أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (11)















المزيد.....

ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (11)


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5413 - 2017 / 1 / 26 - 06:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"المصير المتعارف عليه هو ان الحقائق الجديدة تبدأ كبدع وتنتهي كخرافات." (Thomas Henry Huxley), عالم البيولوجيا والتشريح المقارن
...........
حسب المفكر الماركسي Alan Woods, يجري تطور العلم من خلال سلسلة لا نهاية لها من تقريبيات متعاقبة. ويصل كل جيل الى سلسلة من التعميمات الأساسية حول طريقة عمل الطبيعة، والتي تعمل على شرح بعض الظواهر المرصودة. وتعتبر هذه دائما حقائق مطلقة، صالحة لكل زمان في "العوالم الممكنة". ولكن بمزيد من الدراسة، ومع ذلك، يكتشف اناس أنها ليست حقائق مطلقة، ولكها اقرب من قبل اليها. ينطلب اكتشاف الاستثناءات، التي تتعارض مع القواعد المعمول بها، بدوره التفسير، وهلم جرا الى ما لا نهاية (1).

في كتابه, لودفيغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية (2), يفسر انجلز الطبيعة الديالكتيكية لتطور الفكر الإنساني، كما يتضح في كل تاريخ العلم والفلسفة كالتالي: الحقيقة، التي إدراكها هو هدف الفلسفة, بالنسبة لهيغل, لم تعد مجرد تجميع التقارير المستحصلة التي, عند اكتشافها، يجرى تعلمها عن ظهر قلب. الحقيقة تكمن الآن في عملية الإدراك نفسها، في التطور التاريخي الطويل للعلم الذي يتصاعد من أدنى إلى مستويات أعلى من المعرفة دون التوصل، من خلال اكتشاف ما يسمى الحقيقة المطلقة، الى النقطة التي لا يمكن أن نمضي أبعد منها، حيث لن يكون هناك شيئا أكثر نستطيع فعله غير ان نشابك اصابع يدينا وننظر نظرة المتيم الى الحقيقة المطلقة المتحققة.

وافكار انجلز هنا تناقض بكل شدة الاختزالية العلمية و اطروحات الماركسية المبتذلة التى تحيل الماركسية الى علم طبيعي, الى حقائق مطلقة, وبالتالي تمهد الطريق للشموليات على الصعيد السياسي والفكري. وبالضد من الاختزالية المبتذلة, يقول وايتهيد انه لو دفعنا الامور لحدودها, ستنهار المادية العلمية في نهاية المطاف وستزعم ان الوجود ومغزاه لا معنى لهما وليسا هما ضمن المواضيع المناسبة للاستفسار (3).

ان الاعتقاد ان الحقيقة هي حكر على العلم الطبيعي, واختزال كل امور الحباة الى معطياته, وانه هو المحك الاول والاخير, هو بمثابة خلق الطغبان العلمي, الذي شرحه اكبر مؤرخ للتاريخ في القرن العشرين Feyerabend في كتابه الشهير بهذا الخصوص (4). وفد يكون طغيان العلم, حسب Feyerabend, هو صنوا للعِلمانية. وارجو ملاحظة الفرق بين العِلمانية والعَلمانية التي تعني, ضمن امور اخرى, فصل الدين عن السياسة, والتي لا تعنينا هنا.

وما يتكلم عنه Feyerabend من طغيان العلم يصبح امرا سهل الفهم نسبيا عندما يحاول البعض, مثلا, تطبيق معطيات العلم الطبيعي في الحياة الخاصة, وخصوصا في الجانب الجنسي والحميمي من العلاقات الخاصة. كمثال هنا هو ان اكتشاف عقار الفياجرا لعلاج عدم او ضعف الانتصاب Erectile dys-function- في الرجل فد دفع العديد ممن كان, ولا يزال, مندهشا حد الثمالة بهذا الاختراع ويؤدي وظيفته وكأنه احد اعوان ديكارت السريين او العلنبين, وخصوصا اولئك من المتخصصين في مجال المسالك االبولية, الى التبشير بانهيار الطب الجنسي. يرون هؤلاء ان عدم او ضعف الانتصاب هي مشكلة ميكانيكبة, مشكلة مجاري (اوعية دموية) مغلقة تعيق تدفق الدم الى القضيب وتحول بذلك دون انتصابه. على العكس من هذا, لا يكتفي الطب الجنسي فقط بمعالجة هذا الاضطراب الجنسي باعتباره حدثا بيولوجيا ويخص حصرا الاعصاب والاوعية الدموية, وانما هو اضطراب جنسي يخص الرجل ورفيقته الجنسية, زوجته مثلا. لماذا, قد يسأل البعض, وما علاقة الزوجة بعدم قدرة زوجها على "انتاج" الاننصاب؟ وهذا سؤال مهم وتسأله العديد من الزوجات (والازواج ايضا) عند دعوة الزوجة الى حضور جلسات العلاج لفهم طبيعة واسباب الاضطراب واجراء العلاج. فمثلا, قد يكون ضعف او انعدام قدرة الزوج على الانتصاب هو نتاج, مباشر او غير مباشر, لاضطرابات جنسي في الزوجة نفسها مثل الاضطراب Vaginismus, الذي يعني تقلص عصلات المهبل لا اراديا, مما يجعل الجماع مستحيلا (تقريبا), وقد يؤدي الى ضمور الانتصاب, او قد يكون ضمور الانتصاب بسبب اضطراب جنسي آخر لدى المرأة يسمى Dyspareunia, اي الم موضعي شديد للمرأة عند الجماع (اسبابه منها الالتهابات او الاورام المهبيلية او تناول المرأة لبعض الادوية). في كلا هاتين الحالتين, وهي امثلة ضمن اخرى كثيرة, يكون وصف عقار الفياجرا كارثيا لانه قد يسبب في احداث آلام اكثر للمرأة عند (محاولة) الجماع , يؤدي الى مشاكل حميمية قي العلاقة اضافة الى الجنسية منها, وسيغفل ايصا النظر الى الحالة الصحية, النفسية والجسمية, للمرأة, ولا يعالج الزوجين كوحدة عضوية, بحيث ان علاج الاضطراب الجنسي للزوج قد يستدعي علاج الزوجة اولا.

ان اسلوب العلاح الميكانكي في في المثال المذكوراعلاه هو اسلوب طب المجاري البولية, والثاني, الديالكتكي, العضوي, هو اسلوب الطب الجنسي. وهما اسلوبان متعارضان الى حد بعيد, وتعارصهما مبني على خلفية ايديلوجية مستترة. الخلفية الايديولوجية لطب المجاري البولية هي فلسغة رائد العلم الحديث رينيه ديكارت, التي تقصل ميكانكيا بين الجسم والعقل, وبالتالي يركز اختصاصيو المجاري البولية على المشكلة الجسمية, ويرون هذه المشكلة كمشكلة مجاري (اوعية دموية) مغلقة تعيق تدفق الدم الى القضيب وتحول بذلك دون انتصابه. عقار الفياجرا او احد مشتقاته يوسع الاوعية الدموية ويسهل بذلك حدوث الانتصاب. على عكس طبيب المجاري البولية, يسترشد الطبيب الجنسي بفلسفة غير ميكانكيىة ترفض رؤية الجسم والعقل كوحدتين منفصلتين, كما تفتضيه فلسفة ديكارت. فهو يرى ان الاضطراب الجنسي, ضعف او انعدام الانتصاب مثلا, قد لا يكون سببه جسميا, قد يكون سببه في الرجل او المرأة, قد يكون سببه في الاثنين معا, قد يكون سببه لا يكمن في الاثنين بل في العلاقة بينهما. ففي حين يكون طبيب المجاري البولبة هو احد اتباع ديكارت, يكون الطبيب الجنسي هو احد اتباع الديالكتيك (الهيغلي) وفلسفة وايتهيد العضوية. وقد اشرت الى التشابه الكبير بين ديالكتيك هغل وفلسفة وايتهيد العضوية في حلقة سابقة. وقد يعترض احدنا بالقول: هل يدرس اطباء المجاري البولبة فلسفة ديكارت, او هل يدرس اطباء الجنس فلسفة وايتهيد-هيغل, لكي يتبعوا افكارهم في مجال التشخيص او العلاج؟ جوابي هو كلا قطعا. فاطباء الجسد, مثل اطباء المجاري البولية او غيرهم, او اطباء النفس, لا يدريسون فلسفة العلم او اية فلسفة اخرى اثناء دراستهم الطب او اثناء دراساهم التخصصية. ولكن هذا لا يعني ابدا عدم وجود مهتمبن بدراسة العلاقة بين الفلسفة والطب, مثل العلاقة بين فلسفة وايتهيد والطب الداخلي (5), او وجود دوريات متخصصة في العلافة بين الفلسفة والطب وطب النفس (7, 6).

