أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - ( ما لم تمسسه النار ) للكاتب عبدالخالق الركابي : استعادة الحياة من أزمنة الخراب















المزيد.....

( ما لم تمسسه النار ) للكاتب عبدالخالق الركابي : استعادة الحياة من أزمنة الخراب


غازي سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5438 - 2017 / 2 / 20 - 22:26
المحور: الادب والفن
    


( ما لم تمسسه النار ) للكاتب عبدالخالق الركابي * : استعادة الحياة من أزمنة الخراب


يُعدُّ الزمن احد اهم العناصر الرئيسية في العمل الروائي نظرا لأهميته البالغة في عالمه الداخلي، حركة شخوصه ، احداثه، واسلوب بنائه ، والزمن في الفن والادب ليس كالزمن الفيزيائي الذي ينساب بتصاعد منطقي "حاضر، ماضي فمستقبل " وبما يرتبط به من سياقات لغوية نحوية ، بل انه الزمن الذي يغشى المتن الحكائي بشخوصه ووقائعه فيَسمه بأسلوب وبناء نصي، يتشكل متساوقا مع معطيات ودينامية الاحداث ورؤية الكاتب ،فــ :
( ليس ثمة شيء أكثر صعوبة يجب تأمينه في الرواية من عرض الزمن في صيغة تسمح بتعيين مداه وتحديد الوتيرة التي يقتضيها الرجوع بها إلى صلب موضوع القصة، فهذا الأخير ـ أي موضوع القصة ـ لا يمكن طرحه مالم يصبح بالإمكان إدراك عملية الزمن .(1) ‏
و" ما لم تمسسه النار " هو كل ما تبقى من مدونات في دفتر "نديم اسكندر بيك " الذي حاول اتلافه حرقا "، هو ما امكن انقاذه من ازمنة ظلت ساكنة في دفتر "متسخ وملوث بالرماد " وحين فاز الكاتب بحيازة ذلك الدفتر فزنا نحن برواية استطاعت ان تتبنى تلك المدونات التي تحكي سيرة " نديم " وبعضا من سيرة حياة الكاتب . رواية تشتغل على استعادة الأزمنة المنقضية الراكدة على شكل صور ولغة تحت ركامٍ من تقادم النسيان واهمال الذاكرة، تلك الازمنة ليست عالما تجريديا بل انها تنطوي على ذلك المحتوى الثري لفاعلية اللحظات المعيشة التي تستطيع عملية الاستذكار احياءها عبر فعل الكتابة لأنها اضحت جزءا من عالم الروائي الداخلي , وألتأمت فيه، حيث من المتعذر ان تُروى احداث ماضية ما، دون ان تكون تامة في زمنها الذي يسبق أوان الاستذكار، وهذا يوضح اشكالية التعارض القائمة بين زمن الحدث وزمن سرده ، و :
( يرجع السبب في طرح مشكل تقديم الزمن داخل النص، الى عدم التشابه بين زمانية القصة وبين زمانية الخطاب ، فزمن الخطاب هو بمعنى من المعاني زمن خطي ، في حين ان زمن القصة هو زمن متعدد الابعاد ، ففي القصة يمكن لأحداث كثيرة ان تجري في آن واحد ، لكن زمن الخطاب ملزم بان يرتبها ترتيبا متتاليا يأتي الواحد بعد الاخر وكأن الامر يتعلق بأسقاط شكل هندسي معقد على خط مستقيم) (2)
‏ ان العوالم التي يتوغل فيها الكاتب بغية استعادة تلك الازمنة, هي عوالم محددة مكانيا بمدن " بدرة - بغداد – مهران "، لكن الزمن السردي المستمر في دورته ،وباعتباره قاعدة العمل الروائي وبما له من اثر في سير الاحداث وسِيَر الشخوص , يجعلها اكثر اتساعا، ويضفي عليها (الامكنة والشخوص معا) ملامح متغيرة باستمرار. وقد أخضع الكاتب زمن السرد" الزمن المتخيّل" الى الراوي السارد - بضمير المتكلم - الذي بدوره عمد على تشظية خط الزمن المنتظم ، منطلقا من الماضي القريب الذي يشكّل بؤرة الوقائع المستعادة والمعيشة في مطلع التسعينات من القرن الماضي الى زمن اخر ابعد ،أو بالعكس ، مقابلا بين عمليتي الاسترجاع والاستباق ، فاستدعى دفقا مستمرا من تلك المدونات "الذكريات الفائتة " المتقطعة، ايقظها ، فتشكلت منها حزمات متجاورات لكل منها كيان مستقل ، و كل حزمة تشتمل على نَفَسٍ متخافق ينحو الى التشارك مع انفاس الأخريات، وما أنفك يلحق الحزمة بالأخرى حسبما عاشها ووفقا لصياغته ورؤيته لأفكار وتداعيات "نديم "- الشخصية المحورية - حتى شهدنا ظهور حزماتٍ جديدة ، تبدا الثانية بمجرد انتهاء الاولى لترفد بنية النص دون انقطاع ، وهو اسلوب يقوم على تخليق الصور ويتيح للكاتب تغطية مساحات زمنية واسعة من حياة الشخوص ، وفق ذات النسق السردي غير المتتالي الذي تقاطعت فيه خيوط الزمن المنطقية، مع ضمان نسيج وحدتها بسبب التشابه في بناء كل حزمة منها مع الاخرى .
فالكاتب يفتتح الرويَ عند عتبة مدينة " بدرة" الحدودية مع ايران، في يوم ما من ايام مرحلة زمن الحرب الامريكية على العراق عام 1991، تحديدا من لحظة الإخبارِ عن عثوره على دفتر مذكرات " نديم " وذلك باستهلالية الفصل (1) من الرواية ،وايضا بتعريفه بـ "بتول" زوجةً لـ (نديم ) وهي في متوسط العمر، وكلا المعلومتين ضمن مشهدين منفصلين حررهما فعل الاستذكار من زمن الماضي القريب :
( كان العثور على الدفتر – الدفتر المشؤوم كما كان يسميه نديم- ايذانا بالشروع في كتابة هذه الرواية ....) الرواية ص1
( كانت بتول، في انتظاري في غرفة الاستقبال القائمة الى اليمين، صافحتني لتقبلني في فمي ..) الرواية ص14
الا ان مجرى تيار الاستذكار يتفرع ليحط بالمتلقي على مسار ماض ابعد كثيرا من لحظة حيازة الدفتر ولقاء الراوي بـ "بتول" ، حين يسرد علينا لقاءه بنديم في الفصل (3) و الشروع بالاتفاق معه على كتابة رواية تتضمن سيرة حياته مدونة في دفتره :
(.. وكان نديم واقفا في انتظاري عند باب غرفته المحاذية لحديقة مهملة ... ) الرواية ص49
وكذلك علاقته صبياً مع (بتول )الشابة ، جارته وحبيبته ، وقبل زواجها من " نديم "، وهو يستعيد حدثا ايروتيكيا معها :
(فاذا بي افاجا بيد بتول الدخيلة وقد عادت تمسك بكفي لتقودها الى فتحة ثوبها حيث انغمرت اصابعي بسخونةِ نهد متعطش للضم والشد ...وعادت بتول تقحم يدها تحت لحافي .. ) الرواية ص106
ولأن هيمنة "الاستذكار عمّقت الاختلاف بين زمن السرد وبين زمن الحدث، بفعل ادامة تداخل الازمنة في بنية النص ، تشظيا وتشعبا الا ان الكاتب مكّن المتلقي من ان يستطلع النسق السردي ويحيط به، ويجعله ( يتفرج على عمله ) على حد قول "ماكس ارنست "(...), ويُشعره بان العمل الروائي ما هو الا خلقا جماليا يتماهى مع الواقع. فما من نص سردي الاّ ويعتمد الاحداثَ ، الاحداث الواقعية للأفراد المرتبطة جدليا بحركة المجتمع ، يجسدها الكاتب عبر لغة السرد التي تنقلها من واقعيتها "الراكدة " الى واقعية الفن وجماليته وتمنحها حيوية التفاعل مع المتلقي. فالبناء الفني للرواية يرتكز على تلك اللغة " لغة السرد" التي تصف الشخوص، و كذلك تؤهلهم لوصف احداث ما، كما انها تبني وتعيّن غيرها من عناصر الرواية بما فيهما عنصري الزمان والمكان وكذلك تحدد هوية الحدث في هذين العنصرين .
وقد عمد الكاتب الى ايجاز لغة السرد " تقنينها " وصاغ تعبيراتها بشفافية خالية من التزويق اللفظي ونمط البلاغة التقليدية ، مستثمرا جميع هذه التقنيات السردية التي اتسمت بها البنية الزمنية لخطاب روايته، وفق رؤية و تشكيل يؤكدان امتلاكه لخزين معرفي بوعي متقدم بشروط الكتابة الروائية و أدواتها فجاءت الاحداث سردا ووصفا وتعليقا عن تفاصيل حياتية دقيقة منتقاة بدِربة الكاتب ونظرته الثاقبة لتفاصيل الحياة ابان ظروف الحصار الدولي، وتحت وطأة عمليات القصف الامريكي المحموم على بغداد خصوصا ،واحتماء سكانها بالمدن الحدودية ومنها " بدرة " لكونها بقيت بمنأى عن فتكِ ذلك القصف وجحيم الحياة حينها، المثقلة بالقلق والخوف والاحباط . وقد استلّ الكاتب فصولا من حياة كانت تحتضر تحت ركام ذاك الخراب مدرِكا :
( ان الحياة في اي عمل فني تنتصر على الموت اذ انها تحتويه وتحيط به، ذلك لأنه في الفن تكون الحياة حاضرة بكل توهجها الراهن المباشر الفوري ، اذ انها خلُصَت من النسيان المضاعف الذي يهددها ومع ذلك انها تحتفظ بالجوهر العابر للزمان بكل بكارته وخلال الفن وحده يستطيع الراوي ان يعلو فوق موته هو .) (3)

