أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سامي عبد العال - سياسات البط















المزيد.....

سياسات البط


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5456 - 2017 / 3 / 10 - 21:27
المحور: كتابات ساخرة
    


ربما لم يعرف البطُّ أنه سيدخل السياسة من أوسع أبوابها. كما أنَّ السياسة لم تتسع لكهذا رمز يكرر أفعالاً وخصالاً ذات سحنة بعينها. فقد ظهر البط في ألعاب الأطفال. رأيناه كثيراً في الرسوم المتحركة على سبيل المثال: البطة الوقحة وأولادها Ugly Ducking. حيث تدور الحلقات حول مغامرات البطة والمفارقات التي تقع فيها لحماية صغارها. وكيف تدافع عن حياتها بشراسة ووقاحة منقطعة النظير. ولا يفوتنا صوتها الذي يشبه فتيل الأحبال القديمة وتمزقها.
وقبل ذلك بأزمنة كان البط بين الطيور التي رُسمت بجدران المعابد الفرعونية القديمة. كنوع من الحضور الحي لرمزية الطبيعة والأساطير. لقد عرف المصريون الآلهة في صور الأبقار والتماسيح والكباش والكلاب والعجول والقردة وطيور أبي منجل والطيور الجارحة مثل الصقور ومخلوقات أخري كالجعارين.
وإنْ كانت تلك الكائنات تظهر بالجسد الحيواني مباشرة فهناك جانب رمزي. فقد صور المصريون الآلهة أيضاً كحيوانات في شكل إنساني. أو علي غرار انسان برؤوس حيوانات أو علي شكل انسان فقط. وقد تحتفظ الرسوم بقرني الحيوان والهيكل الأدمي كله. ويمكن تمييز هذه الآلهة عن طريق تيجانها وأشكال الرؤوس الحيوانية. من هنا تم ادماج بعض أسماء ووظائف الهين او ثلاثة آلهة في الة واحد عن طريق الثالوث. ولهذا يمكن القول أن الدمج المصري بين بعض الكائنات موجود رغم تعدد الآلهة.
على هامش هذا رأى فرويد أضاحي الحيوانات المقدسة في القبائل الهمجية بأنها، في جانب منها، إعادة تشريع للقتل الأصلي للأب. وفي جانب آخر تكفير عن ذلك. حيث أن حيواناً طوطمياً هو البديل الرمزي للأب أو للذكر المسيطر. لكن فرويد يعتقد أن التضحية تفقد قدسيتها في مجتمعات أكثر تحضرًا. حيث يذبح الحيوان الطوطمي ويؤكل. وتصبح الأضحية هبةً للآلهة بدلاً من كونها تمثيلاً لها.
إذاً الموضوع ليس جديداً. كانت الرموز الحيوانية -خلال تاريخ اللاهوت السياسي- تشير إلى الحاكم، إلى المقدس وصولجان السلطة. وفي هذا جاء الثور والقرد والقط والنسر بحسب اختلاف المجتمعات. وبطبيعة الثقافة هناك في أفريقيا الأصول الطوطمية الحيوانية للقبائل مثل الأسد والأفعى والعقرب والنمر الجبلي والصقور المحلقة والبقرة. كل قبيلة ترتبط بالأسرار والمعاني القوية الكامنة في الرمز الحيواني. ونظراً لشيوع المعتقدات السرية حاولت القبائل الاقتران بالشراسة والتوحش والشجاعة على طريقتها.
من تلك الزاوية تشعر القبيلة أنَّ الحيوان سر قوتها ومهابتها إزاء القبائل الأخرى. كما أنَّها تستمد منه موروثاتها التاريخية. فالأمجاد لم تصنع هباء لكن كان ثمة تاريخ مقدس تشارك الحيوانات الإنسان في تسطيره. في البعد الطوطمي تتشارك القبائل بمبدأ عام. وهو أنها جزء من قوة غير شخصية مجهولة. فتكوِّن المجتمع بوصفه دائرةً أكبر من أجزائه وله خاصية مقدسة. هذه القوة غير الشخصية تمتلك خاصية خفية تتعلق بالطوطم وبالوحدة وبالوعي الاجتماعي للذين يمثلونها.
الآن الجديد عربياً أنَّ البطة اقترنت بالحاكم وأهل السلطة. وإذا كان التاريخ لا يحدث إلاَّ مرة واحدة فلو كرر نفسه فإنه يكررها بشكل ساخر. بدا ذلك أمراً لافتاً لأعضاء الحظائر السياسية. على الأقل من وجهة نظر البط المطلع على بواطن الأمور في الأنظمة العربية. فهذه الخريطة يتوزع على مساحتها رموز البط بصور مختلفة. لكنها تتشابه إلى حد التطابق. بفضل التراث السياسي الموبوء بالتخلف والقهر.
حتى أن المواطن العادي يطرح نفسه -بإشراف الأنظمة وقصدها- على أنه بطة. يحب التزغيط(حشو الفم مباشرة للتسمين) تمهيدا لذبحه في المناسبات(استعمال المواطنين في الانتخابات والحشود والتأييد والإفقار والتصفيق). حيث يتدفأ جسمه بين صفوف أقرانه دونما تفرقة. ويحتمي بالسرب المائل نحو المصارف والترع المائية. ويستمتع بالاستحمام النهاري تحت أضواء الشمس دونما عمل. ولا يستطيع الخروج عن الحظيرة إلاَّ بأوامر ذكور البط المهيمن. وإذا تحدث لن يقول إلاَّ كلاماً محشرجاً لا يكاد يسمعه أحد. وكذا المدراء ينتشرون على مكاتبهم ويحملون ملفاتهم على ذات السحنة.
حقاً لقد ترجم الفن السينمائي هذا التكوين السياسي في صورة ممثلين يتحدثون بذات الرتم. فقد لا يخلو فيلم عربي معاصر من فنان يتحدث بالأسلوب السابق. يُلحن في النطق ويتلعثم في الحروف ويغمغم ويتأتأ في الأصوات معتبراً أن ذلك ذروة التمثيل. من هنا بدا دور اللمبي مثلاً - بهذا اللون من النطق- كأنه يستحضر نمطاً سياسياً زاد انتشاره داخل الحياة العامة. لم يكن الدور مصادفة ولا لمجرد الاضحاك وإنْ ظهر كذلك. لقد انخرط الشباب والمذيعون في تقليده. وقد أخذوا يدعمون غلبة النمط السائد دون وعي.
ربما الحالة السياسة- مع أنظمة الاستبداد السياسي- التي يعايشها العرب قد أملت هذه الطريقة البطية. فعلى الجميع الخنوع والامتثال لقبضة السلطة. ولا يسمح بإبداء أي اعتراض. حيث يجب أن يناموا مع المساء كما يقال. وأن يستيقظوا مع تباشير الصباح. فانتشر القول الدارج في مواقف تشير إلى البطالة(زي البط أصحَ من النوم أغطس وأعوم). واعتبر الرجل في البيت مثل "ذكر البط" يكاكي ويشرشر ويملأ المكان ضجيجاً وحركة ويعاشر زوجته جنسياً على نفس المنوال!! وتصبح البطة المحمرة رمزاً لجلب الفحولة وتقوية أعواد الذكور.
نفس السحنة البطية يأخذها المسؤول الأعلى في المشي والالتفات. كأنه يغالب ثقلاً يحتويه بذيل متحرك ومقدمة تحت منقاره مباشرة. فالأنظمة السياسية العربية تنتج ذلك الصنف الأعجوبي من الكائنات السياسية. وعلى التوالي أيضاً فإن الحكام يحملون هذا الرمز أو ذاك جسداً ودلالة. ما السبب أن السياسة في العالم العربي تهجن الاجسام والعقول داخل هذه السحنة؟ هل الوظائف السيادية لدينا تنحت قوالب – جسدية وفكرية- على هذا النحو؟ لماذا مع مرور فترة من حكم عائلة ملك أو حزب رئيس يشعر المواطنون بأنهم حيوانات تأكل وتتناسل وتموت؟!
الأمر حقيقي لا مجازي. فالحاكم على سبيل المثال يبدو في بداية حياته قشيباً. وتحوطه البراءة كغلالة شفافة. كأنه صبي فائق الرشاقة والألمعية. ثم سرعان ينبت له كرش بدلا عن الزغب. ويستطيل فمه ووجهة بين شدقيه كأنهما منقارين. يتشمم بهما الأشخاص والمواطنين كما يتشمم البط نظيره. ولا يفوته أن يطقطق كي ينادي على الأفراد بين همس غير مفهوم وبين صوت عالٍ أثناء الخطب واللقاءات العامة!!
وحينما يسير بالشارع يسير بذات الطريقة البطية. يتميز ذكر البط(الذكر المسيطر على الدولة) بصدر منفوش إلى الأمام. ورقبة منتفخة لا تعطي رأسه الملتف مرونة كافية للنظر في اتجاهات مختلفة. الفارق بينه وبين البطة ربما سيحسم لصالح الأخيرة. فالبطة تستطيع أن تحرك العالم بهزاته المتأرجحة مع صدرها. لأن عالمها السياسي يتذبذب مع ذبذبة ذيلها تحديداً. ذلك الذي يرتفع تارة وينكفئ تارة أخرى. وفي حالة الانتشاء يهتز طويلاً مع اطلاق الأصوات عالياً.
مع أحداث الربيع العربي رأينا "ذكر البط" في إحدى الدول يقوم بدور أمير المؤمنين. يخطب في القوم(البط) ويرسل رئيس وزرائه إلى الهيئات الدولية لمساندة الحراك الثوري. وهذا الأمير يعلم أنه يدجن الشعوب بأسماء كثيرة. لكنها تؤدي بهم إلى إحدى الحظائر تحت سلطة منقاره الديني في النهاية. وجمع تحت ريشه(فالريش يدل في اللهجة العامية على الثراء والسلطة والوجاهة الاجتماعية) أقطاب الفتاوى الجهادية والتنظيمات المسلحة. واعطاهم أدواراً سياسية تساندها أصوات حشرجات قنواته الفضائية التي تخطط لهم وتحشد ضد الأنظمة السياسية الغابرة.
وهذا الأمير البطة اعتبر تلك الدول حظائر للاستعمال العمومي. فلو كان يريد الحرية والديمقراطية ما كان ليتعامل مع مواطنيه أولاً بهذه النماذج البطية. لأن الديمقراطية لا يصنعها البط ولا يصدرها. كما أن الجماعات الدينية المتطرفة هي بط بغطاء الدين. وهي تسمح بوضع نفسها تحت أمر البط الأبيض في القارة الأمريكية.
وهناك دولة عربية أخذ حكامها هيئة البط على الأصالة. فيمشون بالطريقة ذاتها. وقد فقدوا القدرة على الوقوف مشدودي القامة. وينتعشون مع نشر أيديولوجيا البط وتوزيعها بأموال باهظة على الدول الصديقة وغير الصديقة. كما أن ذكور العائلة المالكة يتعاملون بطياً فيما بينهم. فالملك يرمز إلى حماية الحظيرة من الضياع أو الاختراق. وليس يغرب عن بالنا كون "البطة البيضاء" تحرس عرشهم المقدس بخلاف أية ممالك أخرى. وهم لا يتورعون عن اصدار الأصوات فيما بينهم خوفاً من إغارة الثعالب المجاورة.
ودولة أخرى يعتبر حاكمها هو البطة الوحيدة التي تفهم في السياسة. يظهر منفوشاً متدلياً من الخلف حيث تنتصب مؤخرته دافعة صدره إلى الأمام. يوزع ريشاته المقدسة أينما حل. ويزغرد بصوته كأنه يناغي أصدقائه البط. ويحضر الاحتفالات منتشياً بزي لامع. وهو أشبه بالبطة الخارجة لتوها من سباحة تحت الماء. حيث تتساقط على ريشاتها قطرات المياه. ولا يكف عن أخذ جولاته المتواصلة هنا أو هناك. ومن أشهر مواقفه أنه لا يكف عن تأييد حرب على دول صديقة واقفاً في جبهة البط الأبيض. وعندما يخطب لا يدرك ماذا يقول بينما يغشى البط المستمع حالة من التبجيل. ويزعم أنه لا يسمع أية املاءات من البط الغربي بينما يتعاون معها في السراء والضراء. ويقدم خدماته للقبض على البط الإرهابي الذي خرج عنوة عن تقاليد الحظيرة.
وهناك حاكم بطة أخر يقفهر شكله لمجرد خوفه على الحظيرة. مع أنه نُصب ذكراً للبط بشكل مباشر. ولا يتوانى عن تقديم الدعم للبطة البيضاء مجاناً. وحينما يشعر بغضبها يستقل طيارته الملكية قاطعاً البحار والمحيطات لتقديم ريشاته بل ذيله كله لأجل رضى البطة الأكبر. لا يستنكف الانخراط في مؤامرة للإيقاع بالبطات الأخرى التي تحكم البلاد المجاورة. وأحياناً يشعر بالتخبط ولا يدري كيف يمارس دوره السياسي. وهذا راجع في المقام الأول إلى كونه أصلاً بلا هوية سياسية محددة. كما أنه صاحب دور وظيفي كلما هبت صراعات على المنطقة. وينتظر عقب انقشاعها كم المكاسب التي سيجنيها من وراء أدواره وخدماته.
هكذا مع كل هذه النماذج تصبح لدينا سلسلة من البط: المواطن العادي+ الحاكم البطة+ جماعات البط السياسي+ البطة البيضاء الأكبر... لكن ماذا عن الثعالب؟!!



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ
- جرائم شرف
- القُدَّاس السياسي: تنصيب الإله المنتخَب
- السياسة والجنس
- الدين، العولمة، الهوية: انسان بلا جذور
- مجتمع ما بعد الرضاعة
- إرضاع الكبير: كيف تصبح الثقافة ثدياً؟
- الإلحاد... والتألُّه
- قبائل المؤمنين والملحدين
- ديانة اللا دين: الملحد في جلباب الداعية
- اللاوعي... هل يمكن أن يتأرخ؟!
- التساؤلية: نحو فكر فلسفي جديد( ج3)
- أليس قتلاً لمعاني الإله؟!
- جنونٌ ما داخل العقل


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سامي عبد العال - سياسات البط