أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - احذروا هذه القصة.. -7 دال-















المزيد.....

احذروا هذه القصة.. -7 دال-


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5412 - 2017 / 1 / 25 - 05:07
المحور: الادب والفن
    


لماذا نكتب؟ ولماذا نقرأ؟ احيانا أحب أن ألعب هذه اللعبة معكم، وهي لعبة طرح الأسئلة ثم الهروب من الإجابة، ثم الاختباء خلف فكرة نص أدبي، أو وراء معنى بحجم جبل، اليوم سأتوارى عن أعينكم خلف قصة قصيرة بعنوان "7 دال" للكاتب "هيثم عبد الشافي" وهي قصة ضمن مجموعة قصصية صدرت له مؤخرا تحمل نفس الإسم، وقبل أن أترككم معها أحب أن أقول.. احذروا هذه القصة.

"كل الرسومات الصغيرة في غرفتك كانت ملونة، رسام ليس أروع من جدك ربما عرف أني سأحكي لك عنها يوما فرسمها، لكن أنت لا تعرف الألوان أصلا، أنت لا تعرفني في الحقيقة، تميز رائحة أمك ربما، وتشعر بألم سخيف أسفل بطنك، والثالثة أنت جائع، اهدأ قليلا أرجوك، أعرف أن 5 ساعات متصلة دون قطرة لبن واحدة سب كافٍ لكل هذا الصراخ، وأن السكتات تجهدك وترهق قلبك، وأن أمامك شهرين لتعرف أن مص إصبعك سيريحك قليلا، لكن طبيبك جراح دمه بارد، يقود سيارته بحذر، ويركنها على مهل، وإجراءات المستشفى لا تنتهي.
لا أظن أنك ستسامحني إذا اعترفت أمامك الآن أني كنت أهرب منك دائما، لكن سأخبرك على أية حال، يومك الأول وقفت أمام زجاج الحضانة 10 دقائق تقريبا، راقبتك جيدا، أصابع اليدين، قدميك، رأسك، عينيك، أنفك، كل شيء، كل شيء، لم يزعجني إلا السرعة الزائدة في عملية التنفس، لكن الممرضة ذكرتني أنك وصلت الدنيا قبل موعدك بشهر كامل، وأن الأمر عادي، ويحتاج فقط إلى ساعتين في الحضانة.
أكره الحضانات، أكره الكلمة نفسها وحروفها، قطعة القماش الخضراء تحتك، الإضاءة الصفراء فوق رأسك، محلول تنظيف البطن، حقنة اكتمال الرئة.. كان يوما قاسيا علينا جميعا، وفعلا لم أجرؤ أن أدخل وأقف أمامك، حتى بعد أن سمحت لي الممرضة بدقيقتين لأطمئن عليك، حمدت الله وشكرتها، وذهبت أكذب على أمك، بالمناسبة، أمك عرفتها قوية، كل أزمات الدنيا تخبئ حلولها في عقلها، ولا شيء يغلبها إلا قسوة من تحبهم أو خوفها عليهم، أنت مثلا، عشنا معًا 8 أشهر كل يوم في عالم جديد، وقصص مختلفة نحكيها كل ليلة لا بطل لها إلا سيادتك، كنا نعد الأيام ونحسبها، ونكسر ملل الشهور الطويلة بمقاطع السونار وزيارات متقطعة للطبيبة.
تعرف لم أجد، يومًا، فرحا في عين أمك كالذي لفها وهي ترتب ملابسك لأول مرة، أنت غيرتها صدقني، أكثر من 7 ساعات تنتظر ساعة الوضع لم تقل فيها آه واحدة، فقط كانت تنتظرك، ولما عرفت أن 10 دقائق تفصلك عن الحياة، خرجت من غرفة السونار وبيدها ورقة صغيرة، تقريبا كانت تجر أقدامها لا تمشي، ولم تنطق إلا بكلمة واحدة "هيموت"، كان عليّ أن أجد حضانة وأدخل أمك غرفة العمليات في دقيتين بالضبط، لكن لا حضانات متوفرة في مستشفى عام، وفكرة اللجوء لهذا المكان كانت سيئة من البداية، ولولا تدخل "أمل".. أنت تذكرها طبعا، بالضبط، الدكتورة أمل، طبيبتك التي رفضتَ أن تأتي عالمنا إلا على يدها، لكن أنت اخترتَ ساعة متأخرة من الليل، وهاتف أمل كان مغلقا، ولم يكن أمامنا إلا هذا المكان.
في الطريق من المستشفى لعيادة أمل كنت مشغولا بالدعاء، لو حلفت أمامك الآن أني قلت "يا رب" ألف مرة ستكذبني، كنت أهز ساقي وأسبح وأستغفر وأتمتم وأصلي على النبي، ولولا الوضوء لصليت ركعتين في السيارة، لكن كنت أشعر بالخسة مع الله، وأن هذه المرة لن تمر بسلام، لكن مرّت، تقريبا لم يلتفت إلى أفعالي الناقصة أمام دموع أمك.. صحيح أخبرتني بعد أن هدأت الأمور أنك توقفت عن الحركة دقيقتين تقريبا، وظنت أنها لن تراك، ولما مسحت على رأسك، كانت تحدد مكانه بسهولة في الشهور الأخيرة، فاجأتها بحركة قوية وكأنك تطمئنها عليك، والآن غيرك لن يخبرني إن كانت هذه رسالة فعلا، أم فسرتها أمك على طريقتها..؟!
يوم الولادة لم يقترب شبح الموت في رأسي إلا منك، سيناريو واحد كان يدور حول آلامي ووجع رحيلك، كم يوما سأترك لحيتي، كم علبة سجائر سأدخنها، أول ضحكاتي بعد موتك، ماذا سأكتب عنك، حزن أمي، دموع أبي التي لم أرها في حياتي، أما أمك استبعدت عنها هذه الفكرة تماما، تقريبا لم تأت في بالي أصلا إلا وهي تتركني أمام غرفة العمليات، وقتها شعرت أني وحيد في هذه الدنيا فعلا، وجلست أمام الباب أنتظر أحدكما فقط.
بحثت عن عمك كثيرا هذا اليوم، كنت أنتظره وأعرف أنه لن يأتي، هو في قارة وأنا في أخرى، فعلا كان ينقصني حضوره، لكن جدتك شاركتني وصلة بكاء طويلة انتهت لما رأيتك في حضن "هدى"، وإن كنت نسيتها، هي أرق ممرضة قابلتها وأول أنثى حملتك على ذراعيها، البنت فعلا تستحق أن تتذكرها دائما، ملأت الدنيا زغاريد وأنت في حضن أمك، ونظفت جسدك جيدا، وعلقت المحاليل اللازمة، ولم تتركني لحظة واحدة أمام الحضانة، حتى وأنا أكذب على أمك وأحلف أمامها أنك لم تدخل الحضانة كانت تحلف أيضا أنك تحتاج جهاز تدفئة نصف ساعة فقط.
في (7د) كل الوجوه لا تشبه هدى، طبيبك، وقلت لك إن دمه بارد، والسخافة كلها وضعها ربنا في قلوب ممرضات الدور، حتى طبيب التخدير كان عديم الشخصية وجبانا، "القصر الفرنساوي" يشبه ثلاجة موتى كبيرة صدقني، وأعاهدك ألا نمر أمامه ثانية، لكن آه لو كان في الدنيا 20 واحدة فقط مثل هدى، وحدها كانت تعرف كيف تدخل رأسي معادلة رضيع يجري جراحة في بداية شهره الثاني، كانت سترحمني من الخيالات، وتقطع صمتنا بضحكة حلوة، وتبحث لجدتك عن سجادة صلاة، وتحكي لجدك ماذا يحدث حولنا بالضبط قبل أن ينام بعد وصلة تسبيح طويلة، وتستسلم خالتك هي الأخرى للصمت وترمي رأسها على حقيبة ملابسك الصغيرة.
3 ساعات في الانتظار وأنت في حضن أمك، فقط كانت تنظر لوجهك وتمسح عينيك وتقبل يدك، أما أنا دخنت علبة سجائر كاملة، كنت أهرب منك كعادتي، لكن هذه المرة بحجة التدخين، وفي نصف ساعة فقط لعبنا أنا وأنت ألف لعبة، وصلينا جمعتين، واشترينا ملابس للعيد وأخرى لأولى ابتدائي، وكنت جائعا فأكلنا في شارع تحبه، وقرأنا قصة قبل النوم، وسورة واحدة، وسمعنا أغاني وتواشيح، وحضنتك، والله حضنتك، ولولا وصول الطبيب لأخبرتك بقصة أول فتاة وقعت في غرامها.
