أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - خطاب -وطني- زائف في مواجهة حقوق الإنسان















المزيد.....

خطاب -وطني- زائف في مواجهة حقوق الإنسان


حازم نهار

الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 10:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قفز موضوع حقوق الإنسان إلى قمة جدول أعمال العالم بعد نهاية الحرب الباردة، و كان يتوقع له أن يشكل منصة انطلاق عظيمة لاستكشاف كون جديد و حضارة عالمية جديدة وإنسانية حقاَ، لكن عقبات كثيرة حالت دون ذلك، منها ما هو عالمي يتعلق بالقوى الدولية و التوازنات السياسية و المصالح الاقتصادية، و منها ما يتعلق بالثقافات السائدة و طبيعة الأنظمة الحاكمة في مناطق و دول العالم المختلفة.
لعل نمط الحكم القائم و الثقافة السياسية السائدة يعتبران العاملين الرئيسين في تدهور أوضاع حقوق الإنسان و تعثر التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، و منها سورية. أما المعيار الأساسي في تقييم نظام الحكم و الثقافة السائدة من منظور حقوق الإنسان فهو معيار الحرية، فإذا كان العالم عبر عن حقوق الإنسان في صيغة وثائق وقوانين ومواد قانونية، إلا أنها في الأصل تقوم على خيار ورأي ومبدأ فلسفي أولي هو الحرية التي تعتبر أكثر المبادئ شمولاَ، و الأصل الذي تتفرع عنه بقية الحقوق.
هذا الأمر يطرح علينا، في بلد كسوريا، الكثير من الهموم و المهام، لاسيما تلك التي تتطلب تنقية ثقافة النخب و التيارات الفكرية السياسية المختلفة، القومية و الإسلامية و الماركسية و الليبرالية، من العناصر و الآليات النافية أو الطاردة لمبادئ حقوق الإنسان و القيم الديمقراطية، و إعادة صوغ الخطاب السياسي و الأيديولوجي بما يتوافق مع تلك المبادئ و القيم.
في ظل الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في سورية، و مع انسداد آفاق التغيير الديمقراطي، و في هذه اللحظة السياسية الدقيقة، ينتحل النظام السوري خطاباً سياسيا "وطنياً" في مواجهة الضغوط و التهديدات الخارجــية، بالاعتماد على العناصر القادرة على التعبئة و التحشيد و التجييش. ظاهر الخطاب موجه ضد الخارج الطامع، لكن مآله لا يؤدي إلا إلى المزيد من تدهور حقوق الإنسان في الداخل. فهو، أي "الخطاب الوطني"، من ناحية أولى يؤدي إلى تشوه الثقافة السياسية و الثقافة الشعبية على حد سواء، لأنه يجعل المهمة الأعلى و المقدسة هي الانتصار على الخصم و الانفلات من التهديد الخارجي، الأمر الذي يعني ضمن منطوقه "الوطني" إلقاء مهام إعادة البناء الداخلي، وما يرتبط به من استحقاقات كحقوق الإنسان و الديمقراطية إلى الهامش0 هذا الخطاب "الوطني" يصدر "شعارات" تملأ الساحة السياسية صراخاَ وعويلاَ و يطرح أهدافا سياسية حارة في ظل واقع بائس ومحاصر. تحت شعار "الوطن في خطر" يصبح المطلوب "تكاتف جهود الجميع"، و تجميع الطاقات باتجاه طريق "المقاومة" من أجل درء الخطر الخارجي، و بالتالي لا بد من الصمت وكم الأفواه، لأن صوت المعارضة المرفوع يخدم في تشجيع الخارج على القدوم إلينا وانتهاك "سيادتنا الوطنية"!!.
"الخطاب الوطني" الدارج من جهة ثانية يزيد من العقبات الواقفة أمام نشر و تعميم ثقافة حقوق الإنسان و القيم الديمقراطية، لأنه يدعم، بشكل مباشر أو غير مباشر، الرؤى التقليدية التي تنظر لهذه الثقافة و تلك القيم باعتبارها وسيلة لاختراق مجتمعاتنا، أو على الأقل تأجيلها لصالح التعبئة و التجييش الضروريين لمعركة النصر ضد إسرائيل و أمريكا و الغرب!!.
من جهة ثالثة يؤدي هذا الخطاب الزائف إلى تثبيت رؤية محددة للسيادة الوطنية، و هي الرؤية التي تساوي بين المصلحة الوطنية و مصلحة النظام السياسي القائم أو مصلحة أفراد فيه، و التي تعني عمليا استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، واجتثاث المعارضين، وقطع الطريق على الحريات، واحتكار السلطة، وإلحاق الإعلام ومؤسسات الدولة بها، وتخويف البشر وامتهان كرامتهم.
تؤكد تجارب الماضي أن هذا الخطاب لم يحافظ على الوطن و على أبنائه، بل على العكس إنه يزيد الأمور سوءا و ينتج الكوارث باستمرار، خاصة عندما يطرح طريقا للمقاومة دون مقومات، أي دون بشر أحرار و معافين و كاملي الحقوق الإنسانية. إن التضحية بحقوق الإنسان و الديمقراطية على قربان "الوطن في خطر" و "الوطنية" المفصلة على مقاس أنظمة الاستبداد، و "المقاومة" التي لا تتساوق مع برنامج واضح لحقوق الإنسان و العمل الديمقراطي، هي التي قادت إلى هذه الحالة من التشوهات في الانتماء الوطني، و إلى هذا الوضع من الضعف و القصور الوطنيين إزاء التهديدات الخارجية.
القضية المركزية و المهمة الحارة هي إعادة البناء الداخلي على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ليس إنكاراًَ لمشروعية وضرورة إزالة الظلم الواقع علينا من قبل القوى الخارجية، لكننا ندرك هذه المهمة من منظور حقوق الإنسان و الديمقراطية على اعتبار أن إنجازها رهن بتحديث وإصلاح المجتمع والسياسة و الثقافة، أكثر مما هي مرهونة بالوسائل العسكرية و التعبوية و التحشيد و استغلال العواطف الوطنية.
الاستبداد يخرب التيارات السياسية والاجتماعية في المجتمع، ويشوه انتماءها الوطني، و يغرس فهماَ جامدا لمفهوم "الوطن والوطنية" مضادا لحقوق الإنسان و المواطن، فيما النظام الديمقراطي يسمح في كل لحظة بإعادة اكتشاف "الهوية الوطنية"، باعتبارها هوية متجددة، وكائناَ حياَ ينمو ويتطور ويتفاعل مع الجديد والمتغيرات، و يحقق حالة من التوافق الطبيعي بين "المصلحة الوطنية" و احترام حقوق الإنسان.
إذا لم يكن هدف الأفكار و القضايا الكبرى (الوطن، السيادة الوطنية، المقاومة ..) سعادة الإنسان، فما قيمتها إذا ؟ المفهوم الجديد للسيادة الوطنية يتحدد بمدى احترام حقوق الإنسان، فهي الأساس ليشعر المجتمع برمته بأن الدولة دولته، وأن الوطن وطنه. الوطن و حقوق الإنسان لا يجدان تعبيرهما الحقيقي إلا في الدولة الوطنية، فهي المرجع و الأساس لأنها دولة الكل الاجتماعي، ودولة الدستور الديمقراطي ودولة القانون واستقلال القضاء و صيانة الحقوق و الحريات.
هذه اللحظة السياسية تطرح على نشطاء حقوق الإنسان في سورية ضرورة بناء أعمدة الارتكاز النظري التي تمنح مشروع حقوق الإنسان أرضيته الفكرية الصلبة، القادرة على تحصين رؤيته الجديدة للعالم والمجتمع والإنسان، و لتشكل حقوق الإنسان قلب المشروع الوطني، كما تطرح إعادة بناء مفهوم "الوطن و الوطنية" من منظور ثقافة حقوق الإنسان، و بالارتكاز إلى سعادة الإنسان كهدف أسمى.
هذا يعني، أولاً و قبل كل شيء، المساهمة في عملية الاستيعاب التاريخي و النقدي لرؤية جديدة للإنسان والطبيعة والمجتمع والتاريخ، وهي الرؤية المحايثة لمواد و بنود مواثيق حقوق الإنسان. لذا هناك ضرورة لربط العمل في ميدان حقوق الإنسان بالعمل الفكري الرامي إلى دعم المنظور الحداثي للإنسان و الطبيعة و التاريخ و الثقافة و السياسة، ومن دون هذا الربط و الوعي بالتلازم الفعلي الحاصل بين المبادئ ذات الصبغة القانونية في مجال حقوق الإنسان ومرجعيتها النظرية الحداثية والتاريخية سنظل نمارس عمليات الخلط الفكري و التشوه المعرفي و تركيب المفارقات على صعيد الممارسة، كتصدير "خطاب وطني" لا يعير انتباها لحقوق المواطن، و حشد البشر للدفاع عن الوطن المجسد في حالة محددة و حفنة من الأفراد، في الوقت الذي يجري فيه منعهم من التظاهر من أجل القضايا التي تتعلق بحريتهم و حياتهم و حقوقهم.
إن معركة تبيئة مبادئ حقوق الإنسان و القيم الديمقراطية في ثقافتنا تحتاج فعلاً إلى معارك سياسية محددة في قضايا واقعية، لكنها تحتاج أيضاً وبالحدة والقوة ذاتها إلى معركة الدفاع عن الحداثة في فكرنا المعاصر، و ضرورة القيام بجهود فكرية تنويرية تساهم في إعداد الأرضية الملائمة لانغراس مبادئ حقوق الإنسان في فضائنا الفكري والسياسي بشكل أفضل.



#حازم_نهار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخارج و السلطة يحدّدان معنى -الوطنية-
- قصة إعلان دمشق
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 8 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 7 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 6 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-5 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 4 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-3 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 2 من 8
- تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 1 من 8
- مؤتمر البعث: محاولات بائسة لضمان -الاستمرارية-
- منتدى الأتاسي طليقاَ
- سعد الله ونوس: من مسرح التسييس إلى مسرح المجتمع المدني
- على أبواب مؤتمر البعث: لا قدرة للمعارضة على تفكيك النظام
- هل يبقي البعث على صيغة - الجبهة الوطنية التقدمية - ؟
- مستقبل لبنان والعلاقات السورية - اللبنانية
- سعد الله ونوس : ملحمة صراع بين الحياة و الموت
- إشكالات حركة حقوق الإنسان في سورية و المنطقة العربية
- ملاحظات أولية للخروج من أزمة الأحزاب السياسية
- العرب والعولمة


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم نهار - خطاب -وطني- زائف في مواجهة حقوق الإنسان