أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .














المزيد.....

قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1429 - 2006 / 1 / 13 - 10:06
المحور: الادب والفن
    


القرى في الريف أمكنة تهدأ عندها تعقيدات الحياة . ولازلت أذكر قريتنا المسورة بجهل القراءة والكتابة والمليئة بضجيج الماشية وكوكوة الديكة وموسيقى نباح الكلاب في ليالي سماءها الصافية حيث تطرز النجوم شخير نهارات الحصاد أو صيد السمك أو جمع فضلات الخيول والأبقار لتجفيفها وقودا لشتاء لاينتهي إلا ويأخذ منا جمعا لا بأس به من الشيوخ والأطفال الرضع بسبب أمراضه القاسية وان الدولة لم تفكر بعد لتذكر قريتنا وتبني بها مركزا صحيا لهذا كان الشتاء في قريتنا عبارة عن طقوس من الدجل والأبخرة والحروز التي هي عبارة عن تمائم كتبت بها آيات قرآنية وبعض عظام مطحون لدجاجة بائسة أو نباتا ما يختاره من دون قصد وعلى عجل عراف القرية .
لازلت أتذكر هندسة بناء بيوت قريتنا وهي تلمع بخفوت الطين في مساءات المطر وقد تراصفت مع بعضها بتربيعات مرتبكة ومتشابكة حتى لتسمع حشرجة مضاجعات الليل المتعبة بين وجود هذا العالم المرمي في قدر يوم لا يتغير في تفاصيله ومواقيته منذ القرية السومرية الزراعية الأولى قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد .
مضاجعات تصعد فيها الحشرجات الغامضة بين البشر والقطط وذكورها والأبقار الشبقة مع الثيران النحيفة والدواجن وفحولها فيما كنا نحن الأطفال نخبئ خوف النباح بذاكرة البرد فتختبئ بين ثيابنا الخفية ولسعة اللذة الغريبة من هديل شهقات الأجساد المتلاصقة هواجس غامضة من رعب ودعاء أن تجئ شمس الصباح ليبدأ لنا طقسا من نهار صيد الزرازير والاختباء بين دايات الرز فيما تهجع الكلاب إلى سبات النهار وتتحول إلى حيوانات جبانة لا تمتلك في حنجرتها هيبة موسيقى الليل الذي نتخيل فيه نباحها وكان نيازك من صوت مجلجل يسقط على ارقنا ونحن لانفهم ما لذي يفعله آباؤنا في تلك الحشرجات التي تشبه صرير دواليب نواعير الماء عندما لا تدهن بالشحم أو الزيت . .
وفقنا الله وانتقلنا إلى المدينة بعد أن قرر أبي أن يتطوع في سلك الجندية بصنف المدفعية ، وكان عليه أن يفكر بأن يهجر حياة الفلاحة وينتقل متمدنا إلى المدينة وهناك حيث سكنا حيا فقيرا كانت الكلاب فيه تمثل العدد الأكبر من سكان الحي بعد البشر..
وكنت في ليالي الصيف حيث علينا النوم فوق السطح اجمع موسيقاها الغير متجانسة واخلطه بما بقي لي من ذكريات في تلك القرية التي لازالت حد هذه اللحظة تحفر بصمت بمعول العدم لتصنع يوما لليوم الذي يذهب حتي لا تحتفي قريتي بالمتغير فالحياة فيما هو أن تكون مع العشب أو قرب ضرع بقرة وغير ذلك يفكر احدهم في كل عام أن يصبح حاجا ولكنه غالبا ما يموت في طريق العودة أو الذهاب ولا ادري لماذا ؟ ..
نعم هناك فرق كبير بين موسيقى صوت كلب القرية وكلب المدينة . وطالما صنعت أرقا صيفا متعمدا لأكتشف هذا الفرق بعد أن توسعت مداركي ودخلت عالم القراءة والكتابة وأهداني صديق لي وأنا في الصف الرابع الابتدائي أول هاجس قص استمع إليه وانبهر به وكان ملخصاً لرواية فكتور هيجو البؤساء .
ولأني لم اكتشف الفرق من خلال اصغاءة أرق . قررت أن أفتش بنفسي عن الفرق ، وأذهب إلى الكلاب النابحة وهي تجوب شوارع الحي لأنصت إلى عمق ما تقول عندها ربما اكتشف الفرق وترتاح بعض مشاغلي التافهة أن اهتم بفوارق موسيقى نباح الكلاب .
وفعلا في منتصف ليلة ما جبت الشوارع وحيدا لأراقب الكلاب وهي تسير على الأرصفة وفي منتصف الشوارع وهي تطلق هديلها الليلي دون قصد ودون أهداف واضحة كما في كلاب القرى . ولكنني في نزهة الليل هذه اكتشفت سبب الفرق بين نباح كلب المدينة وكلب القرية حين رأيت بعضها يتصارع نباحا مع البعض الآخر من اجل كومة لحم مرمية في مزبلة .
اكتشفت إن الجوع هو السبب في جعل موسيقى النباح عند الكلاب مختلفة ، فلقد كانت كلاب قريتنا تنبح وهي قد تناول ما يرمى لها بانتظام من فتاة موائد البيوت الطين التي كانت لا تنسى أبدا إن لها حارسا وفياً يحتاج إلى طعامه كما وجبات البشر فيما كلاب المدينة لا يطعمها احد سوى المزابل حتى تضطر في بعض الأحيان إلى أكل الورق وقشور البرتقال لهذا يأتي نباحها مغايرا لنباح كلاب القرى وفيه نشاز واضح .

أور السومرية 12 كانون أول 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يضيف إلى عينيك الكحل غير أصابعي
- قصة قصيرة....أبي في متحف اللوفر...
- قصة قصيرة...شفتا صديقتي تكتب القبلات ببراعة
- قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي
- قصة قصيرة.. شارب دالي ودولة مالي وردود أفعالي .
- البصرة دمعة نخلة وتوابل قبلة خضراء
- قصة قصيرة ..البرتقال وام اولادي
- قبعة مكسيكية .. وموسيقى موزارتية .. وقصائد سريالية
- قصائد كتبتها نيابة عن أندريه بريتون
- عام مندائي آخر .. وسيغطيني النور برداءه الأبيض
- أمنيات 2006..العراق في حاضنة الورد وليس في حاضنة المفخخات
- قصة قصيرة ..الليل ومدونة القلب
- عام جديد .. رسالة حب وحبة كرز ودمعة قطة
- توصيف اللحظة الرومانسية
- الورد الكردي ..يرتدي القمر دمعة ، وطحين كيمياوي
- الكلمة ...الله ... المرأة
- عولمة .... أو لنقل الزمن الأمريكي
- أنا .. وطفولة وداعاً غوليساري
- دمع المطر يغسل أرصفة عينيك بموسيقى نحيب العشب
- شئ من موسيقى الذين ذهبوا


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .