أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر المنصور - بولس والحرية والفكر والإلحاد بين الإسلام والمسيحية















المزيد.....



بولس والحرية والفكر والإلحاد بين الإسلام والمسيحية


ناصر المنصور

الحوار المتمدن-العدد: 5448 - 2017 / 3 / 2 - 17:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مقالتي البارحة علَّقَ الزميل الكاتب بولس اسحق تعليقًا التالي نصه /

1 - اية واحدة فقط لم يختلفوا بها
بولس اسحق ( 2017 / 3 / 2 - 04:52 )
قال أبو جعفر محمد بن جرير: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طَهَ)...يا حبذا لو تعطينا اية لم يختلفوا في تأويلها...فهل اله القران انزل قرانه بلسان عربي مبين ام طلاسم وحزورات...تحياتي.

وهذا رابط مقاتلي البارحة /

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&aid=550102

بالتأكيد من حق الزميل أن يسأل رغم أن سؤاله ليس مرتبطا بأصل موضوع المقالة اللهم اقتنصه من تفسير علماء الإسلام للآية الكريمة التي كانت مدار مقالة البارحة ؛ ولأن سؤاله في غاية الأهمية رأيت من المناسب أن اكتب مقالة ذات أوجه متعددة تمس ذات السؤال وإن غلب عليها الإعتقاد وحرية الفكر والرأي والاجتهاد بين الإسلام والمسيحية ؛
وأوكد أنني لست مُلْزَما بما أنقل وأكتب ! أو مُلْزِمٌ به غيري ؛ إنما أنقل فحسب !

أسباب الاختلاف في التفسير

لا يخفى على أحد الخلاف الواقع بين المفسرين، ومن طالع في كتبهم يدرك ذلك، ولكن الخلاف بينهم على نوعين اختلاف مذموم واختلاف سائغ وبعضهم يسميه "خلاف محمود"، ولكليهما أسباب، وقبل الكلام على الأسباب لا بد من الكلام على بعض المقدمات، وهي تعريف الاختلاف، فالاختلاف هو ضد الاتفاق، وقال الراغب: "الاختلافُ والمخالفة: أن يأخذ كلّ واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله، والخِلَاف أعمّ من الضّدّ، لأنّ كلّ ضدّين مختلفان، وليس كلّ مختلفين ضدّين، ولمّا كان الاختلاف بين النّاس في القول قد يقتضي التّنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة"، الاختلاف: لغة ضدّ الاتفاق، قال بعض العلماء: إنّ الاختلاف يستعمل في قول بني على دليل، والخلاف فيما لا دليل عليه" ونبدأ بالاختلاف المذموم وهو اختلاف التضاد قال السيوطي: "الِاخْتِلَافُ عَلَى وَجْهَيْنِ اخْتِلَافُ تَنَاقُضٍ وَهُوَ مَا يَدْعُو فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إِلَى خِلَافِ الْآخَرِ"، وهذا الاختلاف محمول على الاختلاف في الأصول دون الفروع.
فهذا النوع مثل اختلاف الفرق المبتدعة المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يفسرون القرآن بما يوافق أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة، كما هو الحال في تفاسير الرافضة والباطنية والصوفية والمعتزلة والأشاعرة، يقول محمد السيد الذهبي رحمه الله: " الكتب التي جَدَّت بعد ذلك -يعني بعد الصحابة والتابعين- فإن كثيراً منها، كتفاسير المعتزلة والشيعة، مليئة بأخطاء لا تُغتفر، حملهم على ارتكابهم نُصرة المذهب والدفاع عن العقيدة.أما هاتان الجهتان اللتان يرجع إليهما الخطأ في الغالب فهما ما يأتي:
الجهة الأولى: أن يعتقد المفسِّر معنى من المعاني، ثم يريد أن يحمل ألفاظ القرآن على ذلك المعنى الذي يعتقده.
الجهة الثانية: أن يفسِّر القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه مَنْ كان مِنَ الناطقين بلغة العرب. وذلك بدون نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزَّل عليه، والمخاطَب به.
فالجهة الأولى: مراعى فيها المعنى الذي يعتقده المفسِّر من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
والجهة الثانية: مراعى فيها مجرد اللفظ وما يجوز أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به والمخاطَب، وسياق الكلام.
ثم إن الخطأ الذي يرجع إلى الجهة الأولى يقع على أربع صور:
الصورة الأولى: أن يكون المعنى الذي يريد المفسِّر نفيه أو إثباته صواباً، فمراعاة لهذا المعنى يحمل عليه لفظ القرآن، مع أنه لا يدل عليه ولا يُراد منه، وهو مع ذلك لا ينفى المعنى الظاهر المراد، وعلى هذا يكون الخطأ واقعاً في الدليل لا في المدلول، وهذه الصورة تنطبق على كثير من تفاسير الصوفية والوعَّاظ الذين يفسِّرون القرآن بمعان صحيحة في ذاتها ولكنها غير مرادة.
الصورة الثانية: أن يكون المعنى الذي يريد المفسِّر نفيه أو إثباته صواباً، فمراعاة لهذا المعنى يسلب لفظ القرآن ما يدل عليه ويُراد به، ويحمله على ما يريده هو، وعلى هذا يكون الخطأ واقعاً في الدليل لا في المدلول أيضاً، وهذه الصورة تنطبق على تفاسير بعض المتصوفة الذين يفسِّرون القرآن بمعان إشارية صحيحة في حد ذاتها، ومع ذلك فإنهم يقولون: إن المعاني الظاهرة غير مرادة، وتفسير هؤلاء أقرب ما يكون إلى تفسير الباطنية.
الصورة الثالثة: أن يكون المعنى الذي يريد المفسِّر نفيه أو إثباته خطأ، فمراعاة لهذا المعنى يحمل عليه لفظ القرآن، مع أنه لا يدل عليه ولا يُراد منه، وهو مع ذلك لا ينفى الظاهر المراد، وعلى هذا يكون الخطأ واقعاً في الدليل والمدلول معاً، وهذه الصورة تنطبق على ما ذكره بعض المتصوفة من المعاني الباطلة، وذلك كالتفسير المبنى على القول بوحدة الوجود، كما جاء في التفسير المنسوب لابن عربي عندما عرض لقوله تعالى: ﴿ واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ [سورة المزمل:8] من قوله في تفسيرها: واذكر اسم ربك الذي هو أنت، أي اعرف نفسك ولا تنسها فينساك الله.... إلخ.
الصورة الرابعة: أن يكون المعنى الذي يريد المفسِّر نفيه أو إثباته خطأ، فمراعاة لهذا المعنى يسلب لفظ القرآن ما يدل عليه ويُراد به، ويحمله على ذلك الخطأ دون الظاهر المراد، وعلى هذا يكون الخطأ في الدليل والمدلول معاً، وهذه الصورة تنطبق على تفاسير أهل البدع، والمذاهب الباطلة، فتارة يلوون لفظ القرآن عن ظاهره المراد إلى معنى ليس في اللفظ أي دلالة عليه، كتفسير بعض غلاة الشيعة: "الجبت والطاغوت" بأبي بكر وعمر، وتارة يحتالون على صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى فيه تكلف غير مقبول، وذلك إذا أحسوا أن اللفظ القرآني يصادم مذهبهم الباطل، كما فعل بعض المعتزلة ففسَّر لفظ "إلى" في قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ بالنعمة، ذهاباً منهم إلى أن "إلى" واحد الآلاء، بمعنى النعم، فيكون المعنى: ناظرة نعمة ربها، على التقديم والتأخير، وذلك كله ليصرف الآية عما تدل عليه من رؤية الله في الآخرة.
وأما الخطأ الذي يرجع إلى الجهة الثانية فهو يقع على صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون اللفظ محتملاً للمعنى الذي ذكره المفسِّر لغة، ولكنه غير مراد، وذلك كاللفظ الذي يُطلق في اللغة على معنيين أو أكثر، والمراد منه واحد بعينه، فيأتي المفسِّر فيحمله على معنى آخر من معانيه غير المعنى المراد، وذلك كلفظ "أُمَّة" فإنه يُطلق على معان، منها: الجماعة، والطريقة المسلوكة في الدين، والرجل الجامع لصفات الخير، فحمله على غير معنى الطريقة المسلوكة في الدين في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ [الزخرف:22] غير صحيح وإن احتمله اللفظ لغة.
الصورة الثانية: أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنى بعينه، ولكنه غير مُراد في الآية، وإنما المراد معنى آخر غير ما وضع له اللفظ بقرينة السياق مثلاً، فيخطئ المفسِّر في تعيين المعنى المراد، لأنه اكتفى بظاهر اللغة، فشرح اللفظ على معناه الوضعي، وذلك كتفسير لفظ "مبصرة" في قوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً ﴾ [الإسراء:59] بجعل "مبصرة" من الإبصار بالعين، على أنها حال من الناقة، وهذا خلاف المراد، إذ المراد: آية واضحة".
ومن أسباب الاختلاف اعتماد بعض المفسرين على الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وكذلك الروايات الإسرائيليات التي تخالف العقل والنقل واعتبار ذلك أصلا في التفسير وهو مناقص لما ثبت في تفسير القرآن.
ومن أسباب الاختلاف اعتماد البعض على مجرد المعرفة باللغة وتفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلى أصول التفسير وأدواته.
وأما الاختلاف المحمود فهو اختلاف التنوع، وهو الذي يمكن الجمع بين الأقوال فيه، كأن يعبر كل مفسر عن المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى، أو تكتمل بها صورته ويستقر المعنى في الأذهان، أو أن يفسر بعضهم اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور واحد: وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه، ومن أسباب الاختلاف هذا:
1- أن يكون في الآية أكثر من قراءة فيفسر كل منهم الآية على قراءة مخصوصة.
2- ومنها الاختلاف في الإعراب، فإن للإعراب أثره في تفسير الآية: ومثاله اختلافهم في قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران:7]، فقد اختلفوا في ﴿ وَالرَّاسِخُونَ ﴾ فقيل: عطف نسق على لفظ الجلالة، وقيل: مبتدأ والخبر في قوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ فعلى القول الأول أن الراسخين يعلمون تأويله وعلى القول الثاني لا يعلمون، وسبب هذا الاختلاف، الاختلاف في الإعراب.
3- ومن أسباب الاختلاف احتمال اللفظ أكثر من معنى كالاشتراك اللغوي، فإن بعض الكلمات لها أكثر من معنى في اللغة كلفظ "قسورة" الذي يطلق على الرامي وعلى الأسد، ولفظ "النكاح" الذي يطلق على العقد وعلى الوطء، ولفظ "القرء" الذي يطلق على الحيض وعلى الطهر، وهناك أسباب أخرى غير ذلك.
4- ومن أسباب الخلاف أيضاً الخلاف في تصحيح رواية وتضعيفها، وكذلك الاختلاف في سبب نزول بعض الآيات بحيث قد يكون في سبب نزول آية قولين أو أكثر.
5- ومن أسباب الاختلاف هذا هو مذهب المفسر الفقهي.
6- ومن أسباب الاختلاف أيضا الاختلاف في الإطلاق والتقييد، فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق على إطلاقه، وقد يقول بعضهم بتقييد هذا المطلق بقيد ما، فقد ورد عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار فقد وردت مطلقة في سورتي المائدة والمجادلة، ووردت مقيدة كما في سورة النساء، فحمل بعض المفسرين المطلق علي المقيد وقالوا لا تجزئ الرقبة الكافرة، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه، وكذلك الاختلاف في العموم والخصوص.
7- ومن أسباب الاختلاف، الاختلاف في فهم حروف المعاني، من ذلك الباء في قوله عز وجل: ﴿ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَين ﴾ [سورة المائدة:6]، هل هي للملاصقة أم للتبعيض؟ فقيل إنها للملاصقة وقيل للتبعيض والخلاف في ذلك موجود في كتب التفسير والفقه.
فهذه أبرز الأسباب للاختلاف في تفسير نصوص القرآن الكريم.


خلاف علماء الإسلام في مسائل الفقه الاسلامي

قد يستغرب بعض الناس غير المتخصصين في علوم الشريعة الاختلافَ الذي حدث بين العلماء، لاعتقاده أنَّ القرآن والسنة لا يفهمان إلا بطريقة واحدة، وأنَّ الحق واحد لا يتعدد، فلماذا التعدد في الأقوال، ولم لا يوحَّد بين المذاهب، فيؤخذ بقول واحدٍ يسير عليه المسلمون، باعتبارهم أمة واحدة؟ وقد يتوهم بعضهم أنَّ اختلاف المذاهب يؤدي إلى تناقض في الشرع، أو المصدر التشريعي، أو أنه اختلاف في العقيدة كاختلاف فرق غير المسلمين.
وهذا كله مجرد وهم لا يَمُتُّ إلى الواقع بصلة، فإنَّ اختلاف المذاهب الإسلامية رحمة ويسر بالأمة، وثروة تشريعية كبرى، وتنوع وجهات النظر في إطار النص وفق قواعد محكمة، وقوانين لغوية وأصولية متقنة، يمثل جانباً مشرقاً من جوانب هذا الدين، ومن فضل الله تعالى أن هذه المذاهب المعتبرة كالمالكية والحنفية والشافعية والحنابلة لم يقع بينها اختلاف في العقائد ولا في أصول الدين، ولم نسمع في تاريخ الإسلام أنَّ اختلاف المذاهب الفقهية أدى إلى نزاع أو صدام، بل هو اختلاف جزئي لا يضر، ولذا قال الإمام السيوطي رحمه الله في رسالته المسماة: "جزيل المواهب في اختلاف المذاهب" : ( اعلم أنَّّ اختلاف المذاهب في الملة نعمة كبيرة، وفضيلة عظيمة، وله سر لطيف أدركه العالمون، وعمي عنه الجاهلون، حتى سمعت بعض الجهال يقول: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء بشرع واحد، فمن أين مذاهب أربعة ؟
وقال الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله في الاعتصام: (فإنَّ الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف).
وقال الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله: (اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يُنَصِّبْ على جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَدِلَّةً قَاطِعَةً بَلْ جَعَلَهَا ظَنِّيَّةً قَصْدًا لِلتَّوْسِيعِ على الْمُكَلَّفِينَ لِئَلَّا يَنْحَصِرُوا في مَذْهَبٍ وَاحِدٍ).
ولِمَا لهذاالاختلاف بين العلماء من الأهمية، قال هشام بن عبد الله الرازي: (من لم يعرف الاختلاف فليس بفقيه).
وقال عطاء: (لا ينبغي لأحد أن يفتي حتى يكون عالمًا باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه).
وقال قتادة: (من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه).
وذكر الإمام الحافظ ابن عبد البرِّ في كتابه جامع بيان العلم وفضله بسنده إلى رجاء بن جميل قال: "اجتمع عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد رضي الله عنهما فجعلا يتذاكران الحديث، قال: فجعل عمر يجيء بالشيء يخالف فيه القاسم، قال: وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه، فقال له عمر: (لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم).
ثم ذكر الإمام الحافظ ابن عبد البر بعد ذلك قول القاسم بن محمد: (لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه "ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا" ؛ لأنه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة).
وذكر الإمام الحافظ المحدث الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الفقيه والمتفقه بسنده إلى عون بن عبد الله بن عتبة، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: (ما يسرني باختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حمر النعم، لأنا إن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا، وإن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا).
وهذه الأقوال في حق المقلد، وأما المجتهد فيلزمه الاجتهاد للوصول إلى ما يعتقد أنه الحق.
وقال الإمام المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: (ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه).
بل إنَّ العلماء حرصوا على بقاء هذه التوسعة، وعدم سدِّ ابوابها، فقد استشار الرشيد الإمام مالك أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل فمنعه من ذلك، وقال: (إنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم ).
وصنف رجل كتاباً في الاختلاف فقال الإمام أحمد بن حنبل: (لا تسمه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة).

ولهذا الاختلاف أسباب واضحة:
أولاً: اختلاف معاني الألفاظ العربية: إما بسبب كون اللفظ مجملاً، أو مشتركاً، أو متردداً بين العموم والخصوص، أو بين الحقيقة والمجاز، أو بين الحقيقة والعرف، أو بسبب إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة، أو بسبب اختلاف الإعراب، أو الاشتراك في الألفاظ إما في اللفظ المفرد: كلفظ القُرْء الذي يطلق على الأطهار وعلى الحيضات، ولفظ الأمر: هل يحمل على الوجوب أو على الندب، ولفظ النهي: هل يحمل على التحريم أو الكراهية، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف.
والتردد بين الإطلاق والتقييد: نحو إطلاق كلمة الرقبة في العتق في كفارة اليمين، وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل الخطأ.
ثانياً: الاختلاف في الحديث النبوي: بسبب بلوغه بعض المجتهدين دون بعض، وبسبب الاختلاف في بعض الرواة توثيقاً وتضعيفاً، أو الاختلاف في شروط الصحة، وهل يعتبر المرسل حجة أم لا؟ وهل يعمل بالضعيف أم لا؟ وقد يبلغ بعضهم الحديث بسند صحيح ويبلغ الآخر بسند ضعيف، ومن حيث الاختلاف في توثيق الرواة أو توهينهم.
ثالثاً: الاختلاف في حجية بعض الأدلة: فيرى بعض الأئمة أن قول الصحابي حجة يجب قبولها، ويرى بعضهم أنه ليس بحجة، وكمن يرى عمل أهل المدينة حجة ولا يراه غيره، وهكذا.
رابعاً: الاختلاف في بعض القواعد الأصولية: كقاعدة العام المخصوص هل هو حجة أو لا، والزيادة على النص القرآني هل هي نسخ أم لا، ونحو ذ



(الإسلام ... وحرية الفكر)


قال لي أحدهم وهو يجادلني: أنت لست حر الفكر!
قلت: لماذا؟
قال: هل تؤمن بوجود إله؟
قلت: نعم.
قال: وتصلي له وتصوم؟
قلت: نعم.
قال: إذن فلست حر الفكر!!
قلت مرة أخرى: ولماذا؟
قال: لأنك تؤمن بخرافة لا وجود لها!
قلت: وأنتم؟ بماذا تؤمنون؟ من الذي خلق الكون والحياة؟
قال: الطبيعة!
قلت: وما الطبيعة؟!
قال: قوة خفية ليس لها حدود، ولكن لها مظاهر يمكن أن تدركها الحواس.
قلت: أنا أفهم أن تمنعني من الإيمان بقوة خفية لتعطيني بدلاً منها قوة محسوسة، ولكن إذا كانت المسألة قوة خفية بقوة خفية، فلماذا تأخذ مني إلهي الذي أجد الأمن والراحة والسلام في الإيمان به، لتعطيني بدلاً منه إلهاً آخر لا يستجيب لي ولا يسمع مني الدعاء؟!
* * *
تلك هي قضية حرية الفكر لدى التقدميين! حرية الفكر تعني الإلحاد! وإذ كان الإسلام لا يبيح الإلحاد، فهو إذن لا يبيح حرية الفكر!
وتسأل هؤلاء: ما ضرورة الإلحاد في ظلّ الإسلام؟!
لقد كان الإلحاد ضرورة في أوربا لأسباب محلية ليس من الضروري أن تتكرر في كل مكان. فالصورة التي أعطتها الكنيسة الأوربية للعقيدة المسيحية من جهة، وخنق الكنيسة لحركة العلم، وتحريق العلماء وتعذيبهم، وفرض الخرافات والأكاذيب على الناس باسم كلمة السماء من جهة أخرى.. كل ذلك قد فرض الإلحاد فرضاً على أحرار الفكر من الأوربيين، ومزق سائرهم بين الاتجاه البشري الطبيعي للإيمان بالله، وبين الإيمان بالحقائق العلمية من نظرية وتجريبية.
وكانت فكرة الطبيعية مهرباً يخلص به الناس من هذا الإشكال شيئاً من الخلاص. فكأن الأوربيين يقولون للكنيسة: خذي إلهك الذي تستعبديننا باسمه، وتفرضين علينا الإتاوات المرهقة والدكتاتورية الطاغية، والأوهام والخرافات، والذي يقتضينا الإيمان به أن نتنسك ونتعبد ونترهبن.. وسوف نؤمن بإله جديد، له معظم خصائص الإله الأول، ولكنه إله ليس له كنيسة تستعبد الناس، وليس له عليهم التزامات خلقية أو فكرية أو مادية، فهم في رحابه طلقاء من كل القيود.
أما نحن في الإسلام فما حاجتنا إلى الإلحاد؟
ليس في العقيدة إشكال يحير الذهن. إله واحد هو الذي خلق الكائنات كلها وحده، وإليه مرجعها وحده لا شريك له ولا معقب لكلماته. فكرة بسيطة واضحة لا يختلف عليها أحد ولا ينبغي أن يختلف عليها عاقل!
وليس في الإسلام " رجال دين " كالذين كانوا في أوربا: فالدين ملك للجميع. ينهلون منه، كل على قدر ما تطيقه طبيعته ومؤهلاته الفكرية والروحية، والجميع مسلمون " ولكل درجات مما عملوا " وأكرم الناس عند الله أتقاهم، سواء كانت وظيفته أنه مهندس أو مدرس أو عامل أو صانع. وليس الدين حرفة من بين هذه الحرف. فالعبادات كلها تتم بغير وساطة رجال الدين. أما الجانب الفقهي والتشريعي في الإسلام فطبيعي أن يتخصص في أناس باعتباره الدستور الذي يقوم عليه الحكم. ولكن موقفهم هو موقف كل المتخصصين في الفقه الدستوري والتشريعي في كل بلد من البلاد، لا يملكون بصفتهم هذه سلطة على الناس ولا امتيازاً " طبقياً " عليهم. وإنما هم مستشارو الدولة وفقهاؤها فحسب. والذين يسمون أنفسهم " هيئة كبار العلماء " أحرار في أن يتسموا بهذا الاسم أو غيره. ولكن ليس لهم سلطان على أحد. ولا يملكون من أمر الناس شيئاً إلا في حدود الشريعة. والأزهر معهد علمي ديني. ولكنه ليس سلطة تحرق العلماء أو تعذبهم، وكل ما يملكه أن يطعن في فهم أحد الناس للدين ويخطِّئ رأيه. وهو حر في ذلك، لأن الناس أيضاً يملكون أن يطعنوا في فهم رجال الأزهر للدين ويخطئوا آراءهم. لأن الدين ليس حكراً لأحد ولا هيئة، وإنما هو لمن يحسن فهمه وتطبيقه.
وحين يقوم الحكم الإسلامي لن ينتشر " علماء الدين " في الدواوين، ولن يتغير في نظام الحكم شيء إلا قيامه على الشريعة الإسلامية. ولكن شئون الهندسة تظل في يد المهندسين، وشئون الطب في يد الأطباء، وشئون الاقتصاد في يد الاقتصاديين (على شرط أن يكون الاقتصاد الإسلامي هو الذي يحكم المجتمع) وهكذا وهكذا في كل شئون الحكم.
وليس في العقيدة الإسلامية ولا النظام الإسلامي ما يقف في طريق العلم بنظرياته وتطبيقاته، ووقائع التاريخ هي الحكم في هذا الشأن. فلم نسمع بأن عالماً حرق أو عذب لأنه اكتشف حقيقة علمية. والعلم الصحيح لا يتعارض مع عقيدة المسلم في أن الله هو الذي خلق كل شيء. ولا يتعارض مع دعوة الإسلام للناس أن ينظروا في السموات والأرض ويتفكروا في خلقها ليهتدوا إلى الله. وقد اهتدى إلى الله كثير من علماء الغرب الملحدين أنفسهم عن طريق البحث العلمي الصحيح.
