أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (10)*















المزيد.....

فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (10)*


محمود الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5458 - 2017 / 3 / 12 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


(10)

في الجبل، الوضع هادئ، والتحرّك الإسرائيلي ينحصر باستخدام الآليات للطريق العام من، وإلى، بيروت بدون التوقف، أو التمركز، في القرى التي تمرّ فيها. وبدا لي كأنَّ ثمة "تفاهماً" في هذا الشأن فيما بين القوات الغازية وأعيان القرى ومسؤولي قوات الحزب التقدمي الإشتراكي الذي وقف الى جانبنا منذ بداية الحرب الأهلية، ولا يزال.
وعلى ذلك، شوهد التواجد العسكري الإسرائيلي على الروابي والتلال ومحاور الطرق الخارجية الرئيسة في المنطقة. أمّا القرى، فكانت خالية من أي تواجد عسكري، باستثناء مدينة عاليه التي حوّل العدو ساحتها الى نقطة تمركز. وكان خلوّ عرمون والفساقين منهم يبعد عيونهم عنّي وعامل اطمئنان بالتسبة اليّ، ولكن مشوباً بالحذر من أن يدلّهم أحد ما ممّن يعرفونني أيام عملي في بيروت.
وأتاح لي الهدوء، والضجر، الإنخراط في قعدات الرجال، التي تعقد عادة في العصاري حول أباريق الشاي أو "قرعات المتّي" للتسلية ولتبادل الهموم والشكوى من البطالة العامّة التي فرضتها الحرب على الرجال دون أن يعثروا على إجابة تنبئ بفَرَجٍ قريب.
ولم أكن أقل منهم همّاً، بل أكثر. فهم، في أسوأ الظروف، ما زالوا في ممتلكاتهم ويموِّنون من أرزاقهم ما يسدّ احتياجاتهم الأساسية طوال فصول السنة, أمّا أنا، فيا حسرتي! بيتي على بوليفار طيّرته الحرب من بين يديّ: نهب الجيش السوري محتوياته قبل رحيله، وبعده قامت المليشيات المسيحية باحتلاله. والشقة في الفاكهاني، التي اشتريت خلوّها من رجل كان يحتلها، سيعود صاحبها قريباً، بعد أن رحل الثوّار، ليطردنا من البناية ويستردها بالقوة دون أن يوقفه أحد. وبيتي الذي أسكنه حالياً هنا سينتهي عقده بعد شهرين، وينبغي أن أدفع ايجاره في أول كل شهر إذا أردت البقاء فيه، وأنا الآن بلا عمل، وتوقف راتبي مع رحيل "فلسطين الثورة"، فماذا سأفعل؟
وعحضر في ذهني مركز الأبحاث الفلسطيني الذي اتُفق على بقائه واستمراره في العمل من بيروت، لكنه توقّف عن العمل حتماً في أثناء اجتياح المدينة؛ ولا علم لي بالعاملين فيه إن كانوا لزموا بيوتهم، أو غيروا أماكن إقامتهم، أو ربما تعرضوا للإعتقال. وطالما بقي الإحتلال جاثماً على المدينة وعلى صدور أهلها، فلن تتاح لهم العودة الى المداومة في العمل، ،ولن تقوم للمركز، بعد اليوم، قائمة. وفيما بعد، سمعت في الأنباء أن قوّة إسرائيلية اقتحمت المركز باسلوب الخلع والكسر، وقامت بإتلاف محتويات المكاتب، ونهبت كامل محتويات المكتبة والإرشيف من كتب ومراجع ووثائق وأفلام، وحمّلتها في الشاحنات. وقبيل مغادرتها، قام الجنود بملء الجدران بالشتائم المقذعة والكلمات البذيئة التي يخجل المرء من سردها.
بتاريخ 1982/9/27، بدأت القوات الإسرائيلية بالجلاء عن بيروت الغربية وعن مرفئها، وحلّت مكانها وحدات من الجيش اللبناني. وانتشرفي مخيّمي صبرا وشاتيلا وبعض المناطق المحيطة الجنود الفرنسيون والإيطاليون المشاركون في القوات متعددة الجنسية.
أمّا إخلاء المطار، فقد استدعى عقد اجتماع ثنائي بين المبعوث الأميركي موريس درايبر، وقائد القوات الإسرائيلية، امير دروري، اتُفق خلاله على ان يتمّ الجلاء في اليوم التالي (1982/9/28) بعد أن اشترط الجانب الإسرائيلي بقاء "وجود رمزي" و"جهاز فنّي" مع "الحق" في استخدام
المطار عند الحاجة. كما طالب بالإحتفاظ ب"مركز سياسي" و"مركز اعلامي" و"مركز عسكري" في بعبدا.
