أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - سلاح الغلابة















المزيد.....

سلاح الغلابة


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5458 - 2017 / 3 / 12 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"نأورة"، "مأوزة"، "تريقة"، "نأرزة"، "تجريس"، "تنكيت"، "تبكيت" ... كلمات قد لا تجد بعضها في قواميس اللغة أو في معاجم الالفاظ. ولكنها كلمات حية يستخدمها المصريون لوصف ما استحدثوه من اشكال جديدة لسلاح السخرية. وهي اشكال فرضتها طبيعة المكان الذي يعيشون فيه. فمصر من الفضاء الخارجي، كما تنقلها لنا عدسات الأقمار الصناعية، تبدو كزهرة لوتس خضراء تحيطها الرمال الصفراء من اغلب الاتجاهات. وفي هذه الزهرة يسكن حوالي 99% من المصريين تحوطهم الصحراء من كل مكان. ان هذه الجغرافيا، الوادي والدلتا المحاطين بالصحراء والنيل وفرعيه الرئيسيين، تجعل يد السلطة الحاكمة يد "طايلة"، تطول من يتحداها بسهولة. لذا يصعب على أي حركة رفض/مقاومة مسلحة الاستمرار والنجاح. لذا لم يكن امام المصريون، وقد عانوا طويلا من قهر الحكام ومن نهب الغزاة، من خيار أخر سوي خيار "المقاومة بالكلمات"! وسنترك للقارئ مهمة إيجاد امثلة معاصرة ل "المقاومة بالكلمات" ووسائلها الحديثة مثل الفيسبوك والتويتر وسنأخذ على عاتقنا عرض لنماذج منها شهدها تاريخنا الطويل.

وأول امثلتنا ستكون عن التجريس، التنديد بالخصوم وفضحهم علنا، في عصر المماليك. ففي يوم سبت من سبوت سنة 1439م طاف المنادون بشوارع القاهرة المملوكية معلنين لأهلها خبر ترحيل قائد عسكر السلطان جقمق الى الاسكندرية. وما كاد النبأ ينتشر حتى غصت جوانب الطرق من قلعة الجبل الى نهر النيل بحشود العوام الذين أبوا إلا أن يقوموا بفروض الاحتفاء والتكريم اللائقة بالأمير الكبير ... قرقماس. وما إن يلوح الموكب من بعيد وتظهر المشاعلية توسع الطريق للأمير المقيد في الحديد حتي يتعالى صوت الجماهير المحتشدة بأغنية تكريم لصاحب المقام الرفيع:
يا قرقماس إفو عليك
عملت عملة وجت عليك

ولا تفوت شيخنا المؤرخ الواقعة، فيحدثنا عن سر هذا الحب الجارف الذي تنكه العامة للسيد قرقماس فيقول: "أنه كان من الكبر والزهو واﻹعجاب وفرط الرقاعة، على جانب كبير من العسف والجبروت وشدة البطش، بحيث كان إذا عاقب يضرب الألف ضرية وأزيد" (أياس, 1982) ص 202). ويستطرد إبن أياس قائلا: "فإنه لما تقدم ترفع ترفعا زائدا إعجابا بنفسه، وتكبر على غيره". وهكذا صارت حكاية قرقماس أمثولة للرائح وللغادي في أسواق القاهرة. وكانت العامة تقول عنه "الفقر واﻹفلاس ولا ذلتك يا قرقماس". وكانت تواجه من يحاول أن يفترى عليها بقولها له "لك ذلة يا قرقماس". وتمر على واقعة قرقماس ما يقرب من أربعمائة سنة وتهل سنة 1882 م لنرى جماهير شعبنا وقد خرجت لتندد بمن خان زعيمها وقائد غضبتها الاميرآلاي الفلاح أحمد عرابي وهي تغنى:
يا توفيق ياوش القملة
مين قالك تعمل ده العملة
وما بين الواقعتين يذخر تاريخنا بأخبار مواكب القرقماسات من كل شكل ولون. ففي سنة 1310 م، نجح الأميران بيبرس الجاشنكير وسلار في اﻹطاحة بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون ونفياه إلى قلعة الكرك. وتولى أولهما السلطنة وتسمى بركن الدين، أما الثاني وكان أجرد ليس بلحيته وشاربه سوى شعيرات قليلة فقد تولى منصب نائب السلطنة. وما إن إستتبت لهما أمور السلطنة حتى إشتدت وطأتهما على الناس فإفتريا وتكاثرت مظالمهما وتفاقم الأمر فأبى النيل أن يفي كعادته وفاض الكيل بالناس فخرجت كعادتها المرعية في مثل هذه الأحوال، خرجت تعرض بهما مستهزئة:
سلطاننا ركين
ونائبنا دقين
يجينا الماء منين
جيبوا لنا الأعرج
يجى الماء ويدحرج

ويعود السلطان الشرعي الناصر محمد بن قلاوون وكان بقدمه عرج خفيف إلى السلطنة ويحكم المحروسة ما يزيد على 31 سنة.

ويمضي الشعب الذي وصفه الشاعر ثيوكربتوس، اليوناني اللغة والسكندري الإقامة (300م) وصفه بأنه " شعب ماكر.. لاذع القول.. روحه مرحه" (الروبي, 1984)، يمضي في إبداعاته فيبتكر فنا جديدا هو فن "التسميات الكاريكاتورية". وتذخر كتب التاريخ بالألقاب التي أطلقها شعبنا على من كانت أفعاله لا تحوز رضاه. فهو يطلق على السيد علم الدين عبد الوهاب الطنساوى، أحد وزراء السلطان برقوق (1382 – 1399م)، لقب "سن إبرة". أما الطواشي شمس الدين صواب السعدى، مقدم المماليك في عصر نفس السلطان، فيلقب بـ "شنكل الاسود". وكان "فار السقوف" هو اللقب المختار للأمير ناصر الدين، وكان ضامنا للمعاملات في عهد السلطان أبو المعالى الحسن بن محمد بن قلاوون (1346–1351 م). وكانت المعاملات نوعا من الضرائب التعسفية التي يفرضها السلطان على التجار وذوي اليسار وأرباب العقار. ولا تنتهي القائمة فهناك "سنجق سته"، وكان لقبا لبك مملوكي حصل على ثروته من زوجته، أما "السبع بنات" فهو اللقب الذي أطلقه شعبنا على مماليك علي بك الكبير بعد أن خذلوه في محاولته للاستقلال بمصر. وتمتلئ القائمة بالألقاب.. “بارم ديله".. "بعجر أغا ما فيه إلا شناب".. "إيش كنت أنا".. "قوله".. ولم يسلم حتى الطاعون من لسانهم الساخر فأطلقوا عليه "قارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة". ولعله من المؤسف حقا أن تخلو حوليات مؤرخينا العظام من أي أخبار عن السيد شيحة هذا وعن أخبار قاربه الشهير...؟

وكأن ما إبتدعته القريحة المصرية من أسلحة للحرب النفسية لم يكن كافيا فها هو ذا الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996 – 1020 م) "يأخذ الحكاية بجد" ويدعى علمه بالغيب. فما كان من شعبنا، وقد نفد صبره من أفعاله، إلا ان كتب إليه رقعة من الورق ولصقها بالمنبر في مكان قعوده. وكان فيها بيتان من الشعر فقط لا غير:
بالجور والظلم قد رضينا
وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أوتيت علم غيب
بين لنا كاتب البطاقة

ولما زاد حزم الامير بهاء الدين قراقوش، وزير السلطان صلاح الدين الأيوبي (1171 – 1192 م)، وحبكها حبتين زيادة"، صنف فيها شعبنا كتابا هو "الفاشوش في حكم قراقوش" يسخر فيه من أفعال سيادة الامير. ولا تأخذنك الظنون بعيدا، فلم يكن مؤلف هذا الكتاب الأسعد بن المماتى (1150 – 1210 م) رجلا من أرازل العامة، بل كان رجلا مصريا صميما يرجع نسبه إلى أسرة عريقة من أقباط أسيوط. وشغل رجلنا هذا، وكان من أرباب القلم وتولى أرفع المناصب، فقد تولى "ديوان الزكاة". كما كانت له مؤلفات في غاية الجدة مثل "قوانين الدواوين".

وهكذا ابتكر المصريون سلاحا رخيص يستخدمونه في توعية بعضهم البعض بما يدور و يقلقون به ظالميهم ... سلاح قد يكون وحده ليس" كافيا" لإحداث التغيير المنشود ولكنه بالقطع "ضروري" لتهيئة الناس للاشتراك في عملية التغيير.
المراجع
الروبي, آ. 1984. مصر في عصر الرومان. جدة: دار البيان العربي.
أياس, إ. 1982. دائع الزهور فى وقائع الدهور: الهيئة المصرية العامة للكتاب.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرافعة لم يطلبها أحد
- مذبحة الروبوتات
- جامعة المستقبل: الرؤية والرسالة
- نظرية ورقة النشاف
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب
- أمة في أزمة
- حاوريني يا طيطة
- حكاية المنظومتين
- محاكمة الحضارات
- ومن التفكير ما قتل
- هذا ما جناه علينا ارسطو
- الكمبيوتر -بَوَظ الصنعة-
- العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات
- مواطنين لا رعايا
- السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر
- أعمدة الحكمة السبعة
- الحضارات لا تموت قتلا، وانما تموت انتحارا


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - سلاح الغلابة