لشخصية نديم تأثير بالغ على مسار السرد والمتن الحكائي للرواية معا ، بسبب من ديناميتها المتنامية المتغيرة ، فهي شخصية غير سكونية ، تمتزج بالمبنى السردي وتحايثه، و تتحرك فيه بكل حمولتها المتمثلة ببعدها المحوري الذي منح الرواية بعدها الحكائي ، لتكون هي القيمة المهيمنة التي تخلق وتدير الحدث الذي يضبط ايقاع سلوكياتها ، وانها مَن حددت تنمية الخطاب وتقاطعاته الزمنية والمكانية ، حتى بدت هذه الشخصية مثار اهتمام القارئ والروائي معا بالرغم من حضوره الشخصي في مسار الرواية بأضاءات من سيرته الذاتية وزمن المغامرة المتمثل بالبحث عن نديم ودفتره، بل ان شخصية نديم كما "ابدعها " الكاتب" واراد لها ، ان تكون ، بؤرة التوتر الدرامي للنص الروائي، ،وان :
(الشخصية عند كاتب البيئة الريفية عبدالخالق الركابي ، هي عالمه معبرا عنه من خلال الصورة او الصورة الفنية التي تذلل، بقدرة الكاتب على التعامل مع الموضوع ومع اداة التعبير عنها وتقديمها ،اللغة ،وانطلاقا من كون شخصياته اناس بيئته الريفية التي يعرفها بتفصيلاتها تجربة وقراءة فانه غالبا ما يقدمها بجمالية لغة واسلوب يتناغمان مع الشخصية ويوظفان البيئة كأنهما محضران لهذه الشخصية تحديدا وليس لشيء اخر .)(4)
ان " نديم المصاب بالصرع و بشخصيته العصابية ظل يعاني من ازمة ذات وجودية تعيش في علاقة اشكالية مع بيئة مثقلة بالمتناقضات ، فهو الساخط من سطوة ابيه عليه ، دون ان يتنكر لانتمائه الطبقي الاقطاعي او يتمرد عليه و يدينه ، بل على العكس دافع عن سمعة " طبقته وعائلته " فقد قتل اخته (هاجر)غير الشرعية، اغراقا في النهر انتقاما له من امها (فردوس) التي تسببت في الحاق العار بالعائلة ، فهي التي (كما يرى ) سولت لأبيه معاشرتها من اجل مساومته على الاموال في مقابل سكوتها ، ولان والده اكتشف ما كتب نديم عنهن كمذكرات في دفتره، فقد استشاط غضبا منه وضربه بالسوط ، لم يدرك نديم ان الفتاة وامها بعض من ضحايا نزوات والده ونزقه واستهتاره ، بل فسر ذلك ان اسرته كانت هي الضحية فما ضربة والده بالسوط على وجهه الا نتيجة لخطيئة "فردوس "!
( لن أغفر لهاتين المرأتين، فهما السبب الحقيقي لكل ما حصل بيني وبين أبي) الرواية ص212
وبمقابل ذلك فنديم الفنان الفطري، ينحت الحجر بمهارة ، والقارئ للأدب خصوصا الرواية ، حيث غالبا ما يعيد قراءة رواية " ديستوفيسكي " الجريمة والعقاب بطبعتها التجارية ،تصادق مع الشيوعي المنفي في المدينة كثير المطالعة" فريد عمران" وتحمل تأنيب ابيه له وتحذيره من أهداف افكار هذا المنفي الشيوعي الغريب ،التي تبغي سلبه امواله وسطوته على المجتمع ، وكذلك انحيازه الى صف الشباب الذين وقفوا مطالبين بدفن متوفى شيوعي في مقبرة المدينة وهو من الشيوعيين المنفيين الذين كانت " بدرة " موطنا ثان لهم ابان الحكم الديكتاتوري ، حين رفض كبار السن والاعيان دفنه بدعوى انه " لا يؤمن بالله" , فدفن في مكان" محايد " على تلة" يطل نظر نديم عليه من شباك الصف بمدرسته . و تعايش نديم مع افراد من طبقة اجتماعية ادنى يختلفون معه ليس طبقيا فقط ، بل في انماط السلوك والمستوى الثقافي ايضا من مثل ( النحات الفطري حكمت الكردي, ورجب "المثقف الانتهازي" وغافل الذي يقص الحشائش ، وعيسى الذي آواه في منزله بعد تسيبه و نزلاء "الشماعية " خارجا بسبب المجاعة وسرقة ممتلكات المستشفى ، فكان الى جانبه عند محاولته الانتحار التي انقذه منها لكنها تسببت في موته ،وهو من انقذ الدفتر من الاحتراق كاملا، وكل اولئك تعرف عليهم في مستشفى" الشماعية " باستثناء "فريد عمران" الذي تعرف اليه في سن الشباب بمقهى .
نديم استشرف او تنبأ بفواجع اخرى قادمة ستحدث، حروب اكثر دموية، وخراب يلحق بالإنسان والوطن :
( ان الحرب القادمة ما هي الا مقدمة لأمر بالغ الخطورة يُعَدّ له في الخفاء على قدم وساق ). الرواية ص16
(الشماعية امتدت وستمتد أكثر وأكثر لتسع كل شيء... كل شيء) الرواية ص 254
وقد تحققت "نبوءته" ! ، فبعد سقوط النظام الديكتاتوري اطلق النظام السياسي البديل رصاصة الرحمة على ما أغفلته رصاصات النظام البائد من قيم ثقافية و مجتمعية فاضلة ، حدث ان تبقّى فيها نبض من حياة .
ان الحملة العسكرية التي قادتها امريكا من اجل تغيير النظام كانت قد عجلت في سقوطه واندحاره ، فحسب، ولم تكن هي السبب الوحيد في نهايته الدراماتيكية ، شخصا ونظاما ، بل ان لحركة التاريخ عواملَ تعرية كانت تنخر جسد النظام ، الذي تحول اخيرا الى مجرد تمثال ، نظام يرفض ان يدرك خطورة حركة التاريخ ومتطلبات البقاء. ان لتلك العوامل اثرها في سلبه رمق الحياة الذي لم يعد يستحقه ، فكان الهروب غير المجدي ، امام عجلتي التغيير ، العسكر وسطوة الزمن ،ما يمثل الا انتحارا! .
لقد بقي نديم ذلك الابن البار والوفي لصيانة ميراث عائلة ابيه "اسكندر بيك " فذا هو يناجي ابيه ، او بقاياه ، اشياء عتيقة ثلاث : جسد متهالك ،طربوش عثماني ، وسوط ملقى في حجره :
(حسن ... لقد حدث ما حدث وانتهى الامر ، واعاهدك على ان اكون لك خير ابن .. ما أرجوه منك الصمود ..تمسك بالحياة اذ يكفيك ان تخذلني لكي لا اغفر لنفسي جريمتي بحقك الى الابد ...) الرواية ص 211
وما عائلته الا البقية الباقية من ظلال طبقة اجتماعية من عصور الدولة العثمانية المنقرضة، بقيت تصارع ، "مثلما هو النظام السياسي السابق "، ازمانا ليست بأزمانها ، تنتج اجيالا " ابناءا " لها "، ترثهم السياط ونزعة الشهوة الى التسيّد على الاخر والقتل ، مثلما ترثهم مرض الصرع والفضائح الاخلاقية والفساد ، متوسلة ترميم اسباب البقاء دون جدوى، دون اي اكتراث لعوامل التعرية " التاريخية المتغيرة ، فزالت بموت وزوال رمزها الوحيد " نديم " ، فأملاكها الشاسعة صارت نهبا للورثة من الاقارب ، فلا ابن لها يرثها الا " نديم اسكندر بيك " الذي مات منتحرا في بيت صديقه عيسى من مدينة الثورة ودفنه في مقبرة " محمد سكران " وهي مقبرة مهملة ، دون أسف من احد ما على موته او حزن عليه حتى "بتول زوجته ، حين يبلغها " الراوي " نبأ موته ترد ببرود :
-: لا يسعني ان افتعل البكاء كما يفترض بامرأة ترملت حديثا...كل ما يسعني قوله : فليرحمه الله، فقد اراح واستراح . الرواية ص25
اية مقارنة او مقاربة يمكن للقارئ ان يمكن ان يكوّنها بين مصير "نديم اسكندر بيك " فردا وعائلة وطبقة اجتماعية ،وبين ما آلَ اليه مصير النظام الديكتاتوري السابق ؟
هذي رؤية قرائية شخصية .ليس الاّ ! .. .
ان عنوان الرواية يشي ضمناً، انّ زمنا ما . قد أُمحي تماما، تحت رماد حرائق حكم الديكتاتورية وحروبها العبثية والحرب الامريكية على العراق عام 1991 ، ذلك هو "الزمن المضيّع" الذي لن يستطيع احد ما استرجاعه بعد ، لا الراوي ، لأنه دوّن " ما لم تمسسه النار" فقط ، ولا " نديم " الذي اضرم فيه النار ، بفعل نوبة من جنون المّت بـه واستثارتها مشاعر عبثية خليطة من الاحباط واليأس واللاجدوى ، راحلاً في غياهب الموت دون رجعة، لامحال ،سوف يستشعر قارئ ما، وبعد انتهاءه من قراءة الرواية، فراغا او حيزا غير محسوس زمنيا وبلا دالة مكانية ، فراغا بلا انفاس لموجودات ما، قد اقتطع من بنية زمن تلك الفترة المتخمة بالأوجاع، بل من بنية النص الروائي نفسه ، غير اننا نجد سلوانا في انجاز المؤلف لهذه الرواية و مؤكّدا حقيقة دور الحرف في مواجهة الزمن الواقعي و ان استرجاع الماضي روائيا يعني عيشه ثانية ،
بمعنى آخر كما يقول بروست "
(..ان ولادة الكتاب هي ولادة الكاتب، ففي الروايات المحدثة تكون الحياة الحقيقية هي التي اكتشفت
وانيرت اخيرا ، الحياة الوحيدة المعاشة فعلا ، هي حياة الكاتب على حد تعبير بروست ) (5)





