أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5444 - 2017 / 2 / 26 - 23:52
المحور: الادب والفن
    


إنّ الأنثى تربي وحشاً في داخلها، تغذيه من لحمها ودمها، إلى أن يكبر فيلتهمها.
ما ندعوه تارةً بـ " المقدور "، وتارة أخرى بـ " اللعنة "، لنحيل إليه كل فشل في حياتنا، هوَ مأساة الانسان عبْرَ العصور، فلم يتجاوزها حتى في زمننا المتأخر بالرغم من كمّ المعرفة الهائل المتوفّر له. ولكنّ قلة من البشر، تلك الممتلكة الشجاعة لتعرّي أعماقها؛ ثمة، أين يكمن جذرُ المأساة.
كان الحبّ، ولا يزال بطبيعة الحال، أكثر الحالات الانسانية إشكالاً وتعقيداً. إنه ما يفتأ أيضاً السهم القاتل، المنطلق من قوس " كيوبيد "، بحَسَب الميثولوجيا الإغريقية. كلاهما، الرجل والمرأة، يمكن أن يجد نفسه مبعداً من حظوة الآخر.. أي بنفس البساطة، التي طُرد فيها الإنسان الأول من فردوس الله. الحالة الأخيرة، نوعٌ من أسطورة ( أو رمز برأي بعض الفرق الباطنية الإسلامية )، فيما أنّ الحبّ هوَ حقيقة انسانية، أزلية وخالدة. هذه الإحالة إلى الماضي، سواء أكان واقعياً أو أسطورياً، ميّز سلوكيات الانسان آنَ مواجهته لمشاكل وجودية كالحبّ والموت: فكرة " القرين "، المبتدعة من لَدُن دستويفسكي كثيمة مفضلة في رواياته الكبرى؛ هذه الفكرة، يُمكنني وضعها على محك التجربة ( وقد ألمحت إلى ذلك في موضع آخر من السيرة ) فيما يخصّ علاقتي بـ " سفيتا ".
في الليلة تلك، التي شاءت هيَ فيها أن تسكر كي تُطلق لسانها للبوح بالمحظور من القول، رأيتني أتوقّف أولاً عند تأكيدها بأنّ ثمة حبيباً في حياتها. كان من الواضح، أنها لا تعنيني بحال. كذلك فإنها نطقت قولها بعيداً عن شُبهة النكاية، التي فكّرتُ فيها للوهلة الأولى وصورة صديقتها " أولغا " مرتسمة في عين خيالي. إلا أنّ أعماقي تبسّمت، لما أسمَت " سفيتا " والدَ ابنها بصفته الحبيب المقصود.. أعماقي، التي يكمن فيها الرجلُ الشرقيّ على حدّ تعبيرها.
مذ أن تعرفت " سفيتا " على مَن سيصبح زوجها، وكانا بعدُ يقيمان في السكن الطلابيّ التابع لمعهد التمريض، بدا لها شخصاً غريب الأطوار. كان لا يكاد يهتم بدروسه، شاغلاً وقته بقراءات أدبية كلاسيكية ومعاصرة. رداً على قولها له، بأنه كان يجدر به إختيار فرع انسانيّ لا علميّ، فإنه أجابها: " الأدب لا يجوز تدريسه في الجامعات، لأنه يفقد مهمته الإيحائية والتبشيرية ليُضحي كأيّ وظيفة بيروقراطية. أما الصحافة، فإنها مهنة كل ضفدع مستعد للنقيق بكلمات الزيف والمراءاة! ". المدهش، أنه لم ينه فقط دراسته في المعهد بامتياز، بل وحصل أيضاً على الحق في إكمال تعليمه ليصبح طبيباً مختصاً بالولادة. أما الإشكال في سيرة الرجل، والذي يهمنا، فهوَ علاقته مع " سفيتا ". كونه بلا أصدقاء سوى الكتب الأدبية، لم يكن يجد حرجاً في طردها من حجرته حال فراغهما من المضاجعة. وكان يفعل ذلك بغلظة غالباً، غير آبه بمشاعر الفتاة الرقيقة. لما أخبرته هيَ ذات مساء أنها حامل، رسمَ ابتسامة سعيدة على فمه الجميل ثم طلبَ منها أن تنهض معه للتمشي خارج السكن الطلابي. كانا قد أشرفا على الغابة الشهيرة، أين يوجد نصبٌ يُشير إلى وصول قوات النازيين إلى المكان، حينما سألها ما إذا كانت جادّة في حكاية الحمل. على الأثر، انهال عليها ضرباً بقسوة، حدّ أنه ركلها عدة مرات لما سقطت أرضاً. إلا أنّ الأمرَ سويَ أخيراً بالزواج، لأن قوانين تلك الفترة السوفييتية كانت مشددة وممكن أن تجعل خارجَ الدراسة المتورطين بحمل غير شرعيّ.
" علاقة حبّ من طرف واحد ستنتهي، ولا غرو، بالمشاكل وصولاً إلى الإنفصال "، قالتها فتاتي المسكينة وهيَ تهمّ باشعال سيكارة بوساطة عود كبريت. ثم استأنفت القول، متأمّلة عود الثقاب يخبو ببطء: " لا أستطيع منحَ حبي لأحد بعده، فأنا ما زلت متعلقة بأمل الرجوع إليه. أدري أنه أملٌ مجنون، طالما أنّ الرجل غيّر حياته وكوّن أسرة جديدة ". فلما أنهت كلامها، فإنني أستعدتُ فوراً موضوعَ " القرين ". هذا الموضوع، مثلما ذكرتُ فيما سلف، كانت مخطوطة شقيقتي قد أوردت مثالاً شخصياً عنه: إذ نَحَت إلى اعتبار " الشريفة " قريناً لها؛ لكاتبة المخطوطة، بناءً على عدة حقائق.
وهأنذا بدَوري، أجدُ أم ابنتي في هذه الفتاة التعسة، التي توهمتُ أنها الحبيبة المأمولة. كنتُ قبلاً قد عقدتُ هكذا مقارنة، بناءً على ماضي كل منهما، الملوّث بمشاعر الإثم. لكأنني كنتُ كعالم الآثار، الذي ما أن يبحث عن الكنوز المخفية في أحد التلال حتى يجد طبقة أخرى تنتمي لعصر أكثر قِدَماً. ولكنّ الماضي، الخاص بـ " سفيتا "، رأيتني أزهدُ في معرفة خفاياه. كوني لستُ حبيبها، مثلما صارحتني هيَ بشكل واضح في تلك الليلة، فلم يكن من حقي التطفّل على خصوصياتها.
على المنقلب الآخر، يمكن القول أنّ " سفيتا " انتقمت لقرينتها المفترضة، " الشريفة "، حينَ نبذَتْ من أحبها وبقيَ قلبها متعلقاً بمن سبّب له جرحاً مفتوحاً: انتقمت لها مني؛ أنا من استهترَ بها حتى حينَ أنجبت ابنة من صلبي لكي أعلّق الآمال الباطلة على امرأة أخرى. أخبرتُ " سفيتا " بمغزى هذه المفارقة، ناثراً على سمعها شذرات من حكايتي مع أم ابنتي. قلتُ لها مختتماً كلامي، أن دستويفسكي كتبَ في إحدى رواياته ( أعتقد أنها " الأبله " )، بأنّ المرأة تحدب على من يعرض عنها ويمكن أن تذوب به غراماً ولوعةً. عندئذٍ فاجأتني " سفيتا " بالقول، وهيَ تمسك يدي بقوة: " ولكنك صديقي، فلا تبالي بالوهم المسمّى حباً. إذ ما الذي يجنيه الانسان من الحب، إلا العذاب والمهانة؟ ولأنك صديقي، أريد منك أن تعدني بأنه في حال وقع لي مكروهٌ أن تهتم بأسرتي؛ بفيودور وناستيا وأمي المريضة.. هل تعدني بذلك، يا صديقي الطيّب؟ ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2