أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الاغتراب في رواية














المزيد.....

الاغتراب في رواية


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 19:15
المحور: الادب والفن
    






ليلى، في رواية السمكة الذهبية، للروائي الفرنسي، جان ماري غوستاف لوكليزيو، الحاصل على جائزة نوبل للأدب في العام 2008، الطفلة الصغيرة التي لم تبلغ سن النضج، ولا تملك مفاتيح الدخول إلى هذه الحضارة من خارجها أو داخلها: حين كان عمري ست أو سبع سنوات خُطِفت.
لا تعرف ليلى اسمها الحقيقي ولا اسم والدها أو والدتها ولا المكان الذي ولدت فيه. اشترتها سيدة سوداء مسنة اسمها، لالا أسمى: وصلت عندها ذات ليلة ولهذا سمتني ليلى: الليل.
عندما ماتت المرأة المسنة، كان عمر ليلى، اثنتا عشرة سنة: هكذا ودون رجعة غادرتُ بيت الملاّح. لم أكن أملك شيئًا، ولا قرشًا واحدًا، بقدمي الحافيين وردائي العتيق.
تكتشف أن عليها أن تصارع من أجل البقاء، في عالم مفتوح ومغلق في الأن ذاته. يضعها القدر وجهًا لوجه أمام فضاء واسع، وعليها اقتحامه وتطويعه لتمرير العيش فيه.
عندما تكون غرًا، متمردًا، ولا تملك أدوات التفكير، ولا القدرة على معرفة ما يحدث حولك. وتدفعك الحياة دفعًا إلى داخلها: تتوه في عوالمها المفتوحة على وسع. لتقول: لم يعد لدي روابط، كنت راحلة نحو المستقبل
في داخل كل إنسان شيطان أخرس، ينط ويتحرك ويقفز، يخرج من أنفه أو شرايينه، يهزه، يخرج منه دون وعي منه للمكان والزمان الذي يريد أن يصل إليه.
إن تملك إرادة الحياة ومفاتيح الحرية دون وعي بها في عالم مقيد ومسدود الأفاق، لهو أمر في غاية التعب: أسمع المدينة تخفق في قلبي ودمي، نحن الآخرون في البعيد، تائهون في البحر.
تدفعها الرغبة في الهرب، ومحاولة اكتشاف العالم وتحسين ظروفها الحياتية. تصل إلى باريس، المدينة الكوزموبوليتية، الانفتاح والأضواء الباهرة، السيارات، عالم المال والحركة والسعادة المعلقة في الحلم على أمل الوصول إلى الهدف، دون مال أو بيت أو مكان يحمي جسدها. والسؤال:
ـ هل يستطيع المرء في مكان ضيق ومقيد أن يخلق لنفسه أجنحة، يطير بهما إلى السماء.
هذا ما فعلته ليلى، أرادت كسر عالم الاغتراب بالتمرد عليه: إن تعيش في براري نفسها وروحها وجسدها، كسفينة مبحرة في الذات العائمة.
في هذه الرواية، شيء من عوالم الروائي المغربي محمد شكري، الخبز الحافي، يخفق ويحط في رواية السمكة الذهبية: الحرية، التمرد على العيب الوجودي والحضاري لهذه المدنية المزيفة. والانتقالات الكبيرة من موضع إلى موضع، القلق الذي يمسك بلب المرء ويهزه أملًا في الوصول إلى مكان آمن.
تبقى ليلى هاربة من نفسها إلى نفسها، بحثًا عن موطأ قدم، لمعرفة من هي؟ من أي أرض، وأي أب أو أم أو وطن. ربما هربًا من هذا الكون واللجوء إليه، أو الهرب من هذا الوجود إلى لا نهاية. امتهان السرقة كتمرد على هذا العالم المتخم في أصابع البعض.
إنه الهروب الدائم من الفقر، من الجدران التي ينبعث منها رائحة البول المتعفن، الآبار، حيث المياه سوداء سامة، الأطفال العراة الذين يلعبون فوق أكوام القمامة، الفتيات الصغيرات ذوات الوجوه الملطخة بالسخام، منحنيات تحت أحمالهم كأنهن عجائز.
هذه الرواية تحاكم الواقع، الإنسان، البنية الثقافية ومجوعة القيم للإنسان،. تحاكم هذا العالم المريض، عندما يقذف الرجال والنساء أولادهم إلى هذا الحياة، دون حس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية. وبالرغم من الآلام التي يقاسونها في البحث عن لقمة أو بيت أو أمان. وبالرغم من الاخفاقات البشرية على كل الصعد، بيد أنهم مصرون على توريط غيرهم في هذا الفج العميق والنفق المفتوح على لا نهاية:
ـ طفل يلد تحت الأرض، بعيدًا عن ضوء النهار، في مغارة هائلة.
هكذا ولدت حورية، صديقة ليلى، مولودها الجديد في فرنسا، بلد الأنوار والنور والثورة الفرنسية ومنتجات الحداثة وما بعدها.
ربما لهذا السبب بدأت حورية بالتفكير بالجنوب:
ـ بالعودة نحو الشمس، كي ترى بشرة الطفلة الشمس، كي لا تستمر بتنفس الهواء المنتن لهذا الشارع الذي لا سماء له.
بيد أن السؤال إلى أين؟ فقد خرجت من ذلك المكان في المغرب، بالقرب من الرباط: كان حيًا فقيرًا جدًا، لا شيء فيه سوء أكواخ من عوارض خشبية مغطاة بصفائح معدنية أو ألياف إسمنتية مدعمة بالحجارة والرياح. الشوارع كلها متشابهة. الدروب الترابية المستقيمة تعج بزوابع الغبار. والشارع الكبير أيضًا يحدث سحابة حمراء فوق المدينة.
فالمدن الكبيرة مخيفة وأنيسة، جميلة من بعيد وموحشة وغريبة من الداخل، مملوءة بالناس غريبي الأطوار.
تذكرني الرواية بحي الطبالة الفقير في دمشق، بالبناء العشوائي، بالجنود السوريون المهمشون، والفقراء. القادمون من مختلف المدن السورية، ليلتحقوا بما يسمى خدمة العلم. تحاصرهم وتقزم حيواتهم، بين البؤس والحرمان ومحاولة التصالح مع الواقع على أنه مرحلة مؤقتة. هذا التواطئ يبقى ممتدًا في داخل النفس إلى ما لا نهاية.
المشكلة، أينما ذهب الإنسان المعاصر فثقل الحضارة والمدنية لا يمكن أن تخرج من رأسه. فقد عشعشت في دخيلته ولم يعد هو هو، أو مستقل عنها، فهي فيه وهو فيها سواء أراد أو لم يرد.
إن هذه الرواية الجميلة تدخل في هذه العوالم المتناقضة كلها، تشعرنا بالغربة عن أنفسنا ومكاننا وزماننا.
تقع في مئتين وثمانية عشرة صفحة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
- حكاية حنا يعقوب
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية
- خبايا العولمة
- جيلبريت سينويه وابن سينا
- عدت والعود ليس أحمدُ 4
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الاغتراب في رواية