أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الطائي - النهب في العراق .. حفريات أجتماعية















المزيد.....

النهب في العراق .. حفريات أجتماعية


صادق الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5411 - 2017 / 1 / 24 - 17:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مع بروز ظاهرة النهب في العراق بشكل لافت والتي طالت شبهتها طيفا واسعا من الطبقة السياسية الحاكمة في عراق مابعد 2003 ،بات ضروريا ان نطرح سؤالا ملحا؛هل لظاهرة النهب جذورا تمتد عميقا في الشخصية العراقية؟ولماذا طالت شبهات الفساد كل الطيف السياسي دون تمييز بين الاحزاب اسلامية كانت او علمانية؟.
للعراق تاريخ حافل من عمليات النهب والسلب التي عادة ما تتبع حالات الانفلات الامني التي تحدث بعد الحروب او الكوارث الطبيعية،وقد درسها اكثر من باحث ربما كان ابرزهم عالم الاجتماع العراقي د.علي الوردي،الذي عزى الامر الى صراع البدواة والحضارة في الشخصية العراقية،واشار في عدد من كتبه الى ان جذر البداوة ضارب في عمق الشخصية العراقية،فترى صفات الشخصية البدوية تظهر كلما وجدت الى ذلك سبيلا حيث تتفاخربنهب وتدمير مؤسسات الدولة العدو الاول للبدوي . في المقابل وعلى سبيل المقارنة،نحن نتذكر كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان ،وهي كارثة تطورت بعد الزلزال في 11 مارس 2011، وهنا نسأل،لماذا لم تحدث حالات نهب او سرقة بعد الكوارث وماتسببه من انفلات وعجز الدولة عن القيام بواجباتها في هذا البلد؟ والاجابة ببساطة لان بنية المجتمع الياباني تاريخيا مختلفة، حيث كان نمط العلاقات الاجتماعية في اليابان في الحقبة الاقطاعية مختلفا،اذ لم يكن الاقطاع الياباني متعسفا تجاه فلاحيه مثل الاقطاع الاوربي او الاقطاع الشرق – اوسطي،بل امتاز بنمط من العلاقات الاجتماعية يمكن وصفها باللحمة او الانتماء العائلي،التي ينظر عبرها الفلاحون بأجلال واحترام لاقطاعييهم،وفي المقابل يمنحهم الاقطاعي الرعاية والعناية والتكفل باحتياجاتهم الحياتية بما يضمن كرامتهم الانسانية لانه يعلم ان ثروته قائمة على فائض جهود فلاحيه. ثم تحول رموز الاقطاع وبدفع ومساعدة الدولة الى الاستثمار الصناعي لينشئوا رأسمالية صناعية وطنية في عام 1868 خلال حكم الإمبراطور مييجي فيما عرف بحقبة تحديث اليابان،وبالتالي بنيت علاقات الفلاحين الذين تحولوا الى عمال مصانع على الاسس القديمة من الولاء والانتماء لمؤسساتهم الصناعية الجديدة وبالمقابل تمنحهم هذه المؤسسات الحماية والرعاية،وبذلك تبنى الشخصية اليابانية وهي تشعر بالمسؤولية تجاه المؤسسات العامة،وهذ الامر بالتأكيد يحتاج الى تفصيل اكثر ربما سنتناوله في مرة قادمة،وللمقارنة والخروج بنتائج موضوعية نسأل ،اذا لماذا يختلف الامر في مجتمعاتنا؟وانا اتكلم تحديدا عن المجتمع العراقي في تاريخه الحديث والمعاصر؟
لقد شهد العراق في الحقبة الملكية الكثير من ظواهر النهب الكبرى في اكثر من حادثة او نزاع داخلي، وربما كان اكثرها رسوخا في الذاكرة العراقية هو ما عرف بـ (فرهود 1941) وكلمة (فرهود) من العامية العراقية وتعني النهب،والحادثة هي ماحصل بعد الاطاحة بحكومة ثورة مايو-1941 ،فقد شنت بريطانيا الحرب على العراق واسقطت حكومة رشيد عالي الكيلاني واعادت الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق الى الحكم لينكل بالعقداء الاربعة الذين قادوا الانقلاب العسكري على الحكومة السابقة وعزلوا الامير عبد الاله من الوصاية على العرش وعينوا بدله احد اشراف العائلة الهاشمية هوالشريف شرف بن راجح وصيا على العرش،عاد الامير عبد الاله لينتقم وليعلق المشانق لرموز الانقلاب في مدخل وزارة الدفاع.من طرف اخر كان يهود العراق يشعرون بالقلق والتهديد من حكومة الانقلاب العسكري لميولها المعلنة والواضحة نحو المانيا النازية نكاية ببريطانيا، لذا فقد فرحوا بسقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني ولم يخفوا فرحتهم بل خرجوا الى اطراف مدينة بغداد بابهى حلتهم لاستقبال الامير عبد الاله العائد في الاول من يونيو 1941، وبالصدفة المحض كانت فرحتهم مضاعفة وذلك لتزامن هذا الحدث مع احد اعيادهم الدينية،ونتيجة لكره شرائح واسعة من المجتمع العراقي للانكليز والقصر،مع الاحساس بالعجز عن القيام بشيء مؤثر ضدهم،تحول سيل الشعور الغاضب والساخط لينصب على طرف ضعيف في متناول اليد.انصب غضب الغوغاء على اليهود باعتبارهم رمزا وعونا للمستعمر البريطاني والوصي المكروه شعبيا، وبذلك تحولوا الى كبش فداء للانفلات الامني الذي حصل جراء الفراغ الحكومي الحاصل ما بين اسقاط حكومة الكيلاني وتشكيل الحكومة الجديدة،فوقعت حوادث ما عرف بـ (فرهود 1941) حيث نهبت واحرقت بيوت ومحلات اليهود وتعرض بعضهم للقتل وعصابات الغوغاء تهتف(حلو الفرهود كون يصير يومية)،ولم يكف الناهبون عن القتل والحرق والتدمير الا بعد ان أمر الوصي باطلاق النار على الناهبين بعد ان اصبحت ممتلكات المسلمين في خطر النهب أيضا. ثم شكلت لجنة تحقيق عن حوادث يومي 1 و2 يونيو 1941 بقرار من مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 7 يونيو 1941 برئاسة السيد محمد توفيق النائب،لكنها لم تخرج بنتائج حاسمة،مما ترك غصة في نفوس الطائفة اليهودية وشرخ يعزلها عن النسيج الاجتماعي العراقي،ولم تمح هذه الغصة مع مرور السنين،اذ ظهرت اثار هذا الخوف بعد عشر سنوات عندما حصلت الهجرة الكبرى عام 1951 الى (اسرائيل ) هربا من اعمال انتقامية قد تحدث مجددا.
وتستمر حالات النهب،لكنها كانت تتناسب تناسبا عكسيا مع قوة وسطوة الحكومات،فحالات النهب تتراجع وتكاد تختفي مع وجود حكومات قوية،وتنطلق وتنتشر في ظل الانفلات او الحكومات الضعيفة، الا ان هنالك نقطة مهمة يجب الوقوف عندها،وهي دور الجانب الحكومي الذي رسخ مفهوم(النهب الرسمي) وهنا لابد من ذكر بعض الحوادث التاريخية؛الحادثة الاولى هي ما عرف في تاريخ العراق المعاصر (بتهجير التبعية الايرانية) في مطلع الثمانينات، اذ تمت مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لعشرات الالاف من العراقيين من ذوي الاصول او التبعية الايرانية والقائهم في العراء على الحدود الدولية مع ايران،هذه الظاهرة رسٌخت في مخيلة المواطن العراقي مفهوم الدولة النهابة،كذلك ماحصل للمدن الايرانية الحدودية عندما اجتاحتها القوات العراقية في بداية الحرب العراقية – الايرانية بداية الثمانينات، فقد نُهبت هذه المدن وبشكل خاص مدينتي المحمرة وقصر شيرين من قبل الضباط والجنود امام انظار السلطات الحكومية التي لم تردعهم ولم تتخذ بحقهم اجراءا قانونيا،وهذا ماحصل ايضا ولكن بشكل اكثر تنظيما ابان احتلال الكويت،اذ ولأول مرة يحدث ان دولة تسرق دولة اخرى بالكامل،فقد عمدت المؤسسات الحكومية وبتوجيه من قياداتها الى الاستحواذ على ممتلكات المؤسسات القرينة لها في (المحافظة التاسعة عشرة ) كما اطلق على الكويت،وتم تحويل ممتلكات الوزارات الكويتية الى قرينتها العراقية في بغداد،بالاضافة الى عمليات النهب والسرقة التي مارسها بعض الافراد المتنفذين في الدولة للاموال العامة والخاصة في الكويت،هذه الظواهر التي حدثت في العراق و ايران والكويت رسخت مفهوم النهب في الشخصية العراقية،بعد ان توارى هذا المفهوم بعيدا في عقدي الخمسسينات و الستينات مفسحا الطريق لسلطة القانون ولو بدرجات متفاوتة بين حقبة واخرى.
وعندما كلكل الحصار الاقتصادي على العراق،الحصار الذي فرض على الشعب العراقي دون ان يمس النظام طوال ثلاث عشرة سنة،كانت ثقافة النهب تُرسخ من قبل الدولة، ففي ماعرف( بقضية التجار)، وهي قضية اتهم فيها كبار التجار العراقيين المستوردين للمواد الغذائية باحتكار السلع الغذائية لرفع اسعارها،واحيلوا الى محاكم صورية امرت باعدامهم،وبأمر من الحكومة تم فتح مخازن هؤلاء التجار المغدورين والمناداة على الناس(تعالوا وخذوا ما كنز اعداء الشعب) ليتم نهب ممتلكاتهم بالكامل،واصبح في هذا العقد الاسود نهب المال العام مدعاة للفخر،وان من يقوم بذلك من الناس لا يخجل او يداري الامر فهو(شاطر) يعرف كيف يستغل وظيفته،حتى استشرى الفساد الى درجات غير مسبوقة، ولم تكن الحكومة تلتفت لذلك اذ انها كانت تعتبرالنهب والفساد الحكومي من الامور التي لا تمس امن الدولة مثل القضايا السياسية،لتنتهي هذه الحقبة باكبر كارثة نهب شهدها العراق في ما عرف بـ (الحواسم)،و(الحواسم) هو الاسم الذي اطلقه الرئيس الاسبق صدام حسين على الحرب التي شنتها قوات التحالف ضد العراق عام 2003 واسمتها(حرية العراق)،والتي انتهت باسقاط النظام وشيوع حالة الانفلات التي طالت المؤسسات والدوائر الرسمية اجمع،ومنها كارثة نهب المتحف العراقي وتدمير التراث الحضاري للعراق الذي عد خسارة للانسانية جمعاء وليس للعراق فقط.وبات مصطلح (الحواسم) شائعا في الثقافة الشعبية العراقية واصبحت هي الكلمة البديلة للنهب او الفرهود.
وقد وقفت القوى المجتمعية التقليدية ممثلة برجال الدين والشيوخ القبليين وكبار السن في المجتمعات المحلية وكل من له هيبة او مكانة اجتماعية بوجه هذه الفوضى، وأمروا الناس بحكم مكانتهم الاجتماعية ان يعيدوا ممتلكات الدولة لانها ملك للجميع، وفعلا تم اعادة الكثير من المنهوبات بهذه المبادرة. وهنا يجب ان نشير الى ان جزءا اساسيا من المشكلة يتحمله النظام السابق لانه افرغ المجتمع من مؤسسات المجتمع المدني التي كان بأمكانها ملء الفراغ وتقليل الخسائر والكوارث التي حصلت عندما دمر الاحتلال بنى الدولة .
من هذا التحليل يمكن ان نعرف ان مانعيشه من فساد حكومي اليوم لم يأت من فراغ ،انما هنالك العديد من الجذور التاريخية التي مهدت لحدوثه،وقد يقول البعض اني اتجنى او اتحامل على الشخصية العراقية لاني اصفها بكل هذه الاوصاف اثناء التحليل،وانا اقول قطعا لا، لان مثل هذه الامراض الاجتماعية تصيب اي مجتمع من المجتمعات ولكن بتفاوت من مكان لاخر، ونحن قد شهدنا حالات النهب والسلب في دول تعد من الامم الراسخة في التحضر والتقدم في اوربا وامريكا عندما تعرضت الى كوارث طبيعية او حروب،الا اننا يجب ان نؤكد على رسوخ قيم المواطنة والحق والخير في هذه المجتمعات بدرجة تفوق المجتمع العراقي الذي تناوبت عليه المحن والكوارث طوال تاريخه المعاصر فاوصلته الى ماهو عليه اليوم .



#صادق_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من شارب هتلر الى لحية البغدادي ... حفريات تاريخية
- دورات التاريخ ..القبلية في العراق العثماني
- القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري
- القبلية في العراق الامريكي
- صراع المرجعيات الدينية في النجف؛التيار الصدري نموذجا
- «الكتلة التاريخية» في العراق… تفكيك المقاربات
- السيارة معيارا للتاريخ الاجتماعي
- قراءة سوسيونقدية لرواية (ابنة القومندان) للروائي شريف حتاتة
- محمد عمارة من وهج اليسار الى الانكفاء الطائفي
- قراءة نقدية لكتاب التطهير الثقافي او التدمير المتعمد للعراق


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الطائي - النهب في العراق .. حفريات أجتماعية