أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14















المزيد.....



محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14


موفق كمال قنبر وفي

الحوار المتمدن-العدد: 5416 - 2017 / 1 / 29 - 20:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14
د. موفق كمال قنبر وفي

المحادثة الرابعة عشر:

أخبرت صديقي بأكمالي المحاضرة التي وعدت بها فاتصل بالاصدقاء وتواعدنا على اللقاء المعهود في مقهى الشابندر في العاشرة من يوم الجمعة المصادف 15/1/2017. جاءني صديقي ذلك اليوم وبصحبته الشابين سمير وقيس وعندما وصلنا الى المقهى كان في استقبالنا كلِ من الاستاذان محمد وبهنام والسيدان خالد وحسين. جرى حديث قصير عن الجو البارد في بغداد تلك الايام بينما كنّا نتهيأ للجلوس في مكاننا المعتاد وبينما ناديت على عامل المقهى لأحضار الشايات ثم بدأت المحاضرة بالقول: سوف اتحدث اليوم عن احد الاديان التوحيدية ... الا وهو الدين اليهودي وذلك للاسباب التالية ... اولاً الدين اليهودي هو اصل الاديان التوحيدية وموضوعه يستحق الاهتمام وبعض التفصيل في نشوءه وتطوره ... فمن دون هذا التفصيل الذي سوف يغطي الجزء الاول والثاني من المحاضرة سوف لا نتمكن من الفهم الصحيح للأديان التوحيدية التي تلته ... اي المسيحية والأسلام ... سيكون موضوع المحاضرة التاليه عن المسيحية واهم الاديان الاخرى التي تواجدت في العراق.
قاطعني السيد خالد: ولماذا لا تتحدث عن الاسلام ايضاً ... أليس الاسلام اجدى بالتوحيد الخالص من اليهودية والمسيحية؟
قلت: كلامك صحيح ... الموضوع حول الاسلام مهم جداً في ظل الاوضاع الحالية ولذلك هو يحتاج الى محاضرة خاصة مقبلة بعد هاتين المحاضرتين ، أومأ السيد خالد برأسه بالقبول فتابعت الحديث ،... دراستي للاديان هي دراسة تاريخية وموضوعية قدر الامكان ... فالأديان هي جزء لا يتجزء من الحضارت الانساية المتعاقبة ، وتدعّم الحضارة الجديدة الناشئة وجودها بالاخذ من الحضارة الافلة فالمعتقد الديني يأخذ قليلاً او كثيراً من مقومات وجوده من فكر واديان الحضارات التي تعايش بينها. فاليهودية اخذت اهم مقومات تشريعاتها وقصصها الدينية من اديان وتراث حضارة وادي النيل ووادي الرافدين والديانة الزرادشتية ، واخذت المسيحية من اليهودية ومن الفكر العرفاني السائد ورفضت الكثير من التشريعات اليهودية و
فأستقلّت كدين جديد ولكنها ما لبثت ان ادمجت العهد القديم اليهودي بالعهد الجديد المسيحي. وقد اُعتبر الدين الاسلامي تواصلاً مع اليهودية والمسيحية فاخذ من اليهودية الكثير ومن النصرانية وفكر احناف الجزيرة العربية ايضاً.
إن تسمية الاديان التوحيدية الذي يطلق على اليهودية والمسيحية والاسلام مرافقة لتسمية الاديان الابراهيمية ايضاً ... فما يجمع هذه الاديان هو الايمان باله واحد خالق للوجود ، كُليّ القدرة والمعرفة ، والقول بأنحدارهم من جد مشترك هو النبي ابراهيم ، والقول بأن الأله الواحد يرسل الانبياء ليهدوا الناس الى عبادته وشرائعه الواجب اتباعها لينالوا رضاه وثوابهم الجنة الموعودة في حياة الاخرة وللمشركين والكافرين به وبشرائعه عقاب جهنم وبئس المصير ... اود القول وقبل ان ابدأ بالحديث عن اليهودية بأن نتيجة بحثي يخالف جذرياً الكثير من العقائد الدينية في الاديان التوحيدية ... فأرجو ان تتقبلوا مني ما سوف اقول بروح رياضية ولكم ان ترفضوه ... كلّه او جزء منه وتجادلوني بالمنطق والدلائل التاريخية وسوف اتقبّل كل ما أجده صحيحاً من اقوالكم ، ساد وجوم على وجوه المستمعين ولكني لم اجد إعتراضاً على ما ذكرته فتابعت: الحديث عن اليهودية فيه تفصيل كبير فهو الأصل في الاديان التوحيدية الابراهيمية ...

فالديانة اليهودية هي عقيدة دينية تُنسب الى معتنقيها في مقاطعة يهودا في فلسطين ... وقد نشأت في رحم عشيرة جوّالة بين الامم والحضارات العريقة الأكدية والكنعانية والبابلية والفرعونية. وهي تمتُّ بأصولها العرقية واللغوية الى شعوب تلك الحضارات التي كانت قد هاجرت على مر السنين من الجزيرة العربية واستقرت في وادي الرافدين وفي سوريا وفلسطين وفي دلتا نهر النيل ... تكامل الدين اليهودي على مدي ما يقارب الالفي سنة وسُطّرت نصوصه الدينية المقدسة في "التَناخ" ما بين سنة 1400 ق م وسنة 300 ق م. ويتكون التناخ من "التوراة" التي تحوي الاسفار الخمسة و "النڤيئيم" (اي الأنبياء) ويحوي قصص ومآثر الانبياء و"الكيتوڤيم" اي الكتب ويحوي الأدبيات اليهودية. وهنالك كتب اخرى مكمّلة ... فهناك مجموعة من الاشعار والاناشيد نسميها بالعربية بمزامير داوود ومجموعة من كتابات لرؤساء الطائفة اليهودية (الحاخامات) ... وهناك ايضا كتابات "القبالاه" التي تشابه في مضمونها وتحاكي ما يقابلها في التصوف الاسلامي ، فقد ظهرت بعد نشأة التصوف الاسلامي وتأثرت به.
علّق صديقي: قرأت عن القبالاه او الكابالا بالعبرية في الوكبيديا وفيها فكر عرفاني وطقوس واستدال على ما خفى بقراءة الارقام.
قلت: هذا يسمى بعلم الجفر في المعتقد الاسلامي ... فهو لغة باطنية بحيث اصبح لكل حرف وكلمة ورقم وحتى للهجة الكلمات معاني باطنية تشرح الابعاد الروحانية.
تساءل السيد حسين: كم عدد اليهود في العالم؟
قلت: حوالي 14 مليون نسمة منهم حوالي 6 ملايين في اسرائيل واكثر من 5 ملايين في الولايات المتحدة الامريكية والباقي موزعين بين عدة بلدان اوربية وكندا وجنوب أميركا ... امّا سبب عدم كثرتهم في العالم فيرجع بصورة رئيسة الى ان الدين اليهودي غير تبشيري.
واصلت حديثي: تعكس التوراة دين وتراث شعب لا زال في طور بدائي يمثل طفولة الوعي الاجتماعي ، فهو تراث قبيلة جوّاله خرجت لتوها من طور المشاعة البدائية الامومي الى القبلية والمجتمع الابوي وعاشت على اطراف حضارات عريقة فأستلهمت منها ودمجت الكثير من فكر دياناتها وتراث ثقافاتها في ديانتها الخاصة.
سأل السيد حسين: وما هي المشاعة البدائية استاذ؟
قلت: سبق ان شرحتها في محاضرة سابقة وسوف الخّص اهم مقوماتها للذين لم يكونوا حاضرين تلك المحاضرة او نسوا مضمونها ... المشاعة البدائية هي اول شكل للنظام الاجتماعي المكون من مجموعة صغيرة من البشر المعتمدين في معيشتهم على ما تمدّهم به الطبيعة من نباتات برية وصيد ولا توجد فيها ملكية خاصة فهي مشاعة بين جميع افرادها وتتغلّب فيها سلطة المرأة على سلطة الرجل ...
ردد الاستاذ بهنام ضاحكاً: يعني هذه الحالة موجودة الان في بيتي ... مرتي صاحبة السلطة وماكو ملكية خاصة.
قلت: نرجع الى صلب الموضوع ... كأي مجتمع قبلي فأن قرابة الدم عند القبيلة العبرية ذات اهمّية قصوى ولذلك سطرّت في كتبها المقدسة انساب اجدادها وفروع عشائرها وتاريخها الاسطوري ، وسجّلت فيها ايضاً غيرتهم ونقمتهم الطفولية على مضيفيهم الذين استضافوهم اثناء حطّهم في مرابعهم وترحالهم ، وامانيهم بالجاه والسلطة بعد تحقيق وعد رب قبيلتهم بالاستيلاء على املاكهم. وقد اثارت فترة السبي اليهودي في بابل (565 ق م) مخاوف اندثارهم بين شعوب ارقى منهم فدوّنوا في التوراة وكتب مقدسة اخرى انسابهم وتاريخهم الاسطوري وأضافوا إلى معتقداتهم البدائية القديمة تراث الشعوب التي تعايشوا معها ونسبوه الى تراثهم ... مع بعض التحويرات التي تناسب مقاصدهم. وبعد فترة السبي البابلي فضّل الكثير منهم البقاء على ارض العراق ورجع قسم اخر منهم الى ارض فلسطين ليستكملوا عملية التدوين الى ما قبل نشوء المسيحية وانتشارها. يبدأ تاريخ اليهودية حسب التوراة بهجرة النبي ابراهيم من موطنه الاصلي وتنقله بين البلدان. ولقد تطور الدين اليهودي من بدايات وثنية ممزوجة بأساطير الامم التي تعايش العبريين معها ولكن حقبة النبي موسى تعتبر فترة تأسيس لدين متميز عن باقي الاديان استتبت فيه عقيدة التوحيد الخالصة وارسيت فيه التشريعات الدينية الاساسية حتى تكامله في الثلاثمئة سنة التي سبقت ظهور المسيح ، في ظل الثقافة والفلسفة اليونانية والعرفانية التي تركت تأثيرها الانساني فى كتابات اللاهوتين المتأخرين ... تكاد لا تخلوا صفحة من التوراة من الاساطير المستلهمة من الشعوب التي تعايش معها اليهود وهم في اطوار تكوينهم الاجتماعي ... ومن تلك الاساطير قصة الخليقة وخلق الانسان (ادم وحواء) والطوفان وكذلك قصة موسى في مصر واللعنات العشرة التي حلت بفرعون مصر وقومه.
تساءل قيس: وما هي اللعنات العشرة استاذ؟
قلت: هي الكوارث العشرة التي احلها الله بقوم مصر وذلك لنصرة قوم النبي موسى ... تحول الماء الى دم في النهر وموت الاحياء المائية ، مطر من الضفادع ، تكاثر وهجوم الذباب والبعوض ، مرض المواشي وموتها ، دمامل لا تندمل ، عواصف ثلجية ورعود ، هجوم للجراد الذي يأكل الزرع ، ظلام في النهار. هذه المصائب حسب التوراة طالت كل من لم يضع علامة الرب على عتبة داره فيموت له المولود الاول من بنيه ومن حيواناته ...
تابعت حديثي: ليس من الصعب على الباحث الانثربولوجي والاجتماعي ان يرى من خلال مدونات كتب اليهود المقدسة وعلى راسها التوراة شواهد كثيرة على الانتقال من مجتمع المشاعة البدائية الامومي الى المجتمع القبلي الابوي الذي توطدت فيه الملكية الخاصة وهيمنة الاب على الام والعائلة.
