قضية الأسس الموسيقية للشعر الحديث في دراسة المجاطي

عبد القادر زين الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 00:59
المحور: الادب والفن
    

تعتبر قضية الأسس الموسيقية للشعر الحديث واحدة من القضايا الأساسية التي تناولها الناقد المغربي أحمد المجاطي في دراسته التي تحمل عنوان "ظاهرة الشعر الحديث"، وهي الدراسة التي تتبع فيها عددا من التحولات التي لحقت الإبداع الشعري خلال القرن العشرين، وفي مقدمتها الانتقال من النظام الإيقاعي التقليدي المعروف بنظام الشطرين ووحدة الروي والقافية، إلى إيقاع مختلف بدأ مع المحاولات التجديدية للتيارات الذاتية في النصف الأول من القرن، قبل أن يتحول في النصف الثاني إلى بنية إيقاعية جديدة مع حركة الشعر الحديث.
لقد انطلق المجاطي في تناوله للأسس الموسيقية للشعر الحديث من التأكيد على ما تتميز به الأوزان التقليدية من خصائص جمالية مكنتها من الاستقرار في الموهبة والذوق العربيين لقرون طويلة، ولعل أهم ما يميز هذه الأوزان التقليدية هو بناؤها المنتظم الذي استساغ حدوث تغييرات إيقاعية في بنية التفعيلات (الزحافات والعلل) تقلل من صرامته وتزيد من جماليته.
إن خاصية المرونة التي ميزت البناء الموسيقي التقليدي كانت مدخلا مهما للشاعر الحديث في القرن العشرين وهو يسعى لإنتاج تجربة شعرية جديدة تقوم على هدم بنية البيت الشعري ذي الشطرين المتساويين والتحول إلى نظام السطر الشعري الذي يتعلق طوله وقصره بما يتضمن من نسق شعوري وفكري، فقد يقصر ذلك النسق حتى لا يحتاج في التعبير عنه موسيقيا إلا إلى تفعيلة واحدة، وقد يطول حتى ينتظم تسع تفعيلات أو أكثر، وقد مكنت هذه الخاصية الشاعر الحديث من استخراج عدد هائل من الأبنية الموسيقية انطلاقا من تفعيلات محدودة دأب على استعمالها وهي متعلقة بستة بحور شعرية حسب المجاطي هي المعروفة بالبحور الصافية: مفاعيلن (الهزج)، فاعلاتن (الرمل)، مستفعلن (الرجز)، متفاعلن ( الكامل)، فعولن ( المتقارب )، فاعلن (المتدارك). وتعود إمكانية استخراج أبنية موسيقية متعددة انطلاقا من تفعيلات محدودة وعدم اللجوء إلى التفعيلات المختلطة إلى ثلاثة مسائل أساسية اعتمدها الشاعر الحديث:
أولاها مسألة الزحاف، ذلك أن إكثار الشاعر الحديث من الزحافات المتعلقة بالتفعيلة الواحدة قد مكنه من التنويع في الإيقاع، وصرف النظر عن التفعيلات المختلفة.
وثانيتها تنويع الأضرب فإذا كان الذوق العربي قد اعتاد أن يلتزم الشعراء بنفس الضرب في نهاية البيت، فإن الشاعر الحديث لم يكترث لهذه القاعدة بل نجده قد نوع من الأضرب في إطار سعيه إلى تنويع الإيقاع في البحور الصافية، حتى لا تتوارد كل تفعيلاتها على وتيرة واحدة، وتجدر الإشارة في هذا الإطار أن الشاعر الحديث لم يلتزم بالحدود المرسومة في العروض العربي بل تجاوزها إلى إدخال تغييرات جديدة كاستعمال مستفعلان في ضرب الرجز بدلا من مستفعلن أومفعولن. ولم يكتف الشعراء بذلك بل ذهبوا أبعد من ذلك عند إدماجهم البحور المتشابهة كالرجز والسريع في بحر واحد على نحو غير معروف في الشعر العربي.
أما المسألة الثالثة فهي إدخال تغييرات جديدة على تفعيلات الحشو، ذلك أن رغبة الشاعر الحديث في كسر حدة التفعيلة وتنويع إيقاعها لم يلبث أن توجه به نحو الخروج عن سائر القوانين المرسومة لتفعيلة واحدة من تفعيلات العروض العربي هي "فاعلن" التي تعتبر الوحدة الموسيقية لبحر الخبب، والتي أصبحت في بعض أسطر الشعر الحديث "فاعل" وهو تغيير استساغه الذوق العربي الحديث على الرغم من خروجه عن القواعد العروضية بشهادة الناقدين عز الدين إسماعيل ومحمد النويهي. وإلى جانب هذه المسائل الثلاث توقف المجاطي عند مسألة التدوير حيث لجأ الشاعر أحيانا إلى التدوير عندما تتسع دفقته الشعورية، إلى جانب إمكانية الزيادة في عدد التفعيلات مما مكنه من التخلص من صرامة البيت ذي الشطرين ومن انتظامه في نسق هندسي رتيب.
أما فيما يخص نظام القافية في الشعر الحديث فقد نال حظه من المرونة التي مست البناء الموسيقي العام، ومن ذلك العمل على الحد من بروز إيقاع الروي بشكل أتاح للشاعر الحديث أن يربط بين إيقاع البيت وإيقاع القافية ربطا عفويا لا غلبة فيه لجانب من جوانب الإيقاع على باقي الجوانب، كما عمل الشاعر على الحفاظ على نظام القافية دون الالتزام بوحدة الضرب فطول أحد الأضرب مثلا (مستفعلان) وقصر ضرب آخر (فعول) لا يؤثر على نظام القافية. وقد يتطلب الأمر من الشاعر الحديث إحداث بعض الوقفات الإيقاعية في صلب الجملة الموسيقية الطويلة التي تمتد فيها الدفقة الشعورية، أو اعتماد قافية ذات نبر بارز في نهاية الأبيات لتعويض القافية المتواترة أو المتراوحة
يبدو من خلال ما سبق أن الناقد أحمد المجاطي قد تسلح في مقاربة للإطار الموسيقي للشعر الحديث بخلفيات منهجية متنوعة حضرت فيها الاعتبارات الفنية بشكل كبير سواء من خلال دراسة هذه القضية ضمن قضايا أخرى متعلقة بالشكل الجديد، أو من خلال دراسة البيت الشعري الحديث انطلاقا من عناصره الفنية الحشو والضرب والقافية ... كما حضرت الاعتبارات الفنية من خلال استحضار التطور التاريخي للظواهر النقدية التي يعالجها.
وعموما يمكن القول إن دراسة المجاطي لعروض الشعر الحديث قد اتسمت بالدقة والشمول، نظرا لتناوله هذه الظاهرة من مختلف جوانبها معتمدا في ذلك على تحليل عدة نماذج شعرية لكبار رواد شعر الحداثة كأدونيس وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب، ومناقشا بالحجة والبرهان الآراء النقدية للنقاد المشارقة أمثال عز الدين إسماعيل ومحمد النويهي وإحسان عباس ونازك الملائكة في دراساتهم المواكبة للظاهرة الشعرية الجديدة.

#عبد_القادر_زين_الدين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات