أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساكري البشير - عيد الحب...نهاية القصة!!















المزيد.....



عيد الحب...نهاية القصة!!


ساكري البشير

الحوار المتمدن-العدد: 5428 - 2017 / 2 / 10 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


نظرة، فغمزة، فهمزة، فكلمة، فإبتسامة، فلقاء، فموعد، هكذا هي البداية التي تسرق النفوس الخبيثة، لتترك أثر الأوساخ على سراويلهم، وتترك الجرح بعمق على القلوب، لتئن ليلا، وتموت الإنسانية في جوف الشر نهاراً...
يروى أن المسلمين عندما دخلوا الأندلس فطردوا بقايا النصارى الذين رفضوا الخضوع لهم، طردوهم إلى قمم الجبال الشمالية، حيث كونوا مملكة لهم بقيادة "بلاي" وأصبح ملكاً لهم.
وحينما جمعوا أمرهم وقويت شوكتهم، أرادوا حرب المسلمين واسترجاع أرضهم، ورأوا أن الأمر يحتاج إلى روية ودراسة حال المسلمين، فأرسل ملكهم "بلاي" جاسوساً لينظر حال المسلمين كيف هي، عبر الجاسوس النهر وخرج على شاطئ المسلمين فوجد فتية صغاراً يتنافسون في رمي النبال، ووجد واحداً منفرداً يبكي فسأله عن حاله وماذا ألم به؟
فقال: إني أخطأت الهدف.
فقال الجاسوس له: وماذا يعني ذلك؟!
قال الفتى: إني أتدرب على الجهاد في سبيل الله وإن كانت هذه حالي فكيف بي في الجهاد؟
رجع الجاسوس لملكه وقال له: لا طاقة لكم بهؤلاء القوم مادام فتيانهم الصغار هذه هِمَّتُهم.
وتمر السنون تلو السنين، ويرسل ملكهم جاسوساً آخر وعندما عبر النهر وخرج على المسلمين فإذا بهم قد وهنوا وغرتهم الحياة الدنيا، ووجد مجموعة من الرجال وقد احتدم بينهم النقاش، وحولهم جواريهم..
فسألهم ما أمركم؟
قالوا: نتنافس بجمال جوارينا، وإذا بأحد الرجال منعزل عنهم مهموم..
قال له الجاسوس: ما أمرك؟
فأخبره بأن خاتم جاريته سقط في النهر.
حينها رجع الجاسوس وقال: أقبلوا على القوم فقد فسدت أخلاقهم!!
فماذا كانت النتيجة ؟!
ضاعت الأندلس...وبالأمس ضاعت القدس...واليوم سنضيع جميعنا...
ترى! ماذا يكون الحب عند أتباع فالنتاين... الذين دمروننا كما دمروا الأندلس عبر هذا السلاح المدمر لوطننا؟
لنتابع إذا مع بعض، حرف بحرف وكلمة بكلمة وجملة بجملة، حتى يتسنى لكم فهم الموضوع بدقة متناهية، وهذا العيد الذي يسمى عيد " الحب " كما يسميه بعض عشاق اليوم من مسلمين وغير المسلمين، اسمه الأصلي " عيد القديس فالنتاين " وحدده النصارى في اليوم الرابع عشر من شهر فيفري من العام الميلادي لعقيدة محددة ذكرت في تاريخ أعيادهم – المسيحية - وسأشير إليها بعد قليل نظرا لإختلاف الرؤى حولها.
وماكان لي القصد أصلا للتكلم عن هذا الموضوع، إلا أني وجدت فيه فائدة عظيمة لتنبي وتوعية شبابنا، لا لأجبرهم عن التخلي عن الحب من داخل أعماقهم، ولكن للتخلي عن ما لا يصلح لنا نحن كمسلمين، وذلك بأن لا نتشبه بمن هم لا ينتسبون لهذا الدين، ولو فعلنا يجب أن نراقبهم، هل فعلوا هم يوما أن إحتفلوا بعيد من أعيادنا الدينية أم أنهم إحتفلوا بدمائنا في سورية واليمن والعراق وفلسطين؟ لا والله ما إحتفلوا إلا برؤوسنا على حبائل المشنقة، أو بين فوهة المدفع وصوت الدبابات.
وبالتالي وجب علي كمسلم وكمواطن عربي في قطر عربي إسلامي ومسيحي أن أشير إلى هذا الموضوع، وأن يعرفوا شبابنا حقيقة هذا العيد، وأن يدركوا أن هذا العيد الذي يسمى عيد الحب، عيد ديني مسيحي له ارتباط وثيق بعقيدة النصارى وبوثنية الرومان والنصارى، متخبطون في نسبته وفي بدايته هل هو من إرثهم أم أنه من إرث الرومان الذين كان لهم من الاله ما يشتهون؟؛ فالرومان قد جعلوا بزعمهم للحب إله، وللنور إله، وللظلام إله، وللنبات إله، و للمطر إله، وللبحار إله، وللنهار إله، وهكذا .دواليك، كل شيء له إله يحكمه.
هذه الظاهرة التي نود الخوض في غمارها وكبح جماحها لا تخصنا نحن المسلمين فقط، ففي إعتقادي حتى المسيحيين يجب أن يحاربون هذه الظاهرة لأنهم لا تخصهم وتفضح خفايا عجز القساوسة على كبح أنفسهم، ومنع رغباتهم من حب النساء، والزواج، والجميع يعرف أن البابوات والقساوسة لا يتزوجون، وقصة القديس "فالنتاين" تذكرهم بصورة سوداء من تاريخ الكنيسة، وفساد القساوسة مازال مستمرا لهذا اليوم لأنهم لا يزالون يغطون نصوص صريحة بحجاب العمى، ووقفتي ليس لمناصرتهم ولكن لكشف اللبس والغموض، ولعلّي سأستدل هنا ببعض من نصوصنا ونصوصهم المقدسة.
قال تعالى: " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيّب" – سورة النساء: 2
قال تعالى: " لِكُلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" – سورة المائة: 48
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خالفوا المشركين، وفروا اللَّحى، وأحفوا الشوارب" رواه البخاري في صحيحه، حديث رقْم (5892)؛ باب تقليم الأظفار، ورواه مسلم في صحيحه، حديث رقم (259) باب خِصال الفِطرة.
ففي رسالة بطرس الرسول الثانية 2: 1 قال : ((سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ))
وفي رسالة بولس إلى غلاطية 5 : 20 قال : ((زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ ((بِدْعَةٌ)) حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ)) فعدَّ بولس البدعة من ضمن هذه الموبقات وجعلها مانعة من نيل رضا الرب والدخول إلى ملكوته .
أحد هذه البدع التي بدأت تتسرب أيضا إلى الأمم الأخرى التي ليس لها علاقة بالمسيحية اطلاقا هي بدعة ((عيد الحب أو عيد فالنتاين)) الذي يمر هذه الأيام والعجيب أن المسلمين من دون سائر الأمم يحتفلون به بشكل غريب ولا أدري السبب الذي يُسارع فيه المسلمون إلى تبني مثل هذه الأعياد التي لم تعترف بها الكثير من المذاهب المسيحية نفسها وتعدها من البدع الشيطانية.
هل تريد أن تعرف حقا قصة هذا العيد؟
مناسبة يحتفل بها كثير من الناس في بعض أنحاء العالم في الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام، وفي الأخص في البلدان الأوروبية والأمريكية، وأصبح هذا اليوم تحتفل به بعض دول العالم ولو بصورة رمزية وغير رسمية، يعتبر هذا هو اليوم التقليدي الذي يعبر فيه المحبون عن حبهم لبعضهم البعض – كما يزعمون - عن طريق إرسال بطاقات عيد الحب أو إهداء الزهور والحلوى لأحبائهم.
وتحمل العطلة اسم اثنين من (الشهداء) المتعددين للمسيحية في بداية ظهورها، والذين كانا يحملان اسم فالنتاين؛ بعد ذلك؛ أصبح هذا اليوم مرتبطاً بمفهوم الحب الرومانسي الذي أبدع في التعبير عنه الأديب الإنجليزي جيفري تشوسر في أوج العصور الوسطى التي ازدهر فيها الحب الغزلي، ويرتبط هذا اليوم أشد الإرتباط بتبادل رسائل الحب الموجزة التي تأخذ شكل " بطاقات عيد الحب"؛ وتتضمن رموز الإحتفال بـ عيد الحب في العصر الحديث رسومات على شكل قلب وطيور الحمام وكيوبيد ملاك الحب ذي الجناحين، ومنذ القرن التاسع عشر، تراجعت الرسائل المكتوبة بخط اليد لتحل محلها بطاقات معايدة، التي يتم طرحها بأعداد كبيرة؛ وقد كان تبادل بطاقات عيد الحب في بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر إحدى الصيحات التي انتشرت آنذاك؛ أما في عام 1847، فقد بدأ استر هاولاند نشاطاً تجاريا ناجحاً في منزله الموجود في مدينة ووستر في ولاية ماسشتوسيتس؛ كان انتشار بطاقات عيد الحب في القرن التاسع عشر في أمريكا – التي أصبحت فيها الآن بطاقات عيد الحب مجرد بطاقات للمعايدة وليست تصريحا بالحب – مؤشرا لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك عندما بدأ تحويل مثل هذه المناسبة إلى نشاط تجاري يمكن التربح من ورائه؛ وتشير الإحصائيات التي قامت بها الرابطة التجارية لناشري بطاقات لمعايدة في الولايات المتحدة إلى أن عدد بطاقات عيد الحب التي يتم تداولها في كل أنحاء العالم في كل عام يبلغ مليار بطاقة تقريباً، وهو ما يجعل يوم عيد الحب يأتي في المرتبة الثانية من حيث كثرة عدد بطاقات المعايدة التي يتم إرسالها فيه بعد (عيد الميلاد)؛ كما توضح الإحصائيات التي صدرت عن هذه الرابطة أن الرجال ينفقون في المتوسط ضعف ما تنفقه النساء على هذه البطاقات في الولايات المتحدة الأمريكية.
الفكرة البدائية لعيد الحب
حمل عدد من "الشهداء" المسيحيين الأوائل اسم فالنتاين؛ أما القديسان المسيحيان اللذان يتم تكريمهما في الرابع عشر من شهر فبراير فهما: القديس فالنتاين الذي كان يعيش في روما، وكذلك القديس فالنتاين الذي كان يعيش في مدينة تورني، وكان القديس فالنتاين الذي كان يعيش في روما، قسيسا في تلك المدينة، وقد قتل حوالي عام 269 بعد الميلاد وتم دفنه بالقرب من طريق " فيا فلامينا"؛ وتم دفن رفاته في كنيسة سانت براكسيد في روما، وكذلك في كنيسة الكرمليت الموجودة في شارع وايتفراير في دبلن في إيرلندا، أما القديس فالنتين الذي كان يعيش في تورني، فقد أصبح أسقفاً لمدينة أنترامنا (الإسم الحديث لمدينة تورني) تقريباً في عام 197 بعد الميلاد، ويُقال أنه قد قُتل أثناء فترة الإضطهاد التي تعرض لها المسيحيون أثناء عهد الإمبراطور أوريليان، وقد تم دفنه أيضا بالقرب من طريق "فيا فلامينا"، ولكن في مكان مختلف عن المكان الذي تم فيه دفن القديس فالنتاين الذي كان يعيش في روما، أما رفاته، فقد تم دفنها في باسيليكا (كنيسة) القديس فالنتين في تورني.
أما الموسوعة التي تحمل اسم كاثوليك إنسايكلوبيديا فتتحدث أيضا عن قديس ثالث يحمل نفس الإسم وقد ورد ذكره في " سجل الشهداء والقديسين الخاص بالكنيسة الكاثوليكية" في الرابع عشر من شهر فبراير؛ وقد قتل في إفريقيا مع عدد من رفاقه، ولكن لا توجد أية معلومات أخرى معروفة عنه؛ ولا يوجد أي مجال للحديث عن الرومانسية في السيرة الذاتية الأصلية لهذين القديسين الذين عاشا في بدايات العصور الوسطى؛ وبحلول الوقت الذي أصبح فيه اسم القديس فالنتاين مرتبطا بالرومانسية في القرن الرابع عشر، كانت الإختلافات التي تميز بين القديس فالنتين الذي كان يعيش في روما والقديس فالنتاين الذي كان يعيش في تورني قد زالت تماماً؛ وفي عام 1969، عندما تمت مراجعة التقويم الكاثوليكي الروماني للقديسين تم حذف يوم الإحتفال بعيد القديس فالنتين في الرابع عشر من شهر فبراير من التقويم الروماني العام، وإضافته إلى تقويمات أخرى (محلية أو حتى قومية) لأنه: "على الرغم من أن يوم الإحتفال بذكرى القديس فالنتاين يعود إلى عهد بعيد، فقد تم اعتماده ضمن تقويمات معينة فقط لأنه بخلاف اسم القديس فالنتين الذي تحمله هذه الذكرى، لا توجد أية معلومات أخرى معروفة عن هذا القديس سوى دفنه بالقرب من طريق "فيا فلامينا" في الرابع عشر من شهر فبراير؛ "ولا يزال يتم الإحتفال بهذا العيد الديني في قرية بالستان في جزيرة مالطا، وهو المكان الذي يُقال أن رفات القديس قد وجدت فيه، ويشاركهم في ذلك الكاثوليكيون المحافظون من جميع أنحاء العالم ممن يتبعون تقويما أقدم من ذلك التقويم الذي وضعه مجلس الفاتيكان الثاني.
وقد قام بيد بإقتباس أجزاء من السجلات التاريخية التي أرّخت لحياة كلا القديسين الذين كانا يحملان اسم فالنتاين، وتعرّض لذلك بالشرح الموجز في كتاب Legenda Aurea "الأسطورة الذهبية"؛ ووفقاً لرؤية بيد فقد تم اضطهاد القديس فالنتين بسبب إيمانه بالمسيحية وقام الإمبراطور الروماني كلوديس الثاني بإستجوابه بنفسه، ونال القديس فالنتاين إعجاب كلوديس الذي دخل معه في مناقشة حاول فيها أن يقنعه بالتحول إلى الوثنية التي كان يؤمن بها الرومان لينجو بحياته؛ ولكن القديس فالنتين رفض، وحاول بدلا من ذلك أن يقنع كلوديس بإعتناق المسيحية؛ ولهذا السبب، تم تنفيذ حكم الإعدام فيه، وقبل تنفيذ حكم الإعدام، قيل أنه قام بمعجزة شفاء ابنة سجانه الكفيفة.
ولم تُقدم لنا الأسطورة الذهبية أية صلة لهذه القصة بالحب بمعناه العاطفي؛ ولكن في العصر الحديث تم تجميل المعتقدات التقليدية الشائعة عن فالنتاين برسمها صورة له كقسيس رفض قانوناً لم يتم التصديق عليه رسمياً يقال إنه صدر عن الإمبراطور الروماني كلوديس الثاني؛ وهو قانون كان يمنع الرجال في سن الشباب من الزواج؛ وإفترضت هذه الروايات أن الإمبراطور قد قام بإصدار هذا القانون لزيادة عدد أفراد جيشه لأنه كان يعتقد أن الرجال المتزوجين لا يمكن أن يكونوا جنوداً أكفاء، وعلى الرغم من ذلك، كان فالنتاين، بوصفه قسيساً، ويقوم بإتمام مراسم الزواج للشباب؛ وعندما اكتشف كلوديس ما كان فالنتاين يقوم به في الخفاء، أمر بإلقاء القبض عليه وأودعه السجن، ولإضفاء بعض التحسينات على قصة فالنتاين التي وردت في الأسطورة الذهبية، تناقلت الروايات أن فالنتاين قام بكتابة أول "بطاقة عيد حب" بنفسه في الليلة التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام مخاطبا فيها الفتاة – التي كان يشير إليها بأكثر من صفة – تارة كمحبوبة، وتارة كإبنة سجانه التي منحها الشفاء وحصل على صداقتها، وتارة ثالثة بالصفتين كلتيهما، وقد أرسل فالنتاين لها رسالة قصيرة وقعها قائلاً: " من المخلص لك فالنتين"
تقاليد الإحتفال بعيد الحب:
1- لوبر بركلي:
على الرغم من وجود مصادر حديثة شائعة ترتبط بين عطلات شهر فبراير غير المحددة في العصر الإغريقي الروماني – والتي يزعم عنها الإرتباط بالخصوبة والحب – وبين الإحتفال بيوم القديس فالنتاين، فإن البروفيسور جاك بي أوريوتش من جامعة كانساس ذكر في دراسته التي أجراها حول هذا الموضوع أنه قبل عصر تشوسر لم تكن هناك أية صلة بين القديسين الذين كانوا يحملون اسم فالنتينوس وبين الحب الرومانسي.
وفي التقويم الأثيني القديم، كان يطلق على الفترة ما بين منتصف يناير ومنتصف فبراير اسم "شهر جامليون" نسبة إلى الزواج المقدس الذي تم بين زوس وهيرا، وفي روما القديمة، كان لوبر كايلي من الطقوس الدينية التي ترتبط بالخصوبة، وكان الإحتفال بمراسمه يبدأ في اليوم الثالث عشر من شهر فبراير ويمتد حتى اليوم الخامس عشر من نفس الشهر؛ ويعتبر لوبر كايلي أحد المهرجانات المحلية الخاصة التي كان يُحتفل بها في مدينة روما؛ أما الإحتفال الأكثر عمومية والذي كان يطلق عليه اسم "جونو فيبروا" والذي يعني " جونو المطهر" أو جونو العفيف"، فقد كان يتم الإحتفال به يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر فبراير، وقد قام البابا جيلاسيوس الأول ( الذي تولى السلطة البابوية بين عامي 492 و 496) بإلغاء احتفال لوبر كايلي؛ ومن الآراء الشائعة أن قرار الكنيسة المسيحية بالإحتفال بالعيد الديني للقديس فالنتاين في منتصف شهر فبراير قد يعبر عن محاولتها تنصير احتفالات لوبر كايلي الوثنية؛ لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية أن تمحو احتفال لوبر كايلي شديد الرسوخ في وجدان الناس فقررت أن تخصص يوماً لتكريم السيدة مريم العذراء.
2- طيور الحب في قصائد تشوسر:
بالرغم من أن البعض يزعم أن أول ارتباط تم تسجيله لعيد الحب بمفهوم الحب الرومانسي قد ورد في قصيدة parlement of fouls التي كتبها جيفري تشوسر في عام 1382، فربما يكون هذا الأمر ناتج عن إساءة في التفسير؛ فقد كتب تشوسر يقول:
وفي يوم عيد القديس فالنتاين
حين يأتي كل طائر بحثا عن وليف له
كتب تشوسر هذه القصيدة تكريما لـ ريتشارد الثاني ملك إنجلترا في عيد خطوبته الأول على آن من مملكة بوهيميا، وقد تم توقيع معاهدة هذا الزواج في الثاني من ماي عام 1381؛ حيث تم الزواج الفعلي بعد ذلك بثمانية أشهر، عندما بلغ الملك الثالثة عشر أو الرابعة عشر من عمره بينما كانت الملكة في الرابعة عشر من عمرها، وافترض قرّاء القصيدة على سبيل الخطأ أن تشوسر كان يشير إلى الرابع عشر من فبراير بإعتباره يوم عيد الحب، وعلى ي حال، يعتبر منتصف شهر فبراير من الأوقات التي لا يحتمل أن يتم فيها تزاوج الطيور في انجلترا؛ وقد أوضح هنري اسجار كيلي في أن التقويم المرتبط بالطقوس الدينية يعتبر أن الثاني من ماي هو واحد من أيام القديسين ويخص الإحتفال بالقديس فالنتاين الذي كان يعيش في مدينة جنوا الإيطالية، وقد كان القديس فالنتاين من أوائل من تولوا منصب أسقف جنوا، وقد توفي تقريباً في عام 307 بعد الميلاد.
وبالرغم من أن قصيدة تشوسر – parliament of fouls- تدور في سياق خيالي لتقليد قديم، فإن هذا التقليد لم يكن موجوداً في حقيقة الأمر قبل عصر تشوسر، تمتد أصول التفسير الإجتهادي للتقاليد العاطفية، والتي يتم التعبير عنها في سياق أدبي تظهر فيه كحقائق ثابتة، إلى المهتمين بجمع الأعمال الأدبية النادرة في القرن الثامن عشر، ومن أبرز الشخصيات التي يظهر في أعمالها هذا الأسلوب آلبان باتلر، صاحب كتاب Lives of Saints Butler s، وهو الأسلوب الذي استمر حتى العصر الحديث من خلال انتهاج دارسين كبار له، ويوضح أبرز هذه الأفكار المغلوطة كالتالي: " تم الترويج لفكرة أن العادات المرتبطة بعيد الحب تخلد احتفال لوبر كايلي الروماني بشكل متكرر لا أساس له من الصحة وبصور متنوعة حتى وقتنا هذا".
3- فترة العصور الوسطى وعصر النهضة
ونظراً لإستخدام اللغة السائدة في ساحات المحاكم في وصف كل ما يتعلق بأمور الحب الغزلي، تمت إقامة محكمة عليا للنظر في شؤون الحب والمحبين، في باريس في يوم عيد الحب عام 1400، وعرضت على المحكمة قضايا عهود الزواج والخيانة والعنف الذي يتم ارتكابه ضد المرأة، وكان القضاة يتم اختيارهم بواسطة السيدات على أساس قراءة الشعر، ويمكن اعتبار أن أقدم بطاقة عيد حب حفظها لنا التاريخ هي قصيدة ذات ثلاثة عشر بيتا وقافيتين كتبها تشارلز دوق أورلينز في القرن الخامس عشر إلى زوجته الحبيبة، وهي القصيدة التي تبدأ بـ:
Je suis désja d amour tanné
Ma très doulce Valentinée...
في ذلك الوقت، كان الدوق محتجزاً في برج لندن بعد أن تم أسره في معركة آجينكورت التي دارت عام 1415.
4- عيد الحب في العصور الحديثة
قام لي إيريك شميدت بتتبع التغيرات التاريخية التي طرأت على الإحتفال بعيد القديس فالنتاين في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، وقد كتب شميدت في مجلة "Graham s American Monthly" في عام 1849 عن هذه التغيرات قائلا: "لقد أصبح يوم القديس فالنتاين عطلة قومية في البلاد على الرغم من أنه لم يكن كذلك في الماضي"؛ وقد تم إصدار بطاقات عيد الحب بأعداد كبيرة من الورق المزيَّن بزخارف الدانتيل لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت استر هاولاند – التي ولدت في عام 1828 وتوفيت في عام 1904 – هي أول من أنتج هذه البطاقات وقام ببيعها بعد ذلك بوقت قصير في عام 1847، وقد كانت تعيش في مدينة ووستر في ولاية ماسشوسيتس، وكان والد استر صاحب متجر كبير للكتب والأدوات المكتبية، ولكنها استلهمت أفكارها من إحدى بطاقات عيد الحب التي تم إرسالها إليها، ويوضح ذلك أن عادة إرسال بطاقات عيد الحب كانت موجودة في إنجلترا قبل أن تصبح شائعة في أمريكا الشمالية، وتتضح عادة تبادل بطاقات عيد الحب في إنجلترا في القصة القصيرة التي كتبتها إليزابيث جاسكل تحت عنوان " Mr Harrison s Confession" والتي تم نشرها في عام 1851، ومنذ عام 2001، قامت التجارية لناشري بطاقات المعايدة بتخصيص جائزة سنوية تحمل إسم " جائزة استر هاولاند لأفضل تصميم لبطاقات المعايدة".
وتقدِّر الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأمريكية أن عدد بطاقات عيد الحب التي يتم تداولها في كل أرجاء العالم سنويا يبلغ حوالي مليار بطاقة؛ الأمر الذي يجعل هذا اليوم يأتي في المرتبة الثانية بعد عيد الميلاد من حيث كثرة عدد بطاقات المعايدة التي يتم تداولها فيه، ومنذ القرن التاسع عشر، تراجعت الرسائل الموجزة المكتوبة بخط اليد إلى درجة كبيرة لتحل محلها بطاقات المعايدة التي يتم إنتاجها بأعداد كبيرة.
وهكذا كانت تجارة إنتاج بطاقات عيد الحب في منتصف القرن التاسع عشر مؤشرا لما حدث بعد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية من تحويل فكرة عيد الحب إلى سلع تجارية يمكن التربح من ورائها؛ أما في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد امتدت عادة تبادل بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأمريكية لتشمل كل أنواع الهدايا، وهي هدايا يقدمها الرجال عادة إلى النساء، تشتمل هذه الهدايا بصورة تقليدية على زهور وشو كولاته يتم تغليفها بقماش الساتان الأحمر، ووضعها في صندوق على هيئة قلب، أما في الثمانينيات من هذا القرن، فقد ارتقت صناعة الماس بمنزلة عيد الحب لتجعل منه مناسبة لإهداء المجوهرات، وارتبط هذا اليوم بالتهنئة الأفلاطونية العامة والتي تقول: " أتمنى لك عيد حب سعيد".
وقد أسهمت زيادة شعبية الإنترنيت في مطلع الألفية الجديدة في ظهور تقاليد جديدة خاصة بالإحتفال بعيد الحب، وفي كل عام، يستخدم الملايين من الناس الوسائل الرقمية لتصميم وإرسال رسائل المعايدة الخاصة بعيد الحب، والتي تأخذ شكل: البطاقات الإلكترونية أو كوبونات الحب المصورة التي يتبادلها المحبون أو بطاقات المعايدة التي يمكن إعادة طبعها.
5- عيد الحب في بلاد العرب:
أفتى الشيخ محمد صالح العثيمين في 1420/11/5 هـ بـ "عدم جواز الإحتفال بعيد الحب" قائلا: " إنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة، ولأنه يدعوا إلى اشتغال القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه وأن لا يكون إمّعة يتبع كل ناعق"، وأفتى الدكتور عبد العظيم المطعني عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الأزهر بالإباحة قائلاً: " أن تخصيص أيام بعينها للإحتفال بها من أجل توثيق العلاقات الإجتماعية بين الناس مثل عيد الحب مباحة ويجوز حضور الإحتفالات التي تقام من أجل ذلك بشرط ألا نعتقد أنها من شعائر الدين ولا نقوم فيها بما يؤدي إلى ارتكاب الإثم وأن تكون طريقا لإرضاء الله عز وجل بشكر نعمه وتقدير منحه والإعتراف بفضله وجميله على خلقه وعباده، وفي حدود ما أحل شرع الله عز وجل وإباحه ومتى كان الإحتفاء بها كذلك خاليا تماما من الهرج والمرج والرقص واللهو والخلو والإختلاط والبدع والخرافات وسائر المحرمات والمحظورات، وكل ما يؤدي إلى الفساد، متى كان ذلك يباح حضورها ويجوز احياؤها والمشاركة فيها مجاملة وكرباط وود وحسن علاقة وكريم صلة على منهج الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
لهذا؛ يحتفل بعض المصريون بعيد الحب يومي 14 فبراير و 4 نوفمبر بشراء الهدايا والورود باللون الأحمر لمن يحبون، وقد سجلت في 14 فبراير 2006 حركة بيع الزهور في البلاد ما قيمته ستة ملايين جنيه مصري شكلت ما نسبته 10 في المائة من إجمالي بيع الزهور السنوي.
بينما نجد المغاربة ينظرون إلى هذه المسألة على أنها مسألة مظاهر، وهي المن الأمور الشخصية، وأنه إحتفال أوروبي خرج إلى العالمية، ولا يرى معظم المغاربة في ذلك أي تناقض مع قيم المجتمع، فهو احتفال رمزي يتبادل من خلالها الناس الورود والهدايا.
فعلى الرغم من الأفكار الرافضة للإحتفال بعيد الحب في المغرب، إلا أنّ هذه المناسبة أخذت مكانتها في المجتمع، خصوصاً أنها تعتبر مناسبة لحصد الأموال من التجارة، بحيث يقوم التجار بإستغلالها، لبيع الورود والهدايا العاطفية، وكذلك تدخل ضمن التنشيط السياحي، لذا فإن تحالف المال والحب أصبح قادرا على جعلها مناسبة سنوية إيجابية؛ كما أن العديد من المغاربة لا يرون في ذلك أي سلبية أو مس بالثقافة المغربية والمغاربية بشكل عام، بل تصنف في نطاق الإنفتاح والتفاعل الثقافي الذي يعرفه المغاربة منذ العصور القديمة.
هل فهمت الموضوع؟
بعدما عرفنا القصة الكاملة لأسطورة كُتب لها أن تعيش ليومنا هذا، وأن تفرض نفسها بقوة على جيل الشباب، يجب أن نعرف من المخطئ هنا: هل المسيحيين؟ أم المسلمين؟
ضحكت لتفاهات بعض مشايخنا لأنهم يقولون بأن هذا العيد يخص المسيحيين، وضحكت على تفاهات القساوسة الذين ينشرون هذا العيد بين أتباع هذا الدين دون علمهم بأنه لا يخصهم هم أيضا، فكلانا لا نبحث عن الحل لهذه الظاهرة، بل نتلاعب بالشعوب المسكينة لكي يكره المسلم المسيحي لأنهم يحتفلون بعيد محرم عندهم، ويكره المسيحي المسلم لأنه لا يحترم عيدهم، وكلاهما مخطئ، فكل ما في الأمر أن هناك أشخاص لا هم مسلمين حقيقيين ولا هم مسيحيين حقيقيين، يريدون الإيقاع بهم في مستنقع فالنتاين، أليس هذا الكره هو وليد الحروب؟
سأترك هذا السؤال لتيجيبوا عليه بأنفسكم إن أردتم تكملة البحث عن هذه القضية، من هو الفاعل الحقيقي؟...فقط إبحثوا عن ذاك الإنسان الذي دفن مع الزمن، وشرد مع السلاح...
أما إن كان الحديث عن ذاك الحب الذي يحاول الأدباء تنقيته، وزخرفته وتجميله فلنا فيه قصص وكلام..
أنا لا أتكلم عن ذاك الحب الذي يريح النفوس من العفو والتسامح...ولا أتكلم عن الحب الذي يصنع السلام... ولا الحب الذي شرعه الله – الود – لتعمير الكون، فذاك الحب طاهر وله شرعه ومنهاج، ولعلّ في أخبار عمر مع تلك المرأة التي كان زوجها في الجهاد عبرة..
مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ليلة في بعض سكك المدينة، فسمع امرأة تقول:
ألا طال هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله تخشى عواقب لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يعفني وإكرام بعلي أن تنال مراتبه
قال؛ فسأل عمر رضي الله عنه عنها، فقيل له: إنها إمرأة فلا، وله في الغزاة ثمانية أشهر، فأمر عمر رضي الله عنه أن لا يغيب الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.
فهذا الحب طاهر بعقد شرعه الله ورسوله، بل أقصد ذاك الحب الذي أشقانا وأشقى الأمة، فلم يعد يهمها شأنها طالما الحبيب بألف خير، هذا الحب كما أخبرنا عنه ابن حزم الأندلسي، أوله هزل وآخره جد، دقَّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل...
الحب داء عياء، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقام مستلذ، وعلة مشتهاة، لا يودُّ سليمها البرء، ولا يتمنى عليلها الإفاقة، يزين للمرء ماكان يأنف منه، ويسهل عليه ماكان يصعب عنده، حتى يُحيل الطبائع المركبة والجبلّة المخلوقة.....
قصة وعبرة ... من عمل الشيطان
كان هذا من عمل الشيطان ليس في ذلك شك، لأنه مخالف لطبيعة الأشياء، ولأن السماء ترتفع عن العناية بهذه الصغائر، فالحب يسعى إلى القلوب من طريق العيون أو من طريق الآذان، من طريق الصورة التي تراها العين فتنقلها إلى النفس بما تحمل من دواعي الميل والنفور، أو من طريق الصوت الذي تحمله الأذن إلى القلب بما يشيع فيه من أسباب الحنان أو القسوة، فأما أن يصل الحب إلى القلوب وينتهي البغض إلى النفوس من طريق الأيدي التي تلطم والوجوه التي تتلقى اللطم فشيء غير مألوف لم تبتكره الأشياء، ولم تهبط به إرادة السماء، وإنما اخترعه عبث شيطان ماكر أو كيد عفريت من هذه العفاريت التي تلعب بقلوب الناس ونفوسهم وتصرف عواطفهم وأهواءهم كما تشتهي في كثير من الأحيان.
وهذا الحب الذي أتحدث عنه، وهذا البغض الذي جاء في أثره لم تنشئهما نظرة من هذه النظرات الحادة الفاترة التي يقول فيها الشاعر القديم:
إنَّ العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللُّب حتى لا حراك به وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا
ولم يحدثهما صوت من هذه الأصوات التي يقول فيها الشاعر القديم أيضا:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وإنما أنشأتهما إحداهما فتحت للعاشقين باب النعيم الذي لا يوصف، والأخرى فتحت لهما باب الجحيم الذي لا يطاق، ولو أن قصة هذين العاشقين كانت من هذه القصص التي يبتكرها خيال الكتاب لما تحدثت إليكم بها، ولأعرضت عنها إعراضاً، ولرأيتها أثرا من آثار خيال مريض لا يحسن التحليق في أجواء الفن بمقدار ما يحس الإسفاف إلى الحقائق الواقعة، ولكنها قصة لم يخترعها الخيال وإنما اخترعتها ظروف الحياة، وهي إن تصورت شيئا فإنما تصور سخف الإنسان وعبث الشيطان وائتلاف الحياة الإنسانية أحيانا من أشياء قليلة الغناء حقاً.
كان ذلك في مدينة من مدن فرنسا تعرفونها جميعا حق المعرفة، وفي جنة جنات هذه المدينة ليس منكم إلا من ألمَّ بها مصبحا أو ممسيا للرياضة أو ساعيا إلى الجامعة، فكلكم قد درس في مونبلييه، وكلكم قد ألمَّ بحديقتها المعروفة ... وأظنكم يذكرون أن كثيراً من الحفلات الشعبية تقام في هذه الحديقة، فقبيل حفلة من هذه الحفلات بدأت هذه القصة التي تُضحك من أراد أن يضحك، وتُحزن من أراد أن يحزن، وتصور سخف الحياة على كل حال؛ كل الناس يزدحمون على باب الحديقة ازدحاماً شديداً ليشهدوا حفلاً موسيقياً عسكرياً قد خُصِّص إيراده لإعانة الجرحى من أبناء المدينة في الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك في الساعة الثانية بعد الظهر حين فرغ الناس من غذائهم، وكان ذلك في آخر الربيع وأول الصيف حين يشتد في مونبلييه ذلك الحر الرطب الذي يصهر الأجسام والنفوس جميعاً، ويخرج الناس من أطوارهم ويهيئهم للغضب السريع؛ كان الناس يزدحمون ويتدافعون بالمناكب، وكان صاحبنا يزاحم مع المزاحمين ويدافع مع المدافعين، وإنه لفي ذلك يتقدم خطوة ويتأخر أخرى، وإذا وجهه يتلقى على إحدى صفحتيه لطمة لم يتلقَّ مثلها قط، لطمة لفتته إلى نفسه ولفتت الناس إليه ولفتته إلى المصدر الذي يمكن أن يكون قد ساقها إليه، وملأت قلبه غضبا وحفيظة وموجدة، بل قد ملأت قلبه نخوة ومروءة وثورة للكرامة المهدرة والشرف المهان.
فقد كان صاحبنا عربيا من أهل الريف، فلم تكد اللطمة تبلغ وجهه حتى ثارت نفسه وهاجت عاطفته وغلى الدم في عروقه وصعد إلى وجهه الملطوم، واستيقن أن العروبة كلها قد أُهينت في شخصه إهانة لا تردها لطمة كاللطمة التي تلقاها، ولا يغسلها إلا ذلك الدم الذي زعم المتنبي أنه وحده هو الذي يُسلم الشرف الرفيع من الأذى حين يراق على جوانبه.
كان هذا كله في لحظة بل في أقصر من لحظة إن أمكن أن يكون هناك ما هو أقصر من اللحظة، وقد رفع صاحبنا رأسه وتهيأ للهجوم الساحق الماحق الذي لا يبقى ولا يذر، ولكنه لم يكد يرفع رأسه ويلتفت به إلى يمين حتى أطرق ولسانه يقول عن غير إرادة وفي صوت متهدج أضحك منه من حوله وأضحكه من نفسه فيما بعد: معذرة يا سيدتي! قالت السيدة التي لطمته: معذرة من ماذا؟ بل أنا التي تعتذر إليك، فقد ظننت أنك آذيتني بهذا الدفع المنكر، ولم تكد يدي تصيب وجهك حتى عرفت أنك بريء وأن الآثم شخص آخر ليس له حظ من أدب ولا من تربية، وكان هذا الشخص الآخر الذي ليس له حظ من أدب ولا تربية قد ذاب في أثناء هذا كله واستخفى، ومن يدري لعله ولم يكن إلا شيطاناً كاد كيده ثم ابتلعته الأرض أو اختطفته السماء، ولعله لم يكن إلا خيالاً لعب برأس السيدة، والشيء المحقق هو أنها أحست أو ظنت أنها أحست دفعاً غير كريم فلطمت وجه هذا الفتى، ثم لم تلبث أن عرفت براءته فاعتذرت إليه من لطمتها في نفس الوقت الذي كان هو يعتذر إليها فيه من هذا البطش الذي همَّ أن يبطشه بها، ومن هذا الغضب الذي همَّ أن يصبه عليها صباًّ، والشيء المحقق أيضا هو أن هذه اللطمة التي دعت إلى تبادل الإعتذار قد دعت إلى تبادل الإبتسام ثم إلى تبادل الحديث، ثم إلى الإستمتاع بالموسيقى العسكرية التي خصص إيرادها للجرحى من أبناء المدينة في الحرب العالمية الأولى، والشيء المحقق أيضاً هو أن الأسباب التي مدتها هذه اللطمة لم تنقطع بانتهاء الحفلة وإنما اتصلت وكانت مصدرا غريباَ لحب غريب.
وما أظنكم تنتظرون أن أقص عليكم كيف خرج اللاطم والملطوم من الحديقة وكيف سعيا معاً إلى قهوة فرنسا، هناك قريبا من الإسبلاناد، وكيف تبردا فيها من حر الصيف ومن حر الحفلة بقدحين من أقداح الجعة، وكيف اتصل الحديث بينهما حلواً رائقاً للنفوس حيناً وحاداَّ ممزقاً للقلوب حينا آخر حتى فرق بينهما مقدم الليل فتفرقا ولكن على موعد للقاء...
وكلكم يعرف إلامَ تنتهي هذه المواعيد حين تتصل، وقد انتهت مواعيد صاحبينا إلى حب هائج مضطرم لم يخفف من لوعته إلا الزواج، فصوِّروا لأنفسكم إن كنتم في حاجة إلى أن تصوروا لها هيام العاشقين أثناء هذه الخطبة التي اتصلت وقتاً غير قصير، وصوروا لأنفسكم أثر هذا الهيام في حياة الفتى وفي طلبه للعلم وإقباله على الدرس، وأثره في أسرة الفتى المصرية في قرية من قرى الريف، وأثره كذلك في نفس الفتاة وفي أسرتها المحافظة، صوروا لأنفسكم هذا كله وقدروا أن الحب الذي أثارته هذه اللطمة قد قهر هذا كله وتغلب على ما فيه من صعاب وعقاب وانتهى إلى الزواج على رغم الدرس الذي أهمل، وعلى رغم المقاومة التي جاءت من الريف المصري، والمقاومة الأخرى التي جاءت من الريف الفرنسي، وصوروا لأنفسكم كذلك أن هذه اللطمة قد أذكت الحسرة في كثير من القلوب وأشبَّت الغيظ في كثير من القلوب أ]ضا: أذكت الحسرة في قلوب فتيات كن يفكرن في هذا الشاب، وأشبَّت الغيظ في قلوب شباب كانوا يفكرون في هذه الفتاة، ولكن الحب سيل جارف لا يمر بشيء إلا اكتسحه اكتساحا، وريح عاصفة لا تدع شيئاَ أتت عليه إلا جعلته كالرميم، والحب قاهر بطبعه: قاهر للناس وقاهر للأشياء وقاهر للأحداث والخطوب أيضا، وحب هذين العاشقين قد قهر كل شيء وقهر كل انسان، ووقف العاشقان ذات صباح أمام العمدة في مدينة مونبلييه فألقى عليهما سؤالين وسمع منهما جوابين، وتلا طرفا من أطراف القانون المدني وأعلن بعد ذلك أنهما قد أصبحا زوجين، وانتهت تلك اللطمة إلى غايتها الأولى.
ففتح للعاشقين باب من أبواب النعيم الذي لم تر مثله عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر لأحد على بال، وكأنما كانت تلك اللطمة شيئا يشبه الطرق على الباب للإستئذان في الدخول، وكأنما كان الحب هو الذي اصطنع يد الفتاة فطرق بها على قلب الفتى بابه، ولم يكن باب هذا القلب عين الفتى ولا أذنه ولا فمه، وإنما كان صفحة وجهه الذي لم يكن رائعا ولا جميلاً.
وقد استمتع العاشقان بهذا النعيم ما شاء الله أن يستمتعا به، ذاقا لذائذه في فرنسا وتنقلا بين إيطاليا وسويسرا، وعبرا بها البحر آخر الأمر إلى مصر، واستقرا بها حيث تعلمون في مدينة من المدن المصرية سعيدين موفورين لا يعرفان من الحياة إلا وجهها الباسم الصبوح، ولكن وجه الحياة ليس باسماً دائماً بل قد يعتريه العبوس، وليس مشرقاً دائماً بل قد يغشاه الظلام أحيانا، وقد يصدر عبوس الحياة وإظلامها عن الناس حين يأتون بعض الأمر ويدعون بعضه، حين يقولون فيكون ما يقولونه مصدراً للشر، وحين يسكتون فيكون سكوتهم سبيلا إل الريب، حين يعملون فيكون عملهم مثيراً للسخط، وحين يكسلون فيكون تكاسلهم وسيلة إلى الإتهام.
والواقع أن حياة الزوجين أظلمت ذات يوم، لا لأن أحدهما قال شيئا أو عمل شيئا، ولكن لأن ساعة من ساعات الصفو الحلو البريء أبت أن تنقضي دون أن تعقب كدراً ومرارة وشكَّا.
فقد فرغ الزوجان ذات يوم لمجلس من هذه المجالس الكريمة التي يسمر فيها الأصدقاء بعد الغداء أو بعد العشاء حين يفرغون من طعام أُحسن إعداده وشراب أُحسن اختياره، وحين يقبلون على الحديث أحياناً وعلى الموسيقى أحياناً أخرى وعلى الرقص في أثناء ذلك، وقد أخذ الأصدقاء في تلك الليلة بحظهم من نعيم الحياة وتفرقوا، وخلا الزوجان وأخذا يتحدثان عن وليمتهما وعما دار حولها من حديث، وعما كان بعدها من سمر، وكان الزوج متحمساً في استعراض هذا كله، وكانت امرأته تسمع له في غير نشاط أو لعلها كانت تسمع له بإحدى أذنيهما لا بهما جميعاً، لعلها كانت ذاهلة عنه بعض الذهول، وقد نبهها رفيقاً بها فلم تتنبه، وقد نبهها مرة ثانية فلم يغن عنه التنبيه شيئاً، وإنما مضى هو في حديثه المتحمس، ومضت هي في استماعها الذاهل حتى رابه من أمرها شيء.
وأيسر الريب بين العاشقين لا يخلو من خطر، فقلوبهم حساسة ونفوسهم أشبه شيء بالحطب الجذل لا تكاد تمسه النار حتى يصبح حريقاً مضطرباً يملأ ما حوله لهباً، وكأن نفس الفتى كانت مُعدّة لشيء من هذا، فقد كان غيران لا يطيق الشك ولا يحتمل الريب، فلمَ ذهول امرأته عن حديثه وإمعانها في هذا الذهول؟! ضاقت نفسه ثم اشتد ضيقها ثم ثارت ثم خرجت عن طورها وإذا هو يقول أكثر مما كان يريد، وإذا هي تظن أكثر مما كان ينبغي، وإذا ألفاظ طائشة تلتقي ثم تصطدم، وإذا يد الفتى تمتد ثم تنقبض، وإذا اللطمة التي تلقاها في مونبلييه ففتحت باب النعيم للعاشقين قد رُدَّت إلى صاحبتها في مدينة من المدن المصرية ففتحت باب الجحيم للبائسين.
وما أحب أن أصور لكم من أمرهما أكثر من ذلك، فما أريد أن أخرج من الإشارة إلى الدلالة، ولا من التلميح إلى التصريح، وإني على ما تعرفون من إمعاني في البغض حين أبغض، لأكره أن أتمنى لأشد الناس لي عداءاً أن يصير إلى مثل ما صار إليه الفتى وإلى مثل ما صارت إليه الفتاة؛ ألا ترون أن هذا الشر كله لا يمكن أن يكون إلا من عمل الشيطان؟ وهمَّ القوم أن يجعلوا هذا الحديث موضوعاً للجدال يعللون في ويئولون، وينكرون منه ويعرفون، ولكن أحدهم رفع صوته حتى إضطرهم إلى الصمت وقال في سخرية لاذعة: ما أكثر ما تفتح اللطمات أبواباً للنعيم ثم تفتح بعدها أبواباً للجحيم! ألم تسمعوا أن لطمة وثبت بفلان إلى مكان رفيع، وأن لطمة أخرى قد تهبط به قطعاً إلى مكان سحيق؟!.
قال صاحب الحديث: أما وقد أخذتم تخوضون في حديث الأشخاص، وتلمحون إلى أحداث السياسة، فليس لي بينكم مقام، وانصرف وأصحابه يدعونه إلى أن يعود وهم يقولون: أقبل فقد آمنا بأن قصتك من عمل الشيطان.
يقول آرثر شوبنهاور: " حالما يزول وهم الحب، وحالما تهدأ غريزة الجنس النوعي، حينها لا يتبقَّى سوى المواجهة الكئيبة بين إمرأة سليطة وديك مخصيّ"....
وهذين الشخصين ما هما إلا ديك ودجاجة...فأوله عمل الشيطان وآخره نتيجة الشيطان...فإن لم تكن البداية نية صالحة...كانت النهاية أسوأ بكثير..
الحب والفلسفة...كشف سر تقيء الفلاسفة من الحب
كتب الشاعر الإنجليزي جون غيتس: " إن الجمال لمتعة أبدية"...
الحب إذن هو حبُّ للجمال، ولا يمكن قَصره على الحب البلاستيكي للأجساد، الحب الفاني في حد ذاته، وقد عرف عنه سقراط بعض المعرفة، فهو على الرغم من قبحه الظاهر، ومنقاره وعيونه السرطانية، قد مارس سلطة وجاذبية لا تقاومان على مجموعات الطلاب في دروسه؛ إذن يدعونا ديوتيم إلى أن نرتقي سلما من ست درجات، وإن كان الحب هو الرغبة في التوالد داخل مدار من الكمال، إذ يصبح الجمال هو الوصفة الخاصة بنوع الولادة "من جسد واحد جميل إلى جسدين جميلين، ومن جسدين جميلين إلى كل الأجساد الجميلة"، ومن الأجساد الجميلة إلى الإنشغالات الجميلة، إلى المعارف الجميلة، إلى علم الجمال...المعنى الأقصى للكشف، كما يعترف ديوتيم، هي المعرفة الوحيدة للجمال، جمال خالد، في نفسه وبنفسه، وحينها نلمحه في النهاية " عند هذه النقطة من الحياة، حيث تستحق الحياة أن تعاش بالنسبة لأي إنسان"، من يصل إلى هذا التأمل، بمقدوره تمييز هذا الجمال عن جمال الذهب، أو جمال الأجساد الفتيّة الفانية، " إنها الحقيقة التي يلمسها"، إنها الثبات، لذلك أثبتت فيدرا من قبل، أن المبدأ الملهم للرجال في حياتهم هو الحب حتى درجته القصوى، وليس الثراء ولا المجد....حبُّ ماذا؟ إنها الروح التي رسمها كيرجارد على شاطئ البحر..
أما أفلاطون فقد واجه مسبقاً، "الرغبة المشؤومة" للشاعر لوكريس، والوهم الخادع للعاطفة الجياشة التي وصفها خلفاؤه، بالرغبة المجنحة، والضوء الساطع، والخصوبة الروحية للحب، فالحب عنده يهدف إلى السعادة، وليس إلى الإكتفاء بأسبوع عابر لنزوة شهوانية، إنما في إرضاء وتجديد رغبة متقدة دائماً....
إعلم - أعزك الله - لذة الحب لا تدوم سوى لحظة، أما ألم الحب فيدوم طوال الحياة...
فالأمر يختلف مع الحب المحرم، فهو الجدير بأشد العذابات الأسطورية، لا سيما عذاب تانتالوس، المحكوم عليه بمشاهدة الماء وهو يتلاشى من على الأرض، فيما يحاول اللحاق بقطرة منه تروي عطشه؛ وعندما يمتلك العشيق عشيقته، لا شيء يهدَّئ من لوعته العميقة، بل على العكس تماما، التشوُّش الجنسي والعاطفي يؤدي إلى تضييق الخناق حوله، إذ يرتبط بها ارتباطا لا فكاك منه؛ وعن ذلك كتب لوكريس بطريقة إيحائية: "إنها الحالة الوحيدة التي كلما زادت فيها رغبتنا في امتلاك الآخر، كلما احترقت قلوبنا برغبة مهلكة".
وبحسب وصف شاعرنا يكون الحب هو حالة نهم غير محدود؛ رغبة في السلخ، فعيون العشاق لا تشبع من النظرات المتولِّهة ولا تقوى الأيدي على الإبتعاد عن الأجزاء الحميمية، فتهيم على الجسد كاملا، لتندمج الأجساد....
لا يفتأ لوكريس يعدد المزايا الوهمية التي يذكرها رجل عماه الحب، عن المرأة التي فتنته يوما ما؛ " فإذا كانت سوداء، يصفها بعسلية اللون، وإذا كانت وسخة ونتنة، تكون في عينيه طبيعية، أما عيونها المطفأة الباهته، فيراها هو متوهجة كالألماس، ولو هي عصبية وجافّة، تكون غزالة بريّة، بينما القزمة هي فتنة من المفاتن، كي تُلتهم كاملة، أما العملاقة فهي آلهة تصدّر العظمة، والمتجلجلة تغرِّد، والخرساء متواضعة، بينما الشرسة الوقحة الثرثارة، يراها هو شعلة متوهِّجة، والتي تكاد تختفي من النحافة يعتبرها هو صغيرة لطيفة"....
هكذا يكون الحب نتاجا لتكوينات من الأحلام والأوهام المخادعة؛ إذ ينشأ عن الخيال في جزء كبير منه، وبالتالي لن يستطيع أن يعود ليتأقلم مع الواقع بمحدوديته؛ بل إن الحب لن يستطيع أن يكتشف كم هو كاذب إلا حين يكون مؤكداً، وهنا يكمن السر التناقضيّ لقدرته المطلقة......
وبعد الواقع القاسي، تدق ساعة العلاج! ولا أمل في الحصول على الترياق المُعجز طالما مرض الحب مازال مستشريا، كي نهيِّئ أنفسنا مسبقاً، كما نبهنا لوكريس الذي يرى أن "تجنب الوقوع في شرك الحب أهون من التخلص منه"؛ فلننتبه أولا.....
الحب مجرد ..تأخير النشوة.. نجاسة على نجاسة:
صارت الحسيّة فضيلة، وعلى المحب أن يصير فناناً حين يمارسها؛ ويهدِّئ من رغبته كي يطيل وقت التمتع؛ كان مونتاني أستاذاً في الإيروكية: "من يسألني عن الجزء الأول من ممارسة الحب، سأجيبه: أن تأخذ وقتك! وهو الجزء الثاني أيضا، بل والثالث"، وتعد المطاردة، وليس افتراس الطريدة، هي ملح وفلفل العملية بالنسبة له؛ وتضايقه قليلاً تعبيرات الوجه التي تصاحب لحظة النشوة والتي تشبه "لطخة شعورية شنيعة وقاسية" وسط أرقّ وأحلى لحظات الحب، وهكذا " فكل ما يؤخر المتعة يلهبها"، "وكلما ارتقينا درجات السلم لأعلى، كلما شهدنا على الرفعة والسمو في الدرجة الأخيرة، وعلينا أن نختال بأنفسنا ونحن نسير كما لو كنا في الطريق المؤدي إلى قصر بديع، إذ نمر عبر أروقة ذات أعمدة فخيمة وممرات طويلة وصالات مبهرة والتفاتات متعددة" .
ففي هذا السياق لا يكون الزواج هو الحل، بل نلجأ لطرق ملتوية كي تبقى الفريسة بين أيدينا، لأن الزواج العاقل "الرغبات فيه لا تتقد" بل تتلاشى مثل الرغوة؛ ولكن لا ننسى أن "الزواج الجيد" إذا تحقق، هو مساحة رقيقة للحياة تتسم بالإنتظام والثقة وبعدد لا نهائي من الطقوس المفيدة والراسخة والإلتزامات المشتركة، لا توجد امرأة ذاقت طعم ذلك وتريد أن تحل محل عشيقة زوجها؛ الحب قائم على نار المتعة أما الزواج فيقوم على "الفائدة والعدل والشرف، والديمومة والنزاهة"، صحيح أنه متعة سهلة، لكن متفق عليها أكثر من غيرها.
توماس هوبز يقول في كتابه الليفياثان: " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، فالمرأة ذئبة تحاول إفتراس الرجل، والرجل ذئب يحاول إفتراس المرأة...فلا فرق بين من يطارد من، ومثال ذلك جامعاتنا التي تعج بالمطاردين، وموسمي الذي درست فيه الجامعة لخمس سنوات كنت أراقب ذلك عن كثب، تكاد لا تفارق أذناي كلمة " الحب"، فالجميع مهووس بها...
يقول الناقد الأمريكي الكبيري بلوم، أن يكون المرء رومانسيا في حاضرنا، يشبه محاولته الحفاظ على عذريته وهو يحيا في بيت دعارة.
كان فولتير محقا حين وصف رومانسية روسو بالحقارة في قوله: " لا يمكن لعاهرة أن تعِظ، كما لن يصبح مُغوي النساء الحقير فيلسوفا".
يقول روسو: " الحب ليس إلا وهما، أعترف بذلك، إلا أنه يحوي حقيقة واحدة تتمثل في ما يُولِّده فينا من شعور بالجمال الحقيقي الذي يجعلنا نحب"، وأي جمال إذا دُنِّست الروح يا روسو!..
من خلال الجنس يقول كانط: " يهبط الإنسان لما هو أدنى من مرتبة الحيوانات" كما كتب كانط وأضاف " حتى العلاقة الجنسية التي يسمح بها الزواج، ينبغي أن نغلفها بالكثير من التهذيب حين نتحدث عنها في المجتمع المتحضر، وقد كان كان محقا في ذلك، ولكن حين إبتعدنا عن هذا التهذيب، فأصبحنا مدرسة يخرج أشبالها مسلحين لهذا الوسواس القاهر، فلا يفارق تفكيرهم لحظة واحدة..
وإذا أردنا تلخيص الفكر المتقد لشوبنهاور حول الحب لوجدناه عبارة عن سلسلة من الشقلبات الساخرة التي يؤديها اثنان من الحمقى بلا طائل يُذكر!....
يدعونا الفيلسوف آرثر شوبنهاور من خلال أهم أعماله " العالم إرادة وتمثُّلاً" الذي نشر في عام 1819 أن نتأمل النظرات الملتهبة التي يتبادلها عاشقان وسط حشد من البشر، أو النظرات الغامضة التي يلقي بها عابران لبعضهما البعض على قارعة الطريق، أو حركات التظاهر التي يقوم بها راقصان في ليلة السبت؛ لأنهما يعرفان لا شعوريا أنهما "خائنان"، تلك كانت إجابة الكاتب بشكل قاطع؛ لأنهما استشعرا من خلال ألاعيبهما المُدانة، إنهما "يبحثان سراً عن تمديد وإطالة هذا الشقاء وهذا الحزن والألم، ذي النهاية الحتمية...
"فالحب – حسبه - يجعلنا ضعفاء، والأضعف بين الإثنين يُدمَّر، ويقتله الآخر"، إن معايير الحب شبَّهت بوضوح وبساطة بمعايير النازية "الشباب، والجمال، والقوة"....
يقول كير كيجارد " ففي عمق داخلي، يوجد مكان تأتي منه حياة الحب، لأن الحياة تنبع من القلب"...
الحب هو إنبثاق للقوى، وحركة شاطحة قد تصل بالإنسان إلى حد الفناء، وشيطان مخيف بحسب تعبير سوفوكليس، حتى الرب جهّز الجحيم لأولئك الذين لم يحبوه، فالحب يلتهم المحب ويتملكه كلية، ويهيمن بالروح والجسد على قلب ضحيته، فيقضي عليه؛ نعم! المحب يحلم أحيانا، متقمِّصاً شخصية مصّاص دماء، يحلم أن يمص دم المحبوب، وهو ينظر إليه بغيرة، منساباً في العروق تحت طبقة الجلد الرقيقة المكشوفة، وأن يشربه حتى آخر قطرة كي يحتفظ بالآخر الذي يحبه، ويكرهه لأنه أفلت منه، في داخله إلى الأبد؛ ويؤكد نيتشه في كتابه "إنساني مفرط في إنسانيته": " كل حب عظيم يُولِّد الفكرة القاسية العنيفة المتعلقة بتدمير المحبوب كي يسرقه مرة واحدة في لعبة التغيير المدنسة: لأن الحب يخشى التغيير أكثر مما يكره الدمار"....
قصة وعبرة...الحب خسائر مدمرة
أعرف فتاة جامعية جميلة، طويلة، لها عينان لامعتان وعقل أكثر لمعانا، وسمرة دافئة، وقلب أكثر دفئا..لا أكاد أراها حتى أسألها: كيف الحال؟
فتقول: أبداً..لا جديد.. الحال كما هو..حاولت أن أفهم موقفه، ولكني لم أفلح! إذن سأظل هكذا أتعذب ويظل هو لاهيا عابثاً..النار في قلبي، والماء في يديه، والسهر في جفني، والراحة في عينه، والحب أحرسه، واللهو يحرقه..وأنا أقطع الليل وحدي، وهو يقطع الليل مع أخريات..
كان تلميذاً بليداً، وساعدته حتى نجح..كان تلميذاً يائسا فنفخت في روحه وملأته أملا وثقة..كان يريد أن يكتفي بالتوجيهية، فدفعته إلى الجامعة..
هل تعرف أن حكايتي مع حبيبي هذا كحكاية البطل المسكين " سيزيف" الذي تقول عنه أساطير الإغريق إن الآلهة قد حكمت عليه أن يدفع أمامه حجراً إلى قمة الجبل..فكان كلما بلغ القمة تدحرج الحجر إلى السفح فيعود يدفع الحجر إلى القمة..فيسقط إلى أسفل الجبل..وهكذا؛ وأنا أعلم أن هذا الحجر سيسقط ولكنني مع ذلك أعمل المستحيل..إنني أتحدى إهماله لي، وهيامه بالأخريات..إنني جعلت من حبي له قوة خارقة، وجعلت من حبي له سياجا من حديد، وجعلته ناراً لا تنطفئ وريحاً تدفع سفينته إلى الأمام..حتى دخل الجامعة..وفي الجامعة ضاع مني..في الزحام..
ثم تقول: لقد كنت أتعذب منه وحده..أما اليوم فأنا أعذب منه وله..ومن كل الفتيات الأخريات..إذا رأيته يضحك لهذه الفتاة بكيت، وإذا رأيته ينحني لهذه الفتاة، إنكسر ظهري..إنني أنا التي أحترق ليضيء هو..إنني مصدر الضوء والسعادة له، ولكنني حزينة..آه..
وكنت أسألها دائما: ومن أين تعرفين أنه لا يحبك..كيف؟ هل قال لك ذلك؟ هل هو يحب فتاة أخرى؟
وكانت تقول: ولكنني أرتعد إذا تركني، وأبكي إلى لم يقبِّلني وأمرض إذا لم يعانقني..إنني أريده بين أصابعي وبين عيني وفي أذني..ولكنني أفتش عنه فأجده كالخاتم في أصابع الفتيات وكالعقد في أعناقهن..وكالكرة في أرجلهن!
وأسألها: ولكن عندما يكون معك ألا يقبل عليك، ألا يستمع لك، هل تغير عن ذي قبل؟ عل سمعت منه أنه لا يحبك؟
فتقول: لم يتغير منه شيء..ولكنه إحساس بأنه لم يكن كذلك..لم يكن كذلك..فلهجته غريبة ونظرته غريبة..
مسكينة هذه السمراء الجميلة..إنها تحرس عصفوراً في حجرة: نوافذها مفتوحة..فإذا طار العصفور تبكيه ولكنه يعود إليها..
وفي كل مرة يتركها تفتقده وتبكي على فراقه..كأنه فراق بلا لقاء..!
مسكينة إنها تحبه وهو لا يحبها ولكنها تقاوم وتتحدى المستقبل!
ما أعظم هذا المستقبل...لو كان الشاب يشبه صخرا..وكانت الفتاة تشبه الخنساء...
أعينيَّ جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألا تبكيان الجواد الجميل؟ ألا تبكيان الفتى السيدا؟
طويل النجاد رفيع العما د ساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدوا أياديهم إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهمُ من المجد ثم مضى مصعدا
يحمله القوم ما عالهم وإن كان أصغرهم مولدا
وإن ذكر المجد ألفيته تأزر بالمجد ثم ارتدى
أفيقوا يا أمة محمد... لنطوي هذا الكتاب...ولنستعد مجدنا من الغاصبين...قدسنا تحتضر...وإسلامنا قد ضاع...ومسلمونا قد دُمِّروا عن بكرة أبيهم....



#ساكري_البشير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن خلدون لديه رسالة لنا
- لماذا ندرس الفكر السياسي؟
- العلاقات التركية – الإفريقية (2002 – 2015)
- هل تملك حلم..غير هذا الحلم؟؟
- إلى العالم العربي...كيف نقهر سياسة دونالد ترامب؟
- رسالة في الأدب..إلى أحلام مستغانمي!
- حرب على الإنسان أم حرب على الله؟
- مشردة على الرصيف العام
- رواية القلم الضال (7)...الأحلام ..نور من المستقبل!
- رواية القلم الضال (6)...يا صاح.. كن أنت المعجزة!
- رواية القلم الضال (5)...لن تدرك السلام دون حرب!
- رواية القلم الضال (4)...العاصفة حكمة لم نتعلم معناها بعد!
- رواية القلم الضال (3)...حوار مع الذات
- رواية القلم الضال (1)
- رواية القلم الضال (2)
- الدين والإيديولوجيا عند شريعتي: رؤية عبد الجبار الرفاعي
- لحظة ألم!!!
- أيُّ الذوات تخلصنا من القيود التقليدية: ذات - الأنا- أم ذات ...
- عذرا...يا مسلمين!!
- القَانُون يُقَاتِلُ القَانُون والإنسانية تموت!!


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساكري البشير - عيد الحب...نهاية القصة!!