أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة سليم - كومونة بمتاريس من حب .. في مديح إتحاد الطلبة















المزيد.....

كومونة بمتاريس من حب .. في مديح إتحاد الطلبة


أسامة سليم

الحوار المتمدن-العدد: 5458 - 2017 / 3 / 12 - 02:33
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك ذات خريف مرير ..
كان شابا صغيرا يحمل همّا كبيرا , شاب عشريني يغزو وجهه حبّ الشباب و سمرة تفصح عن مناخ قاس و شعر أسود كثّ فوق رأسه مظلة من السعف .
نزل من الحافلة و ما إن وطئت قدمه الأرض حتى بصق على الأرض و لعن الوقت اللذي أبعده عن الطبشور و القلم و حضن أمّه .. عاد بذكريات البراءة و الطفولة .. حين كان يفترش أرض الريف الباردة , كل حديثه كان عن الزياتين و الكروم , عن صابة التمور و الأمطار و ديون الفلاّحين و الماعز و الإبل , هنالك حيث الرياح - موشمة بالشهيلي و الحرارة الفائرة من أقصي الصحاري وبعر النّوق والإبل - تداعب خصلات شعره التي إشتعل في بعضها الشيب , أشاح بنظره عن الأرجاء , لم يجد أشجار الزياتين المعهودة و طبعة الوحل علي الرصيف و فتيات القرية و طائر المنيار , كل ذلك بقي هنالك في ريفه البعيد تاركّا إياه بعيدا , أمّا هنا , فقد أتي بدموع أمه و أحلامها و دعواتها ,
كان ذلك من زمن بعيد , حين كان يركض وراء الفراشات و الزهور , كان محشوا بالفرح و الصخب الطفوليّ , رضيع خرج من رحم الصحراء الباردة ينشر شبقها , بحب مليء بالتبغ و الحب و اللازورد , نحت الوقت تعويذة الصحراء علي وجهه , و عاشر الحملان و و الدواب و الماعز و الإبل ,,, يحفظ الكثير من أشعار درويش و جرير و الفرزدق , و يرتل القرأن و يدمن كتب عصمت سيف الدولة و كارل ماركس . كان يقرأ سيرة العظماء و كان يتخيل عالما بدون هذا , عالمُ يعيش به أحمد بن بلة و باتريس لومومبو و توماس سانكار و جمال عبد الناصر و تيتو و تشافيز و كاستروا , كان يصول و يجول في المظاهرات و يكره مراكز الإيقاف و المستشفيات و قصر الولايات و البلدية , كان يدعوا إلى إنشاء الخمارات و المصانع و دور الثقافة و السينما كي يقبل حبيبته تحت إضاءة خافتة . كان يقول بأن منزله سيكون منظمة عدم الإنحياز و أن بوصلته الوحيدة هي فلسطين و حبيبته
كان بدويّا و كان يحلم بتأميم الثروات و إلغاء الطبقية و ديكتاتورية البلوريتاريا ,
كان يميل إلى جمال عبد الناصر و كان يتحدث عنه دائما حتي حين قدم إلي العاصمة تونس أخذ معه سطل من " البسيسة " تلك التي لا تسمن و لا تغني من جوع في ليالي المبيت الباردة و صورة جمال عبد الناصر و كتاب قرأن أخذه علي مضض بعد إلحاح من خاله الذي كان يلقن أبناء القرية القرآن ,
أشعة الشمس القوية صفعت و جنتيه كأنه خرج للتو من رحم أمه , كانت محطة الحافلة تعج بالمسافرين تحت أنغام أغنية non je ne regrette rien لedith piaf
تأمل كثيرا و سار في حال سبيله , المبيت لا يبعد عنه إلا مسافة عشر دقائق أو أقلّ لكن الطريق إلي الصحراء هي مسافة يوم أو بعض يوم ,
كان علينا أن نزداد جنونا . حتي ينكشف أمرنا
كانت الساعة تشير إلي الساعة الواحدة بعد منتصف ليل , نفذت علبة السجائر و ضاق صدري بكل شيء إلا من الحقد الطبقي و حُبّكِ ,
كنت أجلس كثيرا على طاولتي بغرفة المبيت و أفتح حاسوبي و أحكّ رأسي و أكتبُ لكِ الكثير من الأشياء , عن مشاريعنا المستقبلية , عن إسم أولادنا بالمستقبل , لكن كل ذلك ذهب سدى ..
أجلس الأن وحيدا , جدران هذه البيت تزيد من وحدتي و لا أنيس لي بتونس إلاّ أنتِ , لكنك ذهب أنتِ أيضا , أتأمل من نافذة غرفتي , على اليسار كالعادة .. هناك مقبرة الجلاّز , أين يقضّي فرسان القضيّة إستراحتهم , هنالك يمضي محمد البراهمي و شكري بلعيد ليلهم في لعب الورق و التأفف من اليسار التونسي الذي لا يختلف لكنّه يخُون أيضا ,
و يتسأؤلون لو قام مجموعة من المراهقين بتأسيس كمونة بمتاريس من حب , أولائك المراهقين الذين طمحوا إلى الثورة و حلموا بها في ليالي الشمال الباردة , ثورة تأكل الأخضر و اليابس و تستخرجهم من مستقنع الواقع المرير ,, حينها يققون و يلغون التفاوت الإجتماعي و ينهون الفقر و يقضون على البطالة و يحققون الكرامة و يطبقون الإشتراكية و يؤممون الأراضي الفلاحية و يوزعونها بالتساوي على صغار الفلاحين ..
ساد صمت يخفي إبتسامة صغيرة كانت تحمي ثغره , أسنانه لازلت بيضاء رغم قوارير البيرة و السجائر الرديئة , كان مثلهم يعاني من مراهقة ثورية لكنه إستيقظ من سباته الطوباوي , كان يَسَارِيّا على يَسَارِ اليمين , كان يحتقر القطب الإشتراكي الثاني موسكو , و كان يردد دائما " لا للسيد المسيح , لا لماو سي تونغ . القليل من ماركس و الكثير من العلم "
تذكر كل هذا ,لا من شيء لكن من كل شيء , إنهمرت من عينه دمعة حارة نزلت من عينه لأخمص قدميه , كل هذا لا يوجد هنا , كل شيء قد فقد , مشي قليلا في إتجاه المبيت , كان يري فتيات يضعن بارسينغ , صبغات شعر و سجائر السليمز , تذكر حلقة أذن أمه و حنتها , تذكر الحقول القاحلة , تذكر الانثي و الحرية , القرطاس و القلم , النعناع و الخبيزة و الخِمسة و اللازول و الترفاس , قوارير الجعة المخبأة في تراب الصحراء , لياليه الحمراء المسكونة بالعربدة و الشبق , هيام و غزل , و جثة في إنتظار قبر يسكنها , سجائر الكريستال و طائر المنيار ينتظره بفارغ الشوق , مديح من الظل العالي و سكون المقابر و ظل الزياتين و الكروم , أنا اللذي كان عاشقا رغم أنفه , في زبد البحر تهت , و في عينيك إغتيلت ثورتي , أنا اللذي بكيت حين علمت بأن تروتسكي قد قتله ستالين , بأن جول دولوز لم يكن شيوعيا , بأن شارلز ازنفور لم يغني الفن الملتزم , بأن الشيخ الإمام كان أعمي / لأانه لم يري عالما دون طبقية ,
جحافل من الجيش الأحمر و أنا نقود ثورتنا في إتجاه معبدك , المخبرون يحاصروننا في كل مكان و مؤخرة النظام تجلس بحجمها الكبير علي أحلامنا , أنا الذي أنفخ في بلّور واجهة محلّ الجرائد و أرسم قلب لعاملة المحلّ , أتلف محاصيل الإقطاعين و أحرقها و بدخان الحرائق أملؤه في قارورة بيرة كبيرة و أسرّب غازها في دهاليز وزارة الداخلية , أهرب بإتجاه تمثال إبن خلدون و أسحب أوراق من " مقدمته " و ألفّ بها سجائر حشيش , أركب فوق حصان بورقيبة و أقود جحافل من الجماهير بإتجاه قلعة الأمير و أغتاله و أحقق طموح القواعد العريضة
كنّا نتعاهد مؤمنين في سواد الصمت بأنّ من تحزّب قد خان و أننا ملحدون و كُفّار إلاّ من هذا الشعب
حين كنّا بصدور عارية كنّا نهتف بأن الوطن أغلي من حفنة دولارات و أنّ هذه الثورة ستحرق الأخضر و اليابس و لن تنتظر أحدّ , و ستكون دون سرج كي لا يركب عليها أحد ,, لكن أفقنا من سباتنا الشتوي و أيقنّا بإن إتحاد الطلبة أصبح يد مساومة بيد السلطة و أن البيروقراطية اللعينة تنخر من جسده كُلّ يوم , "أروني ثورة واحدة لم تُسرق؟ ثورات يقوم بها أبطال مضحون ويقطف ثمارها الانتهازيون والوصوليون"
أفكرّ حاليا في عطلة الربيع , سأكذب عليكم كالعادة و أقول لكم أنني سأمضيها في أفخر النُزل و الحانات لكنني سأقضيها في حضائر البناء , هناك حيث أفترش الأرض و أشتم قطران الأرصفة المعبّدة بقذارتكم و مجونكم
أنا أيضا كنت أفكر في القضايا الوطنية و أغني الفن الملتزم في مراكز الإيقاف , أوزع الحب و الفضيلة في المستشفيات و أشيّد دور السينما و المسارح و المكتبات على حافة الأودية , لكن كلّ ذلك كان حلم طُوبويا بإمتياز , الحقيقة تؤمنا و الواقع يؤلمنا أكثر
مذا عن أمي التي ألهب صدرها الإنتظار .. و هي تنتظر نتيجة السداسيّة الأولي بفارغ الصبر , مذا لو صارحتها و قلت لها بأنني أمضي وقتي بإتحاد العام لطلبة تونس أكثر ممّا أمضيه في الدراسة , عن الإجتماعات العامة في بهو الجامعة و في شارع الحبيب بورقيبة أمام المسرح البلدي ,, عن الإضرابات و الإحتجاجات و العصيان و التمرّد ,, عن حلقات النقاش و الجبهة الشعبية و الطرح الماركسي و أن نكون يسارين في القرن الواحد و العشرين ,
عن تلك الفتاة التي تنتظر حبيبها بفارغ الصبر , عن شرطي المرور الذي سيغلق الشوارع تمهيدا لمسيرة شعبية يقودها ستالين رفقة تروتسكي , نرفض قانون المصالحة و عودة أزلام النظام السابق
نشنق رجال الأعمال بأمعاء رجال الدين و نعلق رؤسهم على المدارس و الجامعات كي نحذّر الأجيال القادمة من وهم السلطة و أنّ هناشير الزياتين و الكروم أغلى من كراسي الوزارة
أنّ الشفاعة لا تقبل إلاّ ن والدة الشهيدة ,
حينها فقط سيدير لنا حنظلة ظهره و يلتفت لنا رافعا شارة الإنتصار بأنّ الثورة آتت أكلها بعد سبعة سنوات عجاف , حينها فقط سنحلم بغد للشيوعية يوحّّد العالم !!
إحترقت شفتاه فجأة من قبل سجارته التي أشعلها و لم يأخذ منها تفسا واحد , لعن حلمه الذي عبث بشفتيه بين الإنفراج تارة و الإنقباض تارة أخري , أحدث كل ذلك رجّة زلزال في قلبه المريض الذي محق شرايينه النقيّة , إستيقظ إثر ذلك المخاض العسير الذي بُعِث من موته اليسير , قشعريرة أيقظت بحيرة حب داخله مليئة بالصور الإباحية و الكلمات البذيئة , وحل من الإيدولجيا و مستنقع من السياسة وجد نفسه حائرا فيما بينهما , وجد نفسه يتنفس نفس الهواء الذي إستنشقه شكري بلعيد و محمد البراهمي , هواء مُدجّجُّ بالروائح الباريسية و اليسامين نقاوة و عبيرا و ريحانا و عبقاا ,
لم يَمُرّ ذلك الهدوء الرتيب اللذي بعث في نفسه الأرق و الروتين و الملل حتي وجد نفسه يصيح في ركن غرفته المُقيت صائحا : " مذا جننيا من إتحاد الطلبة سوى الهم و الغم سوى الهمّ و الغمّ سوي وجع الرأس و إيقافات مركز الشرطة و تعب السنين , نحن حشرات نسغرق وقتنا في عزاء الوهم و الأحلام , نعزف مقطوعة حياتنا على أطلال الوجود , هذه التفاهة الراكدة في ذواتنا هذه الخطيئة الرومنسية التي جنيناها على أنفسنا , هذه الواقعية المؤلمة اكثر من الواقع نفسه , نعيش في دوّامة كبيرة نشارك في تمثيلها رفقة رجال الدين و البوليس و السياسين , نكاد نبلغ الموت و لم نترك وصيّتنا بعد ,, بأن إتحاد العام لطلبة تونس هو صرح عاجي , قلعة في النضال , مدرسة في الحب , طاعون ينخر سرطانه جسدنا كل يوم .."



#أسامة_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعترفات مازُوشِيّ
- العفيف الأخضر : من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ
- رسالة من ابناء المفكر السوري صادق جلال العظم : عمرو العظم و ...
- تائه في المنفى
- « العصافير لا تطلب تأشيرة دخول »
- التوتاليتارية الدينية
- فارس قرطاج
- فتاة المروج المنتحرة : الميتال : موسيقي او طقس شيطاني / عبدة ...
- تجميع و توزيع كتب بالسجون التونسية
- الكتابة كجلد للذات
- ظل يكتب بحبر البحر
- الكوميديا السوداء ... داعش : الإبن المدلل للسنة
- 2+2=5 / البروباغندا الإعلامية و ثقافة التدجين الإعلامية
- أسامة سليم : 2+2=5 / البروباغندا الإعلامية و ثقافة التدجين
- أسامة سليم : الفيلسوف الاخير / إبن رشد
- في سجن الصمت
- الكتابة أمر مؤذٍ للغاية وقد تشكّل ضغطاً نفسياً عنيفاً (حوار ...


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة سليم - كومونة بمتاريس من حب .. في مديح إتحاد الطلبة