أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


أخترتُ أسوأ توقيتٍ للحديث مع امرأتي، بشأن ما نمّ إليّ عن مغامض بنوّة صبيّ العائلة. لم يكن أمرُ التوقيت يتعلق بفقدان الكردان الذهبيّ، حَسْب. فإنّ مئات الأحاديث جرت بيننا على مدى الأشهر الأخيرة، وجميعها تقريباً كانت متوترة. وضعنا الماليّ، كان أيضاً على نفس الدرجة من السوء. ولكنهما الكراهية والكيد، مَن كانا آنذاك قد طبعا علاقتي بمن أضحت أم ابنتي الوحيدة.
هيَ ذي تتناول طبق الطاجين مع والدتها، غير عابئة حتى بدعوتي لمشاركتهما الغداء. الأم، كانت هادئة ومتبسّمة. كأنها ليست تلك المرأة الماكرة، المفصحة مذ بعض الوقت عن ظنها بتورّطي في قضية الكردان. بيْدَ أنني كنتُ مشغول الفكر بذلك السرّ المُستطير، الذي أفضت هيَ به بخصوص الصبيّ الصغير. في أثناء الأكل، رحتُ أنقل بصري بين المرأتين مُستعيناً بما أملكه من قدرة على دراسة الوجوه: الحيزبون، أعطت بطبيعة الحال بعضاً من ملامحها لإبنتها. هذه الملامح، كانت تكفي لكي تتجلّى مغربيّة " الشريفة " لأيّ من مواطنيها أو للأوروبيين المقيمين. أحدُ هؤلاء الأخيرين، في المقابل، كان من المُفترض أن يكون الأب البيولوجيّ للفتاة ذات البياض الناصع كالفضة والشعر الذهبيّ والعينين اللتين بلون الفيروز.
تلكم الحقيقة، سالت ببساطة على صفحات مخطوطة شقيقتي " شيرين "، مُحالةً إلى شُبهةٍ عششت على ما يبدو في رأس زوج الحيزبون، الراحل. على أنّ " شيرين "، من ناحية أخرى، لم تعرف شيئاً عن إشكالية بنوّة الصبيّ المسكين " ميمو ". وإلا، لما ترددت هيَ في ذكر الأمر بما أعرفه عن طبيعتها ـ ككاتبة صريحة ـ وذلك من خلال قراءتي لمخطوطتها. وإنّ القلم ليرتجف الآن في يدي، عقب ذكري للمخطوطة: فإنني ما أفتئ أتساءل، ما إذا كان فقدانها قد جرى عمداً أو إتفاقاً؟ لو كان الأمر عمداً، فلِمَ أتعهّد بنفسي نبشَ سيرة أم ابنتي بما فيها من تفاصيل شائنة وشنيعة؟ أم أنّ تلك المخطوطة كانت لعنة، تحتّمت أن تلاحقني لحين أن دفعتني لخلق توأمٍ لها؟
وإذاً، تركتُ القلمَ يسقط من يدي كما الغصن المنفصل عن أمّه الشجرة بفعل عاصفة. " تينا "، المستلقية على السرير و المشغولة بقراءة إحدى الروايات، ما عتمت أن رفعت رأسها لترمقني بنظرة باسمة. عند ذلك، جاز لي أن أفكّر بالمصادفة الغريبة، التي جعلتني أتعرّف على فتاة لديها ماضٍ شبيهٍ إلى هذا الحدّ أو ذاك مع ماضي أم ابنتي. فإنّ " تينا " لم تعرف أبويها الحقيقيين، كونهما تخليا عنها منذ صغرها بسبب إدمانهما على المخدرات. هكذا نشأت برعاية الدولة، وفي كنف زوجين غريبين عاملاها كأنها ابنتهما.
ولكنني أيضاً مجهول النسب من ناحية الأبّ، وكان ذلك مدعاة لتنكيد حياتي منذ فترة الطفولة. لكأنما المقدور قد هيأ لي فرصَ مصادفة نساءٍ من ذوات الخلفية المُلتبسة نفسها: " الشريفة " و " تانيا "؛ مثلما سبقَ القول.. " خدّوج "؛ كما عرفناه من حكاية منشأ والدتها.. " الأميرة "؛ لما أشيعَ عن إنجابها لإبنة غير شرعية.. " سوسن خانم "؛ المتكتّمة بإصرار على ماضيها.. " سفيتا "؛ وقصة العلاقة المشبوهة بين أخيها غير الشقيق وأمها..
" تبدو مرهقاً. ألا تودّ الإستلقاء على الأريكة؟ "، خاطبتني امرأتي حال فراغي من تناول الغداء. كانت عندئذٍ قد أخرجته من مكمنه، ثديُها الثر، لكي تغمس حلمته السمراء في فم ابنتنا الرضيع. كنتُ مدركاً ولا شك لحقيقة مظهري الرث، المتأثر بالخمرة. إلا أنني تساءلتُ في سرّي، عما إذا كانت " الشريفة " قد حدست ما يجول في فكري من أشياء بشأنها. ولقد لحظتُ كذلك، أنّ والدتها كانت ترمقني باهتمام وبنظراتٍ غير مريحة. لم أرَ بأساً في التمدد على الأريكة، المتصدّرة الجهة اليسرى من قاعة الإستقبال، لأجدني مفصولاً عن مشهد المرأتين بالمنضدة العالية والمحتفية بزهرية يتناهض منها زنابق لها أوراق داكنة غضّة وأزهار بيض.
رحتُ أهوّمُ، مختلطة رؤاي ببكاء الطفلة، المعبّرة عن احتجاجها من ثرثرة والدتها، والتي يظهر أنها تشوّشُ هناءة النهل من المعين العذب. وإذا بالحجرة تخلو من الحيزبون ذات النظرات غير المستأنسة. فلا ألبث أن أفاجأ بامرأتي وهيَ تضع الطفلة جانباً على حافة الأريكة، لكي تشرع بتعرية نهدها الآخر. فيما كنتُ أضع يديّ على خصر المرأة، فإنها عمدت إلى كشف الثوب عن بطنها: " أنظر إلى آثار العضّ هذه، وكنتُ قد زعمتُ كونها وشوماً. كلّ عضةٍ رجلٌ..! "، قالتها مُصدرةً هأهأة ساخرة. استثارتني كلماتها، فرفعت يديّ عن خصرها نحوَ صدرها. ما أن هممتُ بلمس ثدييها، حتى وهنت يداي وسقطتا في حجري. فلقد كنتُ قلقاً على الطفلة، خشية وقوعها من فوق الأريكة. على حين غرّة، انفجرَ ثديا المرأة عن رعافٍ أبيض ولزج، فغمر وجهي والجانب الأعلى من جسدي.
الضحكة المتهكّمة والمتهتّكة، كانت ما تني ترنّ في سمعي لما فتحتُ عينيّ. الضوء المبهر، كان ينهمر من سقف حجرة الصالة حال حليب الحلم، الفضيّ. رفعتُ رأسي قليلاً عن الوسادة الثقيلة، المظهّرة بالمخمل الأرجوانيّ، شاعراً بألم في العنق وكذلك برعشة البرد. رائحة النعنع الطريّ، ما لبثت أن غزت أنفي. وهذه هيَ " الشريفة " تلتفت نحوي، لتقترحَ عليّ شربَ قدحٍ من الشاي. لم أجب فوراً، بل أدرتُ عينيّ في المكان للتيقّن من غياب الحيزبون. على الأثر، قلتُ لإمرأتي مومئاً برأسي إلى الأعلى: " سأشربه، ولكن ثمة في حجرتنا. فلديّ شيء يخصّك، أودّ أن تطّلعي عليه.. ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء