أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5437 - 2017 / 2 / 19 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


تبددت جماعتنا المراكشية، وكما لو أنّ لعنة حاقت بأفرادها. آخر مرة حاولت فيها " سوسن خانم " لمّ شملهم، وكان ذلك بمناسبة عيد ميلادها، جعلها محبطة وكئيبة. مأساة شقيقتي " شيرين "، التي أعقبت موت قرينها الفرنسيّ قتلاً، كأنما أخمدت روح النشاط والحياة والفرح في تلك الجماعة، فجعلت أعضاءها يدركون أنّ من العبث انبعاثها مجدداً. لقد تجرّد هؤلاء إلى رموزٍ لزمن لن يعود بدَوره، إلى وجوه تبحث عن أقنعة جديدة في رواية أو مسرحية.
وإذاً، لم أكن أنا لوحدي من آبَ إلى كهف العزلة، مصحوباً بروح ماضٍ أسوَد. كان على الآخرين أيضاً أن يفعلوا ذلك، ملاحقين بلعنة مدينة مُستباحة للشهوات، ليجدوا أنفسهم في مرايا بعضهم البعض بلا ملامح أو انتماء. تماماً، كمراكش الهائمة بين هوياتها المتعددة، وهيَ مستسلمة لوحدتها بين جبل يرمي بصره بعيداً نحوَ البحر المفضي إلى أوروبا، وصحراءٍ تمد جذورها إلى أفريقيا ـ كما تفعل شجرة تين بحثاً عن المياه.
في الأثناء، حصل تطوّر آخر في مكتب الخانم. أصبح لديها سكرتير جديد، وكان يماثلني في السنّ تقريباً. شكله واسمه واللثغة الخفيفة في لسانه، أوحت لي في باديء الأمر أنه يهوديّ مغربيّ. عرّفتني مخدومتي به على كأس ويسكي، ثمة في ركن المدفأة الأنتيكية بالصالة الكبيرة، المعتادة هيَ على الجلوس فيها خلال أمسيات الشتاء الباردة. كان أبيض البشرة، شعره يميل للون الفاتح، وعيناه يغشاهما إخضرار خفيف بالكاد يبين. على الرغم من بنيته القوية، الأشبه ببنية مصارع، فإنّ الشاب حظيَ بملامح رقيقة أضفى عليها حلقة ذهبية في حلمة أذنه؛ وهيَ صرعة جديدة، بدأت تشيع بفضل أولاد المهاجرين إلى أوروبا، الذين يعودون إلى الوطن خلال العطلات وشهر رمضان.
" هذا الاسم، آلان، ورثته من أحد أجداد والدي. جدنا الأول، وكان من التابعية العثمانية، أقام في هذه البلاد منذ منتصف القرن الماضي بصفة تاجر أثاث قادم من الشام "، قال لي الشاب موضّحاً ما ألتبسَ عليّ. عند ذلك، أرتسمت في مخيلتي صورة قرينتي " الشريفة "؛ هيَ من سبقَ وجاءت على سيرة " السيّد الفيلالي "، وأنّ من بين معارفه معلّماً في حرفة الأثاث الدمشقيّ. فلما ذكرتُ ذلك لسكرتير الخانم، فإنه تبسّم من فم مورّد ومنمنم متكلماً بلكنته الغريبة: " نعم، إنّ المرحوم راغب هوَ والدي. ولقد ورثَ شقيقي البكر حرفته، حيث صار اليوم من التجار المعروفين في البلد.. "
" لو أنك كنتَ تقوم بوظيفتك جيداً، عندما كنت سكرتير مكتبي، لعرفتَ مواطنيك هؤلاء! "، خاطبتني مخدومتنا متبعةً قولها بضحكة مجلجلة. شاركتها المرح، قبل أن أجيبها قائلاً: " نعم، مع أنك كنت تعلمين سلفاً أنني لا أفهم في مجال الأعمال التجارية ". فهمت الخانم ردّي وكأنه لمزٌ. هزت بحركة تفهّم رأسَها الجميل، المغطى بشعر أشقر كثيف كالباروكة، ثم أتجهت للشاب بالقول مومئة نحوي: " لقد عرفتَ، بالتأكيد، أنه الرسام صاحب اللوحات المعلّقة في خيمة الترّاس. كما أن لديه موهبة أدبية، وخصوصاً في كتابة الشعر الحديث ". أبدى الشاب اهتمامه، مثلما ظهرَ من تألق عينيه. فيما أتجهت الخانم إليّ هذه المرة، مستطردة: " إنّ آلان أيضاً يهوى القراءة في الأدب والتاريخ، مع أنه أنهى دراسته الجامعية في قسم الإقتصاد "
" فلِمَ لم أرَهُ مرةً قط خلال أمسيات جماعة الشعر، التي كان ينظمها أستاذك المهدي البغدادي؟ "، قلتُ لها متسائلاً. ذكري لإسم الشاعر، جعل مخدومتنا تتنهّد تلقائياً. أجابتني على الأثر، متغلغلة نظرتها في عينيّ: " كان آلان يدرس في الرباط، ولكنني ألتقيت معه أول مرة في رواق القنون. قدّمه لي الأستاذ محمد، الذي يدير الآن الجمعية بشكل مؤقت. لأنّ صهره، المهدي، ما يزال غائباً في جولةٍ تلفزيونية تشمل عدة مناطق بالمغرب والأندلس لإعداد فيلم وثائقي عن حياة الأديب الأمريكي فريدريك بوول "
" على ذلك، فأنتِ ما زلت على اتصال مع الجماعة؟ "
" لا، ليسَ كما كان الحالُ ذي قبل. ذهبت إلى الرواق يومئذٍ، فقط لدعوتهم إلى حفل عيد ميلادي. وقبل حلول رأس السنة، كان آلان قد تعيّن لديّ في وظيفة سكرتير "
" هل حضروا معك حفل رأس السنة أيضاً، مع للّا عفيفة والآخرين؟ "، استفهمتُ من مخدومتي مشدداً على اسم الأميرة. تأملت الخانم قدح الويسكي، الممسكة به، وقد ظهرَ شيءٌ من الإشمئزاز على ملامح وجهها. أنتفض داخلي على الفور، حينَ تمثلت ذاكرتي مشهدَ الأميرة وهيَ ترسم على سحنتها الصفيقة تعبيراً مشابهاً بعدما قذفتني بكلامها عما دَعَته " أخلاق الطبقة الأرستقراطية ". وهذه هيَ " سوسن خانم "، تهز رأسها نفياً، ملقية نظرة مواربة على سكرتيرها وكأنما تشير إلى عدم رغبتها بالمزيد من الإفصاح.
ليلاً في الصالة، كانت المرضعة قد حملت للتوّ ابنتي النائمة إلى حجرة نوم خاصّة بهما، لما دخلت الخانم وجلست بمقابلي في ركن المدفأة. عندئذٍ أخبرتني، بعينين يتألقان بالغيظ، أنّ الأميرة سبقَ واتصلت بها كي تضعها في صورة الحادث ذاته. قالت مختتمة الحكاية: " منحطة وسكَيرة ومدمنة، ثم تتشدق بالأخلاقيات ". ولم تلبث الخانم أن فاجأتني بمعلومة جديدة، تخصّ أم ابنتي: " لقد أفادتني الأميرة أيضاً، بأنّ والدة الشريفة سعت إليها مؤخراً بشأن تخديم ابنتها في القصر. قالت لي الأميرة حرفياً، بأنها أبلغت السيّدة بمكان واحد يمكن لإبنتها الخدمة فيه: كباريه، تملكه هيَ في غيليز! ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2