أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - من تجارب القراءة -2- القراءة قد تغير المصائر














المزيد.....

من تجارب القراءة -2- القراءة قد تغير المصائر


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 25 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


من تجارب القراءة -2-

القراءة قد تغير المصائر
سلام إبراهيم
لست بصدد القراءة المجردة وأسميها "غير الفعالة"، فالكثير ممن تدله بالقراءة مثل حالنا مبكراً، ألقته الحياة على هامشها، فبعضهم ظل يقرأ منعزلاً تماما عن الواقع ويعيش في عالمٍ خيالي جميل وعنيف ومسالم زاد من عزلته عن المحيط والمجتمع وأعرف العديد من هذه الشخصيات، والأسباب مختلفة؛ أولها؛ الخوف على الكينونة الفيزيقية في بلد يحكمه دكتاتور فظ وحزب عنيف كحزب البعث الدموي، والآخر وجد بها عبثاً حينما لم تسعفه على عناء الحياة، والآخر جرفته ظروف العيش وإشكالات الظروف إلى مناحي بعيدة عن هذا النبع الساحر.
هنا أريد إلقاء الضوء على القراءة من حيث هي فعل قد يغير مصير الإنسان ويدفعه إلى مواقف سيجد نفسه متورطاً فيها العمر كله.
لا تجد القراءة أصداء فعالة إلا مع أشخاص ظروف حياتهم ونشأتهم في البيئة الحاضنة العائلة، ثم المدرسة، والشارع تتناغم مع أحلام الكتب والكّتاب ذوي المنطلقات الإنسانية (لا ننسى هنالك كتب سممت الأفكار، وحرفت الإنسان كالكتب العنصرية، والقومية المتطرفة، والكتب التي تكرس ثقافة الكراهية ككتب الطوائف ذات الأهداف السياسية التي فرقت أبناء العراق زمن سلطة الطوائف وأحزابها الدينية المخربة)، مضاف إلى خصال متوارثة في الشخصية قد تكون مغروسة من الأسلاف؛ وعوامل أخرى أتمنى أن تكون مجال بحث متخصص.
هنا سأعرض باختصار لظروف أحاطت بي وترعرعت في حضنها، دفعت بي إلى مسار حياتي التي سلكت. لم يكن في بيت أهلي مكتبة، كنا نتكدس في غرفة واحدة عشرة أنفار، وكان أبي يكدح من أجل لقمة العيش، لكن بيتنا مكتظ بقصص التاريخ السياسي العراقي، فأبي من وقت مبكر كان ضمن الحلقات الماركسية الأولى التي أسسها "فهد" مؤسس الحزب الشيوعي العراق في الديوانية، وكان يشترك في التظاهرات ضد السلطة الملكية وعمالتها للإنكليز، وَيُحْجَز دائماً في معسكر الفرقة الأولى في الديوانية، وكانت أمي تزوره هو وأعمامي كما روت لي تفاصيل تلك الأيام، كما سيحكم عليه سنة، عام 1949 عقب إعدام "فهد".
لكن زوج عمتي كان موظفا ولديه مكتبة كبيرة تحتل جدار غرفة في بيتهم القريب. في كل زيارة كنت أقف إزاءها مذهولا متمنياً قراءة كتبها، وتطور هذا الوله مصحوباً بتطورات الحياة السياسية العنيفة فرأيت أعمامي وجلَّ أقربائي يسجنون في أعقاب انقلاب 8 شباط الدموي 1963، وأصبحت القراءة وَلَهٌ، كنت ألتهم الكتب لَهْمَاً وخصوصاً الروايات البوليسية، وروايات المغامرات في العصور الغابرة، وتكونت نواة قراءة في محلتي "حي العصري" لقراء ستختلف مصائرهم بما ذهبت إليه.
في مثل هذه المجاميع يتبلور الأنضج، فيفتح باباً مختلفاً بالإشارة إلى كتاب ما. وهذا ما فعله شخصية جميلة كان يكبرنا بأعوام ثلاثة، كان عاملاً في معامل "كاشي"، وكون فرق صغير لكرة القدم، مضاف إلى توفيره الكتب لنا. أسمه "عادل تركي" جاء لنا برواية ضخمة وقتها "بائعة الخبز" التي تحكي كفاح امرأة فسحرتنا كرواية وجعلتنا نحس بمعاناة العيش بوقتٍ مبكر، ثم "البؤساء"، فأحدب نوتردام لـ "فكتور هيجو". فتعمقت معرفتنا بمعاناة الإنسان في خضم الحياة وعيّشتنا تلك التفاصيل فكنا نبكي على مصائر الشخوص وأقدارهم. فأنفتح لنا باباً واسعاً جعلنا نلتصق بالإنسان أي كان ونتعاطف مع الفقراء والمساكين ونفهم معاناتهم. إلى أن جاء لنا يوماً برواية غيرت مصائرنا ودفعتنا إلى المغامرة بحياتنا. رواية "الأم" لمكسيم غوركي، رواية ساحرة أعدتُ قراءتها قبل أيام كي أعرف لِمَ سحرتني وقتها وغيرت مصير حياتي، وهل ما زالت ساحرة بعد كل هذه التجربة الحياتية والكتابية؛ وكانت النتيجة مذهلة، ما زالت هذه الرواية ساحرة بأجوائها ورسمها لحياة المناضلين السريين قبيل زمن الثورات الكبيرة، وكيف يفعل النضال في تنقية الإنسان وتساميه، ففكرة نكران الذات، البذل والتضحية من أجل الآخرين فكرة لا زالت حية وضرورة وخصوصاً في زمن الخراب والفساد والحروب العبثية وسحق الإنسان العراقي الفقير والمسكين. أدركت لا الهدف السياسي الواضح للرواية، لكن تفحصت براعة السرد ورسم الشخصيات والمشاعر الإنسانية لـ "بافل" الشخصية المحورية ورفاقه وهم ينسجون فصول حياة كلها معاناة، سجن، تعذيب، صمود، تكافل، هدف سامي، دون كلل ولا ملل. براعة السارد العليم الذي سيخيب لاحقاً وهو يرى حلم الثورة يتحول إلى دكتاتورية " زمن إستالين" كأغلب الثورات من أجل مدن فاضلة، فينتحر احتجاجاً. سحر الروي ما زال طرياً في هذه الرواية التي دفعتني وأنا بعمر الـ "16" عاماً إلى الانتماء إلى خلية سرية من خلايا الحزب الشيوعي العراقي، لِأتعرف على كتب "لينين" التي لم أحبها يوماً، وكتب "ماركس" التي ستسحرني في مرحلة قراءتي الفلسفية، وتغمرني في عمل لم أدرك خطورته إلا حينما خطفتني سيارة "فوكسواكن" صغيرة كانت الوحيدة التي يمتلكها الأمن في الديوانية عام 1971من شارعنا لأذوق إرهاب التعذيب النفسي والجسدي، فتذكرت معاناة "بافل" في سجنه وأبي وأعمامي، ولتبدأ الرحلة المضنية مع الفكر والثقافة وفكرة البذل والتضحية من أجل الآخرين فذقت المزيد من الاعتقالات والتعذيب الذين حاولوا فيه كسر إرادتي وإذلالي، لكنني قاومت ونجوت بمحض صدفة من ميتات عديدة، لأدون ما جرى لي وأبناء جيلي ووطني الدامي.
صاحبي "عادل تركي" الذي قدم لنا رواية "الأم" التي تناغمت مع ظروف حياتنا، مدرس الإنكليزية الجميل، سوف لا يكف، سينتقل إلى بغداد، ويترك العائلة زوجته وأطفاله ويلتحق إلى الثوار في الجبل، ليغتاله عميل للسلطة كان مندسا مع مقاتلي الطالباني قرب نبع ماء في قرية في أرياف كركوك 1986.













#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الكشف خلاص
- من تجارب القراءة -1- طفولة القراءة
- الموت بالماء
- إلى روائي شاب
- الصداقة مثل السحر
- ناهض حتر*
- أوصيك: لاتخرب أيها الإنسان مخيال طفولتك
- الموت -1-
- لستُ نهراً
- قتلة وشكوك
- سحر السينما
- نوافذ مغلقة
- الجنس في الرواية -5- المثقف العراقي والجنس
- أصناف النقاد زمن الخراب 1- الناقد الدراغ
- ضحك
- أمي
- الرفيق
- الرواية والجنس -4- الجنس بين الثوار
- الجنس في الرواية -2- العراقي والجنس
- الجنس في الرواية -1-


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - من تجارب القراءة -2- القراءة قد تغير المصائر