أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!















المزيد.....

سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!


ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)


الحوار المتمدن-العدد: 5415 - 2017 / 1 / 28 - 16:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قائمة المعالم السياحية في الولايات المتحدة الأمريكية مرشحة مستقبلا لانضمام معلم هام جديد هو الجدار المقرر بناؤه على الحدود مع المكسيك. ليس من المستبعد أن تختلط قريبا قوافل السياح على الجانبين مع أفواج المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مختلف أنحاء العالم والطامحين للعبور إلى الجنة الموعودة. لا غرابة في الأمر. فقد سبقه في ذلك سور الصين العظيم وجدار برلين الذين يشكلان حاليا قبلة لملايين الزوار ومصدرا لا ينضب للعوائد المالية. ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفكر أيضا بمنافسة هاذين السورين الأكثر شهرة في العالم. فقد أطنب في امتداح مشروعه المثير للجدل وكرر عدة مرات قوله بإنه سيبني "جدارا كبيرا وجميلا وعظيما" على طول الحدود المكسيكية-الأمريكية التي تمتد لمسافة 3200 كيلومتر. كما أن "الدعاية" له مستمرة على قدم وساق، طالما أن أخبار الجدار والجدل الساخن حوله تتصدر وسائل الإعلام المتنوعه الأمر الذي سيثير فضول ملايين وربما عشرات ملايين السياح لرؤية هذا المشروع المرشح لكي يصبح الأشهر في العالم. ولو تحقق ذلك فإن ترامب سيثبت مرة أخرى "حسه التجاري" بصفته رجل أعمال ناجح لأن استغلال جدار المكسيك سياحيا سيغطي جزءا من التكاليف الهائلة لبناء التحصين الحدودي والتي يمكن أن تصل بحسب معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا المرموق إلى أربعين مليار دولار. وقد يعفيه ذلك من تكرار مطالبته الفظة للبلد الجار المكسيك بدفع الفاتورة والتي تُذكر حقا بدفع "الإتاوات" لقطاع الطرق. وفي كل الأحوال فإن المهمة الأولى للأسوار عبر التاريخ هي "قطع" الطريق. يبرر ترامب مشروعه ببناء عائق مادي ضخم على الحدود بأنه ضروي لقطع الطريق على المهاجرين غير الشرعيين وتجار المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة القادمين من أمريكا الوسطى والجنوبية. وهي حجة يصعب تفنيدها.
مثل هذه المهمة تولاها أيضا سور الصين العظيم الذي بُدأ ببنائه في القرن السابع ووصل طوله إلى قرابة 7 آلاف كيلومتر، والذي يُقال بإنه يمكن رؤيته من الفضاء الخارجي بالعين المجردة. عمد آباطرة الصين إلى بناء هذه التحصنيات غيرالمعهودة للحد من هجمات القبائل الرحل الغازية والشرسة القادمة من وراء الحدود الشمالية للصين. وللعلم فإن معظم الصينيين كانوا حتى القرن التاسع عشر يعتبرون أنفسهم الشعب المتحضر الوحيد في العالم وأن ما عداهم "برابرة". مثل هذه الصفة حاول ترامب أثناء حملته الانتخابية إلصاقها بالمكسيكيين عندما وصفهم بأنهم "مغتصبون" و"مجرمون"، ولكنه تراجع عنها لاحقا.
في المقابل كانت مهمة جدار برلين مختلفة، بل ومعاكسة تماما. تمثل الهدف الأول لهذا السور الذي بنته ألمانيأ الشرقية "الشيوعية" سابقا في منع مواطنيها من الفرار من نعيم "الجنة" الإشتراكية إلى "جحيم" الاستغلال الرأسمالي. صمد هذا السور الذي كان يقسم برلين إلى شطرين، شرقي وغربي، 38 عاما وسقط بشكل مدوي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 في حدث تاريخي شكّل إشارة لإنهيار المعسكر الإشتراكي بمجمله. قبلها بسنتين جاء الرئيس الأمريكي الأسبق رولاند ريغان إلى برلين الغربية واستغل وجوده قرب الجدار لمخاطبة الزعيم السوفيتي حينذاك ميخائيل غورباتشوف قائلا :"السيد الرئيس... حطّمْ هذا الجدار!". اليوم كرّر حاكم برلين "ميشائيل مولر" هذه العبارة الشهيرة مخاطبا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قائلا: "السيد الرئيس...لا تبني هذا الجدار!". ومع انهيار جدار برلين تحطم عمليا الستار الحديدي الذي كان يفصل بين المعسكرين الشرقي والغربي في أوروبا وأصبحت الحركة عبر الحدود انسيابية بالنسبة للسلع والاستثمارات والبشر في تطور تاريخي غير مسبوق. ومن الملفت للنظر أن هذه الحدود المفتوحة لم تسقط تحت وطأة أقدام المهاجرين، كما حذر البعض، وإنما بقيت ظاهرة الهجرة ضمن معدلات معقولة ومفيدة للطرفين رغم الفارق الكبير في مستوى المعيشة بين شرق أوروبا وغربها. وبقي هذا الوضع على حاله حتى خريف عام 2015 عندما فتحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حدود بلادها أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم، مطلقة بذلك موجة نزوح لم تشهدها القارة العجوز سابقا. إزاء هذا التدفق غير المعهود للمهاجرين والمخيف للكثيرين عادت الأسوار الحديدية الحدودية للظهور مجددا في المجر ومقدونيا وسلوفينيا وغيرها، واستأنفت بلدان أوروبية كثيرة ومنها النمسا وألمانيا عمليات الرقابة والتفتيش على حدودها في خطوة شكلت انتكاسة خطيرة لمشروع "أوروبا بلا حدود". مع ذلك أثار مشروع ترامب الحدودي استياءً وضجة كبيرين لدى أوساط سياسية وشعبية واسعة في دول الاتحاد الأوروبي في موقف ينطوي على بعض النفاق. فالجميع يعرف مثلا أن جيبي "سبتة" و"مليلة" الإسبانيين محاطان بأسوار منيعة تفصلهما عن المغرب ويصل طولها أحيانا إلى 15 مترا . ومن الملفت للنظر أن الاتحاد الأوروبي المعارض بقوة لجدار المكسيك مؤّل القسم الأعظم من تكاليف بناء هذه الأسوار بهدف الحد من الهجرة من إفريقيا. لكن هذه القلاع الأوروبية الحصينة في أقصى القارة السمراء لم تمنع المئات والآلاف من المهاجرين العرب والآفارقة من محاولة اقتحام هذه الأسوار مرارا وتكرارا حيث تُنظم قربها عادة مظاهرات صاخبة ضد "الاستعمار" الإسباني للأراضي المغربية. بيد أنه من الواضح أن الجزء الأكبر من هؤلاء المحتجين يحلمون في حقيقة الأمر بأن تشملهم "فظاعة العيش" في ظل الاستعمار البغيض.
ما عدا ذلك رافقت الأسوار والحصون البشرية طيلة تاريخها. وكانت جزءا لا يتجزأ من أي حاضرة تخشى على نفسها من الغزاة وطمع "الغرباء". إذ يُقال بان عرض سور بابل، مثله مثل سور الصين العظيم، كان يسمح بمرور عربة تجرها الخيول. كما دخلت طروادة التاريخ بفضل حصنها المنيع الذي تحول إلى مادة للأساطير. حتى يومنا هذا يتم الاستشهاد بحصان طروادة للتدليل على أن الحرب خدعة وللإشارة أيضا إلى خطورة الطابور الخامس.
لكن في عصرنا الحالي الذي يوصف بعصر العولمة وتحرير التجارة وحرية تنقل السلع والرساميل والأفراد عادت الأسوار والتحصينات الداخلية والخارجية لتصبح شواهد مألوفة في مختلف بلدان العالم، وبما فيها العراق والسعودية وتركيا وإسرائيل والجزائر وغيرها. هذا الوضع يعكس مخاوف حقيقية إزاء أزمات وظواهر كان يعتقد بأنها أصبحت في عداد الماضي. ولعل أزمة الهجرة والنزوح داخليا وخارجيا هي واحدة من أعقد هذه الأزمات وأكثرها مأساوية. بحسب بيانات الأمم المتحدة هناك أكثر من 60 مليون لاجئ حول العالم، معظمهم من العالم الإسلامي والدول الإفريقية جنوب الصحراء. وتشترك هذه البلدان في صفتين مترابطتين، هما الفقر والانفجار السكاني. ومما يزيد القضية تعقيدا هو محاولة الإرهاب الإسلامي وقوى الإسلام الراديكالي التغلغل وسط صفوف اللاجئين والمهاجرين لزرع الرعب والدمار وخطاب الكراهية في مختلف أنحاء العالم.
بيد أن الدافع الأقوى الذي يدفع عشرات الملايين لمحاولة عبور الحدود بمختلف الطرق هو الفارق في مستوى المعيشة والدخل بين البلدان الغنية والفقيرة. هذه الهوة لن تبقى على حالها على الأرجح فحسب، بل هي مرشحة للاتساع نتيجة تفشى الفساد وسوء الاقتصاد والاختلالات في التجارة العالمية. ومهما علت الجدران والأسوار فإن العقل البشري سيكتشف طرقا جديدة لاجتيازها طالما أن الفائدة أو "الربح" المتوقع أكبر من حسابات المغامرة في نظر الشخص المعني.
أما الرابح الأكيد من مشاريع الأسوار والجدران المنتشرة في العالم، فهو شركات البناء المتخصصة في إنتاج الكتل الخرسانية والأسيجة المنيعة. ولا يستبعد أن تكون شركات ترامب من بينها. فقد سبق للرئيس الأمريكي الجديد أن طالب المكسيك بأن تأخذ تهديداته على محمل الجد قائلا: "صدقوني، ليس هناك أحد يبنى جدرانا أحسن مني". ويبدو أنه سيبدأ فعلا بمشروعه "الجميل" قبل أن يفيق المكسيك والعالم من الصدمة.



