أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - حدود اللون وآفاق الكلمة















المزيد.....

حدود اللون وآفاق الكلمة


حسني أبو المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:41
المحور: الادب والفن
    


حرص بعض التشكيليين المعاصرين من الفنانين العرب بأن يزجوا بأدواتهم الفنية وألوانهم في إطار تظاهرة - ثقافية فنية - أعتقد بأنها غير متكافئة، احتضنت الشاعر بالتشكيلي وجمعت القصيدة الشعرية باللوحة التشكيلية المعاصرة، بهدف قراءة إحداهما للأخرى، استنادا إلى وجود علاقة تمثل القاسم المشترك بين اللوحة التشكيلية والقصيدة الشعرية ألا وهي الصورة.
لا شك أن تنوع النشاط الإبداعي ضمن تظاهرة ثقافية فنية مشتركة يتميز بطابع احتفالي يلقي بجميل ظلاله على المتلقي، ويمنحه، عبر لقاء الشعر بالتشكيل، إحساسا مكثفا بالمتعة والفائدة عند قراءة النص الشعري بموازاة تأمله بفضاءات لونية موحية، ولكننا لو تجاوزنا حدود الطابع الاحتفالي المشترك إلى مقارنات ندّية بين التشكيل المعاصر والشعر، انسجاما مع ما يقال بأن اللوحة التشكيلية قصيدة صامتة وأن القصيدة الشعرية لوحة ناطقة، فإننا سوف نظلم القصيدة ونتجنى على الشعر، لأن النص الشعري بما يمتلكه من روح وجسد قادر على أن يُسخِّر ثراء مفرداته في خلق فضاء شعري يحمل صورا وألوانا متخيلة يمكنها الاستغناء عن اللوحة التشكيلية، بينما تتضاءل الفائدة و يبقى الإحساس بالمتعة يتيما إذا ما استغنينا عن القصيدة، و دور الألوان وانسجاماتها الجميلة لا تعدو في هذه التظاهرة سوى أن تكون أثاثا وثيرا تتربع عليها القصيدة وتمد بخيالاتها إلى ما بعد محيطات الألوان والخطوط المرافقة. ولا أخفي على القارئ بأنني كنت يوما أحمل، واهما نقيض ما خرجت به اليوم من قناعات بعد أن تحررت من تبعية سلطة النظريات المستوردة. وقبل الخوض في غمار موضوعنا، لا بأس أن نلقي بنظرة موجزة على المشهد التشكيلي العربي المعاصر الذي ولد –بلا شك- من رحم الحركة التشكيلية الأوربية الحديثة مع بدايات القرن العشرين، وقد تميزت إنجازاته الفنية –غثها وسمينها - بخاصية الاشتغال على مدرستين فنيتين هما التكعيبية بتأثيرات: بيكاسو، براك، والتجريدية: كاندنسكي، ميرو، فضلا عن المدارس التشخيصية واتجاهاتها المختلفة، وهناك من زاوج بين التشخيص والتجريد كورقة روهن عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هجمة الحداثة الموغلة في التجريد.
نحن هنا لسنا بصدد ممارسة تحليل نقدي لواقع الحياة الفنية ومناخاتها وليس لنا أن نقف حائلا دون حرية الفنان التشكيلي في التعبير بقدر ما نحن بصدد المحاولة لتسليط الضوء على مفردات التشكيل المعاصر ومدى قابليتها على التبليغ.
إن تأثيث النصوص بالألوان والرسوم حدث ليس بجديد على المتلقي العربي فقد زينت رسومات الفنان ومنمنماته نصوص الكثير من المخطوطات العربية والإسلامية، وربما كان أشهرها لوحات الفنان الواسطي التي ساكنت وشاركت مخطوطات مقامات الحريري في القرن الثالث عشر الميلادي، ولو استثنينا صور ورسومات وسائل الإيضاح وأهدافها في الكتب التعليمية والتربوية، فإن التخطيطات الحديثة اليوم (الرسوم الصحافية) بالأبيض والأسود وكذلك بالألوان التي احتلت معظم الصحف والمجلات والمطبوعات الأسبوعية والشهرية، ناهيك عن اللوحات المعاصرة التي زينت أغلفة الكتب وغيرها، قد اتخذت أشكالا مختلفة في المزاوجة بين الرسم والكلمات، وأسندت لها مهمة مرافقة النصوص والقصائد في رحلتها ومشوارها الأدبي والثقافي بعيدا عن أي دور يناط لها في تفسير تلك النصوص المرفقة إلا ما يوحي بها أحيانا، وهي لن تكون بديلا عنها، لكنها أي اللوحات الفنية بلا أدنى شك تضفي على النص عبقا فنيا جميلا وتمنح للقارئ نكهة خاصة للقراءة.
إن الشعر عند العرب هو ديوانهم وهو زادهم اليومي ومرآتهم في التعبير عن آمالهم وآلامهم، دليلهم في شتى مجالات الفكر والأدب والفلسفة، يعلنون بواسطته الرأي والرأي الآخر بالرمز وبالواقعية، واحتكاك الفنان التشكيلي بالشاعر عبر أدواته وخاماته هي محاولة يائسة للتسلق بلوحته إلى سماء القصيدة، فالتشكيل المعاصر بكل ما يملكه من مواصفات الإبداع الفني وما يتمتع به من عناصر الجمال والبهاء لن يستطيع أن يحمل بين فضاءاته سوى معاني الإحساس بالجمال، لأنه عصي بأدواته ومفرداته على الإبحار في آفاق التصورات الفلسفية مهما بالغنا في التنظير لصالح التشكيل، لهذا فهو لا يمتلك حمولات فكرية كـما يحملها النص الأدبي، إن بعض الفنانين الحداثيين قد جربوا في أعمالهم الفنية –عن قصد أو دون قصد – أسلوب مدرسة فنية أقرب إلى الكاريكاتور منها إلى الاتجاهات الفنية الأخرى لغرض (تعميدها) فكريا، والكاريكاتور كما هو معروف فن يعتمد في أبجدية نشاطه على التشكيل لكنه تشكيل خارج التشكيل, حيث المبالغة – ولا أقول التشويه– تسيطر على الأشكال والوجوه أي الابتعاد عن المألوف بهدف الاقتراب من حدث ما، وهي إحدى الوسائل التي تهيئ له سبل التبليغ لفكرة معينة بطابع ساخر مع ضرورة الاعتماد على وساطة الكلمة، والكاريكاتور مدرستان الأولى: تؤكد على المضمون على حساب الشكل، والثانية: تؤكد على الشكل بعيدا عن المضمون، وهناك من يحاول أن يؤسس لاتجاه مدرسة ثالثة توفق ما بين الشكل والمضمون، وفي مثل هذه الحالات يفقد العمل الفني جزءا من جمالياته ودلالاته، ومن هنا يتضح بأن الشكل في اللوحة التشكيلية هو بمثابة القيمة الفنية التي تحمل في ذاتها مضمونا أحاديا هو الجمال، فإذا غاب الجمال عن اللوحة لصالح الفكرة فقدت اللوحة التشكيلية بريقها(إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة الفنية) وما لوحة الجورنيكا للفنان الإسباني بابلو بيكاسو إلا نموذج- كاريكاتوري مزيف- ولكن بلباس تكعيبي، وقد حظيت بشهرة عالمية واسعة لا بفضل قيمتها الفنية والجمالية وإنما بفضل المغزى السياسي الذي أضفته عليها – عنوة - بعض الأقلام النقدية التقدمية منها قلم المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي اعتبر اللوحة أسطورة بل رمزا عالميا لآلام الإنسان.
أعتقد بأن كل حقل من حقول الإبداع له مساحته في التعبير وقدرته النسبية لإنجاز هذا المتخيل أو ذاك، تبعا لمفردات وأساليب وأدوات كل منها، وعلى هذا الأساس فإن حجم وكثافة الإبداع فيما هو مطروح اليوم على الساحة التشكيلية لم يصل بعد حتى إلى أعتاب مملكة الشعر، لأن ما تحمله القصيدة الشعرية من استعارة وصور مجازية تقف اللوحة التشكيلية المعاصرة خرساء أمام سحر وبلاغة الكلمة، فالقصيدة تسافر بنا إلى أزمنة مختلفة في الماضي والحاضر والآتي تعجز الريشة والألوان عن تحقيقها في اللوحة التشكيلية الحديثة سوى أن تعيش خارج الزمن، والقصيدة تنقلنا إلى عوالم مليئة برؤى وأحلام تكاد صورها تعانق أبصارنا حقيقة عبر مفرداتها الغنية بالمفاهيم لا تستطيع اللوحة المعاصرة ترجمتها والبوح بها عبر مشهد صامت، ولهذا فليس من المنطق أن نضع اللوحة التشكيلية المعاصرة بمقام القصيدة الشعرية، ولو تأملنا على سبيل المثال البيت الشعري التالي للشريف الرضي:
* وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب *
نكتشف صورا مع أزمنة متعددة واستعارات يحتويها بيت شعري واحد، فما بالك بقصيدة كاملة…! أتساءل: "كيف يمكن للقلب أن (يتلفت) بواسطة الريشة والألوان خارج إطار الكاريكاتير؟ وهو (يتلفت) في أبهى صوره في هذا البيت الشعري، إن من يحاول إيهامنا بقراءات فنية مختلفة للوحة من خلال رموزها الضبابية قد يجد آذانا صاغية لأناس تغريهم الكلمة ولكنه لا يجد عيونا راضية عن طبيعة العمل الفني وفق تفسيرات غريبة و بعيدة عن معاني اللوحة التشكيلية، والرمز في العمل التشكيلي لا يمثل بالضرورة محتوى فكريا و إنما هو غلاف لفكرة ما قد تسكن قلب الفنان و لكنها لا تسكن في قلب اللوحة التشكيلية، فالمتلقي يتوه في زحمة طلاسم اللوحة الحداثوية بمنأى عن الشرح و التفسير النظري، و هذا ما يؤكد قصور التشكيل في التبليغ.
إن محتوى اللوحة التشكيلية يتجلى في ألوان اللوحة وانسجاماتها، بظلالها و ضيائها بقيمها الجمالية باعتبارها – نص – بصري لا يمكن ترجمته بعيدا عن علاقة اللوحة بالعين, أي ان طعم المشاهدة يبقى عالقا باللوحة التشكيلية، فقط في لحظة تأملنا بها، وما أن تختفي اللوحة عنا حتى يتوارى الإحساس بها بينما يمكن للقصيدة أن نستحضرها، نستشهد بها، و نتغنى بدلالاتها، نتخيلها ونستمتع بمعانيها، لهذا فإن الصورة في التشكيل المعاصر لم ترق بعد إلى مستوى الصورة في الشعر، والصورة المنظورة تشكيليا هي غير الصورة المتخيلة شعريا، وهذا لا يعني أننا نلغي صفة الإبداع عن العمل التشكيلي الذي يكتنز فنا جميلا وسحرا أخاذا ولا نقصد بضرورة الانحياز للقصيدة الشعرية على حساب اللوحة التشكيلية ولكننا ندعو إلى التمييز بين الشجرة والغابة، بين النهر والبحر، بين الزهرة والبستان، نعم هناك غنى في مفردات الألوان تستجيب لإحساس المتلقي وتشبع حاجته الجمالية وتطربه بصريا في الكثير من التجارب الفنية الجادة، إلا أن طبيعة أدواتها ومفرداتها غير قادرة على امتلاك جسور متعددة للتبليغ كما تحظى بها مفردات القصيدة الشعرية ذات الآفاق الأوسع امتدادا، والدلالات الأكثر غنى، ومستودع بحر اللغة الذي يعتمد الشعر على مخزونه قابل لأن يلبي حاجات الإنسان على صعيد مختلف الأنشطة الإنسانية في الفكر و في الأدب والعلوم، وقد نهل العديد من الفنانين المعاصرين من بحر هذا المستودع مجموعة من الأفكار لتنظير "خربشاتهم " في الفن الحديث وتبرير عجزهم عن مواكبة خطى أسلافهم من الفنانين الرومانسيين وكذلك الانطباعيين. وفي إطار مثل هذا الحدث الثقافي الفني -كما أسلفنا- فإن كلا من الشاعر والتشكيلي يجتهدان عبثا للعمل على تسليط مزيد من الضوء لإفساح المجال للمتلقي بأن يتلمس طريقه للتعرف على مجاهل اللوحة التشكيلية المعاصرة عن طريق القصيدة الشعرية لا عن طريق ألوان اللوحة وظلالها، وحري بالفنان التشكيلي اليوم أن يبحث بواسطة أدواته الفنية وألوانه عن قصيدته تشكيليا، بعيدا عن وساطة الشاعر، لأن -النسخة- مهما شع بريقها تبقى أقل نظارة من الأصل، ومهما كانت الصورة في اللوحة التشكيلية الحديثة، تجريدية أم تشخيصية، فإنها لا تجد بدا سوى أن تركع ساجدة أمام الصورة في الشعر العربي الذي له من عمر التجربة قرابة عشرين قرن من الزمن.
وأخيرا وربما ليس آخرا، فإن الصورة الحقيقية على مستوى الإبداع ليست في ذلك الفضاء الجميل المحاط بأربعة أضلاع، وإنما في ذلك المتخيل النابض بالإبداع، المتعدد الأزمان، المتنوع الآفاق والمشحون بالفكر والجمال الذي يعيشه النص الشعري في روح ووجدان الشاعر ويترك تأثيره العميق لدى المتلقي.



#حسني_أبو_المعالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضيحة أبي غريب أهون من فضيحة اختلاف الأطياف العراقية
- ليت شعري هذا العراق لمن؟
- هموم التشكيل وأوهام الحداثة
- جاهلية المسلمين في زمن الانفتاح والعولمة
- العراق تحت رحمة الحرية والحوار والديمقراطية


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - حدود اللون وآفاق الكلمة