أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد أبو زيد - كل شيء جائز إلا الرصاص الحي















المزيد.....

كل شيء جائز إلا الرصاص الحي


محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1433 - 2006 / 1 / 17 - 08:29
المحور: المجتمع المدني
    


مشهد كلاسيكي نحفظه جميعا من الأفلام العربية القديمة، حينما يصعد المطرب الناشئ على خشبة المسرح لأول المرة، فيفاجئه الجمهور بالهتاف الشهير «انزل انزل»، لكنه لا ينزل، ويواصل الغناء بصوت عادة لا يعجب الجمهور، الذي يلجأ في هذه الحالة إلى أسلحة الرفض الشهيرة: الطماطم والبيض، يقذفون بها المطرب الناشئ، مجبرينه على التراجع، ولعل هذا الموقف قد حدث بالفعل مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، عندما صعد على مسرح بمدينة الإسكندرية ليغني لأول مرة، فسارع الجمهور الى قذفه بالبيض والطماطم، مع أنه كان يغني إحدى أجمل أغنياته، وهي أغنية «صافيني مرة وجافيني مرة»، وهو نفس الموقف الذي تكرر مع الفنانة نجاة الصغيرة في بداياتها.
وتتعدد أسلحة الرفض التي يستخدمها الجمهور للتعبير عن رفضه، ابتداء من تلك المستخدمة في الحفلات أو في مباريات كرة القدم، وانتهاء بتلك المستخدمة في المظاهرات. ويذكر المصريون الشخصية الكاريكاتورية، مطرب الأخبار، الذي كان يرسمه الفنان مصطفى حسين، دائماً مصاباً وتسيل منه بقايا البيض والطماطم، بعد أن يضربه بها المتفرجون، ورغم ذلك يصر على الغناء.

وأرخص الأسلحة وأقلها ثمنا الطماطم والبيض، ثم تأتي بعد ذلك شريحة تستخدم الشوم (الهراوات)، ويلجأ البعض إلى استخدام الكراسي والأسلحة البيضاء، أما الانتخابات البرلمانية الأخيرة فقد كشفت أنواعا جديدة من الأسلحة، لعل أهمها السنج (السيوف الصغيرة) والطوب وزجاجات المولوتوف والألعاب النارية والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، التي كانت تلقى من قبل الأمن لتفريق المتظاهرين. اللافت ان اسلحة المظاهرات تتشابه في الكثير من البلدان حول العالم. وفي مصر تعتبر أشهر طوبة في تاريخ التجمعات، كانت تلك الطوبة التي ألقاها أحد مشجعي الفريق المصري، في مباراة بين المنتخب المصري والزيمبابوي، والتي حسمت نتيجة الصعود إلى كأس العالم لعام 1994، في ذلك اليوم كان المنتخب المصري قد فاز على زيمبابوى بنتيجة 2 / 1 في إستاد القاهرة وصعد رسميا لنهائيات كأس العالم، ولكن أحد المشجعين ألقي طوبة على أرض الملعب8 وكتبها الحكم في تقريره فألغى الفيفا نتيجة المباراة وأعادها على أرض محايدة، وتعادل الفريقان ولم يكن التعادل يفيد أحدهما فخرجا معا، وضاعت على مصر فرصة عظيمة للصعود لنهائيات كأس العالم، وسبقتها طوبة ربما كانت أشهر، وهي التي ألقيت في مباراة بين فريقي الزمالك وغزل المحلة، تسببت في إصابة أحد اللاعبين، وكان قد ألقاها أحد المشجعين ويعمل «عربجيا»، وكانت سببا في بزوغ نجم الصحافي محمود صلاح، رئيس تحرير جريدة «أخبار الحوادث» الحالي، حيث كان في بداية حياته الصحافية، وكلفه مصطفى أمين رئيس تحرير جريدة «الأخبار» في ذلك الحين بإجراء حوار مع العربجي. لكن الأسلحة الأكثر عنفا كانت تلك التي استخدمت في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة، وقد حفلت الصحف المصرية والعربية ووكالات الأنباء الأجنبية بصور عشرات البلطجية، وهم يحملون السنج والمطاوي والعصي والسيوف، ويروعون بها الناخبين، فضلا عن قصص وصور أخرى لمرشح كان يمسك مسدسه أمام الدائرة لحماية نفسه من البلطجية، ومعارك بالعصي بين أنصار المرشحين من الحزب الوطني وجماعة الإخوان، وصور أخرى لبلطجية يقفون أمام قوات الأمن بأسلحتهم، من دون أن يتعرض لهم أحد، الأمر الذي وصفته الصحف بأنه «حياد سلبي» للشرطة.

لكن أبلغ الأسلحة على الاطلاق كان سلاح الصمت، الذي استخدمته حركة «كفاية» المصرية من أجل التغيير، في مظاهراتها الأولى منذ قرابة العام، حيث قاموا بتكميم أفواههم، وهو ما جعل صوتهم يصل للعالم كله، كما قاموا بمظاهرة بالمقشات أمام مسجد السيدة زينب وقاموا بكنس السيدة والدعاء على النظام الحاكم وهو ما يعتبره المصريون سلاحاً معنوياً.

ومع ميلاد نوع جديد من المظاهرات لم تألفه مصر يختلط فيه العنف بالهتاف في الفترة الأخيرة، خاصة مع تصاعد ظاهرة البلطجية، الذين يشير مراقبون إلى أن البعض يستعين بهم لأسباب خاصة، مع كل هذا ظهر ما أطلق عليه البعض اسم «خصخصة العنف»، وهو العنف الإجرامي مدفوع الأجر، حيث استعان بعض المرشحين في الانتخابات بميلشيات مسلحة بالأسلحة البيضاء والعصي الخشبية للتأثير على إرادة الناخبين.

وظاهرة البلطجة والأسلحة المستخدمة ليست سرا ولا تنفي الحكومة وجودها، بل إن الجرائد القومية فاجأت المصريين صبيحة اليوم الأخير من الانتخابات بصور لأسلحة عديدة وهواتف جوالة، وتحتها خبر يقول، صرح مصدر أمني مسؤول بوزارة الداخلية المصرية انه بناء علي اجراءات مقننة، وبعد استئذان النيابة تأكدت معلومات أن أحد الأشخاص يدبر كمية من الاسلحة النارية والبيضاء، لدعم أحد المرشحين بفاقوس، بالتنسيق مع شقيق المرشح المتحالف معه واسفرت الاجراءات عن ضبط المتهمين، كما تم ضبط بندقية آلية واربعة فرد خراطيش وطبنجة وكمية من الذخيرة.

لكن الأسلحة التي استخدمت في المظاهرات الخاصة بالانتخابات، واعترفت بوجودها الأجهزة الرسمية تجاوزت هذه، فهناك مصدر مسؤول آخر صرح بانه إزاء اشعال المتجمعين النار في اطار كاوتشوك ومحاولة اشعال اسطوانات البوتاجاز، بادرت قوات الامن الى اطلاق غازات مسيلة للدموع لتفريقهم ووقف اعمال الشغب ومنع التعدي علي مقار اللجان وتأمين اعضاء الهيئات القضائية.

ويلجأ المتظاهرون عادة إلى أقرب الأسلحة إلى أيديهم، وهي الطوب وهناك أيضاً المقاعد، التي ربما تكون السبب في ظهور المثل المصري الشهير «كرسي في الكلوب»، الذي يعني تحويل الليل الذي يضيئه الكلوب إلى ظلام تام، قبل أن يبدأ العراك، لكن أقدم الأسلحة المستخدمة على الاطلاق في التظاهر، هي الهراوات، وكان يستخدمها الفتوات في أوائل القرن الماضي في التشاجر وفرض سطوة أحدهم على الحارة. وأخطر الأسلحة التي استخدمت ضد المتظاهرين كان سنة 1946 في حادث فتح كوبري عباس على الطلاب المتظاهرين والمطالبين بجلاء قوات الاحتلال البريطاني عن مصر في ذلك الحين، وهو ما أدى إلى مصرع خمسين طالباً، حسب بعض الروايات غرقاً في النيل. وأيضاً يذكر المصريون المظاهرات التي تفجرت يومي 17 و18 يناير (كانون الثاني)1977 التي أسماها الرئيس المصري الراحل أنور السادات بمظاهرات الحرامية، فيما أسماها اليساريون بمظاهرات الجوع وتسببت في حرق عدد كبير من السيارات والمحلات التجارية وتوقف عجلة الحياة في مصر.

ومن ضمن الأسلحة التي استخدمت في المظاهرات، ما ذكره تقرير للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان «الإخوان المسلمين.. متهمون بلا جرم»، بين حجم الانتهاكات التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين من قبيل الاعتقال والقبض العشوائي والمنع من التجمع والتظاهر السلمي، عبر استخدام خراطيم المياه والعصي والقنابل المسيلة للدموع، وما نتج عن ذلك من وفاة أحد المتظاهرين وإصابة العديد منهم.

وسيكون من الطريف جدا ونحن نتحدث هنا عن الأسلحة المستخدمة في المظاهرات أن نذكر أن المادة 54 من الدستور المصري تقول: «للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون». وسيكون من قبيل التهكم أيضا أن نقول إن المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقول «يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن توضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين».

وكلمة بلطجي، التي ارتبط ذكرها بوجود الأسلحة في المظاهرات، تعني حامل البلطة باللغة التركية، وفي عهد الدولة العثمانية كان الجنود «البلطجية» ـ بمعني حاملي البلطة ـ يتقدمون القوات الغازية يقطعون الأشجار بالبلط ويشقون طريقا أمام القوات المتقدمة، وكان دورهم أيضا عمل فتحات أو هدم أجزاء في جدران الحصون والقلاع، حتى تقتحمها قوات المشاة، ولم تكن كلمة بلطجي تحمل معاني سيئة، حتى أن أسماء البعض كانت مشابهة لها مثل (بلجه جي مصطفى باشا)، الذي كان واليا على مصر، قبل الدولة العثمانية 1752 - 1755، وفي عصر محمد علي والي مصر كانت قوات البلطجية موجودة في الجيش، ولكن في الثلث الأول من القرن العشرين أصبحت كلمة «بلطجي» صفة سيئة، تعني الشخص المستهتر، حتى وصل الأمر لصدور قانون في السنوات القليلة الماضية «لمكافحة أعمال البلطجة وترويع الآمنين»، لتصبح كلمة «البلطجي» في نهاية الأمر مرادفة للمجرم.

وفي رصدها لأحداث العنف، التي صاحبت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، تورد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن مراقبيها رصدوا اختلاف الأداء الأمني خلال الانتخابات البرلمانية 2005، ففي المرحلة الأولى وحتى الجولة الثانية كانت الأجهزة الأمنية تلتزم الحياد السلبي مع كافة المرشحين، وبالتالي ارتفعت وتيرة أعمال العنف والبلطجة من جانب بعض القوى السياسية المشاركة بالانتخابات، مع اختلاف درجة العنف المستخدم، والأسلوب المتبع في تنفيذه، ولكن بعد ذلك اختلفت الصورة، فقد تخلى القائمون على الأجهزة الأمنية عن حيادهم السلبي.

وذكرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في تقريرها عن الانتخابات، أنه وقعت اشتباكات بين قوات الأمن والناخبين، الأمر الذي دفع الأولى لإطلاق قنابل مسيلة للدموع وأعيرة نارية على الناخبين. كما تضيف المنظمة أنه وفي المرحلة الثالثة استمرت أعمال العنف بين أنصار المرشحين الوطني والإخوان، مثلما حدث بالجولة الأولى بدائرتي بلقاس وطلخا بمحافظة الدقهلية، وتدخلت قوات الأمن كطرف جديد في تلك الأعمال، وهذا ما اتضح بالمرحلة الثالثة بجولتيها الأولى والثانية، حيث استخدمت تلك القوات القنابل المسيلة للدموع والأعيرة النارية والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين، بالإضافة إلى سلاحها التقليدي، وهو الدروع الواقية.

يرد البعض استخدام الأسلحة في المظاهرات إلى استخدام البعض من يطلق عليهم اسم البلطجية، لتشويه سمعة المظاهرات، ولكن البعض الآخر يرد الأمر إلى غياب ما يسمى بثقافة التظاهر، الحقيقة قد تكون ضائعة بين الفريقين.. أو أصيبت في احدى المظاهرات فبادرت بالهرب.



#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهتيف : الحياة فوق الأعناق
- ارتد جميع ملابسك فالسماء تمطر بالخارج
- الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة
- هل يضحك العالم العربي علي خيبته؟
- الانقلاب : الطريقة المثلى للحكم في العالم العربي
- الحرب العالمية الثالثة
- أرصفة القاهرة : هامش الحياة حين يصبح متنا
- هكذا يلعب الفن بالأشياء
- ناجي العلي: ليه يا بنفسج تبتهج وانت زهر حزين
- بطرس غالي ينتظر بدر البدور
- في فلسطين يحتفلون بالأعراس حول فناجين القهوة
- الحياة بالأبيض والأسود


المزيد.....




- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد أبو زيد - كل شيء جائز إلا الرصاص الحي