أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - على هامش مهرجان المربد الشعري















المزيد.....

على هامش مهرجان المربد الشعري


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 5414 - 2017 / 1 / 27 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


[هذه الملاحظات كنت دونتها على عجل عام 2011، عقب مشاركتي في مهرجان المربد الثامن، ولم تسنح لي فرصة مراجعتها أو التوسع فيها]


كانت هناك، في داخل قاعة عتبة بن غزوان (التربية سابقاً)— حيث عقد عدد من القراءات الشعرية والنقدية— ، قطعة كبيرة تقول: "كن عراقياً لتصبحَ شاعراً." ومن الواضح أن غرض القطعة هو أن تقول إن العراق بلد شعري. أنا أيضاً أسميت العراق "مشغلاً شعرياً." ولا شك أن هناك شيئاً من الحقيقة في هذا. فهناك شهادات كثيرة من خارج العراق تشهد بدوره الريادي في الحركات الشعرية على مر العصور. وفي العراق كُتبتْ أقدم النصوص الشعرية في تاريخ البشرية كلها. لكن الشعر الجيد في العالم كله قليل بالضرورة. هذا ما تشهد به الأنطولوجيات الشعرية المتخصصة في بلدان عديدة. فقد قارنت مثلاً أنطولوجيا شعرية عراقية منذ السبعينات حتى عام 2006 تضمنت أكثر من ستين شاعراً، بأنطولوجيا للشعر الأمريكي منذ بداياته الأولى الى نهاية القرن العشرين (أي طوال ما يزيد على أربعة قرون) احتوت على مائة وثلاثة عشر شاعراً فقط. فإذا أخذنا بالإعتبار أن سكان الولايات المتحدة في الوقت الحاضر يقاربون عشرة أضعاف سكان العراق، فالمقارنة ستضعنا أمام سؤال لا بد منه: هل أن أمريكا بلد فقير شعرياً الى هذا الحد مقارنة بالعراق؟ وهل أن الشعراء العراقيين الذين دخلوا الأنطولوجيات يمثلون في بلدهم ما يمثله نظراؤهم من الشعراء الأمريكان في بلدهم؟ المسألة لا تتعلق بالعدد برأيي، بل بالنوع.

إنني لا أعتقد أن كثرة الشعراء هي مسألة إيجابية بالضرورة. إنها مسألة إيجابية على عمومها، نعم، إذا أغفلنا التفاصيل والحيثيات التي تفسر تلك الكثرة. لكن الكلام كلامان، كلام إذا كانت الحقيقة تهمنا، وكلام إذا كانت الحقيقة لا تهمنا. فإذا كانت الحقيقة تهمنا فإن تلك التفاصيل والحيثيات لا بد منها. إن كثرة الشعراء المشاركين في المهرجان لا تمثل إلا جانباً واحداً من المشكلة. فرغم هذه الكثرة— وهي كثرة غير مألوفة في مهرجانات عالمية مماثلة (إذا كانت المقارنة دقيقة، أي إذا أخذنا كل العوامل بالإعتبار)— أقول، رغم كثرة المشاركين فمازالت هناك أصوات عديدة، بعضها معروف عراقياً وحتى عربياً، خارجَ المهرجان. ولا بد من الإفتراض أن بعض الشعراء لا يرغبون في المشاركة، وبعضهم الآخر لا يمكنه المشاركة لأسباب ذاتية أو موضوعية (هذه الأسباب لا يحق لأحد أن يدّعي معرفتها إلا بعد إجراء بحوث واستحصال شهادات وتفاصيل من المعنيين المباشرين). لكن هناك أيضاً أصواتاً تشكو من عدم شمولها بالدعوات. وهذا ينطبق على الشعراء غير المشمولين بالأنطولوجيات الشعرية، أيضاً. فأنا لم تقع في يدي حتى الآن أنطولوجيا للشعر العراقي يمكن أن توصف بأنها شاملة للمرحلة التي تمثلها، أو الإطار الذي تنتظم ضمنه. ولا أستثني الأنطولوجيات التي ساهمتُ أنا في صنعها مثل (إبحار في الرمل)، أنطولوجيا الشعر العراقي في المخيمات السعودية (1995)، أو ملف الشعر العراقي في مجلة أتلانتا رفيو (2007)، أو (أزهار اللهب: أصوات العراق غير المسموعة، 2008). وقدرَ تعلق الأمر بي فأنا على علم بالتفاصيل التي تخصني، ولكني لا أرغب في الإجابة على أسئلة مفترضة، أو متخيَّلة— أسئلة لم يوجهها إليّ أحد بعد. سأنتظر حتى أُسأل.

إن تقييم ظاهرة الكثرة النسبية للشعراء في العراق يتطلب دراسات مفصلة ومعلومات ميدانية وإحصائية ومقارنات، ولا شيء من هذا متوفر لدي. وأنا بسبب بعدي الجغرافي ومشاغلي الشخصية لا أجد نفسي في موقع يؤهلني لمتابعة المشهد الشعري في العراق. ولكنني إذا سمحت لنفسي بالاحتكام الى تجربتي قبل مغادرتي العراق والى الانطباع الأولي الذي كوّنته عن المربد الثامن (2011)، أمكنني أن أشخص عاملين أساسيين فاعلين في مسألة ترتيب المشهد الشعري: الأول هو الإحتكام الى عوامل غير شعرية— اجتماعية، أو سياسية، أو شللية—في تقرير من يدخل المشهد الشعري ومن يبقى على هامشه. هذا العامل يبدو حله مستعصياً أو مستحيلاً لأنه يرتبط ببنية المجتمع العراقي عموماً، وتغييرهُ يرتبط بتغيّر يشمل المجتمع بأكمله. والمثال الكبير لتأثير السياسة في بروز أو تهميش الشعراء يتضح بصورة صارخة من مقارنة بسيطة بين الشعراء المبرّزين أيام النظام السابق ونظرائهم الآن.

أما العامل الآخر فيتلخص بكوننا أمّةً تكتب بغير اللغة التي تتحدث بها. وقناعتي الشخصية هي أن اتساع الفجوة بين اللغتين العربيّتين، لغة الكلام (التي تسمى رسمياً أو عرفاً باللهجة العامية للبلد العربي المعني) ولغة الكتابة (التي تسمى رسمياً أو عرفاً باللغة العربية الفصحى) ، هو أمر طبيعي ولا مفر منه. ولا أعتقد أن في التاريخ العربي حقبة زمنية مرت على العرب كانت فيها لغة الكلام تقترب من لغة الكتابة بصورة تلقائية (أي بصورة طبيعية، غير قسرية، بلا تدخل من الخارج). ولا أعتقد أن هناك في المستقبل القريب أو البعيد حقبة زمنية ستمر على العرب تقترب فيها لغة الكلام من لغة الكتابة بصورة تلقائية. ما أعتقده هو أن التطور الحتمي للّغة سيؤدي في النهاية، رغم العراقيل التي قد يضعها المحافظون في هذا الطريق، الى أن يكتب العرب بلغة تقترب تدريجياً من، الى أن تتماهى مع، اللغة التي يتحدثون بها. إنني لا أتوقع أن يحدث هذا بصورة أوتوماتيكية أو سريعة أو بلا عقبات ولا انتكاسات ولا سلبيات. لكنني لا أرى طريقاً طبيعياً آخر يتوحد فيه شطرا اللغة، هذا إن أمكن اتحادهما أصلاً. إن المصطلحات التي نستعملها في الحديث عن اللغة العربية، بما فيها مصطلح اللغة العربية نفسه، مصطلحات مضللة. فحين نقول "اللغة الفلانية" فإنما نعني اللغة "التي يتحدثها في مرحلة تاريخية معينة" الشعب أو الأمة أو المجموعة اللغوية الفلانية. حين نقول "اللغة الإنكليزية،" مثلاً، فنحن نعني اللغة التي يتحدثها الإنكليز(أو الأمريكان أو الأستراليون أو الكنديون أو سواهم من الشعوب الناطقة بالإنكليزية كلغة أم) في الوقت الحاضر، لا اللغة التي كانوا يتحدثونها في العصر الإنكلوسكسوني. اللغة التي كان سكان الجزر البريطانية يتحدثونها في ذلك العصر تسمى الآن بـ "الإنكليزية القديمة،" وهي لغة ميتة لأنه لم يعد هناك شعب أو أمة أو مجموعة لغوية تتحدثها الآن. ولا بد من التذكير بأن اللغات الميتة يمكن تعلمها على يد متخصصين بتلك اللغات. أي أن وجود "أفراد" يجيدونها بسبب تأهيلهم على يد متخصصين لا يعني أن تلك اللغات أصبحت حية. فاللغة نظام اجتماعي، واللغات الحية يبدأ أبناؤها اكتسابها منذ الولادة. وبـ "اكتسابها" أعني تعلم التحدث بها عن طريق المحاكاة. والمقصود بـ "التحدث بها" هو التحدث بها تلقائياً، أي بصورة طبيعية، أي التحدث والتفكير بها معاً، لا التفكير بلغة والتحدث بأخرى. ثم، بعد ذلك، تأتي مرحلة تعلم القراءة والكتابة بتلك اللغة الأم.

إنني أعتقد أن وجود ملتقيات شعرية أو ثقافية تنظمها إتحادات أو نقابات أو جمعيات أدبية مستقلة أمر ضروري وحيوي، لا إيجابي فقط، مهما عانت هذه الإتحادات وتلك الملتقيات من إشكالات ونقاط ضعف، أهمها طبعاً مشكلة من يصلح لتمثيل العراق شعرياً في تلك الملتقيات، وقبل هذا، من يمتلك الصلاحية للإجابة على السؤال. لكن معالجة ما تعانيه تلك الإتحادات والملتقيات الأدبية لن تكون بالتخلي عنها جملة وتفصيلاً، لو افترضنا أن مثل هذه الخطوة ممكنة أصلاً. معالجة ذلك تتم بدفعها الى الأمام، لا باتخاذ النواقص والإخفاقات ذريعة لتعطيلها وإلغائها كلية. المشاكل التي لمستها مباشرة في مهرجان المربد مشاكل جدية، لكنني لا أدعي معرفة خلفياتها، وبالتالي ليس بوسعي سوى إطلاق تعميمات تخص طبيعة المجتمع العراقي ككل، رغم إدراكي أن هذه التعميمات غير ذات فائدة.

لكن هناك مظاهر ملموسة بشكل مباشر وظاهرة للعيان وواضحة للجميع. هذه المظاهر، على الأقل، يمكن معالجتها، حتى يحين وقت حل المشاكل الأكثر جذرية. كنت أجلس في القسم الخلفي من القاعة، وكان الشعراء يقرءون، فيبدءون وينتهون، وكذلك المحاضرون، دون أن أسمع شيئاً مما يقولون. هذه مشكلة يمكن حلها. فجانب منها تقني بسيط وغير مكلف. ويمكن علاجه بتغطية القاعة بسماعات إضافية. حين ألقيت قصيدتي كنت أدرك أن الجالسين في المقاعد الخلفية لا يسمعونني. والشعر كيان حساس يقتله الزعيق، كنت أفضل ألا يسمعني أحد على أن أرفع عقيرتي بالصراخ، مثلما كان الشعراء الشعبيون في زمن صدام يصولون ويجولون ملوثين البيئة بصراخهم. ولم يكن النقص في السماعات السبب الوحيد الذي حال دون سماع قصائد الشعراء. كان هناك سبب آخر. كانت قاعة المهرجان المكان الذي يمكن فيه لشعراء الخارج اللقاء بزملائهم في الداخل. وإن فرحة اللقاء بصديق حميم بعد عقود من الفراق تجعل من تكدير هدوء القاعة بتبادل التحايا ذنباَ مغفوراً. ولأنني من البصرة، فقد كان هناك عدد كبير من الأصدقاء الذين أشتاق الى لقائهم. وكانت تلك فرصتي الوحيدة. وحين يئست من إمكانية متابعة ما يجري على منصة الإلقاء قررت مغادرة القاعة مع بضعة أصدقاء، إذ لم يعد لبقائنا في داخلها معنى. هذا الأمر يمكن حله برأيي بتوفير ملتقى (لا جلسة شعرية أو نقدية)— بل ملتقى حر يسبق الجلسات الشعرية أو النقدية هدفه التواصل الإجتماعي فقط، وخصوصاً بين أدباء الداخل والخارج، لكون الأخيرين محدودين بزمن إقامتهم الموقت.



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلامُ الجنديِّ القتيل
- الشُّهداء
- أم غاوية 12
- أم غاوية 10
- أم غاوية 11
- أم غاوية 9 (خاتمة)
- أم غاوية 8
- جدي الذي قتل الأسد
- عن قصيدة -نهير الليل- لعلي أبي عراق
- الكابوس
- الإستجواب
- دعوة الى جمع شعر الشعراء المعدومين
- وداعاً منقذ الشريدة
- أم غاوية 7
- أم غاوية 6
- أم غاوية 5
- أم غاوية 4
- أم غاوية 3
- أم غاوية 2
- أم غاوية 1


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - على هامش مهرجان المربد الشعري