قاطعني السيد حسين بالقول: وقياسا على هذا الاجتهاد فأن الدين الاسلامي يمثل انتقالا من مجتمع القبيلة الى مجتمع المدنية ممثلا بالهجرة والاستقرار في يثرب التي تحول اسمها الى المدينة وتحولت القبلية الى اُمّة انصهرت فيها القبائل وتربطها العقيدة الدينية بدل العصبية القبلية ... ان الذي يراجع التاريخ الاسلامي يلاحظ عدم نجاح التحول من القبيلة الى الامة فقد حدث الانتكاس حتي ايام النبي ولكن مفهوم الامة الاسلامية برز من خلال الامبراطوريات الاسلامية المتعاقبة وفي قلبها القبلية ممثلة بالخلافات العربية القريشيّة ومن ثم الغير عربية العثمانية والصفوية.
قلت: هذا تحليل جيّد ولكنه سابق لأوانه ... لعلنا نناقشه في موضوع الاسلام ، تابعت حديثي: قلت سابقاً ان الدين اليهودي ولد في قبيلة جوّالة غريبة بين الامم التي حلت بينها لفترة زمنية قد تطول ولكن لتواصل مسيرتها. وحتى لمّا سنحت الفرص التاريخية لتكوين كيانات يمكن اعتبارها بدايات نشوء دولة مستقلة مثل اسرائيل والسامرة فأن ألظروف التاريخية لم تسمح لها بتطوير مدنية راقية تعكس ثقافتها في شرائعها الدينية فقد سحقت هذه الدويلات الناشئة بجبروت الامبراطوريات التي سادت المنطقة (الاشورية والبابلية والحتّتية والرومانية). ولقد استمر بعدها الكيان اليهودي الذي استقر في فلسطين مستعمرة تحت قبضة هذه الامبراطوريات المتسلطة التي كان اخرها هيمنة الامبراطورية الرومانية على فلسطين والشام. وعليه فأن الطبيعة القبلية كانت قد اصبحت جزءاً من التراث اليهودي تحث عليه التوراة وتؤيده اليوم فئة من اليهود الاصوليين الذين يعتبرون نشوء دولة اسرائيل خروجاً على الدين لأن اليهود سيبقون غرباء بين الامم حتى يوم رجوعهم الى ارض الميعاد ، وذلك يوم ان يظهر المسيح الحقيقي (حسب اعتقادهم) ليبدأ معركة القيامة الفاصلة مع الشيطان في هرمجدّون فينتصر على الشر ويقيم دولة العدل وليعيش اليهود الاوفياء لعهد ربّهم فيها الى الابد.
قال صديقي: مع احترامي لمعتقداتكم الدينية ولكن هذا يدل على مصدر الاعتقاد السائد بين المسلمين حول المهدي المنتظر الذي سيأتي آخر الزمان ليقيم دولة العدل على الارض ... هذا اعتقاد يناسب الناس المظلومين اللذين لا حول لهم ولا قوّة وهو قديم قدم الحضارة ... المهدي المنتظر عند الشعوب القديمة هو المخلّص ... عند البابليين هو تمّوز الذي يأتي كل ربيع ... وعند اليهود هو المسيح المنتظر ... وعندما جاء نبي يقول لهم انا المسيح المنتظر لم يصدقوه وصلبوه ... انا أقصد يهود ذلك الزمان فقط فمن الخطأ ان نلوم عامة اليهود عما فعله اجدادهم.
تابعت حديثي: ... هناك مفكرون يهود كبار منهم البروفيسور شلومو ساند استاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل ابيب ... فهو يشكك في كتابه "كيف أٌخترع الشعب اليهودي" بمفهوم الشعب اليهودي والامة اليهودية فيوثق في عمله الاكاديمي ظهور مفهوم الشعب اليهودي في اوربا القرن التاسع عشر اثر تصاعد موجة المشاعر القومية انذاك.
سأل الاستاذ بهنام: انا اعرف ان اليهودية مقتصرة على الانحدار من ام يهودية وبما أنهم من الاقوام التي انحدرت من شبه الجزيرة مثلنا فأنا لا أفهم كيف ان فيهم من له شكل اوربي ... عيون زرقاء وشعر اشقر ... او مثل يهود الفلاشا السود ؟
قلـت: يظهر ان الدين اليهودي كان قد مر بمرحلة تبشيرية فتواجدت تجمعات تحولت الى اليهودية ... فهناك يهود اليمن (الدولة الحميرية) واثيوبيا وهناك يهود شمال افريقيا واوربا وروسيا (يهود الخزر). فيبدو ان التشريع الذي يقصر اليهود على المنحدرين من ام يهودية فقط اقتصر على الراجعين الى فلسطين بعد فترة السبي البابلي وذلك كرد فعل مبالغ به لتأكيد الهوية اليهودية المغلقة على الغير ...
تابعت حديثي: تنبؤنا التوراة بسلالة من صلب النبي ابرام وزوجته ساراي ، هو في القران النبي ابراهيم وزوجته سارة ، وألانبياء اسحق ويعقوب والتالين من الانبياء والقضاة والحكّام الذين اسسوا للدين اليهودي وطقوسه. وقد اصبح من المتعارف عليه اطلاق اسم "ساميين" (وهواسم مأخوذ من سام ابن نوح جد النبي ابراهيم) على الاقوام التي تنطق بلغات عدة من عائلة واحدة ومن جملتها اللغة العربية. ولقد رُفضت هذه التسمية من قبل الكثير من الباحثين ... ولكني استخدمته في القسم الاول من المحاضرة ولعل من الافضل تسمية تلك الاقوام بالاقوام النازحة من شبه الجزيرة.
قال الاستاذ بهنام: من سلالة انبياء اليهود كان المسيح عيسى ابن مريم البتول الذي لم تعترف بنبوته اليهودية بل حرّضت على صلبه.
قال صديقي: ونبي الاسلام الذي لم تعترف بنبوته اليهودية والمسيحية ، ولكن ضرورات الواقع العملي والتعايش السلمي فرضت اعترافاً ضمنياً غير مكتوب بين الاديان الثلاثة وبحقوق ممارساتها لشعائرها الدينية. فلقد كان هناك تسامح ديني كبير بين الاديان تخللته فترات قصيرة من التعسف ضد الاقليات الدينية في ظل الامبراطوريات الاسلامية المتوالية في اسيا وشمال افريقيا.
واصلت حديثي: تقول الرواية المأخوذة من النص التوراتي ادناه ، والتي ايّدها الباحث الاثاري شارلز وولي (Sir Charles Wooly) سنة 1927 ، انه في حوالي سنة 1700 ق م هاجرت عشيرة صغيرة يرأسها تارح ابو ابرام (وهو في النص القراآني آزر ابو ابراهيم) من مدينة اور على نهر الفرات جنوب العراق الى ارض كنعان (فلسطين) ، وقد آلت رئاسة العشيرة الصغيرة الى ابرام عند وفاة والده تارح في ارض حاران.
وأخذ تارح ابرام ابنه ولوطا ابن هاران ابن ابنه وساراي كنّته امرأة ابرام ابنه
فخرجوا معا من اور الكلدانيين ليذهبوا الى ارض كنعان
فأتوا الى حاران واقاموا هناك ومات تارح في حاران
تكوين: 11: 31 – 33

وتمشياً مع التفسير اعلاه فأن تسمية "عبري" و"عبريين" قد يكون اسماً اطلق في غابر الزمان على الذين عبروا نهر الفرات واستقروا في ارض فلسطين.
قال الاستاذ محمد: انا لا اجد في اصل التسمية مشكلة فلا زال عرب الجنوب يسمّون الناس الذين يمرون بقراهم عبرّية.
قلت: هذا كلام معقول ... اما اسم النبي ابراهيم وهو عند العبريين إبرام ففي تقديري هو في الاصل عبرام (الذي عبر) بلهجة بعض القبائل التي تبدل الألف بالعين ، فمن الواضح ان الهمزة تحت امتداد حرف الالف في اللغة العربية هي عين مصغّرة. وقد يكون (كما أعتقد) الاسم "ابراهيم" هو اسم تعظيم على وزن مفردة إله وجمعها إلوهيم باللغة العبرية ... ولكن هناك رأيا قديما يستحق اهتمامنا يخالف ما ورد اعلاه عن نزوح ابرام من ارض الكلدانيين جاء به د. سيد القمني مدعوماً بأدلة استقاها من عدّة مصادر وذلك في كتابة الموسوم "النبي ابراهيم". فكلمة اور باللغة الكلدانية والارامية القديمة تعني مدينة وقد اُطلقت دلالة على عدة مدن مثل اورشليم (مدينة السلام) في فلسطين واوروك في جنوب العراق واور اوتو في ارمينيا. ويبدو ان خطأ مقصودً في ترجمة التوراة من لغتها الارامية التي كتبت بها اولاً الى الأغريقية في حوالي القرن الرابع ميلادي ادّت الى ابدال الاصل (اور كسديم) بأور الكلدانيين.
سأل سمير: ولماذا خطأ مقصود ... كيف يكون ذلك؟
قلت: لعل المترجمون حاروا في مصدر كلمة كسديم فحوروها الى الكلدانيين ... وبما ان اور كسديم ومنطقة حاران وكنعان تقع على الجهة الغربية من نهر الفرات فلا داعي لعبور النهر للوصول الى حاران ومن ثم الى كنعان. ان النص التوراتي الاتي يظهر ان اصل عشيرة ابرام هو من منطقة حاران.

