أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - أزمة الحداثة في الشرق















المزيد.....

أزمة الحداثة في الشرق


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1428 - 2006 / 1 / 12 - 13:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يجوز أن نقول أن الشرق قد وجد نفسه فجأة في مواجهة العالم، وفي مواجهة الحداثة، نقول يجوز لأن لا شيء في حياة الشعوب يأتي فجأة ودون مقدمات وإرهاصات، مهما بلغت قوة الأحداث المفصلية، التي تدفع بالأمور إلى نقطة اللاعودة، مع ذلك فإننا لا نرتكب إلا القليل من التجاوز إذا قلنا أن الشرق قد وجد نفسه بعد 11 سبتمبر في مواجهة حادة لا مهرب منها، مع العالم المتحضر ومع الحداثة، مواجهة صار الاستقطاب فيها حاداً، بين العالم المتقدم وأطرافه التي تسعى بثبات على طريق الحداثة في شرق وجنوب شرق آسيا، وبين جيب كبير يمتد من باكستان شرقاً إلى مراكش غرباً، ومن سوريا والعراق شمالاً إلى الصومال وأريتريا والسودان جنوباً.
تشير جميع التقارير الدولية والإقليمية، بجميع المقاييس والمؤشرات، أن هذه المنطقة متعثرة منذ قرون على أبواب الحداثة، تعجز عن ولوجها، رغم وقوعها في منتصف العالم، وتعرضها لتياراته الحضارية، ما كان يتصور أنه كفيل بتناغمها وتزامنها مع مسيرة البشرية، لكن هذا لم يحدث، بل ونتج عن تعرض المنطقة لتلك التيارات، الدفع بالأمور إلى ظاهر حداثي لم تتوفر مقوماته على أرض الواقع، فكان أن صارت دول ومجتمعات المنطقة أشبه بالمسخ المشوه، بما تضمه من تناقض داخلي، أفرز تقلصات داخلية، شكلت مع معوقات التخلف الأصلية ملامح المأساة الحضارية، التي جعلت شعوب المنطقة ومحاولات التنوير تتعثر وتتخبط في دائرة مغلقة، تتحرك من سيئ إلى أسوأ، بحيث تتحول أي حركة للأمام إلى تدهور نحو قاع لا نهاية له، وهي النتيجة التي نراها جلية للعيان، بعد ما سمي بمرحلة الاستقلال والتحرر الوطني في الخمسينات والستينات، لتأتي الألفية الثالثة ونحن نستجدي الاستعمار (ولو تحت تسمية الأمم المتحدة)، لتنقذ ما يمكن إنقاذه!!
كان يمكن أن تظل المنطقة تتمرغ في تخلفها بتأثير عواملها الذاتية، لتشب فيها صراعات محدودة لا تلبث أن تخمد، في حالة يمكن وصفها بالاستقرار، حتى وإن كان استقراراً هابطاً نحو القاع، بمعنى تفاقم الأزمة الحضارية، ولكن في حدود داخلية، لا تتعدى تدهور أحوال المعيشة، والزيادة الانفجارية في النسل، وما شابه من معالم ومآسي داخلية، نقول كان يمكن أن يظل الأمر أزمة داخلية فقط، لا يمتد من تأثيراتها إلى العالم الخارجي إلا لقليل، الذي يستطيع العالم أن يتجاهله أو يتحمله، بعد فشل مشروعات الإنقاذ العالمية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وأهمها مشروع حلف بغداد، الذي أسقطناه بجدارة واقتدار، لولا أن أخذ التدهور الداخلي المنحى الذي أدى بنا إلى إنتاج ما يمكن تسميته بفكر تنظيم القاعدة ورجاله، وهو الإنتاج الذي ساهمت فيه، أو أنتجته في تزامن رائع جميع شعوب المنطقة، ويقتضي إرجاع الفضل إلى ذويه، أن ننوه هنا بنجاح جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر في ثلاثينات القرن الماضي، في خلق قاعدة ممتدة باتساع المنطقة، ساهمت في هذا التناغم والتزامن، لتنامي هذا الفكر والكوادر الحاملة له، ليطور إلى طالبان في أفغانستان، وجماعات الجهاد المختلفة في فلسطين ومصر ولبنان والسعودية والسودان والجزائر، وفي أنحاء المنطقة عموماً، المهم أن هذا الإنتاج الجهادي أو القاعدي، والذي تطور كماً وكيفاً، استشعر القدرة على تجاوز الحدود الإقليمية لدائرة إنتاجه، فكان أن امتد إلى العالم الخارجي، ليصل ذروة أدائه بغزوة 11 سبتمبر 2001، ليبدأ العالم بعدها ضغوطه الهائلة الساخنة، لتحديث منطقة غير قابلة أصلاً للتحديث، لسبب نراه بسيطاً وهو عدم اكتمال مقوماته!!
نقول في مصر "الضرب في الميت حرام"، من منطلق أن الضرب غير مقصود لذاته، وإنما من قبيل التأديب والتهذيب، لكن إذا كنت تضرب ميتاً عاجزاً عن التأدب والتهذب، فإنك بهذا تكون فقط ترتكب ذنباً بلا أي جدوى حقيقية، وهذا ما تفعله أساطيل وقوات أمريكا والتحالف العالمي معها!
إن قلب عملية الإصلاح المنشودة هو تكوين دول حديثة ديموقراطية تقوم على أساس المواطنة واحترام حقوق الفرد والأقليات، وتفتح أبوابها للعالم أخذاً وعطاء، والمعضلة التي نتصورها بلا حل، هو أن المنطقة لم تصل إلى المستوى الحضاري الذي يجعلها مؤهلة لذلك، فنحن أساساً لسنا أمام دول حقيقية تحتاج إلى تطوير وتحديث، بل شعوب في مرحلة القبائل والطوائف والعائلات، فرض عليها شكل الدولة فرضاً تعسفياً، لهذا جاء مشوهاً بالأساس، الدولة الحديثة كما نعرف جميعاً هي وليدة الثورة الصناعية والطبقة البرجوازية، الممثلة لأمة قد انصهرت في واحد، سواء من حيث نمط الحياة والأفكار، أو من حيث المصالح المادية، فكانت الدولة الواحدة والديموقراطية والحرية وصناديق الانتخاب، فنحن نعرف المواطنة بأنها انتماء متخيل، حيث يستشعر الفرد بانتمائه إلى كل أكبر هو الوطن الواحد، وبأن مصالحه ممتدة إلى جميع تخوم هذا الوطن، ومتماثلة مع جميع المشتركين معه في ملكيته، فعند هذه المرحلة فقط تتكون الدولة الوطنية الحديثة، وعندها فقط يكون الشكل متطابقاً مع المضمون، وعكس هذا هو ما حدث مع المنطقة محل النظر.
لقد توقفت منطقة الشرق الكبير عند مرحلة القبائلية والطائفية، وعجزت عن تجاوزها لما بعدها من مراحل حضارية، ولا ننتوي في هذا المقال التعرض لأسباب هذا التعثر أو التحجر، لكننا نركز على أن وجود المنطقة في مهب رياح التأثيرات العالمية، قد أضر بها ربما أكثر مما نفع، إذ عجل بظهور الدولة الوطنية دون توافر مقوماتها على أرض الواقع، فكان التناقض الحاد بين الشكل والمحتوى، بين المظهر الوطني والباطن القبائلي الطائفي، وكان أن حكمت الدولة بمنطق القبيلة، وكان أن عجز الفرد عن تصور نفسه كمواطن متساو مع باقي المواطنين في الحقوق الواجبات، وبقي أسير تصور نفسه ضمن الانتماء العشائري أو الديني.
ألم يحكم صدام حسين - مدعي القومية والعلمانية – العراق بمنطق طائفة السنة، فكان تهميش الأكراد والشيعة، إلى حد الاضطهاد والتنكيل، بل وحكم السنة بمنطق عائلته التكريتية، التي احتلت جميع المناصب الحساسة والمؤثرة؟!
وعائلة الأسد العلوية في سوريا، والتي تملأ الجدران بشعارات البعث القومية، هل أسست فعلاً دولة قومية ولو على مستوى الوطن السوري محدود المساحة، أم أنها تقود مجموعة طوائف بثياب دولة قومية؟!
حتى لبنان، الديموقراطية الوحيدة التي نتباهى بها، هل هي دولة وطنية حقيقية، يستشعر كل فرد فيها بانتمائه إلى وطن ومواطنيه، أم أن الفرد فيها أسير انتمائه الطائفي والعائلي، فالسنة عائلات، والشيعة عائلات، والموارنة عائلات، بهذا تصبح الديموقراطية ملهاة، وصناديق الانتخاب مهزلة، وتكون الدولة مسخاً، لأنها لا تنسجم مع الواقع على الأرض، أي مع المرحلة الحضارية التي يمر بها المجتمع، وكان أن حدث ومازال ما يتحتم أن يحدث لحالة كهذه، فبدلاً من أن تتطور التجربة الديموقراطية وتتعمق، تسقط لبنان في دورات من التمزق والفرقة، كما حدث في النصف الثاني من الخمسينات، ثم في السبعينات، لتسقط بعدها في براثن البعثية العلوية الممسوخة، ليحاول العالم المتحضر الآن إقالتها من عثرتها، ليصنع منها دولة حديثة بحق، لكن أيضاً دون توافر الشروط اللازمة لتكون الدولة الحديثة الحقيقية!
والأسوأ أن امتدت موجة التشرزم القبائلية إلى أقدم دولة قومية في العالم، وهي الدولة المصرية، فقد أصابها فيروس الطائفية الدينية، كأنما لتحجز مكانها عنوة في قطار التخلف الراحل إلى الضياع، فنجد رئيسها يدعي على نفسه بما ليس لموقعه، حين يعلن السادات في مكابرة ونفاق جديرين بالدهشة، أنه يحكم مصر كرئيس مسلم لدولة إسلامية، لقد خلع ببساطة وغباء رداءه الوطني، ليقفز في بركة التخلف الموحلة!!
نفس هذا يمكن أن يقال عن جميع دول المنطقة، فالقاسم المشترك واحد، أن مشكلة النظم الحاكمة ليس في النظم نفسها، بقدر ما ترجع إلى عدم مناسبة النظام الوطني لمجتمعات تعيش بعقلية وظروف القبيلة والعائلة والطائفة، ومحاولة حرق المراحل هنا، وربما في حالة هذه المنطقة بالذات، ضرب من خداع الذات، أو مناطحة الصخر، وهذا بالضبط ما تفعله الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها، فليس عبثاً قال نزار قباني، في قصيدة هوامش على دفتر النكسة:
خلاصة القضية توجز في عبارة
قد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصريون وسيكولوجية الرعية
- حالة تخلف مستعصية - مشكلة أسلمة القبطيات
- الليبرالية ومسيرة الحضارة
- مصر شجرة لن تموت
- قليل من الإخلاص يا سادة فمصرنا في خطر
- الفوضى الخلاقة مجرد احتمال
- كتابة عبر النوعية: حوار لم يتم
- حنانيك يا د. فيصل القاسم
- يا لك من متفائل يا صديقي د. شاكر النابلسي
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير 2
- الكنيسة والوطن. . إعادة ترتيب الأوراق
- عقيدة التوحيد ومسيرة الحضارة
- همسة في أذن الأقباط، وحركة كفاية
- حاولت أن أدق في جلودكم مسمار
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير
- مصر والعرب والعروبة
- قليل من الوقار يا سادة
- إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل
- الإخوان والحنان الليبرالي اليائس
- خطوة تكتيكية إلى الخلف


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - أزمة الحداثة في الشرق