أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)















المزيد.....


محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)


موفق كمال قنبر وفي

الحوار المتمدن-العدد: 5411 - 2017 / 1 / 24 - 00:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)

د. موفق كمال قنبر وفي

المحادثة الثالثة عشر:

بعد فترة الاستراحة التي دامت حوالي نصف ساعة بدأت بتكملة المحاضرة: ذكرت ان الاديان في بلاد الرافدين وما حولها قد تطورت في اربعة مراحل ولكننا لا نرى بشكل واضح سوى المرحلة الثانية ، اي مرحلة الزراعة والممالك الصغيرة ، والمرحلة الثالثة ، اي مرحلة دولة المدينة ، والرابعة ، اي مرحلة الأمّة ...
دفع العصر الجليدي (قبل 20000 سنة) تجمعات صغيرة من البشر الى الهجرة من موطنهم الاصلي في سهول سيبيريا الى مناطق اكثر دفئً في ايران ولعل قسم من تلك الهجرات التي استقرت لفترة في ايران هاجرت الى اواسط العراق الحالي قبل حوالي 10000 سنة واستوطنت الاراضي المحاذية لنهر دجلة
سأل سمير: فهل كانوا في دور المشاعة البدائية؟
قلت: كان نظامهم الاجتماعي ... لا اعتقد ذلك لأن النظام القبلي تعدى المشاعة البدائية مع ملازمة بعض المعتقدات الدينية القديمة للنظام الاجتماعي القبلي ... وكان من نتيجة استقرارهم في الارض وتعلّمهم الزراعة نشوء الحضارة السومرية مما يعني الانتقال الى المرحلة الثانية اي الانتقال من مرحلة الاديان الحيوية الى مرحلة الاديان المتعددة الالهة ... ورث الأكديون النازحون من شبه الجزيرة الحضارة السومرية التي ذابت في حضاراتهم وورثوا معها الالهة المتعددة ... تطور الدين الحيوي البدائي الى نظام ديني هرمي متعدد الالهة وتحول الشامان الى كاهن المعبد (الأنسي) ... وفي الصورة معبد من ثلاثة طوابق يسمى الزقورة.

https://www.google.co.uk/search?q=%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%82%D9%88%D8%B1%D8%A9&rlz=1C1CHFX_en-GBGB567GB567&espv=2&biw=1282&bih=678&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwjT0arVh9nRAhXDOBoKHcuTCssQ_AUIBygC#imgrc=U7NPzYwHC3WaDM%3A

سأل قيس: وكيف كان الناس يتعبّدون في ذلك الوقت؟
قلت: كانت هناك مناسبات دينية ... الكهنة يصعدون درج الزقورة وهم يرددون بعض الصلوات ثم يصعد الكاهن الاكبر الى القبّة العليا ليقدم القرابين ويقوم بالصلاة وهو قريب من اله السماء ... ربما يقوم عامة الناس الذين يحجّون الى هذا المعبد بتقديم صلاتهم وقرابينهم عند الطابق الاول.
سأل السيّد خالد: وهل كانوا يتجهون بصلاتهم الى اله واحد في السماء؟
قلت: كانت اديانهم متعددة الالهة ولكنها في نظام هرمي يقف على رأسه ثلاثة من الآلهة هم رب السماء (آن) وفي السماء الافلاك والنجوم التي خلقت فيما بعد كألهة ثانوية .. ورب الارض والمياه العذبة والعقل (كي او إنكي – نمرود عن الاشوريين) .. وبينهما رب الهواء وراعي مدينة نيبور وسيد الانسانية (إنليل) ... في الصورة الاله انكي ونهر دجلة والفرات ينبعان منه.

https://www.google.co.uk/search?q=%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%87+%D8%A7%D9%86%D9%83%D9%8A&rlz=1C1CHFX_en-GBGB567GB567&espv=2&biw=1282&bih=678&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwiEiqf5h9nRAhVFPBoKHYIYDZUQ_AUIBigB#imgrc=yoXubLn6mQkFGM%3A
هذا جزء من اسطورة إنيموا إلش التي تحكي قصة الخلق:

في البدء كانت الألهة "نمو" ولا أحد معها، وهي المياه الأولى التي انبثق عنها كل شي
أنجبت الألهة "نمو" ولدا وبنتا. الأول "آن" إله السماء والثانية "كي" إله الأرض وكانا ملتصقين مع بعضهما وغير منفصلين عن أمهما "نمو".
ثم قام "آن" بالزواج من "كي" فأنجبا بكرهما "أنليل" إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة
"إنليل" الإله الشاب النشيط لم يطق ذلك السجن فقام بقوته الخارقة بفصل أبيه "آن" عن أمه "كي"، فرفع الأول فصار "سماء"، وبسط الثانية فصارت أرضا. ومضى يرتع بينهما
ولكن "إنليل" كان يعيش في ظلام دامس، فأنجب "إنليل" ابنه "نانا" إله القمر، ليبدد الظلام وينير الأرض.
"نانا" إله القمر أو"سين" أنجب بعد ذلك "أوتو" أو "شمش" إله الشمس.
وبعد أن ابعدت السماء عن الأرض وصدر ضوء القمر الخافت وضوء الشمس الدافئ قام :إنليل" مع بقية الألهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى

قال صديقي: لماذا هنالك اسمين للقمر والشمس في الاسطورة؟
قلت: تناقلت هذه الاسطورة الحضارة الاكدية والبابلية والاشورية وحتى الكنعانية في سوريا وفلسطين وكل منهم وضع اسماء الهته فيها ... ف أنو في حضارة اخرى هو بحر الفوضى تيامت ونانا واوتو السومريان هما سين وشمش الاكديان ... انتقلت كثير من تلك الاساطير الى الاديان السماوية عن طريق اليهودية كما سوف اقوم بشرحة عندما نصل الى المحاضرة التي تخص الدين اليهودي.
سأل السيد حسين: هل لك ان تذكر بعض هذه التي تسميها اساطير في الاديان السماوية؟
قلت: ولو ان هذا سابق لأوانه ولكن يمكن ان اعطي مثلاً على ذلك يتعلّق بأسطورة أنيمو ألش وما تذكره الكتب السماوية عن خلق الله للسماوات السبعة ... السماوات السبعة جزء من الاسطورة التي ترسم النموذج الفلكي السائد انذاك ... الارض وفوقها ثلاثة سماوات وتحتها ثلاثة سماوات ... وهي في سماء ... المجموع سبعة سماوات.
لم يمهل صديقي السيد حسين الذي كان يستجمع افكاراً للرد عليّ فقال: انظر كيف فصل انليل السماء عن الارض ... وهناك آية في القران لا أتذكّرها تبيّن كيف فصل الله الارض عن السماء بما يشبه الاسطورة.
قال السيد خالد: أتعني الاية من سورة الانبیاء " أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" ... انها تتنبّأ بما توصل اليه العلم الان في نظرية الانفجار الكبير كما يقول المفسّرون.
قلت: القران ليس كتاب فيزياء او اي علم من العلوم ... انه كتاب روحي ومن المستحسن ان يترك هؤلاء المفسرون أدخال العلم في القران لان نظريات العلم تخضع دائماً للتمحيص والتعديل والرفض والابدال بما هو اقرب للحقيقة ... فهل تقترح ان نرفض هذه الآية لو تبيّن ان نظرية الانفجار الكبير غير صحيحة؟
قال صديقي: العلم يقول .. لا وجود للارض والسماء عند الانفجار الكبير! ، وقبل ان يمعن صديقي بتخطئة السيد خالد قلت: لنترك هذا ونعود الى المحاضرة ... هذا الذي على حاسوبي يبيّن الترتيب الطبقي للآلهة

1
آن – كي – انليل

2
اله القبّة السماوية

نانا إله القمر والتوقيت القمري والمسيطر على مصائر البشر – اوتو اله الشمس والعدالة

3
الاله السفلى تحت الارض

نركال – ارشكيكال – الاله المحارب نينورتا

4
الآلهة المسؤولة من الأدوات مثل المحراث وقالب الطوب

والمهن مثل الخزافين والحدادين وماشابه ذلك

5
آلهة الطبيعة الرمز الروحي للظواهر مثل آلهة الأنهار والجبال والنباتات والحيوانات والخصوبة والولادة
والطب ، والرياح والعواصف الرعدية
ملائكة حارسة خيرة وجن وشياطين شريرة



وهنالك الهه انثوية من جميع الرتب
وكثير هن مجرد زوجات الآلهة
ولهم مهام محددة فهنالك
الاله الأم إلهة إينانا إلهة الحب الجسدي والملذات التي
التي أحبت دموزي – واسمه عند الساميين هو تموز- وهو الاله حامي القطعان والنباتات التي تموت في فصل الصيف وتحيي في فصل الربيع ونسجت حوله اسطورة موت تموز واحيائه في الربيع
في يوم رأس السنة الجديدة حيث يلعب الملك والكاهنة العليا دور الزواج المقدس لاستدرار الخصب والتكاثر

https://www.google.co.uk/search?q=uajhv&rlz=1C1CHFX_en-GBGB567GB567&espv=2&biw=1282&bih=678&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwiP94OriNnRAhWF5xoKHc4uAcsQ_AUIBygC#tbm=isch&q=%D8%B9%D8%B4%D8%AA%D8%A7%D8%B1&imgrc=zYhlQRvQY4rRkM%3A

قلت: عندما نطالع كتب الحضارة والفلسفة في الغرب نجدها تشيد بالحضارة الاغريقية التي ترعرعت منها ... ولكن الحضارة الاغريقية لم تنشأ من فراغ بل ان اسسها جاءت في البداية من حضارات وادي الرافدين وسوريا ... انتقلت ألآلهة السومرية الى الفينيقين الكنعانيين ساكني سواحل سوريا ولبنان حوالي 2800 سنة ق.م ، وهم الذين سيطروا بسفنهم الشراعية على التجارة في البحر الابيض المتوسط واسسوا مدناً ساحلية مثل بيروت وبيبلوس وطرابلس وصيدا وبعلبك في لبنان وقرطاج في تونس ومارسيليا في ايطاليا. وتسمية فينيقيين (Phoenicians) مأخوذة من كلمة (Phoinos) وتعني "احمر" باليونانية فكان ألفينيقيون يصبغون اشرعة سفنهم بصبغة قواقع بحرية (الموركس) تعطي صبغة إرجوانية مائلة للحمرة وعندما يلمح اليونانيون سفنهم الاتية من البحر يهتفون جاء الحمر ... الحضارة الاوربية الحاليه هي وليدة الحضارة الرومانية والحضارة الرومانية هي وليدة الحضارة الاغريقية والحضارة الاغريقية هي وليدة حضارات وادي الرافدين وسوريا ... انظروا كيف تناقلت الحضارات نفس الالهة السومرية ولكن بأسماء مختلفة

السومريون (آن) < الساميون (آنو) < الاغريق (ابولو) < الرومان (جوبتر)

السومريون (نانا) <الساميون (سن)

السومريون (اوتو) <الساميون (شمش)

السومريون (أنانا) <الساميون (عشتار) <الاغريق (افروديت) <الرومان (فينوس)

قال قيس: من هم الساميون الذين ذكرتهم الان استاذ؟
قلت: هم نفس الكلدانيين وبالبابليين والاشوريين وكذلك اليهود والكنعانيين ... انا لا احب هذه التسمية المشتقّة من تقسيم عنصري ورد في التوراة ولكني استخدمة بدلاً من ذكر اسماء كل الشعوب التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية ، واصلت حديثي: ... ننتقل الان من الديانات المتعددة الالهة الى الزرادشتية والتي يطلق عليها بالديانة المثنوية...

الزرادشتية المثنوية
هذه صورة متخيّلة لزرادشت نبي الزرادشتية ... هذه صورة مأخوذه من الطائفة الزرادشتية في امريكا ... ترون عليها تأثير الصورة المتخيلة للمسيح

https://www.google.co.uk/search?q=uajhv&rlz=1C1CHFX_en-GBGB567GB567&espv=2&biw=1282&bih=678&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwiP94OriNnRAhWF5xoKHc4uAcsQ_AUIBygC#tbm=isch&q=%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%B4%D8%AA&imgrc=O_blNoSk45m4_M%3A

الديانة الزرادشتية هي ديانة فارسية ... الشعوب الفارسية هي تراكم من هجرات شعوب قديمة من اواسط سيبيريا ... سمَيت الشعوب المهاجرة من اواسط سيبيريا بالشعوب الهندو أوروبية لأن قسماً منها تحول الى الهند وقسماً منها تحول الى اوربا ماراً بأيران الحالية ، ولهذا يسمي علماء الانثربولوجيا الشعوب الاوربية بالشعوب الآرية نسبة الى ايران. لقد حملت الشعوب الهندو أوروبية معها في هجراتها جزءأ من ارثها الديني الشيماني ليتطور في شبه القارة الهندية الى الديانة الهندية الفيديكية وليعاد صياغة الديانة المثرائية (نسبة الى الاله مثرا) المأخوذة من معتقدات الشعوب الآرية الى الديانة المثراسية عند الشعوب اليونانية والرومانية ... لقد برز من بين العقول النيرة في ايران قبل حوالي الف سنة ق.م النبي زرادشت وطور ديانة سميت بأسمه استقاها من التراث الديني لقومه الآريين والتراث الديني الغني للاقوام ألذين أسسوا حضارات متطورة في بلاد ألرافدين وكان لديانته أثراً كبيراً في الديانات التوحيدية بصورة عامة.
قاطعني صديقي قائلاً: سمعت من السيدة زكية حقّي ان زرادشت كان كوردياً وكتابه الآفستا مازال مدونا باللغة الكوردية باللهجة الكرمانجية البهدينانية وقد طرده قومه وتوعدوه بالقتل فهرب والتجأ الى أمير من أمراء الفرس الذي تبنى نشر ديانته.
قال الاستاذ بهنام: اليست زكية حقّي هي النائبة الكردية السابقة في البرلمان العراقي؟
ردّ الاستاذ محمد على زميله: نعم ... هي كانت اول قاضية في العراق ... وهي مؤسسة لأتحاد نساء كردستان.
قال صديقي: وكانت من قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني وعندها دكتوراه بالقانون الدولي من امريكا.
قلت: لعل رأي السيدة زكية حقّي صحيح ... الكرد على اي حال هم من جملة الشعوب الارية ولعل دمائهم اختلطت بدماء شعوب المناطق التي سكنوها ولكن صلتهم العرقية واللغوية بالفرس قوية.

تحول مثرا في الديانة الزرادشتية الى الاله "اهورا مزدا" اله الكون الذي لاشريك له ويتوجه اليه وحده كل عابديه. اهورا مزدا يتجلى في المبدأ "اشا" وهو الحقيقة والنظام في العالم ، فالخير والقوة الخلاقة والمنظمة للكون هو اهورا مزدا. ويتجلى نفي الحقيقة والنظام في المبدأ "دروج" وهو الزيف وفوضى اللا نظام ، وقوة الشر المدمرة هي "أنكرا مينيو". وتتصارع قوّتا الخير والشر دوماً وللانسان دوراً رئيس وفعّال في هذا الصراع ، فالانسان احد مخلوقات اهورا مزدا وفيه من روحه "سبينتا مينيو" مما يجعل واجباً عليه ادامة عمل الخالق في عمل الخير.
سأل سمير: فلماذا يقال انه دين مثنوي مادام الاله اهورا مزدا لا شريك له؟
قلت: لعل البعض من الزرادشتيين انفسهم يظنون ان هنالك الهين متصارعين .. اله الخير واله الشر ... ولهذا لصقت كلمة المثنوية بالزرادشتية ... الزرادشتية ديانة توحيدية الاهها الخالق هو اهورا مزدا الذي يتصف بالخير ولكن قوة الشر المتمثلة بأنكرا مينيا هي قوة التدمير واللا نظام التي تعمل في مادة العالم وفي مخلوقاته ... تدعو الزرادشتية الى سعادة الانسان من خلال حياة ملؤها فكر وقول وفعل للخير وابتعاد قدر المستطاع عن المساهمة بالفوضى والتدمير وتعتبر المشاركة الفعالة في الحياة الدنيا تجسيد لارادة الانسان الحرة. ترفض الزرادشتية القدرية والعقاب والثواب الجماعي وتعتبر ان العقاب والثواب هو ثمرة اعمال الفرد في حياته الدنيا. ان قدر الانسان ومصيره في الحياة وفي الاخرة يخضع لارادته الحرة ، لذلك فأن واجبه الاخلاقي يحتّم عليه عمل الخير لكي ينعم في الدنيا برضى الاله وفي الاخرة بنعيم الجنات. وتعدنا الزرادشتية المتفائلة بالحياة بأنتصار اهور مزدا في نهاية الامر وعندها تحل القيامة على الارض فيتجدد الكون ويتوقف الزمن وتهاجر ارواح كل المخلوقات الحية والتي ماتت لتتحد ثانية باهورا مزدا. وبذلك يمكن القول ان الزرادشتية تحمل نظرة عالمية لا تفرق بين اي من المخلوقات فكل الارواح ستتحد بالاله في نهاية الامر بعد التخلص من كل الشرور.
قال السيّد خالد: لقد كلت كثير من المدح للزرادشتية وكان الزرادشتين في كثير من الاحيان مدانين لكونهم من عبدة النار ... فهم كفرة بنظر الاسلام.
قلت: للزرادشتيين طقوس وصلوات متعددة ، وهم لا يعبدون النار الموقدة دوماً في معابدهم كما يشاع عنهم بل ان النار والشمس هما رمزان للطاقة الالهية الخلاقة التي يتجهون اليها في صلواتهم ويتباركون بها. يعتقد الزرادشتيون بأن الروح تغادر الجسد بعد اربعة ايام من الموت وهم لا يدفنون الجثة التي يعتبرونها نجسة او يحرقونها على الارض لقداسة الارض والنار عندهم بل يحملون الجثة الى مكان عالي لتنهشها الطيور والضواري ثم يجمعون ويأخذون العظام بعدها ... لم يجبر المسلمون في بداية الفتوحات الزرادشتين الذين أسموهم بالمجوس على الدخول في الاسلام الى العراق وعاملوهم معاملة ذوي الاديان السماوية.
سأل الاستاذ بهنام: لماذا سمّى المسلمون الزرادشتيين بالمجوس؟
قلت: المجوس قبيلة صغيرة كانت تتكفل بالقيام ببعض المراسيم للزرادشتيين مثل مراسيم العزاء ولكن الزرادشتية تحولت تحت تأثيرهم الى المذهب الزرفاني المكبل بالطقوس الكثيرة واصبحت الزرفانية مذهب الدولة في العهد الساسانسي (226-637 م) ... فلعل المسلمين اعتقدوا ان المجوس هم نفس الزرادشتيين.
قال السيد بهنام: أتعرفون القصة حول سفر ملوك المجوس الثلاثة وحضورهم في المكان الذي ولد فيه المسيح وتقديمهم الهدايا له؟
قال صديقي: نعم ... كل عيد ميلاد للمسيح نسمع الاطفال في الكنيسة يرددون اغاني تمجّده وتذكر ملوك المجوس الثلاثة الذين علموا بولادته وجاءوا لمباركته.
قال السيد بهنام: شئ جميل استمتع به كثيراً مع عائلتي ... تمثلية فيها اطفال يأخذون دور العذراء والملائكة حولها والملوك الثلاث يقدمون الهدايا ... ولكن ذلك لم يحدث ... انها قصة فقط.
قال السيد محمد: قصّة جميلة ... دع الناس يصدّقونها ما دامت تدعو للسلم والمحبّة.
أكملت حديثي: لقد تطور مفهوم العقاب والثواب في زمن الامبراطورية الاخمينية (648–330 ق.م) فالعقاب والثواب هو على افعال الفرد فقط ، وقد رافق ذلك تطور مفاهيم الجنة والنار ويوم الاخرة والسراط المستقيم الذي يجب على الروح ان تعبره ... هناك تشابه بين الديانتين الزرادشتية والمانوية في مبدأ ثنائية الصراع بين قوى الخير والشر واليزاتا الالهي ولكنهما يختلفان كلياً في النظرة الى الحياة. فالمانوية التي هي امتداد للعرفانية الشرق اوسطية التي تنسب كل الخير الى الروح اللا مادية وكل الشرور الى المادة وتعتبر المشاركة الفعالة في الحياة الدنيا مشاركة في الشرور. فالمانوية هي شكل من اشكال التقشف الصوفي عكس الزرادشتية التي ترفض كل اشكال التقشف ولا تعترف بثنائية المادة والروح ولاترى اختلافاً بين العالم الروحي والعالم المادي. ان المبدأ الاساس في المانوية هو ان العالم المادي الذي صنعت منه اجسادنا هو من خلق الشيطان وهذا يخالف جذرياً المبدأ الاساس للزرادشتية في ان خلق العالم المادي هو الخير الذي أنعمه الاله الواحد وان الشر هو في تدمير الخلق.
سأل قيس: وما هو الدين المانوي الذي لم اسمع عنه سابقاً؟
قلت: الدين المانوي نشأ في العراق الذي كان ضمن الامبراطورية الساسانية على يد ماني وسوف اتكلم عنه في محاضرة مقبلة ... لقد انقرض هذا الدين منذ زمن بعيد ولذلك لم تسمع عنه.
سأل الاستاذ محمد: قلت ان للزرادشتية تأثير كبير على الاديان التوحيدية ... كيف ذلك؟
قلت: دخل الكثير من مفاهيم الزرادشتية الى الدين اليهودي في فترة تواجد اليهود في بابل فاصبح الكثير من مفاهيمها من اساسيات الايمان في اليهودية والمسيحية والاسلام ، مثل الصراع بين الخير والشر المتجسد بالشيطان وحكم اله على اعمال الفرد والجنة والجحيم وقيامة الروح في اليوم الأخير على الارض وحياة النعيم الأبدية للأخيار في جنّة الخلد وعذاب الجحيم للاشرار.
للزرادشتية كتاب رئيسي مقدس هو "الافستا" والكهنوت عندهم وراثي وطقوسه متعددة والنار المقدسة في معابدهم لا تُعبد بل هي لتطهير النفوس. الزرادشتيون اليوم هم قلة متناثرة من حوالي 200000 نسمة فهنالك بضعة الاف في موطنهم الاصلي ايران وحوالي 115000 في مومباي - الهند وحوالي 7000 في الولايات المتحدة الامريكية.
قال صديقي: هذا دين عظيم فلماذا لم ينتشر في ارجاء واسعة من الارض ، كما هو الحال مع المسيحية والاسلام مثلاً ... فهو في رأيي الاقرب الى الواقع الانساني؟
قلت: اعتقد ان هناك عدة اسباب اهمها.
1. لم تكن للزرادشتية طبيعة تبشيرية كالمسيحية مثلاً فاقتصرت على الشعوب الفارسية تقريباً .
2. تحولت الزرادشتية في ظل الدولة الساسانية المتأخرة والحروب المتوالية مع البيزنطيين الى الزرفانية المثقّلة بالطقوس الكثيرة والمساندة لاوتوقراطية ارهقت المحكومين بضرائب باهضة. ولما جاء الاسلام نبذ كثير من معتنقي الزرفانية دينهم وتحولوا الى الاسلام الذي اعتقهم من الجزية في بداية الدعوة الاسلامية.
3. حدّت المسيحية من انتشار الزرادشتية في ظل الامبراطورية الرومانية ثم جاء الاسلام وانهى اخر الامبراطوريات الفارسية التي اتخذت من الزرادشتية الزرفابية دينا لدولتها وانهت بذلك حماية السلطة لها فتحجّمت في قلة من الارستقراطية الفارسية التي فرّ اكثرها الى الهند.
انتهت محاضرة اليوم وشكراً لأستماعكم وسعة صدركم ومشاركتهم الفعّالة في النقاش ... المحاضرة المقبلة حول الاديان التوحيدية وعندما افرغ من تحضيرها اخبر صديقي ليتصل بكم لترتيب لقاء اخر في هذا المقهى.



#موفق_كمال_قنبر_وفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محادثات فلسفية مع صديقي (12)
- محادثات فلسفية مع صديقي (11)
- محادثات فلسفية مع صديقي (10)
- محادثات فلسفية مع صديقي 9
- محادثات فلسفية مع صديقي 8
- محادثات فلسفية مع صديقي 7
- محادثات فلسفية مع صديقي 6
- محادثات فلسفية مع صديقي 5
- محادثات فلسفية مع صديقي (4)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (3)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد (2)
- محادثات فلسفية مع صديقي الملحد
- امي المؤمنة ونار جهنّم
- عراقي
- شيخ الازهر والطالب النجيب قصة قصيرة ذات عبر


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موفق كمال قنبر وفي - محادثات فلسفية مع صديقي حول الدين (13)