فأتوا حاران واقامواهناك ومات تارح في حاران وقال
الرب لابرام اذهب من ارضك وعشيرتك ومن بيت ابيك
الى ارض التي اريك ، فأجعلك امة عظيمة واباركك
واعظم اسمك وتكون بركة فأخذ ابرام ساراي امرأته
ولوطا ابن اخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس
التي امتلكا في حاران وخرجوا ليذهبوا الى ارض كنعان
تكوين: 11 : 31 ، 12 : 1 – 5

وبطريقة الاستدلال من التاريخ القديم للمنطقة المحيطة بكنعان والابدال اللفضي يستدل القمني على ان اور كسديم هي عينها اور ارتو في ارمينيا. ولعل ذكر التوراة لجبال ارارات كموقع لرسو سفينة نوح ومن ثم اتخاذ نوح (وهو جد ابراهيم) له فيها سكناً وفلاحته لارضها ما يؤيد الرأي اعلاه. ويقول القمني في الصفحة 53 من كتابه "وهكذا يتضح ان العشيرة الابراهيمية واردة على المنطقة من جنوب ارمينيا وقد وصفت التوراة ابراهيم (عليه السلام) بانه رجل ارامي واقر التراث الاسلامي انه ليس من ابناء الجنس العربي وانه ليس عربيا. قال ابن هشام في السيرة: ان لسانه كان سريانيا (لسان شمالي بلاد الشام) ولكنه عندما عبر نهر الاردن الى كنعان حول الله لسانه الى اللغة العبرانية". ويستطرد القمني في صفحة 59 "والمعروف ان القحطانيين هم من سكان جنوب الجزيرة العربية اصلا وهم الذين انتشروا في الجزيرة بأسم العرب العاربة ، اي الراسخة في العروبية ، اما العرب الاسماعيلية فهم العرب العدنانية وهم العرب المستعربة ، اي لم يكونوا عربا انما اكتسبوا العروبية وسكنوا شمال الجزيرة وامتدادها مع بادية الشام نحو الشمال على الخط القادم من الموطن الذي إفترضناه موطنا اول أولاً للعشيرة الابراهيمية". وتكون بذلك مسيرة النبي ابراهيم ورهطه الذين كانوا على دين الاله إيل من اور ارتو الى حاران ومن ثم الى كنعان ومنها الى مصر.
قال صديقي: ... هنالك رأي يرجع اشتقاق كلمة الله الى كلمة إيل ، فأن إيل اوإل يلفظ في لهجات محلية اخري عل وعال وعالي فهو يرمز الى رب السماء. ثم تحولت كلمة إل الى إله وعند ادخال اداة التعريف ال تصبح الكلمة الله مع تعظيم حرف اللام الوسطي.
قال السيد خالد: انا اشكك في ما تقول فقد عرف العرب كلمة الله ومدلولها الاله الواحد الاحد قبل الاسلام.
قلت: ... هذا جائز ... لاحظ ان رب العبريين انذاك هو نفس إله السماء عند الكنعانيين إيل ولم يصبح ربهم يهوه حتي فترة ما بعد عهد النبي موسى ... ولعلنا نلمس نمط الفكر الابوي في تصور الاله في التوراة ... فهو الاب ورب الاسرة العبرية ، وهو رب يغار ويحب ويكره ويقسوعلى اولاده حيناً ويكافئهم حين يتيقن من طاعتهم المطلقة له ، وهو اله ينصر عشيرته سواء كانت على حق ام على باطل ويفضلها على كل الخلق. ولعل الشعور بالدونية وسط شعوب حضارات عريقة اقوى واكثر رقيا كان دافعا لتصريحات ربانية متعددة على لسان انبيائهم بأنهم شعب الله المختار وتمنّيهم بنصر مبين واكثارٍ لذريتهم وسيادتهم على اعدائهم.

وَلَمْ يُفَضِّلْكُمُ الرَّبُّ وَيَتَخَيَّرْكُمْ لأَنَّكُمْ أَكْثَرُ عَدَداً مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، فَأَنْتُمْ أَقَلُّ الأُمَمِ عَدَداً. بَلْ مِنْ مَحَبَّتِهِ ، وَحِفَاظاً عَلَى الْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ لِآبَائِكُمْ ، أَخْرَجَكُمْ بِقُوَّةٍ فَائِقَةٍ ، وَفَدَاكُمْ مِنْ نِيرِ عُبُودِيَّةِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ
تثنية7/7

قال السيد خالد: القرأن لا ينكر ان من اليهود شعب الله المفضّل ففي سورة البقرة "يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" ، ولكنه يخص بذلك بني اسرائيل اي يهود اسرائيل التاريخية التي زالت. ويعتبر القرأن انبياء اليهود والنصارى مسلمين بمعنى تسليمهم واستسلامهم للواحد الجبار وبذلك تشمل امة المسلمين اليهود والنصارى ممن يتبعون انبيائهم الموحدين لله. ويخاطب الله في القرأن ماضي امة الاسلام بصفة التفضيل لكونها كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ".
أكملت حديثي: ... يبدو ان اليهودية كانت في بدايتها دين العبريين المنغلق على نفسه ثم اصبحت لفترة غير منغلقة كما بينت سابقاً ولكن النبي عزرا الكاتب الذي كان في بابل عزز هذا الانغلاق بعد انعتاق اليهود من السبي ورجوعه مع قسم من يهود السبي الى ارض فلسطين ، فاصبح ذلك تشريعاً يحرم فيه زواج اليهودي بأجنبية ... ان الانتساب الى الام يعزز القول بأن نشأة الدين اليهودي في عشيرة عبرية خرجت منذ امد ليس بالبعيد من طور المشاعة البدائية فاستمرت فيها بعض القيم القديمة مثل الانتساب الى الام ، فالانتساب الى اليهودية مشروط بالولادة من ام يهودية وهو ما يفسر هذا الشرط الغريب ، فالدين بصورة عامة ايمان بفكر معين لا يشترط الانتماء الى عرق معيّن. وفي النصوص التوراتية ادناه دليل على ان أنبياءهم الاباء الاولين يحرمون الزواج من خارج جنسهم.

وشاخ ابراهيم وتقدم في الايام وبارك الرب ابراهيم في كل شئ
وقال ابراهيم لعبده كبير بيته: ضع يدك تحت فخذي
فأستحلفك بالرب اله السماء والارض الا تأخذ زوجة
لأبني من بنات الكنعانيين الذين انا ساكن بينهم بل الى
ارضي وعشيرتي تذهب وتأخد زوجة لابني اسحق
تكوين: 24 : 1 – 4

قال صديقي: لا يقبل اليهود الاصوليون بيهودية الوليد الا اذا كان من ام يهودية ولكن مجددي اليهودية ولاسباب عملية اصبحوا يقبلون التهوّد بعد المرور بفترة يختبر فيها ايمان المستهود بالاله الواحد وتنفيذه للوصايا التوراتية بكاملها وبذلك تم استيعاب اعداد كبيرة من يهود الاتحاد السوفيتي السابق الذين لا يعترف بيهوديتهم في اسرائيل.
تابعت حديثي: ... تبرز في ثنايا التوراة القيم الجديدة في اطوارها الاولى الانانية الفجة والقاسية في كثير من الاحيان ، لأن سعي رب العائلة العبرية (ابرام) المحموم لزيادة ملكيته الخاصة من اماء وعبيد ومال ومواشي لا يقف عند الاعمال التي اقل ما يقال عنها أنها جبانة وخسيسة. فهو يستهلّها بقوادته على زوجته الجميلة ساراي غير مبالٍ بتعريض طهارة النسل العبري للتدنيس بدماء اجنبية. بل ان رب ابرام يؤيد عبده المدلل ويعاقب الفرعون الذي اتخذ من ساراي زوجة له بالرغم من نبل اخلاق وتسامح الفرعون كما يتضح من المقطع التوراتي ادناه.

وحدث لما قرب ان يدخل الى مصر انه قال لساراي امرأته: اني قد علمت انك امرأة حسنة المنظر فيكون اذا رآك المصريون انهم يقولون: هذه امراته فيقتلوني ويستبقوك ، قولي: انك اختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من اجلك. فحدث لما دخل ابرام بها الى مصر ان المصريين رأوا المراة انها حسنة جداً ورءاها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة الى بيت فرعون فصنع لابرام خيرا بسببها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء واتن وجمال. فضرب الله فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امراة ابرام فدعا فرعون ابرام وقال له: ماهذا الذي صنعت بي؟ لماذا لم تخبرني انها امرأتك؟ لماذا قلت لي هي اختي حتى اخذتها لتكون زوجتي؟
تكوين: 12 :1 – 19

ويكرر ابرام فعل القوادة على زوجته وادعاء انها اخته مع ابيماك ملك جرارالفلسطينية عندما دخل ارض فلسطين راجعاً من مصر. وكما جازى الفرعون النبيل ابرام جازى ابيماك ابرام بخير كثير فأقطعه ارضا وملّكه بئراً كان ابرام قد حفرها وعقد معه معاهدة عدم اعتداء متبادل مدى الدهر شاهدُها سبع نعاج اعطاها له بجوار البئر، الذي سمي ببئر سبع.
قال السيد حسين: هذا كلام مقرف عن نبي الله ابراهيم ولا يعقل ان يتصرف ابو الانبياء بهذا الشكل... قصص الانباء في القران خالية من هذه الترهات.
قلت: هذا هو ما موجود في التوراة وبأمكانك الاطلاع علية ... إذن لنقل ان القران هذّب قصص الانبياء التي ورثها عن اليهودية.
قال الاستاذ بهنام: هذا ما موجود في التوراة فعلاً وقد قام الكثير من انبياء التوراة بافعال واعمال مشينة ... خذ مثلاً النبي لوط الذي خرج مع اهلة من مدينتة التي اشتد فيها الفساد وممارسة اللواط المحرّم ولكنه ، أكمل الاستاذ بهنام كلامة بعد تردده للحظات ،... يفعل الفعلة الشنيعة مع بناته ... ثم يتبرأ من ابنه الاكبر لأنه رأى عورة ابيه وهو عاري! ... المسيح والمسيحية الحقّة براء من هذه المفاسد.
ردد السيدان خالد وحسين والاستاذ محمد اعوذ بالله اعوذ بالله بينما اتسعت حدقتى عيون سمير وقيس في ذهول.
تابعت حديثي: تُظهر التشريعات التورآتية قيم المجتمع الابوي فمفاهيم العفّة وممارسة الجنس محصور في نطاق الزوجية ... وكذلك فأن مكانة المرأة قد تدنّت وأصبحت ملك خاص للرجل وحاضنة لانجاب اطفاله وتربيتهم. فالتشريعات اليهودية المستلهمة من قوانين حمورابي تحرّم المعاشرة الجنسية خارج نطاق الزوجية كما هو مبين في الوصية التوراتية السابعة والعاشرة.

لا يكن لك آلهة أخر غيري
لا تصنع تمثالا منحوتا ولا صورة لما هو موجود في الجنة
لا تقسم باسم الرب باطلاً، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً
تذكر يوم السبت وإجعله مقدساً
أكرم أباك و أمك
لا تقتل
لا تزن
لا تسرق
لا تشهد علي قريبك شهادة زور
لا تشته زوجة جارك
سفر الخروج وسفر التثنية

عقّب الاستاذ بهنام: وفي العهد القديم ، اي التوراة ، يكون العقاب شديدا في حالة ألزنى وخصوصا على المرأة للمحافظة على بكارتها قبل الزواج وعفتها بعده.
رد صديقي بأستهزاء: عدى أنبيائهم فلا يطالهم العقاب مهما فعلوا ... الله يحبّهم!
تابعت حديثي: قلت ان اليهودية في بداية امرها لم تكن دينا توحيديا بل خالطتها كثير من المعتقدات الوثنية لشعوب المنطقة التي سكنت بينها الى حين ، ولعل النبي موسى هو الذي وطّد التوحيد والتشريعات الاولى التي ميزت اليهودية عن باقي الاديان الوثنية ... ففي كنعان كان إله اليهود هو ايل وفي عهد النبي موسى كان الههم هو الاله الواحد أتون او ادون ... وأتون هو الاله الذي نادى به الفرعون الموحد اخناتون حيث تظهر اثاره في النص التوراتي الغريب ادناه.

"اصغي يا أسرائيل ، ادونَي إلهنا ، إلهنا واحد"

وجدت هذا النص المترجم عن الاصل الارامي في كتاب سيجمند فرويد "موسى و التوحيد" ... ادون او
ادوني ، ويلفظ بالأغريقية ادونيس ، كان يعبد في شمال الشام هو نفسه الاله أتون المصري الذي يمثل القوة الخفية وراء اشعة الشمس لاله لايرى بالعين بعد ان اعتنق الفرعون المصري امنحوتب الرابع تلك الديانة وغيّر اسمه الى اخن-اتون او اخناتون.
سأل السيد خالد: فمتى اصبح الههم "يَهَوَه"؟
قلت: اصبح اله القبيلة العبرية يهوه في عهد النبي هارون اخو النبي موسى ... ويهوة هو اله وثني للبراكين جُرّد من صفاته الوثنية السابقة ليحل محله اله التوحيد ادوني بعد اندماج العبريين النازحبن من مصر ببني جلدتهم الذين كانو يعبدون يهوة في سيناء ، وسنشرح ذلك بتفصيل اوسع في الفقرة التالية المعنونة "قصة النبي موسى" ... ان الذي يدرس تاريخ تطور الدين اليهودي يرى ان صورة الاله قد تطورت من اله وثني (نصف اله ونصف بشر) يصارع التنين وينتصر عليه الى اله محدود الصفات فهو ليس الخالق الاول والاوحد وقواه ومعرفته محدودة ، الى اله وخالق اوحد كلي القدرة والمعرفة ... ويلاحظ ايضا تأثير الطقوس الوثنية عليه مثل تقديم الاضاحي للاله المتعطش لرائحة الدم والشواء ونلاحظ ايضا تأثير الطقوس المصرية في تحنيط الموتي في ما تذكره التوراة من تحنيط النبي يعقوب والنبي يوسف بعد موتهم.
قال السيد خالد: يصف القران اليهود بأنهم اهل الكتاب وانهم شعب الله المختار ولكنهم خانوا العهود واستحقوا ان يمسخوا قروداً ... خذ مثلاً الاية "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين".
قال الاستاذ بهنام: علمت ان القرأن في اية ما يصف المسيحيين بكونهم خنازير ...
قال صديقي : الاية هي "قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنة الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، اولئك شر مكانا وأضلٌ عن سواء السبيل".
قلت: لا ارى ان المقصود بهذه الايات عامة اليهود والمسيحيين بل هي كما أظن تشير الى اليهود والنصارى الذين لا يتبعون شرائع كتبهم السماوية ... على كل حال هذا موضوع سابق لأوانه ولعلنا نناقشه في المحاضرة القادمة عن الاسلام.
قال صديقي: كثير من العلماء المشهورين وكثير من الحاصلين على جائزة نوبل يهود ... فكيف يخرج ممن يعتنق هذا الدين المتخلّف مثل هذا العدد الكبير ممن ساهموا مساهمات كبيرة في ترقّي الحضارة الانسانية ... هذا شئ محيّر؟
قال الاستاذ محمد: ارث العراق الفنّي يرجع معظمه الى اليهود ... مساهماتهم كبيرة في الاغاني والمقام العراقي ... وكان منهم أدباء وشعراء ... واطباء ...حسقيل ساسون كان وزير الماليه في اول حكومة عراقية.
قلت: بمرور الزمن تطورت اليهودية كثيراً من بداياتها الفجّة وهي ايضاً ليست مقتصرة على العهد القديم بل ان هناك مساهمات كثيرة مما كتبه مراجع الحاخامات الكبار من تعليقات في الحلقات الدينية وهو مستمر لحد اليوم.
قال السيد حسين: عندهم الحاخام وعندنا آية الله المرجع الديني الذي يقوم بدور مشابهه.
قلت: ربّما ولكن مراجعنا مقلّدين وليسوا مجددين إلّا ما ندر... لعل عدم تمكّن اليهود من تأسيس دولة بأسمهم لفترة طويلة وعيشهم كأقليّة في ظل دول مسيحية او اسلامية جعل من الضروري ان تكون تشريعاتهم اكثر ليونة وتسامح ... ففيها ما يحث على التأقلم مع الاكثرية المحيطة بهم ... ولانهم حرموا لفترات طويلة من مناصب سلطوية في الجيش او امتلاك الاراضي مثلاً في كثير من الدول فقد انصبّ اهتمامهم على تنمية قدراتهم المهنية والثقافية والفنيّة وامتهان اعمال الربى.
قال صديقي: شاهدت برنامجاً تلفزيونياً على قناة روسيا اليوم مثير للاعجاب فيه معلومات قيّمة عن اليهود والربى.
سأل قيس: ما هو الربى
قال صديقي: هو ان تقرض مالاً لشخص مقابل نسبة ربح مئوية.
قال قيس: يعني تماماً كما تفعل البنوك الان.
قال السيد خالد: هذا مخالف للاسلام الذي حرّم الربى ... "قالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا".
قال قيس: ولكن هناك بنوك اسلامية ايضاً.
قال السيد خالد: هي لا تتعامل بالربا فالمال الموَدّع عندها يستثمر في مشاريع وتعطي جزء من ربح المشاريع الى المُودّع.
قال الاستاذ محمد: نفاق وتحايل على الدين ... ان الكثير من السعوديين والخليجيين والقطريين ممن يدّعون الاسلام الحق وغيرهم من الكفرة يودعون اموالهم الطائلة في بنوك امريكية وبريطانية ... حسنأ فعل الاسلام ولا اقول هذا دفاعاً عنه ولكن الربى مثل السرقة ... الربى هو ان يربح الشخص من المال نفسه وليس من تشغيل المال ... هذا ما يسميه كارل ماركس برأس المال المالي ومنه ومن المضاربات المالية نمت الثروات الفاحشة للرأسماليين الماليين ومالكي البنوك.
قال صديقي: ... يظهر ان اليهود تعلّمواعمل الربى عندما كانوا في بابل فكلمة رأس المال أتت من تقييم ثروة الشخص بما يملكه من رؤوس الماشية ... ويظهر ايضاً ان الغرب الرأسمالي مارس الربى الذي حرّمته التشريعات المسيحية اول الامر ... الخطر في المجتمع الرأسمالي لا يكمن في الربى بحد ذاته بل بالقيم الأجتماعية التي يخلقها ويؤدي الى هرم سلطوي يتربع على رأسه اصحاب اموال جمعوها من غير انتاج مادي.
قال السيد خالد: حلل الله البيع وحرم الربى ... فهل في مفهومك ان البيع هو من الانتاج المادي؟
قال صديقي: نعم فكل مال نتيجة تشغيل اموال مثل شراء سلعة وبيعها بربح معقول هو انتاج مادي ... اي ان التاجر هو مثل الذي عنده مصنع لأنتاج الورق ويبيعه في السوق بربح معقول.
قلت: الشيوعيون يعتبرون صاحب المعمل رأسمالي يربح من عرق جبين الطبقة العاملة فهو برجوازي ... يؤممون معمله لو تمكنوا من الحكم.
قال صديقي: هذا سبب رئيس لفشل الشيوعية في البلدان الاشتراكية.
قلت: هنالك عامل مهم خطر ببالي الان حول العطاء الحضاري الكبير لليهود بالرغم من قلّة عددهم وهو يتعلق بالهوية.
تسائل الاستاذ محمد مستغرباً: الهوية ... ماذا تقصد ... يعني مثل هذه الهوية التي احملها للاحوال المدنية؟
قلت ضاحكاً: كلّا ... ما اقصده هو الانتماء الى الهوية الانسانية ممتدّه في تراث ديني وثقافي عريق يتمسكون به بالرغم من ان الكثير منهم ملحد او لا يعترف بقدسية التوراة ومثال على ذلك أينشتاين ... بل ان معظم العلماء والمبدعين من اليهود هم كذلك.
قال الاستاذ محمد: كارل ماركس ملحد وكتب كتاباً في المسألة اليهودية ينتقد فيه حب جمع المال عند اليهود ... وهو من اصول يهودية فجدّه كان حاخام
قلت: يختلف الانسان عن الحيوان بأن له عقل وفي هذا العقل تكمن هويته الشخصية المتكونة جلّها في الصغر ... تراث اليهود غني ويمتد لألاف السنين ولكنه يتواصل مع الحاضر ... هذ يعطي عمقاً وثقلاً كبيراً للشخص خصوصاُ اذا رُفد بتعليم عالي يحرص عليه المجتمع اليهودي ويؤدي في كثير من الاحيان الى نتاج حضاري وعلمي من أناس موهوبين ... لقد ولدت مسلماً ولكني لا اقوم بفرائض الاسلام ومع ذلك اقوم ببعض الشعائر الاسلامية المجتمعية ... كقراءة الفاتحة في الفواتح والاحتفاء بالعيد مع العائلة و
قاطعني صديقي: والاحتفال بعيد الكرسمس معي والسُكُر حتى صباح السنة الجديدة ... انت لا تعترف بكل الشرائع الاسلامية ... اليست هذه ازدواجية في المعايير؟
قلت: لا اسمي هذه ازدواجية ... انا لست ملحد لاني اعرف ان الله موجود فهو الوجود الكلّي كما بينت في محاضرة سابقة ... انا اختلف اختلافاً جدرياً مع كل الشرائع الاسلامية السائدة ولي تفسير اخر للمشاعر الروحية التي هي في قلب كل الاديان بيّنته في محاضرتي الاولى عن الاديان ... في رأيي الاسلام واليهودية والمسيحية ليسوا اديان وشرائع فقط بل مجتمع تواصل عبر تاريخ الشعوب ... هناك تواصل عمره الف واربعمائة سنة في المجتمع الاسلامي الذي صبّت فيه حضارات عريقة من شعوب انضوت تحت ظلّه ... أنا وانت وكل المجتمعين حولي ومن جملتهم الاستاذ بهنام نحمل جزء كبير من قِيمهِ ... منها الغير جيد ومنها الجيد ... الغير جيد ممكن ان نتركه ونبدله بقيم حضارية ... اتريدني ان اترك الجيّد الذي يمكن ان ارتكز عليه واطور نفسي بمساعدته ايضاً.
قال صديقي: وهل حضور مجلس العزاء وقراءة الفاتحة هو من جملة هذا التراث الجيد.
قلت: وهل قراءة الفاتحة غير جيّد ... انه من جملة تراث المجتمع الاسلامي في العراق ولا يحمل طابعاً سلبياً ... قبل فترة قصيرة اقمنا مجلس عزاء على روح والدة زوجتي وحضره جمع غفير من المعارف وكان فيهم المسلم السنّي والشيعي والمسيحي والصابئي والملحد ، واشرت بيدي اليه ، ... اليس هذ شئ جميل يعبّر عن تكاتف وتراحم العراقيين بأختلاف اديانهم ومذاهبهم .. على كلِّ لقد وصلت الان الى منتصف المحاضرة تقريباً وقد طالت كثيراً بفضل مداخلاتكم القيّمة ولا زال امامي نصفها الاخر ولعل من المناسب ان نأخذ فترة استراحة لنكمل بعدها النصف الاخر الذي يبدأ بقصة النبي موسى ... ، نادى صديقي على عامل المقهى لجلب الشاي ثم اخرج كيس من كعك السيد من حقيبته واثنى عليه الاستاذ بهنام بكيس من الكليجة ووضعوهما على الطاولة امامي.



#موفق_كمال_قنبر_وفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)
- محادثات فلسفية مع صديقي (12)
- محادثات فلسفية مع صديقي (11)
- محادثات فلسفية مع صديقي (10)
- محادثات فلسفية مع صديقي 9
- محادثات فلسفية مع صديقي 8
- محادثات فلسفية مع صديقي 7
- محادثات فلسفية مع صديقي 6
- محادثات فلسفية مع صديقي 5
- محادثات فلسفية مع صديقي (4)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (3)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (2)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد
- امي المؤمنة ونار جهنّم
- عراقي
- شيخ الازهر والطالب النجيب قصة قصيرة ذات عبر


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين 14