أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين














المزيد.....

المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5445 - 2017 / 2 / 27 - 16:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتبت الفنانة الأردنية "أسماء مصطفى" إعلانا عن مسرحية لها بعنوان "ألهاكم التكاثر" وأضافت من عندها عبارة "حتى زرتم المسارح". على الفور، قام نقيب الفنانين الأردنيين "ساري الأسعد" بفصلها من النقابة.. بحجة أن في ذلك استخفاف بالدين وتطاول على العقيدة. وكالعادة، بدأ من يعتبرون أنفسهم حراسا على الفضيلة، ومحامون عن الإسلام بحملة مضادة على الفنانة، وصلت لحد تكفيرها.. بذريعة تجرؤوها على المقدس، واستخدامها آية من القرآن الكريم لأغراض غير دينية..

بداية، لا بد من التذكير بأن استخدام آيات من القرآن في كتاباتنا وأحاديثنا اليومية مسألة شائعة، سواء أتى ذلك في سياق حديث ديني، أم في سياق حديث عام.. لأن لغة القرآن ثرية وفصيحة وبليغة، ويستعذب الكثير منا الاستعانة بها لإثراء لغتهم، وتطعيمها بما هو عذب وجميل.. وليس في ذلك أي تحريف أو تطاول على القرآن، وما من أي نص شرعي يحرم ذلك..

وفي الأدب ما يعرف بالتناص؛ وهو استخدامُ نصّ أصلي (ليس للكاتب) في سياقٍ آخر مختلف، أو وجود تشابه بين نص وآخر. وتشمل العلاقات التناصية إعادة ترتيب الجملة، أو الإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع، أو التحويل والمحاكاة، وهو من الأساليب الأدبية المشروعة في الشعر والأدب المعاصر، وهو شيء مختلف عن السرقات الأدبية.

التناصّ ليس أمرا جديدا على البلاغة العربيّة.. وربما مثّل القرآن الكريم أحد أهمّ المصادر التي استخدمها الأدب العربي في تناصِّه. والأمثلةُ كثيرةٌ جدا. وقد ظلت البلاغةُ القرآنية مَعينٌ لا ينضبُ للإبداع العربيّ بكافة أشكاله وألوانه، وليس في ذلك تجرؤ على النص المقدس، بل هو توظيف للبيان القرآني ونشره وإشاعته، وتقريبه من قلوب الناس.. وهذا الأمر من شبه المؤكد أن نقابة الفنانين على درايةٍ به. لكن المسألة أن النقابة أخذت موقفها متأثرة بالفكر السلفي المتشدد، وربما من غواية الفيسبوك بكل ما فيه من ضحالة وغوغائية..

من ناحية ثانية، يتناقض موقف النقيب مع قوانين ورسالة وغايات النقابة، التي يُفتَرَضُ أنها أُقيمَت أصلا لحفظ حقوق الأعضاء، والدفاع عنهم، وحماية مصالحهم، وهذا ليس تعديا على دور النقابة، وانحرافا عن رسالتها وحسب؛ بل وأيضا، وربما هذا أخطر ما في القضية، انحراف عن رسالة وروح الفن أساسا، بما يعزز ثقافة التعصب والتشدد الديني، لدرجة بات فيها يصعب الفصل بين نقابة الفنانين، وما تقوم به الجماعات التكفيرية الأصولية.. أو على أقل تقدير، ما تقوم بعض أحزاب الإسلام السياسي من توظيف للدين، والترهيب باسمه.. فضلا عن الخلل الفاضح في فهم روح وجوهر الإسلام، بوصفه دين حضاري إنساني تقدمي، يقدر الفنون والجمال والإبداع..

