أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - (Ann gui zdam) : مرآتي الأولى.














المزيد.....

(Ann gui zdam) : مرآتي الأولى.


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 5463 - 2017 / 3 / 17 - 18:18
المحور: الادب والفن
    


(Ann gui zdam)*
مرآتي الأولى

هنا ينام التعب العريق، يولي وجهه النحيب، وتبدأ الحياة موتها على شوارع مأهولة بالأرق والنسيان. لا حياة لمن يناديك أو تنادي. لا سرير في الأفق، ممرات غريبة تفيض باليأس، والأحزان الصدئة المكسوة بالعي واللذة المشبوهة، لا تخطيء الشمس مواعدها، لا يغيب البؤس عن عينيها، أية لحظة، في كل لحظة يعبر القهر المفتول بمهارة، يروح الغاشون ويغتدون، ويتناثر الغبار السقيم كالغيم المتساقط، ويتواصل الهلع، يصغي لكل الخطوات المشبعة بالدم...
قطعة من الليل.
قطعة من اليأس.
قطعة من البؤس.
ولون ضياع لا ينتهي، يفترش حذر الأشواك، هنا حيث الأطفال يسبحون في حانات من الخوف، وينشدون أناشيد مكسورة ما في الجبة غير القهر، يأتي دوما ويمسح دموعنا، ويضعنا في قلب كل هذه الصحراء المؤلمة:
مايْ دِّي تَكِّينْ إيزمْ.؟ ( من يلعب دور الأسد؟)
أشلاء متناثرة، مواجع مرصوصة، وأحلام مكسورة كزجاج المحطات وأبواب مغلقة. الماء الذي يجري على السطح يرنو من ستائر طليقة لينشر رذاذه وقلقه على تلك الطريق المؤدية إلى بئر الذكريات.. كانت هنا تنام الضحايا ملء جفونها، تسير يومها، حيث يأوي التعب إليها كالأشباح،الصمت يسري قريبا من الأقدام والسماء تمشي لوحدها، تسند هواها لجدران من طين بلَدي وأحجار عابرة تتناثر، أحيانا تتهاوى وتفتح شهوة الرماد الآتي...
لا ساحل هنا غير بساتين جاهلية مغلقة، تلتف حواشيها مسبوكة كضفائر من شوك، وأنت تمضي، تأخذك مسالك ودروب أضيق من سم الإبرة، أضيق من فسحة العيش،وتمحي الآثار في سراديب من قش وظلال وقشور وأوراق حافية سوداء مقرورة ترسم وجه الأرض الكالحة..
الأسماء، الأشياء، شاحبة كأقفاص الليل.
الممرات كئيبة، سوداء كريش الغربان، يركض الأنين في ثناياها، حيث الغبار يتعالى شامخا، ويهاجر في الملامح القاحلة المشرعة للهباء. الرياح التي تصرخ في فيء الخطو دائما في الانتظار، تأخذ كل تلابيب المكان بعيدا عن السراب، الظاهر الغابر، يغمر السطوح الموشاة بالعرق والألم والحنين البعيد.
يهبط الليل فيها مدرارا. والطيور ترعى نسيمها وتنفخ في صور الشقوق، حيث الوادي العميق يكبر مثلما تكبر المأساة.يستدير الفقراء إلى الجحيم الأسفل، ذكريات من خبز بلَدي وشاي وخيام مبتورة وأنعام سائبة تسترق أعشاب الطريق المتوحشة.
عادة عند ساحل الحزن تأتي الصبايا بأحلامهن اليابسة كالصخر، يرسمن موج الضفاف وسرايا الأوهام على حافة " العنصر"** الكعبة، المرتبع، الهاذي الذي يفتح ذراعيه لمعادن الإغراء.
ديار متهدمة، تسقط آناء الليل والنهار، تصغي لأنينها وتأخذ قسطها الأكبر من الدمار. والأطفال الحفاة العراة الجائعون يلوذون بغيم الغبار والضياع الذي ينحدر إلى هناك.
قرية من بيداء.
رسم من اليباب.
وجه من الغياب.
قبضة من سراب، توشوش الريح الموبوءة في مرابضها، وتتفسخ الديموقراطية فوق سطوحها الخشبية الكبيسة، وتتحلل في هواها التنمية المستدامة كالثياب العريضة الرثة. شواهد من أعشاش لقالق أوفياء، غرباء، تطلق زفير القيامة وتحتمي بقارعة النسيان..
النسيان سيد الأرصفة.
هل هذه البلاد غريبة إلى هذا الحد، لتدفن وهجها في أسلاك القهر.
زرقة النهار أنصع من كل شبر، من كل إيماءة ، وخطوات الجموع الصغيرة تلتف بثقلها الأمومي باتجاه الرعشات، إن البؤس مُواتٍ، ملائم حتى الانطباق، والفقر في هدوء ليلها ينام على أجنحة من رهبة، تؤوي الهضاب البليلة جدرانها، وبيوتاتها المسلولة، وشساعة الغابات في البرية ترفع صداها حيث تخوم الدوم تقتنص لونها الغريق، وتلبس مداها..
الطقس مثقل، كالرهبة، كالرعب، كآخر قطرة من العياء تلتف بالسواعد، السواعد الصماء، الصاعدة ك" السَلاَّح" *** كتف الأرض المتكيء على صدرها العاري يقرأ أساطيره الغائرة في التراب.
مفتاحها الموعود:بدو بسطاء مغلقون يمضون لضباب أسير، رُحَّلٌ منتشون قلقون يقيمون في العراء، أطفال مهجورون، متخلى عن تاريخهم، وأسمالهم، مهووسون بالفرح المغتال، يأكلون نبض التراب ويخلدون للموت الدائر.
كان لها الليل وما يزال لها.
هي التي لا تعرف وجه النهار وتجاعيده الزاحفة، تصفر في سمائها الوعود اليائسة كأنفاس على صهوة الريح، ولا تراها العين الساهرة الحامية للملة والدين، والطريق إليها ما تزال غير سالكة..
انتطرناك كثيرا أيتها المرآة العارية، نحن الذين كنا نفرح بأتعاب الطريق، والسوق البعيد، نجر جراحنا سائرين نحو عالم مكسور يلملم مآسينا الطويلة.
أيتها الجنة العزلاء ، تجري من تحتها الأوهام. لقد أنهكتنا الوعود التي لا تأتي، نحن حطب هذا الوقت، مثلك، نمضي بلا هدف. هذا إرثنا الطويل.
لا أحد يصغي لأوجاعك، أو يقرأ جوعك.
سلام على غبارك الذي يتبعني وتتجمع فيه قوافل الشبوب،
يا تاريخا من شجر وحجر جليل ، وحطب جميل.

*"آنْ كِّي زْدَمْ": ( أمازيغية) مكان الاحتطاب/المكان الحطيب.( القرية: المرآة الكئيبة الأولى التي رأيت فيها وجهي وتضاريس الوجود)
** العَنْصَرْ: ": ( أمازيغية) مورد أو منبع المياه الدائم.
***السَلاَّحْ": ( أمازيغية) الصخرة الصلبة والصلدة.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (سفر الخروج)
- -شهران متتابعان قبل التماس-
- مرثية -فيديل-
- الأساتذة الباحثون والتقاعد
- بلاغ جمعية أجذير إيزوران للثقافة الأمازيغية
- - كوطا- للجميع.. وبرلمان للجميع.
- - رئيس الحكومة والسعادة الخاصة-
- موقع حزب التقدم والاشتراكية لا يمكن أن يكون خارج قوى اليسار
- الجامعة المغربية: -العنف أصدق أنباء من الكتب-
- - نشيد-
- مرثية ( وفاء لروح الفنان حمو أوليزيد)
- للتاريخ .. لعل الذكرى تنفع بعض السياسين. (من رسالة عبد الإله ...
- المعادلة السياسية الجديدة: P (P+S) = P (J+D)
- - القيم الإرْوَهَّابية-
- -السماء ترفع دعمها عن بلاد المغرب-
- هل المغرب -دولة عربية-؟
- فضيحة - علمية- بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس
- - سنوات الرصاص: طبعة جديدة ، مزيدة ومنقحة-
- - دُّو سْ تَوِيلْ آوَا دُّو سْ تَوِيلْ.. أيهذا الخراب...
- مقتطفات من كتاب : الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني (1734 ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - (Ann gui zdam) : مرآتي الأولى.