وهنا قد بستغرب البعض ايضا ويتسائل: كيف يمكن ان تكون هناك حقيقتان متعارضتان الى حد كبير في مجال طبي-معرفي واحد كمجال الطب, الذي يفترض منتهى الصرامة والدقة العلمية؟ الجواب هو ان الحقيقة, او ما يسمى هكذا, هي, الى حد كبير, نتاج للمنهجية المتبّعة. ولكن وجود اكثر من حقيقة قد يكون نتاج امور اخرى لا علاقة لها بالمنهجية (الايديولوجية؟). فمثلا, العلم الطبيعي, وبالاخص علم الفيزياء, يقول الشئ وعكسه بخصوص وجود الله. فالفيزياوي الكبير Stephen Hawking يقول انه اثبت عدم وجود الله (8), ولكن زميله الفيزياوي, الذي لا يقل شهرة, Michio Kaku, يقول انه اثبت وجود الله (9). ولكن بروفسور الفيزياء المتدين Nathan Aviezer من جامعة Bar Ilan لا يتفق مع Michio Kaku, ويعتقد ان استخدام العلم لاثبات وحود الله من عدمه هو امر غير مقبول لانها قضية معتقد, كما شرح ذذلك بتفصيل في كتابه (10) . وهذا الرأي يتفق مع فلسفة وايتهيد التي تقضي بوجود انواع مختلفة من الحقيقة, كالحقيقة العلمية, الحقيقة الدينية, والحقيقة الشعرية الخ.
بتبع
----------
المصادر ذات العلاقة
1. Reason in Revolt: Marxist Philosophy and Modern Science
https://www.marxist.com/science-old/theoryofknowledge.html
2. Frederick Engels
Ludwig Feuerbach and the End of Classical German Philosophy
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1886/ludwig-feuerbach/ch01.htm
3. Truth and Beauty in Whitehead’s Cosmos
http://www.carlsensei.com/docs/essays/whitehead/
4,PAUL FEYERABEND
The Tyranny of Science
http://ndpr.nd.edu/news/32481-the-tyranny-of-science/
5. http://jamanetwork.com/journals/jamainternalmedicine/article-abstract/568804
6. The Journal of Medicine and Philosophy
https://academic.oup.com/jmp
7. Philosophy, Psychiatry & Psychology
https://www.press.jhu.edu/journals/philosophy_psychiatry_and_psychology/
8. Stephen Hawking THERE IS NO GOD !! Amazing Documentary
https://www.youtube.com/watch?v=vj0NL2r6cnU
9, ?Has a Prominent Physicist Proved the Existence of God
https://www.breakingisraelnews.com/70408/prominent-physicist-proved-existence-god/
10. Modern Science and Ancient Faith by Prof. Nathan Aviezer
https://www.amazon.com/Modern-Science-Ancient-Nathan-Aviezer/dp/1602802750



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (10)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (9)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (8)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (7)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (6)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (5)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (4)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (3)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (2)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (1)
- ملاحظات اولية بخصوص نداء الحزب الشيوعي العراقي
- هل ل(قيادة) الحزب الشيوعي العراقي مشكلة مع مشاعر الحب والقلق ...
- العلم يكشف كذبة اخرى للادارة الامريكية
- الشيوعيون والتعاطف وتحسس مشاعر الآخرين
- اشتراكية ماركس احتجاج ضد انعدام الحب
- الماركسية والفلسفة (4/4)
- الماركسية والفلسفة (3)
- الماركسية والفلسفة (2)
- الماركسية والفلسفة (1)
- بعد رحيل كاسترو, الطريق الامثل (او الوحيد) لحماية الثورة الك ...


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (11)