أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - أية علمانية وأي إسلام؟















المزيد.....

أية علمانية وأي إسلام؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1434 - 2006 / 1 / 18 - 07:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نقاش مقالة السيد بشر سعيد


تثير مقالة السيد بشر سعيد المنشورة في 29/12/2005 على نشرة كلنا شركاء "بعنوان فصل الدين عن الدولة"، الرغبة بالنقاش لأنها مباشرة وتخلو من المواربة والمراوغة الفكرية التي لا "تسمي الأمور بمسمياتها" حسب تعبيره. ويبدو لي بالفعل أن وراء المقالة تلك رجل صادق في الهم الذي يناقش فيه. وخلاصة قول السيد سعيد أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة هي بمثابة دعوة إلى ترك الدين لأن ما يبقى من الدين بعد ذلك من عبادات وشعائر لا يعدو كونه "حركات وعادات عديمة المعنى". الغاية هي وصل الدين بالدولة وكل ما دون ذلك إنما هو في حكم المؤقت الذي يجب الجهاد والعمل على تغييره. ولكن السيد سعيد يؤمن بالديموقراطية و"بالصناديق الزجاجية" ويصدر في كلامه عن غيرة على حال مجتمع يرى أن خلاصه يكمن في وصل الدين بدولته. وإن أكثر ما يثير حفيظته وما دفعه للكتابة هو دعوة من يدعو إلى منع تشكيل أحزاب على أساس ديني، أي منع المسلمين من أن يكون لهم حزبهم أو أحزابهم.
قبل مناقشة السيد سعيد أبدأ بالتعبير المباشر عن قناعتي بأن الديموقراطية العلمانية هي الإطار الأفضل لحياتنا السياسية، وأسارع إلى القول إن العلمانية التي أقصدها لا علاقة لها بالإلحاد أو بمعاداة الدين بأي شكل – كما يحب أن يفهم بعض الإسلاميين أو بعض العلمانيين – بل تعني استقلالية المستوى السياسي عن المرجعيات المقدسة لصالح مرجعيات دنيوية نسبية قابلة للتفاوض والتعديل والنسف دون أن يشكل ذلك مساً بالمعتقد الديني لأحد أو دون أن يشعر أحد أنه تم انتهاك فضائه الديني الخاص. وحتى حين يتم الاعتماد على القرآن الكريم أو غيره من المصادر المقدسة، كمرجع في الحياة السياسية فليتم ذلك بصفته مرجعاً ينطوي على قيمة معرفية يمكن استنباطها والاهتداء بها دون أن يكون في ذلك سحباً لقداسته إلى مجال الصراع السياسي.
وأضيف على ذلك أن قناعتي هذه لا تعني رفض تأسيس أحزاب أو تجمعات على أسس دينية، فلتتأسس الأحزاب وفقما تشاء شرط أن تحترم حق الآخر بالوجود والعمل الحر وأن تلتزم بالعمل السياسي السلمي التعددي وبمبدأ تداول السلطة، في ظل دولة القانون. وليكن أمام الشعب السوري فرصة التعرف على الجميع ومن ثم الاختيار، على أن ألا يضع أحد فيتو على أحد وأن لا يستأثر أحد بحق ينكره على غيره.
وأضيف أيضاً أن العلمانية، برأيي، تحترم الانتماءات ما دون الوطنية (دينية أو طائفية أو مذهبية أو سوى ذلك) ولا تجد ما يستدعي العمل ضدها أو الحط منها، إلا حين يتم إقحام هذه الانتماءات فيما لا تنتمي إليه، أقصد المستوى السياسي وجوانب الشأن العام الأخرى. أي حين ترتفع هذه الانتماءات فوق الانتماء الوطني الجامع بما يقود إلى قتل فكرة المواطن التي تشكل مبتدأ الحياة الديموقراطية السياسية.
وبعد ذلك أسأل السيد سعيد: ما هي النظرية السياسية التي تتضمنها "رسالة الله الوحيدة الكاملة غير المنقوصة" التي "وضعها الله للناس إلى قيام الساعة"؟ وما هو النظام السياسي الكامل الذي لا يأتيه الباطل إلى يوم الدين؟ وهل هناك بالفعل شكل حكم يدعو إليه كتاب الله ونحن غافلون عنه؟ أم أن هناك من يجتهد ويستنبط، ويريد أن يكسب استنباطه واجتهاده قداسة قرآنية؟ نعلم أن الإسلاميين، كغيرهم، لا يتفقون على اجتهاد معين، وهذا أمر صحي ومحمود، فحسن البنا غير سيد قطب ومصطفى السباعي غير سعيد حوى..الخ، وطالما أن الأمر كذلك لا توجد إذن نظرية سياسية "منزلة" ملزمة للمسلم أو غير المسلم. هناك آراء إسلامية "بشرية" تدخل كغيرها من الآراء والأفكار في ميدان الصراع السياسي كآراء دنيوية لا تمتاز عن غيرها ولا تجتلب لنفسها قوة من خارج منطق الصراع السياسي والفكري العام.
يقول السيد سعيد إن الإسلام يدعو إلى عبادة الله واجتناب الطاغوت، والى المساواة بين الناس فلا ((يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله))، ويعيدنا إلى "السبب الذي من أجله نزلت الرسالات" المتضمن في الآية ((ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب، والميزان: ليقوم الناس بالقسط))، ويؤكد إن الأنبياء لم يجيئوا بهذه الرسالات "لإنشاء جمعيات خيرية..بل أتوا بفكر إنساني ثقافي وسياسي". ويصل إلى ضرورة وصل الدين بالدولة لأن فصل الدين عن الدولة إنما يضع هذه القيم في مهب الريح.
إذا كان حرص السيد سعيد على ربط السياسة بالدين مدفوعاً بالدفاع عن هذه القيم، لا بد له أن يوضح كيف يمكن لوصل السياسة بالدين أن يحمي هذه القيم، بأي آليات ووفق أية مؤسسات وقوانين. وأن يوضح كيف لنا أن ننسخ ما يسميه "دولة كاملة التميز بمقاييس عصرها"، يقصد دولة الخلافة، في عصرنا. أن يوضح لمن لا يعرف، وأنا منهم، ما المقصود بالإسلام حين يقال إن الإسلام هو الحل. يجب أن يتم تقديم هذا القول على شكل برامج سياسية ونظم وقوانين وأشكال حكم ترتفع بنا وتنتشلنا من تخلفنا الاقتصادي والسياسي..الخ، وليس على شكل قول قاطع مكتف بذاته، قول مغرق في تعبويته بقدر ابتعاده عن المجال المعرفي.
المشكلة مع فكرة وصل الدين بالدنيا هي في إقحام المقدسات في المجال السياسي العام، وليست في أي شيء آخر. العلماني أو غير العلماني قد يجد في القرآن الكريم منهلاً غنياً بالمعرفة فينهل منه أفكاراً ويوظف ما يجنيه في المجال السياسي، لا يوجد ثمة مشكلة، لكن المشكلة تبدأ حين يريد السياسي الإسلامي أن يضفي على أفكاره صبغة دينية (قدسية) ما. في هذه الحال يتحول مسعاه الحميد إلى مسعى تفريقي بالضرورة. فلا هو قادر على مناقشة أفكاره مع مخالفيه لأنه يراها مقدسة ونابعة من الدين بألف ولام العهد، وبالتالي فهو يجد في فرض هذه الأفكار نصرة للدين، ويتم بالتالي نتيجة لذلك شحن الصراع السياسي بغيرة الدين الهائلة التي تعبئ المؤمنين باسم الدين تحت رايات سياسية في أساسها. وتصبح الساحة معدة لوسائل الفرض بعد أن نحيت جانباً وسائل الحوار. وهذا الذي ينطبق على أفراد ينطبق على أحزاب ودول.
من جانب آخر، نحن، على اختلاف انتماءاتنا، نعيش على أرض بحدود سياسية معينة اسمها سورية، لا يهم الآن كونها مفروضة وفق مخطط استعماري أم لا، وما يجمعنا، بمختلف انتماءاتنا، هو انتماؤنا لهذه الأرض، هذا الانتماء جامع. حين تقول مواطن فأنت تخاطب الجميع وتلامس انتماء مشتركاً، ولكن حين تقول مسلم أو مسيحي أو.. فأنت تخاطب قسماً دون آخر، ويصبح هذا الخطاب تقسيمي بقدر ما يكون صادراً عن هيئات يفترض أنها تمثل الجميع، أقصد المؤسسات العامة وعلى رأسها الدولة. هذه مشكلة على من يطرح فكرة وصل الدين بالدولة أن يعتبرها. وتزداد هذه المشكلة حدة في سورية الغنية بالأديان والمذاهب والطوائف، إلى حد أن الحديث عن حكم ديني يعني تلقائياً الحديث عن حكم طائفي.
إلى ذلك فإن وصل السياسة بالدين يخلق مشكلة من نوع آخر، وهي مشكلة التوافق أو التوفيق بين الدين والسياسة. بمعنى: ما هو مقياس توافق الممارسة السياسية مع تعاليم الدين؟ ما هي الجهة المخولة بإقرار الاتفاق أو الاختلاف بينهما؟ هل هي برلمان منتخب يضم نواباً من أفراد الشعب بصفتهم مواطنين بصرف النظر عن منبتهم الديني أو الطائفي؟ إذا كان الجواب نعم، فإن أساس الربط بين السياسي والديني ينتفي إذ كيف لمسيحي مثلاً أن يفتي في توافق سياسة ما مع الدين الإسلامي أم لا؟ وهذا ينسحب على بقية المذاهب المغايرة لدين الأغلبية العددية في سورية والتي هي الإسلام السني. وإذا كان الجواب لا، إذن كيف نحل هذه المعضلة؟ هل نخلق منصب قائد أعلى؟ أم مجلس أوصياء؟ وكيف نوفق بين مركزي قرار، أحدهما في البرلمان المنتخب وفق "صناديق زجاجية" مهمته إقرار سياسة البلد وآخر في مكان آخر مهمته إقرار مدى توافق هذه السياسة مع تعاليم الدين الإسلام؟ هذه قضايا تنتظر إجابة صادقة مسؤولة وليس إجابة إيديولوجية سجالية محكومة بغايات سياسية محددة سلفاً.
ذات يوم قال لي ضابط أمن كبير بعد أكثر من 12 سنة على اعتقالي ورداً على استنكاري حجز حريتي بهذا الشكل الاعتباطي: نحن هكذا، غداً إذا حكمتم اشنقونا. وبقيت اذكر هذا القول أربع سنوات إضافية في السجن. إن هذا التشوه الحاصل في مجتمعاتنا والذي يجعل السلطة تنظر إلى الدولة كمستعمرة لها، هذا من دون أن يكون لدى السلطة صبغة دينية، يخلق قلقاً فظيعاً حيال السلطات المتلفعة، فوق هذا التشوه، "بشرعية" دينية ما.




#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - أية علمانية وأي إسلام؟