدمه ليبست Lipset بداية مقبولة حيث يعتبر أن "كل من يسهم في إنتاج وتوزيع وتطبيق الثقافة، بوصفها الواقع الرمزي الذى يعيش فيه الإنسان، والتي تشمل الفن والعلم والدين" (Lipset, 1960) مثقفا. وتعنى كلمة الثقافة في هذا السياق مكوناتها الثلاثة التي تشمل "الأنماط السلوكية" و"المنتجات الثقافية" بشتى أشكالها الأدبية والفنية والعلمية والتكنولوجية، و"منظومة القيم" السائدة بين أفراد المجتمع المصري، وأخيرا عناصر منظومة "الرؤية الكلية"، التي تتألف من الفروض والمسلمات التي تقدم لأفراد المجتمع إجابات على مجموعة من الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالعالم الذين يعيشون فيه.

كما يؤكد هذا التعريف على الطبيعة الذهنية لأنشطة المثقف أيا كان مجالها والتي يتم التعبير عن منتجاتها باستخدام الرموز بكافة أشكالها وعلى رأسها اللغة. كما يقدم لنا هذا التعريف تصنيفا ثلاثيا لأدوار المثقفين: المنتجون والموزعون والمستخدمون. ويضم الصنف الأول، "المنتجون"، المبدعون في كافة مجالات الإبداع الإنساني، الفكرية والأدبية والفنية والعلمية والتكنولوجية، التي تثرى أعمالهم الرصيد الثقافي لمجتمعهم بجدتها وأصالتها. ويشكل هذا الصنف النواة المركزية لمنظومة المثقفين وقوتهم الفاعلة في تشكيل ثقافة المجتمع خاصة أولئك الذين ينتجون رؤى جديدة وأفكار غير مسبوقة تعمل على تغيير عناصر منظومة "الرؤية الكلية" لمجتمعهم. أما الصنف الثاني، "الموزعون"، فيضم كل من يسهم في نشر وإشاعة المنتجات الثقافية بكافة أشكالها بين أفراد المجتمع مثل المعلمون ورجال الدين والإعلاميون والصحفيون والفنانون. ونصل أخيرا للصنف الثالث، "المستخدمون"، الذي يضم كل من يستخدم المنتجات الثقافية في عمله مثل المحامون والمهندسون والأطباء.

ويقدم لنا إدوارد سعيد، المفكر والناقد الشهير الذي شغل منصب أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا الأمريكية في الفترة ما بين 1963 و2003، وصفا مفصلا للصنف الرابع من أدوار المثقفين وهو دور "الناقد". فمن منظوره يعتبر المثقف أو المفكر شخص "ليس من مشجعي السلام (الاجتماعي) ولا من داعمي الإجماع ولكنه الشخص الذى يستند على حسه النقدي، هذا الحس الذى لا يرحب بالصيغ السهلة، أو الكليشيهات المحفوظة، أو التأكيدات الشائعة حول ما يجب أن يقال أو ما ينبغي فعله" (Said, 1994) ص. 23). ويستطرد قائلا "إن دور المثقف الحديث هو الطعن في المعايير والأعراف السائدة" (سعيد, 2006) ص. 78). وعن مهمة المثقف في المجتمعات الإسلامية يقول "على المثقف في كنف الإسلام أن يحيى الاجتهاد، أو التفسير من وجهة نظر جديدة، لا أن يستسلم منساقا مثل الأغنام وراء علماء الدين ذوى الطموحات السياسية أو مثيري عواطف الدهماء من المتحدثين ذوى الشخصيات الجذابة" (سعيد, 2006) ص. 83).

وأخيرا يضيف المفكر الفرنسي ميشيل فوكو دورا خامسا هو دور "الأدواتى" الذى يقول عنه: "لم يعد المثقف مفوضا بلعب دور الناصح للجماهير أو الناقد لمحتوى أيديولوجيتها، لكن عليه أن يصبح قادرا على تزويدها بأدوات التحليل" (Foucault, 1972). وهو الدور الذي يتضمن إشاعة لأدوات "التفكير الناقد" Critical Thinking بين أفراد المجتمع وتشجيعهم على استخدامها في تحليل وتقييم ما يطرح عليهم من مفاهيم وأفكار. وتتعاظم أهمية هذا الدور في المجتمعات التي تسود عقلية أفرادها ذهنية التفكير اللاعقلاني والخرافي والتي تتعرض عقولهم لعملية تسطيح مستمرة ودؤوبة من أجهزة الإعلام بشتى صورها المرئية والمسموعة.

إلا أن مجرد الإسهام في إنتاج وتوزيع وتطبيق (استخدام) ونقد الثقافة السائدة (البعد الوظيفي) ليس شرطا كافيا، وإن كان ضروريا، لتعريف المثقف. إذ لابد لمن يستحق إطلاق هذه الصفة عليه أن يكون مهتما بأحوال مجتمعه ومشاركا في النقاش العام الدائر حولها (البعد البنيوي). ويقودنا البعد البنيوي لمفهوم المثقف، أو طبيعة علاقته بمجتمعه، إلى مفهوم فرعى آخر هو مفهوم "المثقف العمومي" Public Intellectual. وهو المصطلح الذي استحدثه أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا (لوس أنجليس) راسل جاكوبى Russell Jacoby وضمنه في كتابه الشهير "آخر المثقفين" The Last Intellectuals المنشور سنة 1987. والمثقف العمومي هو ذلك المتخصص في أحد المجالات المعرفية والذي يوجه خطابه المتعلق بالشأن العام إلى جمهور عريض عبر وسائل الإعلام. هذا ويمكن تمييز ثلاث مستويات لأنشطة المثقفون العموميون. المستوى الأول، مستوى "المثقف الشارح"، يضم كافة الأنشطة التي يقوم فيها المثقف العمومي والهادفة إلى عرض موضوعات تخصصه بطريقة مبسطة وواضحة للجمهور لتعريفهم بها وبآثارها على حياتهم. وتنتمي أنشطة المثقف العمومي إلى المستوى الثاني، مستوى "المثقف الجامع"، عندما يتضمن خطابه إلى الجمهور عرضا للعلاقة بين موضوعات تخصصه وبين الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية الخاصة بالمجتمع الذي يعيش فيه. أو بعبارة أخرى عرض لموضوعات تخصصه في إطار سياق ممتد يتجاوز ضيق التخصص إلى رحابة المجتمع. وأخيرا نصل إلى المستوى الثالث، مستوى "المثقف الشامل"، عندما يصبح خطاب المثقف العمومي خطابا عاما لا يرتبط بتخصصه بل يغطى كافة المواضيع التي تهم المجتمع ككل.

المراجع

Foucault, M. 1972. The Archaeology of Knowledge. New York: Pantheon Books.
Lipset, S. M. 1960. Political Man: The Social Bases of Politics: Doubleday & Company, Inc.
Said, E. 1994. Representations of the Intellectual. New York: Pantheon Books.
سعيد, إ. 2006. المثقف والسلطة (م. عنانى, Trans.). القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاح الغلابة
- مرافعة لم يطلبها أحد
- مذبحة الروبوتات
- جامعة المستقبل: الرؤية والرسالة
- نظرية ورقة النشاف
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب
- أمة في أزمة
- حاوريني يا طيطة
- حكاية المنظومتين
- محاكمة الحضارات
- ومن التفكير ما قتل
- هذا ما جناه علينا ارسطو
- الكمبيوتر -بَوَظ الصنعة-
- العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات
- مواطنين لا رعايا
- السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر
- أعمدة الحكمة السبعة


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)