الجميع يتوقع من نقابة الفنانين أن تكون شعلة نور، ومركز إشعاع تقدمي تقف في مواجهة الفكر التعصبي والمنغلق.. أما أن يحدث العكس، فتلك خيبة أمل كبيرة، ليس في النقيب وحده، بل في كل الفنانين الذين انتخبوه، والذي من المفترض أنهم كانوا يعرفونه شخصيا، واطلعوا على برنامجه وأفكاره (التي تجلت في هذه القضية)، وإلا فإنهم لا يقلون عنه انغلاقا وتعصبا.. وهذا ما لا نتوقعه، ولا نرجوه، لأن هذا يعني أنه إذا كانت نقابة الفنانين، التي هي نخبة وصفوة المجتمع على هذا النحو من التفكير، فكيف سيكون عامة الناس، وخاصة الغوغاء منهم؟؟ كيف سيكون حال المجتمع حين يكون الأدباء والفنانون والشعراء والمثقفون.. من هم أعمدةُ التقدُّم والتنوير والحضارة، وروح الثقافة وضميرها وعقلُها... أن يكونوا امتدادا للغوغاء.. أن يتحول هؤلاء، أو بعضهم إلى دواعش، يحملون سيوف التكفير بيد، والخرافة باليد الأخرى؟!

باعتقادي أن المسألة ليست مجرد خلل في فهم القانون، ولا هي جهل في فهم اللغة والتناص.. المسألة في تحريم الاقتراب (مجرد اقتراب) من النصِّ المقدَّس.

أثناء عصور الظلام في أوروبا، كانت الكنيسة تحرم على الناس تعلم القراءة والكتابة، وتحرم تداول الإنجيل.. لأنها كانت تخشى أن يطلع الناس عليه، فيكتشفوا كل هراءات وخرافات الكنيسة وتعسفها وظلمها وفسادها.. "الكهنوت الإسلامي" لم يستطع فعل ذلك، ولكنه عوضا عن ذلك، قام بتحريم أي اقتراب من النص المقدس، واحتكره لنفسه: تأويلا وفهما وشرحا.. والهدف في الحالتين هو تعميم الجهل المقدس.

أولئك الذين يمنعون "غيرهم" من الاقتراب من النص المقدس، هدفهم الإبقاء على احتكارهم للدين، واحتكارهم لشرحه وتأويله، بما يخدم ويعزز مصالحهم، أو في أحسن الأحوال خوفهم من "تفكير" الناس الذي قد يقودهم إلى ما يعتبرونه ضلالا وبدعة وانحرافا.. أي أنهم نصّبوا أنفسهم أوصياء على عقول الناس، وقيّمين على أفكارهم، وهم بذلك قلقون، وخائفون، ولا يثقون بقدرات الآخرين العقلية، ربما لأن إيمانهم أصلا متزعزع وغير راسخ.. حيث لا يقوم بذلك إلا كلُّ ذي إيمانٍ ضعيف، ومضطرب.

هذا التوجه، ممنهج ومدروس لدى البعض، وعفوي وتلقائي لدى البعض الآخر، ولكنه مدفوعا بالهواجس والمخاوف والرغبات المختزنة في عقلهم الباطن.. والغريب، وغير المنتظر أن يأتي من نقابة فنانين!

تؤكد هذه القضية مرة أخرى، أن أخطر أنواع المتطرفين هم أولئك الذين يدّعون الفن والحداثة، الذين توحي هيئاتهم بذلك، بيد أنهم في أعماقهم تقليديون جدا، ومحافظون إلى أبعد حد، بل أصوليون إلى درجة مثيرة للشفقة.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يعني حل الدولة الواحدة؟
- إدارة التوحش.. وبرنامج داعش العملي
- المسيحية الصهيونية
- مؤامرات شيطانية
- هجوم على الشيعة
- مظاهر الأبارتهايد في السياسات الإسرائيلية - دراسة بحثية
- عن التغير المناخي، مرة أخرى
- لنرحم الطفولة
- صور من التخلف التعليمي
- داعش، مرت من هنا
- رحلة الحياة .. البدايات، والنهايات..
- الموصل.. المعركة الأشرس والأخطر
- المرأة والرجل.. ورد الاعتبار
- المجاهدون الأجانب
- هيلاري، الحرب والأنوثة
- حقيقة داعش
- تسع سنوات من حكم حماس
- موجات متواصلة من العنف الطائفي
- تاريخنا المؤدب
- ماذا يريد راشد الغنوشي ؟!


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين