أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5428 - 2017 / 2 / 10 - 10:56
المحور: الادب والفن
    


عندما عزمتُ أخيراً على مواجهة امرأتي بما تجمّع لديّ من حقائق ( لننسَ حكاية المخطوطة، آنياً على الأقل! )، كنت متيقناً أنه من المستحيل عليها إيجاد حيلةٍ للتملّص. كوني أدركُ بأنها تمتلك دهاءَ حيّة سامّة، جعلني أحتاط لأهم منفذين محتملين. أولهما؛ قدرتها اللا محدودة على الإغراء، وخصوصاً لمن كان في مثل حالتي مع مشكلة الجسد.. المنفذ الآخر؛ أنها تستطيع تعويض الحبّ المفقود تجاهها، بشيءٍ تمتلكه وتعلم حق العلم مدى تأثيره عليّ: تعلّقي الشديد بابنتي، والذي بإمكانها استخدامه بسهولة في تحقيق مآربها.
على أنني، من ناحية أخرى، كنتُ أدرك كذلك مدى خطورة العبث في جحر حيّةٍ بغية إخراج الحقيقة. فإنّ القتل بوَصفة سمّ بطيء المفعول، لهوَ أمرٌ مألوف في المغرب، بله أن يكون القتيلُ انساناً غريباً لا شأن له ولا سند. لقد أشرتُ في مكان آخر من سيرتي إلى جرائم مماثلة، ضاعت فيها أرواح الضحايا دونما عقاب ـ كما كان حالُ أهل " للّا بديعة "، المقتولين على يد أقاربهم بسبب الجشع والطمع.
لنقلْ أنّ كل شيء كان على ما يرام، وأنني توصلتُ إلى الحقيقة المنشودة بخصوص امرأتي. وماذا بعد؟ فهل عليّ تسجيل ما عرفته على لسان " الشريفة "، كي أستخدمه هنا كمادة أدبية؟ ألا يعني ذلك خيانة لامرأة وثقت فيّ بوضع سرها بين يديّ؛ وهيَ أم ابنتي قبل أيّ اعتبار آخر؟ جواباً على هذا السؤال الملحّ، فقد آنَ لي العودة لمخطوطة " شيرين "!
بلى، إنّ النسخة الأصلية لأوراق المخطوطة ما تفتأ بحوزة محاميها، ومن الممكن أن تظهر للنور يوماً. لا يمكنني بحال، مطلقاً، الشكّ بصدق ما جاء فيها بشأن " الشريفة ". أقولها، أنا المفترض كوني لم أحصل بعدُ من هذه الأخيرة على معلوماتٍ تضاهي أو تؤكّد ما كنتُ قد قرأته في المخطوطة. ولكن، ألا يمكن أن تكون " شيرين " مغشوشةً بمعلوماتٍ غير صحيحة لفّقت من لَدُن أحدهم لغاية معينة؛ كزوج امرأتي السابق، " سيمو "، على سبيل الإفتراض؟.. بأيّ حال من الأحوال، فإنني لن أعود مرة أخرى لإثارة ضجر القاريء بطرح هذا الموضوع، بالأخص لأنه ذُكر في مواضع سابقة وإن كان بصيَغ مختلفة.
هأنذا في مواجهة " الشريفة "، ثمة في خلوة غرفة نومنا. ابتسامتها المصطنعة، الموحية بالطمأنينة والرضى، كانت تفترّ عن فمٍ جميل ذي أسنان لؤلؤية. إنها تظنّ ربما بأن الأمرَ يتعلق بكردانها الذهبيّ، المفقود. لم أكن أستبعدُ لجوءها قبلاً لِسِفْر فكّ الأحاجي؛ وهوَ كتابٌ متوفّر في كثيرٍ من بيوت مواطنيها، يُفتح عند ضياع غرضٍ ثمين أو عمل سحر أو أمنية مستحيلة.
فيما كانت " الشريفة " تتبسّم لي في رقة وعذوبة، ذهبتُ بفكري في لمحةٍ سريعة عبر دروب المعاناة.. معاناتي من عشرتها خلال الأشهر الأخيرة، حينَ تحتّم علينا العيشَ في ظلال الفاقة والحاجة. المشادات المتكررة ( كان يتخللها أحياناً العراك! )، دفعتني مراتٍ عدّة إلى الخروج من المنزل ليلاً لأهيم في البرية بقلبٍ يختنق من الغيظ والمهانة. للحق، فإنّ امرأتي كانت تتعقّبني في بعض الأحيان، فتنجح في إعادتي إلى أحضانها مجدداً. سألتها في إحدى تلك المرات، عما يدعوها للخروج خلفي. فأجابتني ساهمةً، فيما هيَ تعتنقني بحنان: " البرية، مملوءة بالآبار غير المسوّرة. أخشى أن تسقط في أحدها، مثلما جرى مع المرحوم والدي.. "
" ليرحمه الله. مع أنني لم أعلم من قبل بهذا الحادث؟ "
" لأنه حادث قديم، مضى عليه ما يزيد عن العشرة أعوام. إن الزمن كالرياح، يمحي آثار الانسان "، أجابتني بنبرة غامضة. كنا في الأثناء نسير خِلَل مماشي الحقول، مهتدين بقمر الخريف. وكأنما بهدف تغيير وجهة الحديث، عادت " الشريفة " للقول مستفهمة: " إنك نادراً ما تتحدث عن أهلك، على عكس ما كان من شيمة شقيقتك شيرين؟ ". أجبتها بلهجة غير مكترثة: " لا أدري، قد يكون سبب ذلك أنني على علم بما أخبرتك به شيرين ". بيْدَ أنها لاحظت ما تخلل كلامي من مرارة، تعكس تأثري بمصير شقيقتي، التي كانت آنذاك ما تزال على قيد التوقيف في السجن الإحتياطيّ. توقفت " الشريفة "، لتمسك بيدي في حركة تعاطف: " إنني آسفة، كوني أثرتُ أشجانك بالحديث عن شقيقتك. يا رب ساعدها، وخلصها مما هيَ فيه! "، قالت جملتها الأخيرة فيما كانت ترفع رأسها نحوَ السماء المنيرة.
" أرى ثغرات في الأرض، هنالك داخل الحقول؛ أليست هيَ الآبار المقصودة؟ "، قلتُ متسائلاً وأنا أهدفُ بدَوري لتغيير الحديث. مضى بصرُ المرأة الملولة إلى تلك الجهة، ثم عادت به نحوي لتهتف فجأةً: " تباً لهم من حمير! إنهم يحفرون البئر تلوَ الآخر، بحثاً عن الماء، ولا يفكّرون برَدم أيّ منها عندما يخيب مسعاهم أو يتوقفون لأي سبب "
" أعذريني أيضاً، لأنني سأعود إلى موضوع والدك الراحل.. "، قلت لها ثم أردفتُ متسائلاً: " هل جرى ذلك الحادث هنا، في أحد هذه الآبار؟ ". توقفت مرة أخرى، مجفلةَ، وكأنما لاحَ لها شبحُ الأب الراحل. ذلك شفّ من نبرتها العميقة، حينَ أجابتني على أثر وهلة الصمت: " لا، لقد كنا آنذاك نعيش في الصويرة. ولكننا انتقلنا إلى مراكش بعيدَ وفاة والدي.. ". ثم ما لبثت أن استطردت بنبرة رجاء: " لقد تأخرنا. حان وقت العودة للمنزل! ". قالتها، وكانت من الإضطراب أنها توهّمت بكوننا في نزهة ليلية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2