المصادر
• صدرت الرواية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - ط 1 - 2016
1 . بيرسي لوبوك، صنعة الرواية، ترجمة عبد الستار جواد، دار الرشيد للنشر 1981، ص55.
2. طرائق تحليل السرد الادبي - مقولات السرد الادبي "تزفتيان تودوروف" – منشورات اتحاد ادباء المغرب – ترجمة الحسين سبهان ص 55 " بصيغة pdf
3. جيرمين بريه – مارسيل والتخلص من الزمن – وزارة الاعلام العراقية – 1977ص59
4. جماليات الرواية العربية، وقائع مهرجان العجيلي 4 للرواية العربية _ مديرية الثقافة بالرقة – دار الينابيع للطباعة والنشر ط1 - 2009 . محاضرة د. نجم عبدالله كاظم - ص 151
5. الحداثة ج2 تاليف مالكم برادبري وجيمس ماكفارلن .ترجمة مؤيد حسن فوزي ، دار المامون للتر جمة والنشر سنة1990. ص134

-------

غازي سلمان
العراق – بغداد
[email protected]
مكتب بريد 14 تموز
ص.ب 18157
------
iraq- baghdad
14Tamoze poste office
p.p / 18157o.com



#غازي_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبوءة عشتار
- -شباط عام 1944 - ميلاد نبي المسرح
- الحقيقة في رمزية المخيف
- واقعية الخيال
- 14 تموز 1958 في العراق والاختلاف فيها
- فرانكشتاين - الشسمه -ومتاهة إنتاج القتل
- ما يتبقى من الحرب ، الحكاية والموقف منها
- الفنان فهد الصكر يعيد بناء ذاكرة الامكنة
- صورٌ لوجهٍ واحد
- الذي رحل قبل الموت
- (................)
- ما تبقى لأمرأة
- معرض فني مشترك .. ومشتركات
- طرق الصمت / قصيدة
- الديكتاتورية ..التطابق والتغيير : قراءة في رواية
- قراءة في رواية الحب في زمن الكوليرا
- واقعية النموذج .. قراءة في رواية السمان والخريف لنجيب محفوظ
- في حضرة الفن البدائي
- الشعوب العربية وتحقيق الذات المستقلة
- قصيدة


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - ( ما لم تمسسه النار ) للكاتب عبدالخالق الركابي : استعادة الحياة من أزمنة الخراب