أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟














المزيد.....

على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5460 - 2017 / 3 / 14 - 19:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل يصير الحجر خبزا؟ بالتأكيد لا! لكن الحجر يتفتت ترابا، والتراب ينبت قمحا والقمح ينبت خبزا، والخبز يشبع جوع الانسان، ومن ثم يمضي الكثير من الجياع شباعا والشباع جياعا.

كان يسوع صائما في البرية لأربعين يوما، لم يأكل شيئا وجاع أخيرا. أتاه الشيطان، أراد أن يمتحنه، أراد أن يعطيه خبزا من زرعه. خبز الشيطان لم ينبته تراب الأرض، هو أسود اللون لم يعجن بماء االسواقي ولا المطر، بل عجن بدموع الظلم، وخُبزَ على نار القلوب التي عششت فيها الخطيئة. خبز الشيطان لا يغني عن جوع، بل يزيد من جوع الجائع. الخبز الذي يقدمه الشيطان للإنسان مسموم بالطمع والكراهية والحقد والقتل والاعتداء والاغتصاب والانانية وحب الذات، فكيف لمن يأكله أن يحيا؟

وقف الشيطان امام يسوع. رآه جائعا، منهكا، هزيلا. رأى الفرصة سانحة لكي يقتنصه في شباكه. عادة ما ينحني الجائع أمام الخباز من أجل كسرة خبز. الجائع يزحف تحت أقدام من يمتلك الخبز لأجل الفتات. يصنع الجائع كل ما يطلب منه لكي يأكل خبزا ناشفا، يابسا، عفنا. أدرك الشيطان أنه يمتلك عناصر القوة أمام هذا الرجل الخائر القوى في البرية التي لا تنتج سوى شوكا وحسكا. قال له "إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا"، فأجابه يسوع قائلا "مكتوب: أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله".

لم يكن إبليس يدرك أنه يقف أمام صانع الحياة. لطالما استعبد الشيطان الانسان بالرغيف. استغل حاجة الانسان للخبز لكي يجعل من الواحد عبدا للآخر. كان الرجل يشتري اخاه بكيس من القمح. ثمن الانسان لا يتعدى شوال شعير. كم من رجل سجد للشيطان من اجل الخبز؟ كم رجل باع حريته من أجل القمح؟ ومع ذلك بقي الجائع جائعا بغض النظر عن عدد الارغفة التي يأكلها. أراد الشيطان أن يفرض قواعد اللعبة على المسيح، لكن ليس كل من لعب اللعبة لاعبا، ولا كل من جاع يرضى أن يلعب لعبة الموت ليشبع جوعه. كان المسيح شبعانا حتى ولو لم يأكل خبزا من أربعين يوما، وبقي خبز الشيطان مسموما لا يسد رمقا ولا يغني عن جوع.

لم يخب إبليس. أصعد يسوع الى جبل عال. أراه جميع ممالك المسكونة. هناك للحظة من الزمن لاح جبل الجلجثة أمام يسوع وفي أعلى الجبل صليب. لاحت على شفاه الشيطان بسمة المنتصر. كل إنسان يخشى الموت، فما بالك إن كان الموت موت الصليب؟ قال له إبليس "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إليّ قد دفع، وأنا أعطيه لمن أريد، فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع". أراد الشيطان أن يقايض الموت بالألوهة. أراد أن يوحي ليسوع أن "لا حاجة لك كي تموت على الصليب لكي تسترد العالم من قبضتي. هوذا العالم هدية لك على صحفة من ذهب، إن أنت رضيت فقط أن تسجد لي". إن سجد يسوع للشيطان تتحطم فكرة الاله. تموت فكرة الخالق. تندثر فكرة معطي الحياة. إن سجد يسوع للشيطان يموت الله، وبموت الله يموت الانسان، ويزول كل معنى للحياة، وتنحصر الحياة بين لحظة الولادة ولحظة القبر، لا أكثر ولا أقل. إن مات الله تموت فكرة العدالة والثواب والعقاب، ويصبح الموت الغاية القصوى والهدف الابعد للحياة. نظر يسوع وقال "اذهب يا شيطان إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".

لم يتعب الشيطان، أتى بيسوع الى جناح الهيكل. قال له "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". كان هدف الشيطان التشكيك بألوهة الإله. لو توقف الله عن أن يكون إلها، لاختلفت قواعد اللعبة وتغيرت المعايير واختلفت المقاييس وانعدمت الرؤيا. لو توقف الله عن ممارسة دوره، لما عاد هناك من قاض ولا ديان ولا شرائع، إنما لكل رجل إلهه وشرائعه ورؤيته. إن توقف الله عن كونه إلها لما عاد هناك خير ولا شر، فضيلة أو رذيلة، بل تصبح الحياة غابة يأكل قويها ضعيفها دون حساب او عقاب ويصبح الحق في جانب القوي مهما كانت حجة المظلوم قوية. "إن كنت ابن الله!" كل ما كان الشيطان يود إيحاءه للمسيح "أنك لست ابن الله، أو على الأقل،إن كنت ابن الله، اسجد لي ودعنا نتقاسم الألوهة، دعنا نلعب اللعبة حسب قواعدها، وليربح من يربح وليخسر من يخسر". للمرة الأخيرة أجاب يسوع وقال للشيطان "إنه قيل: لا تجرب الرب إلهك".

انتهت اللعبة. لم ينجح خبز الشيطان في سد جوع الجائع، فخبز الموت طعام الأموات، وخبز الحياة طعام الاحياء. ولم تنجح ممالك الدنيا بأن تغري الغني، فالغني لا يزداد غنى بممتلكاته، لا بل كم من غني فقير وكم من فقير غني. كذلك لا يحتاج الله أن يرمي نفسه من أعلى كي تلتقطه الملائكة حتى يثبت ألوهته. فمن كان الله في قلبه يراه ويعرفه، ومن لم يعرف الله لن يتعرف عليه حتى لو رآه يسقط من أعلى على أيدي الملائكة.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت
- عذرا أيها الحب
- على خطى يسوع-5- الابرص
- على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات
- في التربية والتعليم-1- مقدمة
- على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟
- وكما كان في الميلاد الأول كذلك يكون في الميلاد الثاني
- على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل
- على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