أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - عن اليسار المصري والثورة















المزيد.....


عن اليسار المصري والثورة


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 00:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


هذا الحوار أجراه معي الأستاذ أحمد أمين الصحفي بجريدة "الكرامة" المصرية ذات التوجه الناصري.. أنشره هنا للتوثيق وتعميم الفائدة.. إن وجدت!!
****************



## هل يمكن أن تعطينا نبذة سريعة عن قصة اتجاهك للفكر اليساري والمناخ الفكري الذي عاصرته ، وما هو الفارق بينه وبين المناخ الفكري اليوم ؟
ولدت بالمنصورة في عام الثورة 1952 وعشت كل مراحلها الصاخبة. أسرتي أسرة ميسورة الحال ، ووالدي وصل في مسيرته المهنية إلى منصب مدير أعمال المياه في المحافظة. كنا خمسة أبناء معروفين بالالتزام الأخلاقي والسمعة الطيبة. كان الزمن وقتها هو زمن عبد الناصر، فقد كان الرجل موضع أحلامنا ونرى كل يوم إنجازًا جديدًا يزيد انبهارنا به.
وأعتقد أنني كنت حالة خاصة بين أقراني في تبني التفكير اليساري ، ولا يجوز القياس علي ، فقد كنت مولعًا بالقراءة منذ أن كنت في المدرسة الابتدائية. والغريب أنني لم أمر بقصص الأطفال أو روايات الجيب.. كان كل مصروفي يذهب إلى شراء الكتب والمجلات في كل الاتجاهات. فما أجمل أن تشتري كتابًا بقرشين من "المكتبة الثقافية" التي كانت تصدرعددين كل شهر. ناهيك عن طوفان المجلات الرفيعة. كان أول كتاب كامل كبير قرأته وأنا في سن العاشرة هو "قصة حياتي" لأحمد لطفي السيد، بل قرأت بعد ذلك بقليل قصة حياة العقاد في جزئيها: "أنا" و"حياة قلم". وهذا يعني مدى اهتمام النظام وقتها بتثقيف الجمهور عامة ، والأجيال الجديدة خاصة. أضف إلى هذا: النهضة الكبيرة التي شهدتها السينما والمسرح، وكان الانقلاب الأكبر هو دخول التلفزيون عام 1960 والذي نقل إلينا عوالم جديدة تمامًا.
دخل إخوتي الأكبر مني منظمة الشباب الاشتراكي لكنهم نفروا منها سريعًا بسبب التلقين الفكري الذي كان يحرمهم من التفكير الحر، وبسبب ما رأواه من تفريخ للقيادات الشبابية الانتهازية التي التي لا تجيد سوى حفظ وتسميع الميثاق وخطب الرئيس عن ظهر قلب. كانت كلمة الاشتراكية تتردد على أسماعنا كل يوم خاصة مع الفورة الهائلة في الأغاني والأناشيد الوطنية.
غير أن مجلة جديدة بدأت عام 1965 شدت انتباهي بقوة ، ألا وهي مجلة "الطليعة" التي أسسها لطفي الخولي، وجاء بها أخي الأكبر إلى البيت. ورغم حداثة سني وقتها، وصعوبة أو استحالة فك طلاسمها ومصطلحاتها فقد فرحت بها جدًا، وبدأت أشتريها أول كل شهر إلى جانب مجلات الهلال والمجلة ومنبر الإسلام.. ثم أضيفت إليها فيما بعد مجلات الكاتب والفكر المعاصر وتراث الإنسانية.. ثم كانت سلاسل الفكر الاشتراكي، ومن أهم الكتب التي شدتني كتاب ضخم من جزئين عن تاريخ الحركات الاشتراكية لهاري ليدلر.. وكنت أحب دائما الجلوس في المقعد الأخير في المدرسة رغم تفوقي ، حتى أتمكن من فتح مجلة أو كتاب في أي وقت.
لا أزعم أنني كنت على فهم كامل لكل ما أقرأ.. لكنني كنت أجد متعة غريبة في تعلم أشياء لا يمكن تعلمها من المقررات المدرسية أو وسائل الإعلام السيارة. وقد أدركت مبكرًا أن هناك مدارس اشتراكية أخرى غير تلك التي ندرسها في الميثاق الوطني.. كان مجرد أن يقال بوجود اشتراكية "عربية" أو "تطبيق عربي للاشتراكية العلمية".. يعني أن هناك اشتراكيات أخرى يثور الشغف للتعرف عليها. وفي كل الأحوال كان عبد الناصر خارج النقاش وفوقه.
طبعا جاءت هزيمة 1967 كاسرة للروح الوطنية، وشكلت هذه اللحظة البداية لبناء جيل جديد هو جيل يسار السبعينيات ، بعضه أخذ موقف الرفض تدريجيًا ، والغالبية اتخذت موقفًا نقديًا من النظام الناصري. ومن اللافت للنظر في تاريخ اليسار المصري أنه كان يبدأ موجة "دعائية" وتنظيمية جديدة عالية مع كل أزمة تتعلق بتحرير الوطن. فكانت موجته الأولى بعد ثورة 1919، وموجته الثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وأخيرًا موجته الثالثة بعد 1967، حيث أخذت حلقات ماركسية في التشكل، وأصبحت هناك ثلاثة روافد واضحة ليسار جديد.
أولها اليساريون القدامى الذي خرجوا من المعتقلات عام 1965 والذبن أدركوا خطأهم بحل التنظيمات الشيوعية. والرافد الثاني تكون من الشباب الناصري الذي تحول إلى الاشتراكية العلمية مستفيدين من الثقافة التأسيسية التي اكتسبوها في منظمة الشباب الاشتراكي. أما الرافد الثالث فتمثل في جيل جديد داخل الجامعات لم تكتفه ولاءات الماضي ، وانطلق بقوة يبحث عن سبب انتصارات التجارب النضالية في آسيا (وخاصة فيتنام) وكوبا.. وماهي الأيديولوجية والبرامج والأساليب النضالية التي انتهجتها هذه الحركات.
ومن المؤسف أن بعض مؤرخي الحركات الطلابية يركزون فقط على النضالات الطلابية في جامعتي القاهرة وعين شمس، رغم أن جامعات أخرى كالإسكندرية والمنصورة وأسيوط لعبت أدورًا لا تقل أهمية. ويكفي أن جامعة المنصورة الوليدة عرفت جيلاً "ذهبيًا" ملأ المجتمع المصري فيما بعد في مجالات السياسة والإعلام والأدب والعلم.

## ما هى الفروق الأساسية بين جيلكم والأجيال اللاحقة ؟
من الصعب أن تضع حدودًا واضحة تفصل بين الأجيال. كما أن كل الظواهر والاتجاهات تتواجد داخل كل الأجيال.. وإن اختلفت النسب. ومع ذلك سأتحدث عن ظواهر بعينها تؤرقني كانت موجودة بالفعل في جيلنا لكنها مستفحلة بدرجة أكبر في الأجيال الجديدة. أولها ظاهرة التعالي على الأجيال السابقة وتحميلها كل شرور الانتكاسات المتتالية، وباستخدام قاموس عدواني. وهي النغمة التي نلحظها بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا يتم عمليًا تطبيق نظرية صراع الأجيال مما يحرم الحركة الوطنية والديمقراطية من إمكانيات التوحد والاستفادة من الخبرات.
ظاهرة أخرى هي الرطانة بالمصطلحات والشعارات غير العملية، انطلاقًا من تصور أن أكثر الشعارات ثورية هي شعارات الحد الأقصى بغض النظر عن إمكانية تحويلها إلى حقيقة واقعية. أضف إلى هذا: النزعة القوية نحو تقديس أشكال بعينها في الحركة الجماهيرية مثل التظاهر والاعتصام دون أن يصحب ذلك بذل الجهد اليومي المتراكم لتنظيم المواطنين في كيانات قادرة على تقديم المطالب والرؤى التقدمية والديمقراطية على نحو جمعي منظم يزيدها قوة.
غير أن الظاهرة الأوضح هي أن الجيل الجديد أقل اهتمامًا بالقراء ويستعيض عنها بالثقافة المرئية والمسموعة والتدوينات الإلكترونية. والمفارقة أن يحدث ذلك رغم ثورة الاتصال التي تتيح للجميع الوصول إلى مصادر معرفية لامتناهية.
في الخلاصة، ورغم تحفظي على مقولة "الأجيال"، فإن في مصر شبابًا واعدًا جدًا في مجالات الثقافة والفكر والسياسة.. لكنه يواجه مصاعب كثيرة تعيق تطوره ، في حياته اليومية ومستقبله المهني والاجتماعي. ويتجلى هذا على العموم في أننا لا نجد مشروعًا تثويريًا وتنويريًا واضحًا أو متكاملاً يسهم فيه كل واحد بجهده تحت قيادة جماعية موحدة.

## كيف ترى واقع ومستقبل الهيمنة الأمريكية في عالم اليوم ؟ وهل نحن بصدد حالة من الفوضى الدولية كما يرى كثير من الإستراتيجيين خصوصاً مع تصاعد النزعات اليمينية في الغرب ؟
في بداية التسعينيات روجت الدوائر الفكرية الغربية لمقولة فحواها الانتصار النهائي للرأسمالية بعد انهيار المنظومة الاشتركية. وقد انهارت الأخيرة بسبب عيوبها البنيوية والضغوط الخارجية عليها، ولم يكن انهيارها نتيجة لمزايا الرأسمالية. ومن ثم فإن الرأسمالية مازال محكومًا عليها تاريخيًا بالسقوط، لكن هذه المنظومة ناجحة حتى الآن في حل أزماتها بسرقة ثروات الشعوب الأخرى، وإشعال الحروب في كل مكان. كما استطاعت الدول الرأسمالية الحفاظ على مستويات في التنافس بينها وتقسيم النفوذ والمكاسب بما يحول دون اندلاع حروب بينها مثلما حدث في القرنين الماضيين. خاصة وقد دانت قيادة المنظمة الرأسمالية للولايات المتحدة بسبب تفوقها النووي والعسكري الكاسح.
لكن ما أصاب الدول الرأسمالية بالذعر بعد ذلك هو الصعود الصاروخي للصين التي استعارت بعض آليات الرأسمالية واستفادت من رخص الأيدي العاملة فيها والكوادر الوطنية التي أبدعت في التكنولوجيا العكسية بل واستطاعت فيما بعد بناء تكنولوجيتها الوطنية. لتصبح الصين بعد ذلك الدائن الأكبر للولايات المتحدة. كما استطاعت روسيا العودة من محنتها مستفيدة من المداخيل الريعية لثرواتها الطبيعية المهولة. يضاف إلى ذلك النمو الآخر لقواعد صناعية وطنية في الهند والبرازيل، وإن ظلت تحت الهيمنة العامة لليبرالية الجديدة.
وتخشى الاستراتيجية الأمريكية قيام حلف أورو آسيوي، محوره الأساسي التحالف بين روسيا والصين. وإذا كان أوباما يشدد على الخطر الروسي، وترامب يشدد على الخطر الصيني، فإن هدف كليهما واحد هو شق التحالف الروسي الصيني باستمالة أحد الطرفين. لكنني أظن أن هذه محاولة يائسة. فالغالب عندي أننا نمر بمرحلة انتقالية لتعدد الكتل الدولية. وربما نشهد خلافات قوية داخل الكتلة الغربية فحواها التحرر من الهيمنة الأمريكية.
كما يجب أن نلاحظ أن التنافس القائم الآن يختلف عن الصراع الذي كان أثناء الحرب الباردة، حيث كانت هناك أيديولجيتان كبيرتان تتصارعان عالميًا، هما الاشتراكية والرأسمالية. أما الآن فليس الأمر كذلك. ولذلك فإن الوضع الجديد يرجح فيه أن يسود التفاوض بين الكتل المختلفة بالقوة الناعمة والأساليب الخشنة في وقت واحد، حول تقسيم النفوذ وإعادة صياغة شروط العلاقات بين الأطراف الدولية الكبرى.
أما عن تصاعد الاتجاهات الفاشية فهو تعبير مباشر عن أزمة الرأسمالية العالمية ، وهي أيضًا الاحتياطي المباشر الذي يتم إعداده لترهيب وربما كسر الحركات الديمقراطية والتقدمية الواسعة في الغرب. كما يجب أن نلاحظ أن هذه الاتجاهات الفاشية موجودة بالفعل خارج الغرب أيضًا وبصور أخرى مختلفة.

## في رأيك ما هى أهم أسباب فشل الربيع العربي ؟ وهل هى بالأساس أسباب موضوعية أم هى مجرد أسباب ذاتية يمكن تجاوزها بمزيد من الوعي والتنظيم ؟
العمل الأساسي وراء تمكن قوى الثورة المضادة هو غياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة بين القوى الت انخرطت في الفعل الثوري منذ 25 يناير. ثم يأتي عامل ضعف التنظيم الحزبي والنقابي لتلك القوى. فمنذ الثمانينيات تعمل القوى الغربية التي نشطت تحت شعارات "الدمقرطة" على تغذية فكرة التنظيم الأفقي الفضفاض ، أي الائتلافات الواسعة والتي تلتف حول شعارات عامة ، وليس حول برنامج شامل محدد. وبالطبع كان من السهل جدًا بث الفرقة والانشقاق داخل وبين تلك الائتلافات. الأمر الذي جعل القوتين الأكثر تنظيمًا وامتلاكًا للمقدرات، المجلس العسكري والإخوان ، تنفردان بالتفاوض على مستقبل الثورة، وبالأحرى الثورة المضادة ، وتراوح هذا التفاوض بين التواطؤ والتناحر.
ومن نتائج هذا الضعف التنظيمي ، رغم توافر روح الشجاعة عند القيادات الثائرة ، أن استمر غياب التنظيمات القوية التي يمكن أن تمثل مصالح الطبقات الشعبية مثل العمال والبرجوازية الصغيرة. ناهيك عن أن الحراك الثوري لم يستطع الامتداد إلى الأحياء الشعبية في المدن ، أما في الريف فقد غابت الثورة تمامًا. ومن ثم فقد تم اختزال الثورة في قيادات وتجمعات نخبوية أو حتى شعبوية يسهل تفكيكها واستيعابها وتخريبها.
لم يدرك كثير من الثوريين أن الثورة المضادة أفعى برأسين ، وانقسموا بين الانحياز لهذه الرأس أو تلك ، وفي كل الأحوال والاختيارات لدغهم السم القاتل.

## في ذكرى الينايرين ، 1977 و 2011 ، كيف تراهما اليوم ؟ وما هى الفروق بينهما إيجاباً وسلباً من وجهة نظرك ؟ ولماذا انتهيا للفشل ؟
لا أميل إلى هذا النوع من المقارنات التاريخية المتعسفة ، فلكل حادث تاريخي ظروفه وسياقاته. وباختصار كانت يناير 77 هبة شعبية كبرى بسبب رفع أسعار الخبز ، ولم تستمر أكثر من 48 ساعة ، واستطاع النظام إنهاءها بقرار منه. ومع ذلك فقد كانت تلك الهبة استمرارًا ونتيجة للحراك السياسي اليساري منذ 1967. غير أن الأمر الواحد بين الينايرين هو ضعف التنظيم السياسي والاجتماعي للقوى الثورية.

## كيف ترى السياسات الخارجية للنظام الحالي؟
لا تختلف مواقف النظام الحالي عن سياسات مبارك الخارجية كثيرًا. إلا في بعض الجوانب. فمثلاً تسبب العجز المالي للدولة في الانقياد وراء نزق دول الخليج ، بينما استطاع مبارك تسويق دوره الإقليمي بشروط أفضل من الحالية. حتى أصبح لتلك الدول كلمة في خيارات سياسية محلية وليس على المستوى الإقليمي والدولي فحسب. وتحاول القيادة الحالية المناورة بين المحاور المتشكلة في الإقليم ، الأمر الذي يؤدي أحيانًا لمتاعب مع كل الأطراف. لكن تظل التبعية الاستراتيجية الأوضح هي التبعية للولايات المتحدة ، ولا أظن أن القيادة الحالية تفكر في تبديلها ، لأن نتائج ذلك ستكون وخيمة. باختصار لسنا إزاء عهد وقيم عبد الناصر.

## ما رأيك في سياساته الداخلية ، هل هو مجرد "نظام إدارة أزمة" كما وصفته في أحد مقالاتك؟ أم أنه نظام انتقالي يسعى لإجراء عدد من التحولات الجذرية لخدمة مصالح معينة ؟ وهل ترى تصاعداً أم تراجعاً في موقفه المعادي للحريات ؟
السلطة الحالية تدير أزمة الطبقات والنخب الحاكمة ، وهي أصلاً أزمة بنيوية لكنها تفاقمت وتعقدت أكثر بعد انتفاضة يناير 2011 ، على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. لكن كان هناك عنصران هما الأخطر على الإطلاق في تلك الأزمة. أولهما: الصراعات الداخلية في المنظومة الحاكمة للمجتمع والدولة ، بين العسكريين والمدنيين ، بين "العلمانيين" والاتجاهات الإسلامية ، بين رجال الأعمال والبيروقراطين ، بين المصالح المختلفة في ارتباطاتها بالخارج.. وهلم جرا. والعنصر الخطير الثاني: هو عدم تحمل الطبقات الشعبية والفئات المتوسطة لمزيد من الضغوط الاقتصادية ، وامتلاكها الجرأة على التعبير الغاضب والحراك المعارض ، خاصة بعد اتساع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، وازدياد القدرة على التجمع والتنظيم "الفئوي".
هناك أساليب عديدة تستخدمها السلطة في هذا الصدد.. أذكر منها الملاحقات الأمنية لأقل معارضة ، وخنق المجال السياسي ، واستغلال الإرهاب لتبرير القمع ، وإطلاق الوعود وإشاعة الأوهام بمشروعات كبرى.. إلا أن الأخطر في هذا الصدد هو الهجوم الإعلامي الكاسح والبذئ لتشويه الثورة وتثبيط الهمم. غير أنها جميعًا لن تعدو أن تكون "مسكنات" لأزمة النظام ، فضلاً عن استحالة تصور قدرة السلطة الحالية على الحل الجذري لأزمات المجتمع.

## في ظل الأزمات الطاحنة الحالية التي تسببت بها سياسات النظام الأخيرة ، والتي من أبرز تجلياتها تسارع الإفقار والتدهور الاقتصادي .. إلخ ، ما هى مقترحات اليسار للخروج من الأزمة ؟ وهل لديه برنامج شامل وعملي يقدمه للشعب المصري ؟
لم يكف اليسار المصري عن طرح أفكاره وبرامجه الشاملة لحل أزمات المجتمع المصري ، وبخاصة الأزمة الاقتصادية. وأهم العناصر المطروحة حاليًا هي ضرورة التوقف عن التبعية لشروط صندوق النقد الدولي التي لا تعني سوى المزيد من البطالة والإفقار والتضخم والتبعية واللامساواة المجحفة. ثانيًا يجب تعبئة كل الموارد الوطنية الممكنة من أجل إعادة بناء القاعدة الصناعية وتطوير الزراعة ، فهذان القطاعان هما الأساس الأكبر لأي تنمية وليس القطاع الخدمي أو المالي. ولا بد أن تكون هناك خطة إنقاذ تنموية تتولى الدولة بمقتضاها حماية السوق الوطنية ، والسيطرة على فوضى الاستيراد وتجارة الجملة والقطاع المصرفي..الخ. ومن الملح أيضًا ضرب الاحتكارات الحالية التي أصبحت حقيقة متوحشة في مجالات كثيرة مثل الاتصالات والمال والإعلام والعديد من الصناعات التحويلية. وقبل هذا كله لا بد من إصلاح شامل للخدمات الصحية والتعليمية وغيرها التي تدهورت أشد التدهور. وما ذكرته هو مجرد غيض من فيض. بينما يظل الحل النهائي هو تغيير علاقات الملكية في المجتمع ، وبخاصة رفع هيمنة السلطة والقطاع الخاص أخيرًا عن الحركة التعاونية على الأقل لسد الفراغ الناجم عن ضرب القطاع العام.

## ما هى في رأيك أهم أسباب عجز القوى التقدمية المصرية عن التوحد ولو على برنامج حد أدنى ناجح وفعال ؟
منذ نشأته أواخر القرن التاسع عشر يتعرض اليسار المصري لتشويه إعلامي وملاحقات أمنية وحتى التكفير. لكن أهم مشكلات اليسار المصري الناجمة عما سبق هي عدم قدرته على الوصول إلى الحامل الموضوعي المفترض لأفكاره ، أي الوصول إلى الطبقات الشعبية وتنظيمها. ولعل هذا الطابع الطبقي لقيادات اليسار ، وهي مخلصة في غالبيتها العظمى ، هو السبب الأساسي في النزعات الفردية والانقسامية. وتعدد تيارات اليسار يمكن أن يكون مفيدًا لو تم الاتفاق على اتجاهات عامة في تحديد طبيعة السلطة وتحديد المهام المطلوب إنجازها.
ولقد كررت شخصيًا منذ سنوات تصوري للمهام الثورية المرحلية المصرية في أربعة محاور رئيسية لا يمكن الفصل بينها وهي: السيادة وامتلاك القرار الوطني ، التحول الديمقراطي ، التنمية الشاملة والحد من الاستغلال الرأسمالي ، الثورة الثقافية.

## في رأيك ما هى أسباب ربط السيسي بعبد الناصر ؟ هل هى مجرد دعاية النظام أم ضعف الوعي أم أن هناك تشابهاً حقيقياً يبرر هذا الربط ؟
طبعًا كان هذا الربط مقصودًا في الفترة الحرجة اللاحقة لإخراج الإخوان من الحكم. لكنه كان طبيعيًا أيضًا حيث لا يزال عبد الناصر حاضرًا بقوة في مخزون الذاكرة الشعبية المصرية. وعمومًا حينما تغيب الأحزاب أو الشخصيات "المدنية" الملهمة يمكن أن يبزغ ويعم تصور شعبي لقائد عسكري ليلعب دور "البطل الفرد" الذي يظن البعض أنه يمكن أن يحل المشاكل المجتمعية بضربة واحدة لأنه آتٍ من مؤسسة محترمة شعبيًا ويفترض ألا تكون منحازة طبقيًا، كما يمكن لبعض النخب أن تحلم بقائد "بونابرتي" يتعالى فوق كل الطبقات والانحيازات الاجتماعية. ومما زاد من أسهم السيسي بقوة دوره في إسقاط الإخوان. لكن هناك فوارق كثيرة بين السيسي وعبد الناصر. فجمال وتنظيم الضباط الأحرار كانوا من الرتب المتوسطة والصغيرة في الجيش ، بينما السيسي كان على رأس واحد من أهم أفرع الجيش المصري (المخابرات الحربية). كما كان لعبد الناصر رؤية سياسية واتصال بقوى حزبية مختلفة قبل الثورة ، وقد عبر عبد الناصر عن رؤاه سريعًا بكتاب فلسفة الثورة وقرارات الإصلاح الزراعي.. الخ. بينما أفصح الرئيس السيسي مبكرًا عن عدم وجود برنامج لديه.

## هل لدى النظام الحالي موقف حقيقي من الأصولية والإسلام السياسي ؟ أم أنه لا يزال كنظام السادات – مبارك يستخدمهما بشكل براجماتي كأدوات هيمنة ؟ وما مدى خطورة استمرار هذا النهج في رأيك ؟
لا نستطيع الجزم بوجود موقف جذري للسلطة الحالية في مواجهة الإخوان ، ومما يزيد الأمر التباسًا هو التحالف الضمني والعلني بين السلطة والجماعات السلفية "الدعوية". ومع ذلك فإن الصراع بين السلطة والإخوان مازال دائرًا ، وإن كان الغالب عندي أن انتهازية الإخوان وبراجماتيتهم ستدفعهم نحو الاستماتة في الصلح مع النظام والعودة إلى الأدوار القديمة التي كانوا يقومون بها ، ومن ثم يمكن النظر إلى أعمال العنف والإرهاب والضغوط الإقليمية على السلطة على أنها نوع من المفاوضة الخشنة على طريق عقد المصالحة.
ومن المؤسف أن بعض الاتجاهات الديمقراطية واليسارية تتصور في القوى المسيسة للدين إمكانية القبول بقواعد الديمقراطية والحياة المدنية.. أي تصور أنها اتجاه سياسي عادي.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سالم سلام.. النبيل الذي رحل
- فيليب وأبو الوفا
- وقضم أظافره
- لو روسيا العدو من تكون أمريكا؟
- الشراكة العربية الأفريقية إلى أين
- عن التمويل والثورة
- محمود فودة.. ومازال الرحيل يتقاطر
- حكومات الغرب باعثة الإرهاب
- الخلاف لم يكن رحمة دائمًا
- الطفل المسلح.. قاتلاً ومقتولاً
- الاقتصاد السياسي للملابس المستعملة
- إنهم يديرون الأزمة
- رهانات السيسي السبعة
- المحرّض.. رسالة وفنًا وعلمًا
- أجواء قراقوشية في جامعة القناة
- خطوط عريضة لتقدير الموقف في مصر
- كيف توقعت مستقبل الثورة في فنزويلا
- هل جنت على نفسها داعش
- حوار مع دوير
- أوهام ومخاطر


المزيد.....




- شاهد أوّل ما فعلته هذه الدببة بعد استيقاظها من سباتها الشتوي ...
- تحليل: بوتين يحقق فوزاً مدوياً.. لكن ما هي الخطوة التالية با ...
- نتنياهو يقول إنه يبذل قصارى جهده لإدخال المزيد من المساعدات ...
- روسيا.. رحلة جوية قياسية لمروحيتين حديثتين في أجواء سيبيريا ...
- البحرية الأمريكية تحذر السفن من رفع العلم الأمريكي جنوب البح ...
- صاروخ -إس – 400- الروسي يدمر راجمة صواريخ تشيكية
- إجلاء سياح نجوا في انهيار ثلجي شرقي روسيا (فيديو)
- الطوارئ الروسية ترسل فرقا إضافية لإنقاذ 13 شخصا محاصرين في م ...
- نيوزيلندا.. طرد امرأتين ??من الطائرة بسبب حجمهن الكبير جدا
- بالفيديو.. فيضان سد في الأردن بسبب غزارة الأمطار


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - عن اليسار المصري والثورة