أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محرز راشدي - فِي تَقْرِيظِ النُّدْرَةِ..زَمَنَ البَلْبَلَةِ














المزيد.....

فِي تَقْرِيظِ النُّدْرَةِ..زَمَنَ البَلْبَلَةِ


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 02:55
المحور: كتابات ساخرة
    


فِي تَقْرِيظِ النُّدْرَةِ..زَمَنَ البَلْبَلَةِ
إنّ الكتابة في صميمها فعل تحريضيّ، بل كلّ كتابة إنّما تقتنص هدفا وتستهدف أمرا. ونحن نشير إلى هذه المهمّة لأنّنا تخيّرنا موضوع النّدرة مجالا للنّظر، ومرمى للهدف، واختيارنا فعل قصديّ واع، وبلغة القدامى "قطعة من العقل".
فقد تراءى لنا أنّ قيمة الأشياء بصفة عامّة تهافتت وكسدت سوقها نظرا إلى كثرتها كثرة بلغت الإفراط إلى حدّ التّفريط في الأصل واللبّ والجوهر والتمسّك بالظّاهر والقشور. هذه السّوق المتهافتة يقيم فيها المتلفّظ عامّة، ورجل الإفتاء والإعلام على وجه الخصوص.
ويمكننا أن نبدأ بالفعل الكلاميّ بصفته خصيصة إنسانية خالصة، وباعتبارنا مهتمّين ببلاغة الكلمة من مدخل اختصاصنا أوّلا وبالأساس. فمن التّعريفات الشّهيرة للبلاغة ّأنّ "البلاغة الإيجاز"، وقد برع فقهاء اللغة العرب في تحديد دوائر معنى الكلمات فكان الاهتمام بالتّدقيق المعنوي جليّا، والجهود دائبة متّصلة، ومن ذلك التّمييز بين الإطناب والإسهاب فالإطناب هو بسط الكلام لتكثير الفائدة أي زيادة الشرح مع زيادة الإغناء بالفائدة والمعلومات، أمّا الإسهاب فبسطه مع قلّة الفائدة أي زيادة الشرح والتّبسيط مع ضياع الفائدة، فالإطناب بلاغة، والإسهاب عِيّ والإطناب بمنزلة سلوك طريق بعيدة تحتوي على زيادة فائدة، والإسهاب بمنزلة سلوك مّا يبعد جهلاً بما يقرب.
وفي السّياق ذاته اُعتبر المهذار نظيرا لحاطب اللّيل، على أساس أنّ حاطب الليل يخبط خبط عشواء، وهو إذ يتلمّس الأشياء في اللّيل البهيم مُهدّد بلدغات السوامّ، وكذا المهذار أو الثّرثار كثير السّقطات، غير معصوم لسانه من الزلاّت، فتذهب ريحه ويلقى وخيم العواقب بسبب ما هو فيه من سوء تصرّف في مقادير الكلم.
وقيمة النّدرة تتجلّى في النّتائج العكسيّة الرّاشحة عن كثرة ديار الإفتاء بغير حسيب ولا رقيب، وبالتّبعيّة كثرة الفتاوي بلا حساب، وكلّها تأويلات ذاتيّة للمقدّس، ومحاولة احتكار المعنى، وتصريفه حسب المقتضى والحاجة والمصلحة المنشودة والغاية المرجوّة. بل شهدنا في يوم النّاس هذا تبذيرا للكلام في هذا الباب، وتأويلات للمعنى والقيمة في المجمل عنيفة، الأمر الّذي سبّب دمارا لحق بالنّصوص المؤوّلة والواقع المعنيّ بالتّأويل. فضلا عن سملجة الفتوى وانتشارها الوبائيّ عبر وسائل الاتّصال الحديثة، ما يسّر لها غزو الفضاءات الحميمة، واقتحام حياة الأسر، واستعمار العقول الغضّة، والذّوات الهشّة، ممّا دعّم حظوظ العوامّ في الخوض في هذا الموضوع الخطير، وهو "مضنون فيه على غير أهله" كما نعلم، وبذا عمّ الجهل المقدّس بشكل طوفانيّ مُرعب.
ولا أغفل، وأنا أرمّم هذا المشكل، أن أضع الإصبع على داء مستفحل، وتحوّل جنونيّ صاحب الدّيمقراطيّات القوليّة ما بعد النّوفمبرية في تونس، وما بعد سقوط العائلات الحاكمة في بعض بلدان العرب، هذا الدّاء عبارة عن تحوّل عنيفة من الأفواه المكمّمة إلى الألسن المنفلتة. هذه البلبلة اللسانية مسّت بعدواها الفضاء الإعلامي، الذي أغرقنا في بحر متلاطم من المعلومات المفيدة حينا وغير المفيدة أحيانا عديدة، وبدلا من التّعتيم انفتحت أعيننا على التّعميم والتّعمية إلى حدّ لم يكن بمستطاعنا فرز الغثّ من السّمين. وبان لنا بالكاشف، أنّ وسائل الإعلام استقرّت ذراعا يمنى للفوضى، من خلال مقدار تشويه الواقع وتفكيكه وتركيبه حسب المصالح والجهات الناّفذة والإرادات الكبرى الصّانعة للقرار. وكذلك يؤدّي الإعلام دورا تهريجيّا تمييعيّا يتسرّب إلى الحيّز الأسري – العائليّ، تلك النّواة المُجتمعيّة الجوهريّة، ويضرب المجتمع في مقتل، وهو يشكّل إنسانا أجوف، يعيش في العراء، وفي أحسن الأحوال يحيا خرابا روحيّا مُروّعا.
وختاما، نذهب إلى أنّ الإنسان قد خسر أشياء جميلة، ومعاني نبيلة، وهو يقيم في عالم يزعم الوفرة بدلا من النُّدرة. إنّها وفرة مسمومة تكرس اللامعقول، وتُفشي العمى الدّلالي، وتسربل حياة الإنسان بضرب من البربريّة والعمائيّة ما بعد الحديثة، وتُدشّن طورا مديدا من البلبلة اللّعينة القطاعيّة والجماهيريّة.



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة جهلائيل
- وزراء الله في الأرض..
- من وحي الحافلة الصّفراء
- مِنْ وَقَاحَاتِ اليَومِي..
- حَدَّثَ الرَّاوِي المَأْجُوجِيُّ قَالَ...
- المَقَامَةُ الوَرَقِيَّةُ المَوْعُودَةُ
- مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُون ...
- في قلق التّلفيظ الشّعري
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.
- يوتوبيا الشّعر العربي الرّومنطيقيّ أو النّبيّ الطّائر


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محرز راشدي - فِي تَقْرِيظِ النُّدْرَةِ..زَمَنَ البَلْبَلَةِ