بعد الإنسحاب الإسرائيلي، عادت الحركة والأعمال تدريجياً الى المدينة التي أصبحت، جغرافياً، موحّدة غير مشطورة نصفين، غربي وشرقي. وخلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1982 جرى ترميم مركز الأبحاث، وأعيد تأثيثه، وبوشر العمل فيه من جديد.
كان المركز مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير، يخضع لقوانينها، ويموّل من خلال الصندوق القومي، والعاملون فيه يدرجون على ملاكها، ويتم توظيفهم بموجب قانون المحاصصة بين التنظيمات، والحصة الأكبر ل"فتح". أمّا "فلسطين الثورة" التي كنتُ أحد كوادرها، فهي صحيفة فتحاوية قلباً وقالباً وخارج ملاك م. ت. ف. ولا علاقة بينهما. وليست عبارة "الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية" التي كانت تلازم عنوان الصحيفة في كل عدد من أعدادها، إلاّ حاصل "عملية سطو" قمنا بها برضى، أو بتشجيع، "أبو عمّار"، وتبقىعلى ما هي عليه طالما .بقي هو راضياً علينا.
وكان التواصل المهني بيننا وبين المركز شحيحاً، وبالنسبة اليّ كان، حتى تاريخه، معدوماً. لم أدخله ولا مرّة بسبب بعده في "راس بيروت"، ونحن في مربع الطريق الجديدة والفاكهاني. كنت أسمع باسماء بعض العاملين فيه وأقرأبحاثهم، ولكن دون أن ألتقي بأحد منهم.
قرابة آخر تشرين الأول (أكتوبر) ذهبت الى المركز والتقيت، لأول مرّة، بمديره العام الباحث صبري جريس. قدّمت نفسي اليه للتعارف، فوجدت ترحيباً، وسألني لماذا لم أرحل مع الراحلين؟ فأجبته بأنني أحمل الجنسية اللبنانية وأفضل البقاء طالما لي حق البقاء في ،لبنان. واستطردت: "ولكنني أصبحت بلا عمل، وهذا سبب مجيئي، لأرى إن كان لي مكان عندكم؟"
قال:
- جئت في الوقت المناسب. لدينا شاغر ملائم إن كنت ترغب فيه.
سألت:
- وما هو؟
أجاب:
- رئيس تحرير ل"اليوميات الفلسطينية". رئيس التحرير السابق اضطر، مثل غيره، للمغادرة الى الأردن.
- ومن هو؟
- هي، انعام عبدالهادي، زوجة ماجد أبو شرار.
فخطرعلى بالي دون تقصّد المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد."
- ها؟ موافق؟ سأل.
لست بحاجة الى السؤال، موافق.
- إذاً، سنوقّع عقد العمل الآن، ويبدأ في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1982، ويظل صالحاً الى أن يأتينا قرار تعيينك على ملاك المنظمة من "أبو عمّار"، ولن يأخذ ذلك وقتاً طويلاً.
واستدعى السكرتيرة، فجهّزت العقد، ووقعناه معاً، ثمّ أخذت نسختي، .وتصافحنا على أن نلتقي في أول الشهر.
وقبل أن أغادر، قال:
- سيكون مكتبك في انتظارك.
وهكذا صار. دخلت المركز مستكشفاّ عاطلاً عن العمل، وخرجت منه رئيساً لتحرير "اليوميات الفلسطينية".
___________________
* التواريخ والأرقام تمّ اعتمادها من "لبنان 1982: يوميات الغزو الإسرائيلي، وثائق وصور"، المركز العربي للمعلومات، توزيع دار الأندلس،بيروت، لبنان، 1982.

(يتبع)



#محمود_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (9)*
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (8)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (6)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة (5)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (4)
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (3)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعية بحلقات (1)
- في حالة ما
- النكبة 68
- على شُرفة حلم
- يوم الأرض (حكاية فلسطينيّة)
- الضحيّة
- ... ليس كأيّ صيف (أقصوصة)
- من ذاكرة الحرب (أقصوصة)
- حزن طويل الأجل (أقصوصة)
- في الطريق الى جانيس (قصة قصسرة)
- ليلة -محور المتحف-
- الرهان


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (10)*