أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد إشو - التسامح والدين















المزيد.....

التسامح والدين


محمد إشو

الحوار المتمدن-العدد: 5418 - 2017 / 1 / 31 - 22:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




يصر رجال الدين على ربط التسامح بدين من الأديان، فتجد آباء الكنيسة يؤكدون أن المسيحية هي دين التسامح والتعايش وهي التي تضمن التماسك الاجتماعي، وذلك بالاستناد إلى الإصحاح 22 من إنجيل لوقا (24-30) "ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين، وأما أنتم فلستم هكذا"، معناها أنتم لستم متسلطون بل متواضعين ومتسامحين، تسودكم المحبة، التي هي جزء من حب الرب. كذلك أحبار وحاخامات اليهود يجمعون أن الديانة اليهودية هي منبع التسامح والاختلاف، مستدلين بما ورد عندهم في التوراة، ومما يتواترونه من قصص أنبيائهم؛ :"لا تنتقم مما فعله الآخرين بك، ولا تذكر ابن شعبك بذلك، وأحب لغيرك كما تحب لنفسك" (تثنية الاشتراع 32-35). أما الفقهاء في الديانة الإسلامية إذا طلب منهم تلخيص الإسلام في كلمة واحدة للخصوه في كلمة "الإسلام دين التسامح"، مستشهدين بجملة من الآيات والأحاديث يكاد المرء يتيه بينها، لشدة اختلاف معانيها. نذكر منها الآية 13 من سورة الحجرات "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، ونذكر أيضا الآية 118 من سورة هود "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".
رغم الإيمان العميق الذي يوجد لدى أصحاب هذه الديانات من صحة ما يذكره "علماؤهم"، فإن ذلك في الواقع لم يكن إلا شعارات زائفة ليست ببعيدة عن الشعارات التي يتخذها السياسيون لتنميق صور بلدانهم والتي تتخذها الدول القوية لبسط سيطرتها على الدول الضعيفة؛ "كشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان" أو "شعار نشر الحضارة في صفوف الشعوب البربرية" (لاسكندر الأكبر مثلا) أو "شعار الفتوحات" ...
إنها شعارات اتخذها رجال الدين وسيلة لغزو العقول قصد تجميدها، ليجعلوا من الدين أمرا ضروريا على الشاكلة التي يريدونها، وإذا خالفت تلك الشاكلة اتهموك بالهرطقة والمروق والكفر... إلى غير ذلك من الألفاظ الخاصة بمعجمهم. لو كان التسامح منبعه الدين لضاع بين المذاهب والملل والنحل؛ فكيف نفسر وجود طوائف متناحرة داخل الدين الواحد، كل طائفة تكفر الأخرى، ألم تعلم هذه الطوائف أن دينها هو دين التسامح؟ وإذا سلمنا أن هذه الأديان هي أديان التسامح فما السبب في عدم توافقها؟ ما مصدر العنف الذي توظفه كل طائفة ضد أخرى؟ ألا تشرعن هذه الأديان للعنف كذلك (أكثر من شرعنتها للتسامح)؟
إن المسألة الوحيدة التي علينا الاعتراف بها للأديان هي أن الحروب التي خلقتها هذه الأديان كانت السبب الأول في اعتبار التسامح قيمة ضرورية ينبغي ترسيخها في ثقافة أي مجتمع لتجنب الصراعات الوهمية التي لا تجلب معها إلا الويلات للشعوب وتدمير الحضارة الإنسانية، وكانت كذلك السبب الجوهري في التفكير في جعل التسامح كقاعدة قانونية يخضع لها الجميع بدون استثناء ليعيشوا في سلام ووئام دائمين.
كانت الصراعات الدينية التي عرفتها أوروبا في فترة عصيبة بين الطائفة الكاثوليكية والطائفة البروتستانتية، الدافع الرئيس إلى وجوب نشر قيم التسامح والاختلاف، وجعلها من البنود الأساسية في دستور الدولة، في إطار دولة مدنية تضمن حقوق الجميع بغض النظر عن اعتقاده وطائفته. وقد شكل هذا التعديل منعطفا كبيرا في تحول المجتمع الأوروبي، وفتح أمامه آفاقا جديدة تتجاوز المنظورات الدينية الضيقة الوهمية. فرغم ما أعقب ذلك من ليبرالية أسست لنمط اجتماعي-اقتصادي مدمر، لكن يبقى ذلك التحول مهما. في هذا السياق تحديدا يقول جون لوك في رسالته المشهورة المعنونة ب"رسالة في التسامح" "إنه لأمر غريب عند الناس أن يكون المرء أعمى إلى الدرجة التي لا يرى فيها ضرورة التسامح ومزاياه في ضوء ساطع كهذا" ، ويضيف "إن خلاص النفوس من شأن الله وحده، ثم إن الله لم يفوض أحدا في أن يفرض على أي إنسان دينا معينا (...) وأن قوة الدين الحق كامنة في اقتناع العقل، أي كامنة في باطن الإنسان" .
واضح إذن التأسيس الفعلي لقيم التسامح، هذا التأسيس لا ينطلق من مرجعية دينية أو قومية أو سياسية، إنما منطلقه الأول هو المرجعية الإنسانية التي تتجاوز كل التحديدات المنغلقة، وتضع الجميع في حانة واحدة بغض النظر عن معتقده أو مذهبه أو حزبه أو جنسه، وتضمن له جميع حقوقه، وهذا ما نفهمه من عبارة جون لوك "لا يحق لشخص بأي حال من الأحوال أن يضر بممتلكات الغير المدنية ويدمرها بدعوى أن هذا الغير يؤمن بدين آخر أو يمارس شعائر أخرى (...) إذ ينبغي إضافة قاعدة العدالة إلى واجبات الإحسان والمحبة (...) وإذا انحرف أحد عن سواء السبيل فإنه هو الذي يضل ولن يصيبك أنت أي ضرر من ضلاله هو" .
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما السبيل إلى إدخال هذا النمط من التفكير إلى عقول الشعوب العربية؟
يبدو لي أن السبيل الأنجع –وليس الوحيد- هو المثقف، وذلك انطلاقا من انخراطه الفعلي داخل المجتمع، ويمرر رسائله الإنسانية للناشئة (عبر تنظيم ندوات، تأسيس جمعيات، المشاركة في المهرجانات...). صحيح أن الكتابة تعد من الوسائل المهمة لترسيخ قيمة من القيم العليا، لكن وحدها ليست كافية لبلوغ الهدف المنشود المتعلق بالوعي بالشروط الراهنة للمجتمع، من حيث هو مجتمع متعدد، أفراده ليسوا على شاكلة ونمط واحد، لأن الفئة التي تقرأ هي فئة في غالب الأحيان فئة تؤمن بالاختلاف، وتبقى فئة عريضة لازالت تسيطر عليها الأفكار الرجعية في أبهى تجلياتها. فالمثقف إذن ينتظره عمل مضني لكي ينضج الشروط، شروط التحول في أحشاء المجتمع "القديم"، ويجعل الأفراد يطرحون أسئلة يستطيعون الإجابة عنها .
لقد تبين أن الثورة السياسية لا تؤدي دائما إلى حدوث تغيرات على مستوى الذهنيات، فالحركة الفكرية كما أكد كانط (مقال ما الأنوار؟) تسير ببطء شديد، يمكن لثورة أن تغير نظاما سياسيا، لكن من الصعب أن تغير أساليب التفكير في المجتمع.
خلاصة:
إن الحديث عن التسامح لا يجب أن يكون مجرد كلام نستحضره كلما دعت الحاجة إليه، أي لا ينبغي أن يكون مناسباتيا، بل يقتضي الأمر أن يكون قانونا ثابتا في دستور الدولة، وهذه الدولة من المفروض أن تكون دولة مدنية تحفظ جميع الحقوق الطبيعية للإنسان؛ دولة ديمقراطية تضم جميع المكونات والطوائف؛ دولة تكون بالمرصاد لكل من يحاول إعادة إنتاج الفكر العبودي.



الكاتب: محمد إشو
باحث بمركز الدراسات الرشدية بكلية الآداب ظهر المهراز فاس-المغرب
أستاذ مادة الفلسفة
تحية خالصة للطاقم وللباحثين المتميزين المشرفين على "الحوار المتمدن"



#محمد_إشو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد إشو - التسامح والدين