أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود سعيد كعوش - ماذا تبقى لنا من الحرم الابراهيمي الشريف؟















المزيد.....

ماذا تبقى لنا من الحرم الابراهيمي الشريف؟


محمود سعيد كعوش

الحوار المتمدن-العدد: 5442 - 2017 / 2 / 24 - 15:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد 23 عاماً على المجزرة...ماذا تبقى لنا من الحرم الابراهيمي؟

محمود كعوش
إمعاناً في ممارسة الإرهاب المتواصل بحق الشعب الفلسطيني وتطوير الأدوات والوسائل الصهيونية لاقتلاع هذا الشعب من أرضه وتهجيره كما أشرت مراراً وتكراراً في دراسات ومقالات سابقة لي، وتمشياً مع العقيدة الصهيونية الحاقدة والمتعطشة دائماً للدماء وإزهاق أرواح الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيي فلسطين العزل، مارست العصابات الإرهابية الصهيونية أبشع صور القتل والفتك والتنكيل بحق الفلسطينيين، ودأبت على اقتحام القرى والبلدات الفلسطينية وسفك دماء أهلها بدم بارد لإجبارهم على مغادرتها والنزوح عنها، وارتكبت أبشع المذابح والمجازر في شتى الأماكن بما في ذلك بيوت العبادة، كما قامت بنسف العديد من الدوائر العامة والحافلات والأسواق على مدار 69 عاماً.
وكان لكل مجرم صهيوني تولّى السلطة في كيان الاغتصاب نصيبه من المذابح والمجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين والعرب عامة. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان أرييل شارون صاحب مذبحة صبرا وشاتيلا، وكان مناحيم بجن صاحب مذبحتي دير ياسين وكفر قاسم، وكان اسحق شامير صاحب مذبحة فندق الملك داود بمدينة القدس، وكان شيمون بيريز صاحب مذبحة قانا، أي أنه كان لكل مجرم صهيوني تولى السلطة في تل أبيب حصته من دم الفلسطينيين خاصة والعرب عامة. وفي أحيان كثيرة كانت المذابح والمجازر ترتكب بشكل فردي فيقوم بها صهيوني مسعور بشكل فردي، ولكن بالقطع بمباركة أسياده في سلطة تل أبيب، مثلما حصل في مذبحة الحرم الابراهيمي الشريف.
كانت مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف، التي شهدتها مدينة الخليل في الضفة الغربية الفلسطينية والتي يُحيي الفلسطينيون هذه الأيام ذكراها الثالثة والعشرين، واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها العصابات الإرهابية الصهيونية منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 وحتى اللحظة الراهنة. فبينما كان المصلون في الحرم الإبراهيمي ركعاً سجداً بين يدي الله تعالى مولين وجوههم شطر بيت الله الحرام لتأدية فرض صلاة فجر يوم الجمعة الموافق 25 شباط من عام 1994 ميلادي الموافق 15 رمضان من عام 1414 هجري، وقبل أن ينتهوا من السجود، انهمرت عليهم زخات من الرصاص الصهيوني الغادر من كل حدب وصوب لتوقع أكثر من 350 إصابة بين شهيد وجريح. وهنا بدأ الفصل الثاني من تلك المذبحة الإرهابية على يد المستوطن الإرهابي الصهيوني باروخ جولدشتاين الذي رضع حليب الحقد والكراهية من ثدي أمه حيث ولد وترعرع في أزقّة وشوارع بروكلين الأميركية. وكان الفصل الأول من تلك المذبحة قد بدأ مساء اليوم الذي سبق حدوثها، عندما قام الجنود والمستوطنون الصهاينة بمنع المصلين الفلسطينيين من دخول الحرم لأداء صلاة العشاء، بدعوى أن ذلك اليوم كان يوم عيد "البوريم" الخاص باليهود. وقتها تجمع المستوطنون الإرهابيون في ساحات الحرم الخارجية، وبدأوا بإطلاق الأسهم والألعاب النارية باتجاه المصلين، وبعد فترة قصيرة سمحت لهم قوات الاحتلال باقتحام الحرم الشريف من الداخل على شكل مجموعات متتالية. وعند الساعة العاشرة من ذلك المساء طلبت قوات الاحتلال من المصلين مغادرة الحرم، ولم تمهلهم إلا دقائق قليلة قبل أن تشرع بالاعتداء عليهم وهم يهمون بمغادرة باحة الحرم.
لقد أثارت مذبحة الحرم الإبراهيمي البشعة في حينه الرأي العام العالمي الذي أدانها بشدة، مما اضطر "إسرائيل" إلى المبادرة بالاعتذار عن ما أسمته "الحادثة التي تسبب فيها رجل مختل عقلياً"، بحسب تصريحات المسؤولين في تل أبيب. وقد ترافق الاعتذار مع قيام "إسرائيل" بتقديم تعويضات لأهالي الضحايا، كما ترافق مع اتخاذها خطوات وإجراءات سياسية إستثنائية اعتادت على اتخاذها في مثل هذه الحالة. كما ونجحت بدهاء إعلامي في طي صفحة المذبحة، مستغلة مقتل الإرهابي باروخ جولدشتاين على أيدي المصلين الفلسطينيين.
صحيح أن "إسرائيل" اعتذرت للشعب الفلسطيني والعالم، إلا أن ذلك الاعتذار كان من قبيل رفع العتب ليس أكثر، بعدما فشلت في فبركة المبررات والذرائع المنطقية والمقبولة لتلك الجريمة. وما دعا للحزن والأسى أن العرب تعاملوا مع المذبحة في حينه بشكل أضاف نقطة أخرى إلى سجل ضعفهم في التعامل مع الإعلام العالمي وإمكانية استثماره لصالح القضية الفلسطينية ومجمل القضايا الوطنية والقومية العربية.
وكما هو الحال في وضعية جميع المذابح والمجازر البربرية والوحشية التي تعرض لها الفلسطينيون داخل الوطن وخارجه على أيدي جلاوذة الإرهاب الصهيوني الرسمي والفردي، فإنه من غير الممكن لأي عاقل أن يتكهن باحتمال خروج مذبحة الحرم الإبراهيمي من الذاكرة القومية، وبالأخص من الذاكرة الفلسطينية، وبأخص الخصوص من ذاكرة من عاشوا أحداثها المفجعة والكارثية لحظة بلحظة.
لقد كانت مذبحة رهيبة خُطط لها بعناية فائقة ونُفذت بدقة متناهية. ودلل على ذلك أنه وبعد 23 عاماً على ارتكابها لا يمكن لأي مواطن فلسطيني يدخل الجزء القديم من مدينة الخليل إلا أن يخرج منه بانطباع واحد مفاده أن المذبحة قد نجحت في تحقيق الأهداف التي ارتكبت من أجلها وأن من خططوا لها نجحوا في ترحيل المواطنين الذين كانوا فيه، إذ أن من لم يخرج منهم بالترغيب أجبر على الخروج بالترهيب. وبعد 23 عاماً أصبح الجزء القديم من الخليل بؤرة أشباح، مَن يدخلها يعيش حالة من الذعر والخوف والترقب ومن يسكنها يعيش حالة من الرعب ومن يخرج منها لا يفكر بالعودة إليها بسبب ما يتعرض له من استفزاز وآلام واعتداءات منظمة ومبرمجة.
لقد ثبت لاحقاً أن المتطرف باروخ غولدشتاين لم يرتكب المذبحة وحده بل شاركه فيها جنود من جيش الاحتلال الصهيوني كانت مهمتهم إغلاق باب الحرم الإبراهيمي لمنع المصلين من مغادرته ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى المنطقة. فحين حاول المواطنون الفلسطينيون نجدة إخوانهم المصلين قابلهم الجنود المجرمون بإطلاق الرصاص الكثيف. وقد لاقت مذبحة الحرم تأييداً من الغالبية العظمى في "إسرائيل". وعند سؤال أحد خامات اليهود عما إذا كان يشعر بالأسف على من قتلهم غولدشتاين رد قائلاً "إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة".
جعلت "إسرائيل" من السفاح باروخ غولدشتاين بطلاً قومياً، لا بل جعلت منه "قدوة وحلماً" لمن رضعوا ما رضع هو من حليب الحقد والغدر، فقامت بدفنه في قبر عند مدخل مستوطنة "كريات أربع" التي أقيمت على أرض فلسطينية شرق مدينة الخليل وعُرفت باحتضانها لأشد العقول الصهيونية عنصرية وتعصباً وتطرفاً وإجراماً، وخصصت للقبر عدداً من جنود حرس الشرف مهمتهم حراسته وتأدية التحية العسكرية لساكنه كل صباح. ويعتبره الصهاينة حتى يومنا هذا بمثابة قديس، إذ حولوا قبره إلى مزار يؤمونه في ذكرى المذبحة وفي العديد من مناسباتهم الدينية والوطنية. وقد دأبوا مع اقتراب موعد الذكرى الأليمة في كل عام على ذرف الدموع المسمومة على مقتل طبيبهم المجرم، في وقت يذرف الفلسطينيون دموع الحُزن والألم والأسى على فراق شهدائهم الأبرار.
مثله مثل جميع المواقع في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك بيوت العبادة الإسلامية والمسيحية ظل الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل على الدوام عرضة لإجراءات التهويد. ولعل أسوأها كان قرار ضمه الى المواقع الأثرية "الإسرائيلية" ومن ثم قرار مصادرته وتحويله إلى كنيس يهودي يرتاده الحجاج اليهود في مناسباتهم الدينية والخاصة.
ولمن لا يعلم من العرب والمسلمين وأحرار العالم فإنه لم يتبقَ لهم وللفلسطينيين من الحرم الإبراهيمي الشريف سوى التأمل في بنيانه عن بُعد، وقراءة تلك اليافطة التي تصدرت واجهته وكُتب عليها "ممنوع الصلاة في هذا المكان"، ولم يتبقَّ لكم سوى رؤية هذا المعلم الديني المبارك في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، والحصول وشراء صوره من الأسواق الصهيونية!!
مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف فتحت أمام الإرهابيين الصهاينة باب الغنائم على مصراعيه فنهلوا من الشريان الفلسطيني ما لم يكفهم وسينهلون منه ما لن يشبع نهمهم في قابل الأيام، بحيث يُترك الجسد الفلسطيني ينزف حتى الموت تحت سمع وبصر "الإخوة الأعداء" في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين اختلفوا وتقاتلوا وتصارعوا وتناحروا وتباعدوا من أجل سلطة واهية هي ليست بالأصل موجودة إلا في خيالاتهم وتخيلاتهم، وفي ظل خيانة أو تواطؤ أو تماهي غالبية الحكام العرب والمسلمين وأصحاب القرار في العالم أجمع.
محمود كعوش
كاتب وباحث مقيم بالدانمارك
كوبنهاجن 2017
[email protected]



#محمود_سعيد_كعوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخاريفُ امرأةٍ عاشقة !!
- هلوساتُ عاشقة
- مِنَ القَلْبِ لِلْقَلْبِ أحبُكِ أكثرْ !!
- محضُ صدفَةٍ أمْ رمْيَةٌ بِلا رامي !!
- صدفةٌ أم رميةٌ من غيرِ رامي ؟
- أشتاقُكَ وأنتظرُ منكَ سلاماً !!
- أشتاقكَ وأنتظرُ منكَ سلاماً !!
- للحوارُ بقية قد تأتي لاحقاً !!
- 98 عاماً على ميلاد المارد العربي جمال عبد الناصر
- نجدد العهد لشهداء فلسطين الأبرار في يومهم السنوي
- الدبلوماسية المصرية في عهد السيسي عجيبة غريبة !!
- اليوم العالمي لحقوق الإنسان
- المطلوب وقفة عز وشرف مع الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني
- رحل صديق الفلسطينيين والعرب فتحية لروحه
- برافو سلطة !!
- أكانت ديمقراطية أم جمهورية تبقى إدارة صهيونية !!
- من قتل عرفات ومتى ينال الجاني عقابه؟
- سيدُ البنفسج
- وذَكِّر إن نفعت الذكرى...مذبحة كفر قاسم
- خالدٌ أبدَ الدهر !!


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود سعيد كعوش - ماذا تبقى لنا من الحرم الابراهيمي الشريف؟