#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)       Nagih_Al-obaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب: إعلان الحرب على العولمة!
- الألمان ‘‘الكسالى‘‘ واليونانيون ‘‘المُجدون‘‘!
- بيتكوين: عملة جديدة تتحدى الدولار؟
- السعودية: العمالة الأجنبية كبش فداء الأزمة المالية!
- ألمانيا تحلم بوراثة -التاج- التايلندي!
- 10 أسباب للاحتفاء بجائزة أمير قطر لمكافحة الفساد!
- جائزة نوبل بين اليهود والمسلمين
- البرلمان العراقي يُكشر عن أنيابه: على من سيأتي الدور بعد زيب ...
- مكة تستعد لمرحلة ما بعد النفط!
- 4 سبتمبر: بدء تقويم هجري جديد أم فرصة للاندماج؟
- النقود لا تسجل الأهداف!
- الهوس بالمليارات وحرب الإشاعات في العراق!
- النفط سلاح في المعركة!
- وثيقة سرية ألمانية تكشف وجه أردوغان الحقيقي
- السعودية وسلاح النفط في ظل التوازنات الإقليمية الجديدة
- شبح أردوغان يخيم على ألمانيا!
- القرآن وتراكم رأس المال
- هل ستتحطم طموحات أردوغان على صخرة الاقتصاد؟
- هل يسير أردوغان على خطى هتلر؟
- تركيا: هُزم الانقلابيون ولم تنتصر الديمقراطية!


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!