لم ننتظر طويلا في غرفتك، كانت في الطابق السابع، جناح "د"، أعرف أنك ستكره هذا الحرف، وسنحاول أن نسقطه من حساباتنا لا تقلق.
كان معك 6 أطفال يفصل بينكم ستائر صغيرة، والرسومات كانت لميكي وبعض الأشجار وشخصيات كرتونية أخرى نسيتها لما دخلت "منال" أبدن ممرضة رأيتها في حياتي، لا تحاول أن تقنعني أبدا أنها كانت برقة هدى، هل نسيت شكل ثوب عمليات الجراحة الأزرق وهي تحمله في يدها، كان خشنا وقاتما، وعديمة النظر أحضرت واحدا كبير ا جدا لا يصلح إلا لبدينة مثلها، ولفته حولك 4 مرات قبل أن تركب الكانيولا بيدك.. كنت أصغر طفل يجري جراحة يومها، أنت بطل فعلا، وضحتك حلوة، وأعرف أنك قصدت أن تترك لنا واحدة قبل أن تدخل غرفة العمليات.
كانت أسخف ساعة ونصف في حياتي، والتفاصيل كانت مرعبة، وسألت نفسي كثيرا ماذا يجري بالضبط في الداخل، وهل أنهى طبيب التخدير عمله، ويد الجراح طاوعته وهو يشق بطنه الصغير، وضحكت لما ضبطت نفسي أذكر الله وأستغفر من جديد على باب العمليات، لكن هذه المرة أمك معي وأنت وحدك مع جراحك البارد.
تماسكت طويلا أمام أمك، وكل التفاصيل كنت أرددها ببالي فقط، لكن هربت إلى الشباك وتركتها، وقلت له هو يا رب صغير، أحد لم يعلمه كيف يطلب منك، وكيف لروحه أن تتحمل رائحة الموت وتطيق التخدير، وسألته ألا يحرمك كل جميل في الحياة، وعدت على صوت بكائك وأنت على ذراع منال، ولا أعرف حتى الآن إن كنت بكيت وقتها غاضبا من قسوتها أم ألمٌ فعلا أصابك بعد الإفاقة.
قضيت ليلة واحدة في المستشفى، كان معك أمك وجدتك، أما أنا علمتني أن أكلم الله في الطريق، وألا أذكره دون أن أوصيه عليك، وعلقتني بأمي ألف مرة على تعلقي الزائد بها، وأحببت أبي أكثر بسببك، وضاعفت حبي لأمك وجدتك، وعرفتني قدر جدك".
انتهت قصة الكاتب "هيثم عبد الشافي" هنا، ولم ينتهي الحديث عن مجموعته القصصية "7 دال" سأعود إليها قريبا جدا، بعدما أتلقى إجاباتكم عن السؤالين اللذين طرحتهما في بداية المقال.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ط
- 2016 .. يحقق ينتظر 100 أمنية لمبدعين مصر
- ليس بالقانون وحده ينتهي الإرهاب.. بالعقل ايضا
- أشرف ضمر.. يفتح قبر الأسئلة البسيطة
- -ميزو- المهدي المنتظر
- 9 صور
- حرب السلفيين ضد الدولة المدنية لن تنتهي
- رسائل دموية
- البحث عن دور.. للوجه الجديد -رمضان عبد المعز-
- بنفسج
- -ميت
- أيها السلفي.. أنت كافر
- -تماثيل خشب- نصوص.. إياك أن تطمئن إليها
- لماذا يُصر “السيسي”على الفشل؟
- سلسلة مقالات منشوره (6)
- سلسلة مقالات منشورة (5)
- سلسلة مقالات منشوره (4)
- سلسلة مقالات منشوره (3)
- سلسلة مقالات منشوره (2)
- سلسلة مقالات منشوره (1)


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - احذروا هذه القصة.. -7 دال-