أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت














المزيد.....

على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5450 - 2017 / 3 / 4 - 19:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنه السبت، يوم القداسة والصلاة اليهودي. في السبت تتوقف عجلة العمل، وتتجه كل الأنظار لخالق الكون. يترك الحطاب خشبه في الغابة. يقفل الراعي على غنمه في الحظيرة. يسقط النجار الإزميل من يده. يضع البناء الصخر جانبا. يقفل الطبيب باب بيته أمام المرضى. ترتاح سيدة البيت من إشعال النار والطبخ والنفخ. يقفل السوق محاله. يؤم الرجال المجمع، فاليوم هو يوم الرب ولا يجوز عمل أي شيء ما لم يكن عمل الرب. وكل من يجرؤ على مخالفة التقليد يموت موتا.

دخل الرجال المجمع واحد تلو الآخر. سمعوا عن رجل يؤم المكان اليوم قد يكون المسيّ المنتظر. هو يسوع ابن يوسف النجار ابن داوود الملك. كان يسوع يشفي المرضى والعميان والعرج والبرص. عرف عنه أنه لا يهاب رجال الدين ويوبخهم على أفعالهم المشينة. تبعه الناس، فالبعض منهم رأى فيه ظاهرة الملك الداوود الذي يحرر الأرض بحد السيف. كان منهم من يتمنى الجلوس معه على العرش. آخرون رأوا في التقرب منه نفوذا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. كان بين الجموع رجل يده يابسة أتى لأنه سمع أن ثمة نبيا يأتي اليوم ليشفي المرضى. دخل رجال الدين وهم يتوجسون حذرا من يسوع، فهم لم يحبونه ولا يستطيعون التنبؤ بما قد يفعله. أتراه يشفي المرضى وينجس السبت؟ أتراه يقضي على تقاليد عمرها مئات بل آلاف السنين؟ أتراه يزلزل العرش ويسحب السجاد من تحت أقدام رجال الدين؟ أتراه يقلب المفاهيم الدينية والاجتماعية التي بنوا عليها أمجادهم؟ أيجتذب الجموع ويتسبب بكارثة إذ يخيل للرومان أنه قائد عسكري، فيأتون بجحافلهم ويدمرون المدينة المقدسة؟ دخل يسوع وكانت كل الأنظار تتجه إليه.

بدا المشهد على شكل مثلث، في إحدى زواياه الشعب، في ثانيها رجال الدين، في ثالثها الرجل صاحب اليد اليابسة وفي وسط المثلث يسوع. نظر يسوع الى الرجل، فارتفعت وتيرة التوتر. أيكسر السبت، أقدس أقداس أيام اليهود؟ نظر رجال الدين الى بعضهم البعض في حذر فيما كانت أنظار الجموع تتنقل بين صاحب اليد اليابسة ورجال الدين ويسوع. نظر يسوع الى الجميع ثم قال للرجل "قم في الوسط". كادت أنفاس رجال الدين تتقطع، لكن لم يجرؤوا على المواجهة. قال لهم يسوع "هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفس أو قتل؟" سكتوا. نظر يسوع حوله بغضب. أحزنه ما هم عليه من بلادة وغباء روحيين. قدسوا السبت حتى وضعوه إلها مكان الإله. فالسبت في نظرهم مثل الله، لا يجوز مسه، أو الاقتراب منه وإليه. هو مثل الله لا يتغير. فليمت من يمت وليحي من يحي، لكن للسبت قدسيته التي هي فوق الحياة والموت، فوق الخير والشر. الانسان للسبت وليس السبت للإنسان، وها هو يسوع يأتي اليوم ليقلب المعادلة ويعيد السبت للإنسان. يقلب يسوع المعادلة فينتزع الشر من السبت ويعيد الخير إليه. اهتزت الأرض تحت أقدام الفريسيين وهو يقول للرجل "مد يدك". خيل إليهم أن الأرض تتزلزل تحتهم وأن المجمع ينقض على رؤوسهم. لم يفعل واحد في تاريخ اليهود ما فعله هذا الرجل. دنس السبت، قلب المفاهيم والأعراف، خلق ثورة روحية واجتماعية وثقافية، هدد الامن القومي، أعاد صياغة الدين، قضى على الفوارق الاجتماعية وحتى الجنسية في المجتمع. كانت خدمته آنذاك لم تتعدى السنتين وفي الأقصى الثلاث، عندما ابتدأت أساسات المجتمع التي عرفوها على مدى آلاف السنين تتزعزع. لم يجرؤا على قول كلمة واحدة، لكن نظراتهم وتعابير وجوههم كانت تقول كلمة واحدة "لا بد من قتله. لا بد من موته". هذا الرجل لم يكن خطرا عليهم وحدهم، بل على المجتمع بأكمله.

مد الرجل يده بناء على أمر يسوع، فعادت صحيحة. نظر الى يده ثم نظر الى يسوع. لم يكن يفهم ما الذي حصل. نظر الى الفريسيين الذين خرجوا من المجمع واحدا تلو الآخر. كان القرار قد اتخذ دون أن ينبسوا ببنت شفة "يجب أن يموت هذا الرجل". تشاور الفريسيون مع الهيرودسيين، فمصالحهم قد التقت. بالنسبة للهيرودسيين، لو لحقت الجموع بيسوع لنصبوه ملكا مكان هيرودس مما يقضي على مصالحهم. بالنسبة للفريسيين لو تبعته الجموع لآمنت بأفكاره مما يؤول الى إلغائهم. خرج يسوع من المجمع. تبعته بعض الجموع. كانت المشاعر تتضارب نحوه. بعضهم رأى نفسه أقرب الى الحرية من نفوذ الرومان، الآخرون رأوا فيه ظاهرة اجتماعية وروحية قد يوظفونها مستقبلا في خدمة مصالحهم وآخرون رأوا فيه المسيّا المنتظر وكانوا يبحثون عن خلاص نفوسهم من الشر الذين يعيشون فيه.

بعدما مضى يسوع بعيدا كانت الجموع تتبعه وتتمنى إعلانه ملكا ليحبطوا مخططات الفريسيين، لكنه أوصاهم ألا يظهروه لكي يتم ما قيل عنه على لسان أشعيا النبي "هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سرت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفأ، حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الأمم".

(تعليق الكاتب: قد ننظر باستخفاف الى التقليد اليهودي القديم الذي قدس السبت على حساب الانسان. لكن لو نظرنا الى أعماق ذواتنا، كم نحن أيضا اليوم نقدس أمورا كثيرة على حساب الانسان. كم قتلنا الانسان باسم إيدولوجية أو دين؟ كم قتلنا امرأة باسم الجنس؟ كم تاجرنا بطفل او امرأة لأننا قدسنا الدعارة؟ كم خربنا دولا باسم النفوذ والمال والكرسي والمصالح؟ كم يتمنا طفلا على حساب خلافات دينية او عقائدية او سياسية؟ قد نكون أسوأ بكثير من الفريسيين الذين قدسوا السبت إذ نحن اليوم نقدس الجنس والمال والملك والرئيس والتقاليد وباسمها نعمل ما لم يعمله اليهود قديما.)



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذرا أيها الحب
- على خطى يسوع-5- الابرص
- على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات
- في التربية والتعليم-1- مقدمة
- على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟
- وكما كان في الميلاد الأول كذلك يكون في الميلاد الثاني
- على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل
- على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا


المزيد.....




- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت