أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود زعرور - الموت عمل شاق لخالد خليفة - الوصف السردي ودلالات الخطاب الروائي















المزيد.....

الموت عمل شاق لخالد خليفة - الوصف السردي ودلالات الخطاب الروائي


محمود زعرور

الحوار المتمدن-العدد: 5441 - 2017 / 2 / 23 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


في واحدة من أبلغ روايات المشهد السوري الراهن ، وأعمقها دلالة ، وأكثرها تكثيفاً ، وإيجازاً ، يدعونا الكاتب والروائي خالد خليفة في روايته الجديدة ( الموت عمل شاق 1) إلى رحلة مضنية ، ومعقدة ، في الجغرافيا السورية ، تضع لها هدفاً تاريخياً ، خاصاً واستثنائياً ، من أجل إتمام مهمة تتصف بأنها غير قابلة للتأجيل ، أو التبديل .
في سياق هذه المهمة ، يقوم الكاتب بتقديم صورة فنية ، غنية بالمكونات والتفاصيل المختلفة لواقع المجتمع المتغير في الحاضر ، بعد الثورة السورية ، خلافاً للمألوف ، على صعيد أحواله ، وسماته ، في الماضي . يستخدم المؤلف من أجل هذا المسعى أساليب وتقنيات مختلفة ، في الجانب
السردي ، وفي تقديمه لشخوصه ، وفي تعامله مع عنصر الزمن ، من أجل صياغة رؤيته لخطابه الروائي ، وإشهار دلالاته العامة .
سنكون مع سفر العائلة ، أو بالأحرى ، مع الشقيقين ( بلبل وحسين ) واختهما ( فاطمة ) ، عبر الدروب والحواجز والبلدات ، باتجاه قرية ( العنابية ) ، من أجل دفن جثة الأب ، حسب الوصية. الرحلة تتحول إلى كاشف فني قاس، ومحاكمة أدبية جذرية، عبر الوصف السردي، لما يمكن
معه القول لصورة جحيمية ، طافحة بالآهوال ، من صور مآلات المصير السوري الراهن ، بعد تاريخ مأساوي طويل .
الرحلة المعقدة ، والمضنية ، من أجل تنفيذ وصية الأب ، لدفن الجثة في مسقط رأسه ، تستدعي التفكير بحال الوطن ، في الوضع الراهن ، كما تستدعي التفكير بماضي سوريا أيضاً . ماض يدل عليه الزمن المتجمد ، الذي قلما حمل تغييراً ، أو تبديلاً ، في هيئته الكلية ، أو في وقائعه المختلفة.
إنه زمن ثابت ، ساكن ، ومستقر ، أريد له أن يكون على نمط واحد يتخذ صفة الاستمرار والتحكم ، بالرغم من أنه كان يشي ، على الدوام ، بممكنات التغير ، إلا أن هذه الممكنات ، أو الإمكانيات ، كان يجري العمل عليها ، لمنعها من التحقق.
يمكن لنا أن نحدد المسار الروائي الرئيسي ، الذي ينطلق من العائلة ، عائلة عبد اللطيف السالم ، كوحدة اجتماعية داخلية ، تروم تنفيذ وصية الأب في دفنه ، في قريته البعيدة ، ثم الوقوف أمام طريقة تعاملها مع الوحدات الاجتماعية الخارجية الأخرى ، عبر الاصطدام بمشهدية مفجعة وغرائبية، معاَ ، للوقوف على أوضاع المجتمع السوري الراهن ، بعد انتفاضته المجيدة ، التي أرادت وضع حد نهائي ، مرة واحدة وأخيرة ، لحكم العائلة الأسدية ، وكسر فكرة الامتثال المديد والمدمر لحياة وكرامة السوريين .
كما يمكن لنا ، ونحن نستقرئ دلالات الخطاب الروائي في هذا العمل ، أن نعتبر هذا الفعل / الحدث ، الذي تتخذ منه رواية ( الموت عمل شاق ) لخالد خليفة فكرة للتحويل ، أو بمعنى ما ، نقلة باتجاه المعادل المقابل لفعل التدمير للوضع العام ، في الشخوض وفي المحيط ، على حد سواء ، بعد الثورة السورية ، من أجل حياة جديدة لسوريا ، مختلفة ومغايرة كلياً .
لقد أراد السوريون وضع حد لفكرة الموت ، ولحالة الإقصاء المادي والمعنوي ، التي يتعرضون لها على مدى عقود من السنين ، فتعرضوا لموت لا يقل ضراوة عن حالهم السابقة ، عقاباً على تمردهم ، ورفضهم للإذعان ، الذي أريد له أن يكون تاماً وشاملاً وأبدياً.
لكن ، أين يقف الكاتب من هذا كله ؟ وكيف قدم موضوعته الروائية ؟ وما هي حال ، أو أحوال شخصيته الرئيسية في عمله الجديد؟ وما طبيعة الرواي هنا؟
حكاية الرواية ، بالطبع ، ستتمحور حول عبد اللطيف السالم ، الأب ، الذي أراد أن يكون مشاركاً في صنع التغيير ، عبر العمل مع المعارضة المناوئة للنظام الأسدي ، في البلدة ( س ) ، القريبة من مدينة دمشق ، ثم انتهى به المطاف ، بعد مرضه ، وبعد الانتقال إلى منزل ابنه ( بلبل ) ، إلى الموت ، لكنه أراد من الابن أن يقوم بدفنه في ( العنابية ) ، القرية الواقعة في الريف الحلبي .
يأتي الوصف في الرواية على حالتين ، أو هيئتين ، فمرة يكون وصفاً طبيعياً ، إذا صح التعبير ، عندما تقتصر وظيفته على التفاصيل الخارجية للأشياء والظواهر ، ومرة أخرى يكون مندمجاً ومتداخلاً مع السرد ، عندما يشترك بقص الحدث ، أو الأحداث ، متتبعاً لتطورها ، وناقلاً لتغيراتها ، وموضحاً تأثير ذلك كله على الشخوص ، وهنا ، بالضبط ، يقوم بوظيفة مزدوجة في العملية الفنية .
وهي سمة فنية / سردية ترتبط كثيراً بحقل القصة القصيرة ، ومن هنا يأتي لجوء الكاتب خليفة إلى هذا النمط لكونه أراد لروايته أن تحوز على صفة الإيجاز ، والتكثيف ، وحاملة لشحنات قصوى من التوتر الدرامي.
سنكون مع تطبيقات نموذجية ، ملموسية وفعالة ، معاً ، للوصف السردي في مقاطع سردية رئيسية في الرواية ، مثل إخراج جثة الوالد من المشفى الدمشقي ، ووضعها في ميكروباص ، ثم تلك الرحلة الطويلة المضنية ، المتقطعة والمتشعبة ، المحفوفة بالأخطار المختلفة ، وسط أجواء المعارك ، والقصف ، والحصار ، وشبح الموت الذي يخيم على كل الأنحاء ، وانشغال الأبناء ( بلبل ، حسين وفاطمة ) بمواجهة كل ما يعتري هذا المقصد من صعوبات وعراقيل ، كتلك المواقف المفصلية ، والتي تأتي كدلالات ليست عصية على الفهم والتفسير، كأن يطلب فرع الأمن اعتقال الأب عبد اللطيف السالم لأنه كان ( معارضاً ) ، رغم أنه الآن محض جثة ، فحسب ، أو أن يطلب تنظيم سلفي جهادي متشدد محاكمة بلبل ، وإنزال العقاب به ، وإقامة الحد عليه لكونه ( كافراً ومرتداً ) .
مقطع وصف سردي أول:
( عند مطلع الطريق الدولي ، كانت السيارات تنعطف إلى طريق فرعي . سأل حسين سائق سيارة أجرة إن كان الطريق مغلقاً ، فأجابه بأن القناصة يمنعون المرور ، وأضاف : منذ ثلاث ساعات قنصوا أربعة مسافرين ، مشيراً إلى أربع جثث لرجل وامرأة وشاب وفتاة . فكر بلبل بأن هؤلاء اختاروا الموت كما عاشوا ، كعائلة . انحرف حسين بالميكرو في زواريب ضيقة ، أصوات قصف الطيران قريبة منهم ، باستطاعتهم رؤية الطائرة وهي تطلق صواريخها من ارتفاع منخفض ، الشظايا تتناثر حولهم . حاول حسين التركيز على الطريق كي لا يجدوا أنفسهم محاصرين وسط بساتين الزيتون المحترقة . 2) .
مقطع وصف سردي ثان :
( اقترب منهم رجل يرتدي ملابس سوداء ويضع قناعاً على وجهه ، طلب هوياتهم بلغة عربية غير سليمة انتبه إلى الجثة قبل شرحهم لخط رحلتهم ، بادره حسين بالقول إنهم في طريقهم لدفن أبيهم ، تحدث بحهاز لاسلكي يحمله بيده ، ثم كشف البطانية عن الجثة ، كانت جثة مختلفة ، مليئة بالقروح ، تنزقيحاً في أكثر من مكان ، انتشرت رائحتها الكريهة في المكان ، استوطنت أنوفهم ، ثلاثة مسلحين توجهوا نحوهم ، ركبوا معهم وأمروا حسين بالتوجه نحو مبنى الأمير. 3) .

ليس عسيراً تلمس الدلالات من هذين المقطعين السابقين . فأي مصير ينتظره السوريون والسوريات بعد هذا الحكم الأسدي المديد ؟ وأي خيار ، في الحاضر والمستقبل ، سيكون ملائماً لوطنهم ؟ ونمط حياتهم ؟ وماهي حدود حريتهم بين الأسد وبين داعش على سبيل المثال؟
لكن العلاقة المتكافئة بين الراوي العليم ، أو كلي المعرفة ، وبين شخصية عبد اللطيف السالم ، الذي كان ينظر إلى ( يوم الاستقلال القادم ) من ( النظام الفاشي ) كلحظة حتمية ، توضح هنا طبيعة التناقض أو بؤرة الصراع ، التي تعتمل في المجتمع السوري.
الحدث في الرواية يأتي على صيغة خطية ، متسلسلة ، في الغالب ، لكنه يكون ، كذلك ، بصيغة الاسترجاع ، وفي هذه النقطة ، يشترك مع طبيعة معالجة الكاتب للزمن ، الذي يتسم بالحركة الدائرية ، وكأني بالمؤلف لا يقصر خطابه الروائي على المرحلة الحاضرة ، فحسب ، بل يتعداه إلى رؤيته الكلية للمجتمع السوري في حقبتيه ، وهو تحت النظام الأسدي ، في مرحلة الأسد الأب ، وأيضاً ، في مرحلة الأسد الابن.
وهذا التصور الفني / الجمالي يغدو متصلاً بمقولة الكاتب الرئيسية ، من حيث إحالتها ، أو ارتباطها بقضايا الصراع الاجتماعي والسياسي في سوريا.
ومثلما يشكل تنفيذ الوصية ، الحدث الرئيسي في الرواية ، والنقطة الأكثر جذباً واهتماماً على صعيد المسار الروائي ، تغدو هذه العملية بالنسبة للكاتب خالد خليفة ، مجالاً نصياً يخترق الصور المعرفية والاجتماعية والسياسية لسوريا .
تقول جوليا كريسطيفا :
( هكذا نشهد ، في أيامنا هذه ، تحول النص إلى مجال يلعب فيه ويمارس ويتمثل التحويل الإبستيمولوجي والاجتماعي والسياسي . فالنص الأدبي خطاب يخترق حالياَ وجه العلم والإيديولوجيا والسياسة ويتطلع لمواجهتها وفتحها وإعادة صهرها 4) .
محمود زعرور – كاتب وناقد أدبي - هولندا
--------------------------------------------------------------------------------------

1- خالد خليفة : الموت عمل شاق- دار نوفل - هاشيت أنطوان العربية – بيروت ، دار العين، القاهرة 2016
2- الرواية ص 18
3- الرواية ص 112
4- جوليا كريسطيفا : علم النص ، ترجمة فريد الزاهي ، مراجعة عبد الجليل ناظم ، دار توبقال للنشر ، الدار البيضاء ، ط ثانية 1997 ص 13




#محمود_زعرور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زكريا تامر صورة جديدة للقصة السورية - من الهوية إلى التحديث
- خطاب الأسد : غياب الكلمة الفاصلة
- أوراق الأسد
- دماء ودخان .. جوهر الإصلاح السوري
- ردود وأضاع حاسمة في الحدث السوري
- النظام السوري بين بلاغة الإصلاح ومواجهة التغيير
- سوريا وتحديات التغيير
- لبنان وتعزيز خيار الدولة
- لبنان يخاطب العالم موحدا
- اغتيال جبران تويني استهداف لقيم الاستقلال ومعرفةالحقيقة
- نظرة في تقرير ميليس وتداعياته
- اغتيال جورج حاوي استهداف لخيار التغيير
- سورية وسياسة تبديد الفرص ... انسحاب تحت الضغط
- الانتخابات العراقية ومهام بناء عراق ديمقراطي تعددي
- مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي ...
- اليوم العالمي لحقوق الإنسان-الاعتصام السلمي في سورية وضرورة ...
- محمود درويش أو المطلق الأزرق متوجآ
- المشروع الفلسطيني بعد غياب عرفات
- نظرة في أزمة الثمانينيات في سورية / بدر الدين شنن وكتاب - ال ...
- أمطار صيفية- قصة


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود زعرور - الموت عمل شاق لخالد خليفة - الوصف السردي ودلالات الخطاب الروائي