أي شيء إذن في الإسلام يدعو إلى الإلحاد؟ إلا أن تكون شهوة التقليد الأعمى للسادة المستعمرين؟
يقولون إنهم يريدون أن يكونوا أحراراً في أن يكتبوا ضد العقائد والعبادات، وأن يسخفوها للناس ويدعوهم إلى التحلل منها دون أن يقعوا تحت طائلة القانون.
نعم. ولكن لماذا؟ إن هذا ليس كما يفه البعض هدفاً في ذاته، وإنما هو كان في أوربا وسيلة لهدف آخر هو تحرير الفكر من الخرافة، وتحرير الناس من الطغيان. فإذا كانوا يملكون هذه الحرية وتلك في ظل الإيمان، فما الهدف الذي يريدون تحقيقه؟
يريدون الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية بغير رادع، تلك هي حقيقة المسألة. وليس الجانب الفكري إلا ستاراً يغطون به عبوديتهم للشهوات، ثم يزعمون أنهم أحرار الفكر. وليس الإسلام مكلفاً أن يطيع العبيد وهو يدعو إلى التحرر من كل سلطان بما في ذلك سلطان الشهوات.
* * *
ويقولون إن نظام الحكم في الإسلام دكتاتوري بطبعه. لأن الدولة فيه تملك سلطة واسعة، ويزيد الأمر سوءاً أنها تملكها باسم الدين، باسم شيء مقدس له على نفوس الناس سلطان. فما أسهل ما يغري هذا السلطان بالدكتاتورية، وما أسهل ما تستنيم لها الدهماء. وبهذا تختنق حرية الرأي، ويصبح الخارج على الحاكم عرضة للاتهام بالخروج على الدين.
فمن أين جاءوا بهذا القول الغريب على الدين؟
أمن قول الله عزّ وجلّ: " وأمرهم شورى بينهم " [98]؟ وقوله: " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " [99].
أم من قول أبي بكر: ".. فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم "؟
أم من قول عمر: " فإن وجدتم فيّ اعوجاجاً فقوموه " فيقول له رجل من المسلمين: " والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد السيف " فيغتبط عمر ويرضى ويحمد الله على ذلك؟!
نعم وجد الطغيان باسم الدين في التاريخ، ويمكن أن يقوم في أي وقت. ولكن من ذا الذي يقول إن الدين وحده هو ستار الطغيان في الأرض؟ وهتلر؟ هل كان يطغى باسم الدين؟ وستالين؟ لقد اعترفت الصحافة الروسية ذاتها بدكتاتورية ستالين – بعد موته – وقالت إنه كان يحكم روسيا حكماً بوليسياً فظاً لا يجوز أن يتكرر! وفرانكو؟ ومالان في جنوب افريقيا؟ وشان كاي شك في الصين الوطنية؟ وماوتسي تونج في الصين الشيوعية؟ كل هؤلاء يطغون باسم الدين؟! لقد رأى هذا القرن " المتحرر " من سلطان الدين أبشع دكتاتوريات التاريخ، بعنوانات أخرى لامعة لا تقل قداسة في نفوس أتباعها عن قداسة الدين في نفوس المؤمنين.
وما يدافع أحد عن الدكتاتورية، وما يرضاها إنسان حر الفكر والضمير. ولكن استقامة الطبع والفكر تقتضي الإقرار بالحق الخالص دون ميل مع الهوى والشهوات. والحق أن كل معنى جميل يمكن استغلاله والتستر وراءه لقضاء المآرب الشخصية وقد ارتكبت باسم الحرية أفظع الجرائم في الثورة الفرنسية. فهل نلغي الحرية؟ وباسم الدستور سجن الأبرياء وعذبوا وقتلوا، فهل نلغي الدساتير؟ وباسم الدين قام الطغيان حقاً في الأرض فهل يبرر ذلك أن نلغي الدين؟ كان هذا يكون مطلباً معقولاً لو أن الدين في ذاته، بتعاليمه ونظمه يؤدي إلى الظلم والطغيان. فهل يصدق ذلك على الإسلام الذي ضرب من أمثلة العدل المطلق – لا بين المسلمين وحدهم، بل بين المسلمين وأعدائهم من المحاربين – ما أقر به حتى أولئك الأعداء في أكثر من حادث وأكثر من فترة على مدار التاريخ؟
إنما علاج الطغيان أن ننشئ شعباً مؤمناً يقدر الحرية التي ينادي بها الدين ويحرص عليها، فيصد الحاكم عن الظلم، ويقف به عند حده المرسوم. ولست أحسب أن نظاماً يهدف إلى ذلك مثل النظام الذي جعل من واجب الشعب تقويم الحاكم الظالم. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره.. [100] " ويقول: " إن من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام جائر [101]"..
طريقكم إذن للتحرر أيها التقدميون ليس إلغاء الدين. وإنما هو تعليم الناس هذه الروح الثائرة التي تنفر من الظلم وتقوّم الظالمين. وإنها في صميمها لروح هذا الدين. اه الأستاذ محمد قطب .


مفهوم الحرية والفكر في المسيحية

الحرية: أهميتها، أنواعها، ضوابطها
لقد خلق الله الإنسان حرًا. وبالحرية ميزه عن مخلوقات أخري كثيرة. وقد تغني الناس بالحرية. فقال أحد أدباء الغرب: لو انك فقدت كل شيء، ما عدا الحرية، فأنت لا تزال غنيًا . وتجاه الحرية، يقف ذلك السؤال الشهير:
هل الإنسان مسير أم مخير؟
وواضح أن الإنسان مخير في كل ما يفعله. ولكي لا ينحرف بحريته فيخطئ، زوده الله بالعقل الذي ينير أمامه الطريق، وأيضًا بالضمير لكي يميز بين الخير والشر. كما زوده كذلك بالوصية الإلهية لكي يلتزم بها في كل تصرفات حياته.
والدليل علي حرية الإنسان، إن الحرية ترتبط دائما بالمسئولية، فإن لم يكن الشخص حر الإرادة، فلا مسئولية عليه، وان لم يكن حرا، فكيف يلتزم بوصايا الله؟! وما لزوم أمور عديدة ينهاه الله عنها، إن لم تكن له حرية إرادة؟ وإلا انطبق عليه قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
كذلك فإن ارتكاب الخطيئة دليل علي أن الإنسان مخير.. لأن الله لا يسير أحدا في طريق خاطئ.. إنما المخطئ يرتكب الخطأ عن طريق اختياره له.
وأيضًا أن لم تكن هناك حرية، فلا حساب إذن ولا دينونة في الآخرة ولا ثواب ولا عقاب.
الإنسان إذن مخير لا مسير.. فهل هو مخير في كل شيء؟
طبعا لم يكن أي شخص مخيرًا من جهة البلد الذي ولد فيه، ولا من جهة الجنس الذي ينتمي إليه. ولم يكن مخيرًا في نوع شكله وملامحه، وفي فصيلة دمه، وفي كثير من المواهب التي أعطيت له، أو التي حرم منها.. لم يكن مخيرا في نشأته، ولا في اختيار أسرته، ولا فيما ورثه عن تلك الأسرة من دم ومن عقل، وأمور اجتماعية..
ولكنه علي الرغم من كل هذا هو مخير في تصرفاته، ومخير في أن يصلح بقدر الإمكان من مستوي نشأته، كما في تغيير مستواه في أمور عديدة.
هنا ونسأل: هل الإنسان حر في أحلامه؟
وللإجابة علي هذا السؤال، نقول أن هناك أنواعًا من الأحلام فقد توجد أحلام عبارة عن إعلان من الله، مثل الأحلام التي فسرها يوسف الصديق لفرعون. وهناك أحلام أخري عبارة عن حروب من الشياطين. وهذان النوعان لا إرادة للإنسان فيهما ولا حرية، وبالتالي لا مسئولية.
غير أن هناك أحلامًا ناتجة عما يخزنه كل شخص في عقله الباطن من شهوات أو رغبات أو أفكار أو مخاوف.. وما تجمعه الحواس من نظر وسمع.. وهذه قد تظهر له بصورة أحلام. ويبدو انه لا حرية للإنسان فيها. ولكنها ناتجة عن حرية سابقة، فيما خزنه لنفسه.. وهي لا تدخل في نطاق الأمور الإرادية، إنما في شبه الإرادية أو نصف الإرادية. وعليه مسئولية تجاهها، علي الأقل من جهة الأسباب التي أوصلتها إليه.
ولهذا، فإن كان الإنسان أمينا علي نفسه وروحياته أثناء الصحو، ستكون أحلامه أمينة له أثناء نومه.
ضوابط الحرية وحدودها:
إن الإنسان فيما هو مخير فيما يفعل، لكنه ليس مخيرا بطريقة مطلقة، إنما تحد من حريته أمور مهمة تنطبق علي الكل.
فله أن يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم، فلا تستخدم الحرية في إهانة الغير، ولا في السب والقذف، ولا أن تبني راحته علي تعب الآخرين. وليس هو حرا في استخدام العنف ضد غيره.
وهو أيضا حر في حدود الالتزام بالنظام العام، والالتزام بالآداب العامة، وبقوانين البلد الذي يعيش. مثال ذلك فإنه في أكثر البلاد تمسكًا بالحرية، لا يستطيع أحد أن يكسر قواعد المرور وإشاراته، ويقول: أنا حر أفعل ما أشاء!
هو أيضا حر في حدود وصايا الله، فلا يعصاها ويسلك حسب هواه. وهكذا فإن المؤمنين بالحرية، ينادون بالحرية المنضبطة، وليس بالحرية المطلقة.
ولهذا، فإن الذي يتجاوز حدود حريته، ولا يلتزم بالوضع السليم، فإن القانون يلزمه بذلك، والعقوبة تردعه.. بل أن حرية الإنسان ينبغي ضبطها منذ الصغر. وهنا يبرز لزوم التربية والتعليم. ويقوم واجب الأسرة في ضبط حرية الطفل، بحكمة، حتى لا ينحرف. ثم واجب المدرسة أيضا في تعليم الطلبة قواعد الحرية وحدودها وضوابطها.
كذلك ليس الإنسان حرا في إيذاء نفسه:
فلا يقع الإنسان في إدمان الخمر أو المخدرات أو التدخين، ويتلف صحته وإرادته، ويضيع ماله فيما يضره. ويقول أنا حر!.. كلا، ليس هو حرا فيما يجلب له الأذى. فصحته وديعة في يديه، لا يملكها وحده، بل يملكها أيضا المجتمع الذي رباه ورعاه، والذي هو مكلف بخدمته وأداء واجبه نحوه.. كذلك ليس الإنسان حرًا في أن يقتل نفسه، أي ينتحر بطريقة ما. فحياته ليست ملكا له وحده. كما انه ليس حرا في كسر وصية الله القائلة لا تقتل . والتي تنطبق أيضا عليه من جهة نفسه كما من جهة غيره.
أنواع الحرية:
في نطاق الحرية المنضبطة، توجد أنواع من الحرية، منها الحرية الشخصية، حرية الإرادة، وحرية الفكر، وحرية إبداء الرأي، وحرية الاجتماع، وحرية العقيدة، والحرية السياسية.
فالإنسان من حقه أن يفكر بحرية كما يشاء. ولكن بضوابط: فليس من حريته أن يسرح في أفكار ظالمة، أو في أفكار نجسة، وان كانت قوانين الدولة لا تردعه من جهة هذا الفكر، فإن الضمير يوبخه، ويأمره أن يضبط فكره حتى لا يدنس نفسه.. ثم هل في حريته أن يعتنق فكرا هداما؟! وان اختار بحريته هذا الفكر، فليس من حقه أن ينشره. وإلا فإنه يؤذي المجتمع الذي يعيش فيه. وهنا من حق الدولة أن تضبط الأفكار الهدامة التي تبلبل أذهان الناس وتقود تصرفاتهم في اتجاه ضار.
الإنسان له حرية العقيدة، من جهة الدين والتدين، وما يتبع ذلك من حرية العبادة.
وقد تمادي البعض في هذه الحرية، حتى وصلوا في بعض البلاد إلي الإلحاد. كما وصلوا إلي كثير من الانحرافات العقيدية وإلي تشويش أذهان الآخرين، ونشر الشكوك في الثوابت من الأمور الإيمانية. وتجرأ بعضهم في بلاد الغرب إلي مطالبتهم بعدم تدريس الدين، لأنه لا يوافق معتقداتهم. كذلك وصل بهم الأمر إلي الشذوذ الجنسي والمطالبة باعتماد قانون من الدولة. وبعض الدول سمحت لهم بهذا كما في كندا. كما ضغطوا علي بعض الهيئات الدينية لاعتماد الشذوذ. وطالبوا لأنفسهم بحقوق كشواذ
أما عن الحرية السياسية فللإنسان الحق في اختيار النهج السياسي الذي يوافقه، والحزب السياسي الذي يستريح لمبادئه.
كما أن له حق الانتخاب وحق الترشيح في حدود القانون. ولكن الحرية السياسية ينبغي أن تكون منضبطة أيضا. فلا ينضم أحد إلي نهج سياسي مدمر، ولا ينضم إلي حزب متمرد علي النظام، يثير الشقاق ويدعو إلي التخريب وإلي محاولة قلب نظام الحكم.
وفي نطاق الحرية السياسية، تدخل حرية الصحافة وحرية النشر والمفروض في هذه الحرية أن تكون منضبطة أيضًا، بحيث لا تكون أداة تشهير بالناس، وسب البعض وقذفهم بحجة حرية الرأي. ولا يجوز للصحافة أن تخرج من الناحية الموضوعية إلي النواحي الشخصية، التي تمس أعراض الناس وسمعتهم وأمورهم الشخصية.
إن الحرية سلاح ذو حدين، فهي نافعة ولازمة أن سارت في طريق سليم. وإلا إذا انحرفت فإنها تضر الإنسان ومن حوله.
الحرية الحقيقية:
ختاما ما هي الحرية الحقيقية؟ ذلك لأن هناك بعض الناس يسمون أنفسهم أي متحررين، وهم يسيرون حسب هواهم في طريق خاطئ، يتحررون فيه من القيم والثوابت..! أما الحرية الحقيقية، فهي أن يتحرر الإنسان من كل فكر خاطئ، ومن كل طبع رديء، ومن كل شهوة منحرفة، ومن كل خطيئة.
مثل هذا الإنسان إذا منح الحرية فإنه سيسلك فيها بأسلوب سليم نافع له ولغيره..
لذلك علي طالب الحرية، أن يتحرر أولا من الداخل.. وبهذا يمكنه أن يستخدم الحرية للخير. اه البابا شنودة .

مراجع المقالة.

المفردات في غريب القرآن (ص: 294).
كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، للتهانوي (1/ 116).
الإتقان في علوم القرآن (3/ 100).
تفسير الألوسي (2/ 240).
التفسير والمفسرون (1/200-202)، بتصرف يسير.
دراسات في علوم القرآن - فهد الرومي (ص: 153-154)
اختلاف المفسرين أسبابه وضوابطه لأحمد محمد الشرقاوي، بحث محكم منشور على الشبكة، بتصرف يسير.
كتاب "شبهات حول الإسلام" للأستاذ محمد قطب
مقالات البابا شنودة الثالث
(مقالات نُشِرتَ في جريدة أخبار اليوم)




#ناصر_المنصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبي طه والكتاب المقدس .
- مخلف الشمري ومعركة التنوير في السعودية
- الإرهاب والتعليم بين آل سعود والوزير الجديد
- الإرهاب بين آل سعود وآل داعش ( 1 )
- ابن سعود والإغريق والثيوقراطية والمدنية


المزيد.....




- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر المنصور - بولس والحرية والفكر والإلحاد بين الإسلام والمسيحية