أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - خطأ الخالق أم المخلوق 1/2















المزيد.....

خطأ الخالق أم المخلوق 1/2


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 5411 - 2017 / 1 / 24 - 04:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حصر المخلوق البشري عقله، في علاقته مع الخالق، بمفاهيم مطلقة، عندما بلغ بوعيه مرحلة تمييز المادة عن الروح في ذاته، وبحثه عن فكرة الإله خارج الإنسان، ونقب عن العلاقات اللاملموسة التي تربطه كمادة والقوة الخارقة كروح أو تلاحمهما، ولعوامل عديدة أخترع جدلية الخالق والمخلوق، ولمحدودية العقل والتراكم المعرفي والتخلص من ثقل الأسئلة المحيرة، أستند على النقل دون التأويل، وحول أنصاف الألهة اللامادية في الديانات القديمة، إلى الواقع المادي، خالقا بعداً لا متناهيا بينهما، فبرزت على تناقضاتها وبعد مراحل عديدة وطويلة لظهور الأديان، المذاهب المختلفة، وأعمقها وابشعها صراعات كانت ولا تزال في السماويات الثلاث، وعلى خلفيتها تم حصر المقاييس الفكرية، وتكفير معظم المقارنات العقلية.
وتبنى هذا المنطق ملهمو الأديان السماوية، ففرضوا، تحديداً، منطق النقل على العقل، أي عند الشك رجحوا الإيمان وحجموا التأويلات والحوار، فحاصروا بها جدلية الأسئلة المحيرة عن علاقة الخالق بمخلوقه، كعلاقة الرب بالمسيح، الظاهرة التي نتجت كطفرة فكرية، استندت على مفاهيم أديان وثنية سابقة، وتطورت نتيجة تصاعد الصراعات الذهنية، المؤدية إلى توسيع دوامة الشك والحيرة حول علاقاته الروحية بخارج ذاته، فتكاثرت الأسئلة وتنوعت التأويلات، وبرزت الاختلافات في الأجوبة، وكل جهة يضع خالقه ضمن أطر تلائم ثقافته وبصفات خاصة، فكانت نتيجتها، ظهور أسباب جديدة مغايرة للصراعات البشرية، فتفاقمت الحروب وتوسعت مساحات المجازر البشعة في التاريخ، وسيادة مفاهيم مطلقة شاذة أصبحت كالأوبئة بين المجتمعات. فوجدها البعض من الذين عارضوا هذه النقلة المخلة بالقدرات الفكرية، انتقاصا لقيمة الخالق، وتعظيما لمكانة المخلوق، وظهور الخطأ الأكبر في مسيرة الفكر البشري، أي مصاهرة الإنسان لخالقه، ولمرة واحدة، ودون إعادة، وكانت دونها مجريات الصلب وتقديسه، وفرض هذا المفهوم على البشرية بالنقل لا بالعقل.
لربما كانت ظهور جدلية العلاقة الاندماجية الروحية، بين الخالق والمخلوق، الطفرة الفكرية الأغرب والأصعب عند الإنسان، حتى ولو كانت بعضها منتشله من أديان وثنية سابقة لها، رغم إنها عكست سوية تراكماته المعرفية في مرحلة معينة من التطور الذهني. وبعد نقلات نوعية من حيث الإدراك والتراكم المعرفي، تصاعدت الثقة بالنفس إلى حد مجابهة الخالق، واختراق أو تدمير الرباط الروحي بينه وبين الأصنام، أنصاف الألهة، والتي كانت تعكس طيف الخالق، فألغى معظمها، خاصة عندما عرف أسرارها، وأحل ذاته الإنسانية مكانها، ليكون خليفة الخالق المباشر، وتعاظم إلى أن جعل نفسه وحيده على الأرض، وذلك في صورة المسيح. والنقلة في الواقع نتيجة سلسلة من التحويرات والتطورات الفكرية والمعرفية، والمؤدية إلى تأويلات ثورية للعلاقة الغامضة بين الخالق والإنسان، أو بين الخالق وأنصاف الألهة (الملوك).
وعلاقة المسيح بالرب الأب، تعكس تلك النقلة النوعية لملوك اليهود بعد التقرب الأسبق للخالق، والمتمثل بتكلم موسى مع ربه، بنقل الحدث مع عدمية السماح لمتبعيه بمناقشته أو استخدام العقل فيه، حينها رفع موسى، مكانته من مجرد ملك لليهود إلى قريب للخالق، والفكرة عكست جزء من مفاهيم الفراعنة الذين كانوا يعرضون ذاتهم، ليس كملوك، بل كآلهة بشرية على الأرض، وكانت تلك الثقافة مهيمنة على مفاهيم موسى وشعبه. والمسيح بظهوره كابن للخالق، هي الطفرة العظمى لتلك المفاهيم، التي بها نقل الإنسان ذاته إلى مرحلة أعلى في التعامل مع الخالق، وبدأ الصراع معه على الحقيقة وعدمه.
والنقلة الروحية اللاحقة جاءت مع فكرة خاتم الأنبياء، محمد رسول الله، كطفرة نوعية بحد ذاتها، تستند على حيز ثقافي مغاير، أقترب بها الإنسان من العلوم الأرضية، متعاملاً مع الأخر بمجهول مخالف، أكثر رهبة، وكالسابقين أحاط مفهومه بالإطار المطلق، يجب تقبلها معظمها دون التحكم إلى العقل، كالمسائل المتعلقة في الإيمان بالنص عند الشك فيها، وحول القدرات الإلهية، وأسباب وجود رابط بشري مثله ما بين الخالق والمخلوق، والتي بسببها لم يعد الخالق قريباً له، فالرابط عزله في العتمة لتضخيم الرهبة، وتسهيل التبعية، وهكذا استمرت الجدلية المحيرة إلى أن بلغ عالم تغيرت فيه التراكمات المعرفية. والمعضلة في المراحل الثلاث، من موسى المتكلم، وعيسى الأبن، ومحمد المولى على البشرية، هي أنها حجمت على مدى قرون عديدة التطور الفكري، وضيقت مساحات استخدام العقل والنهج العلمي، وحاولوا وضع حد نهائي لعلاقة الخالق بالمخلوق، عندما جعلوا ذاتهم: آخر المتكلمين؛ وآخر الأبناء؛ وآخر الأنبياء، بالنقل المطلق والتضييق على العقل والمقياس. لكن وفي مراحل ماضية لم تعد الحاضنة الدينية الفكرية قادرة على حجم التطور الفكري والتراكم المعرفي، فكانت الثورات البشرية الثقافية، كالتي حصلت في أوروبا، والتي لا يستبعد بأنها بدأت تظهر في العالم الإسلامي.
فعلاقة المسيح بالخالق، التي تندرج ضمن جدلية قامت عليها الديانة المسيحية ككل، والتي استمرت قروناً إلى أن نضجت على صرح مذاهبها المتعددة والمتنوعة، لم تتخلص من الشكوك والـتأويلات، والاختلافات حولها، إلى أن بلغت مرحلة عدم تقبل النقل، وظهرت شريحة ثورية، فرضت طرح الأسئلة المحيرة للعقل البشري وحرضت على الأجوبة عليها، وبها اخترقت جغرافية الحظر على العقل ومنطق النقل.
والأسئلة التالية نموذج بسيط عن المطروح في هذه المرحلة الزمنية: لماذا اخفى الخالق على مر التاريخ جيناته، ولم يخلفها، وهو القادر على الحفاظ عليها ليثبت مطلقه على الأرض؟ فهل ليحير الإنسان، أو لديمومة الصراع الفكري بين مخلوقاته، وتابعيه أو من اتبع تعاليم من ادعوا باتباع تعاليمه، أم ليستمر المؤمن والعاصي في الحيرة، ويدوم التنقيب عن المخفي، في الحيز الروحاني، أي العالم الأخر، بعد التأكد من عدمية بلوغها علمياً، حيث الخالق أو الأب الروحي؟ وعليه يفرض السؤال التالي ذاته على الفكر البشري المحير: هل يشبه الخالق أبنه أو من نفخ في روحه؟ أم الأبن يشبه خواله ملوك اليهود؟ وهل حمل صفات والده أو من حمل عنه روحه؟ وإن كان كذلك لماذا المخلوق تمكن من أبن الخالق؟ ألم يكن بإمكان الخالق أن يوصل رسالته تلك بشكل مباشر لمخلوقاته الضعيفة؟ أم أن المخلوق تجاوز قدرات خالقه في مجالات ما؟ أية لعبة غامضة وراء هذا الخلق، وما هي جريمة الإنسان الذي ولد بدون إرادته منذ البدء؟ ولماذا المخلوق يخدع ذاته إلى هذه الدرجة، بتقبل منطق نقل المفاهيم وعدم استخدام العقل؟ هل ليخلق في ذاته قناعة بالخالق المجهول، والذي تعجز عنه قدراته الفكرية، فيخلق حول ذاته الرهبة، وبناءً عليها يضع القوانين لمسيرته في الحياة؟
...
يتبع...


د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
5/11/2016م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ستكون فيدرالية الكرد في سوريا 2/2
- كيف ستكون فيدرالية الكرد في سوريا 1/2
- ما دور الكرد في آستانه
- الوجه الأخر لخلافاتنا
- الكرد والإيديولوجيات والاستراتيجيات
- سوريا محمية روسية بامتياز
- ترمب من إمبراطورية إلى إمبراطورية
- عندما يدرس ترمب المستنقع السوري
- إيجابيات الصراع الكردي-الكردي-2/2
- أين إيجابيات الصراع الكردي-الكردي- 1/2
- ترمب ما بين تركيا والكرد
- انتخبتُ هيلاري
- من شنكال إلى صلاح الدين دمرتاش - 2/2
- من شنكال إلى صلاح الدين دمرتاش - 1/2
- حروب عالمية بالوكالة
- ما لا تود المعارضة السورية استيعابته
- لا خيار لمرشحي رئاسة أمريكا سوى الكرد
- موصل ما بين كركوك وحلب
- مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً - الجزء الحادي ...
- بلاهة التصعيد الأمريكي مقابل العنجهية الروسية


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - خطأ الخالق أم المخلوق 1/2