أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5409 - 2017 / 1 / 22 - 17:53
المحور: الادب والفن
    


تلك، كانت من المرات النادرة، التي فقدت فيها " الشريفة " زمامَ نفسها لدرجة الدموع والتفجّع. للوهلة الأولى، أعتقدتُ أنّ ذكرها لمصير " شيرين " إنما يخصّ خشيتها من عاقبة العمل لدى أحد المقيمين الأوروبيين. المفارقة، مثلما فكّرتُ وقتئذٍ، أنها شقيقتي مَن كانت قد سعت إليّ لتمدّني بمعلومات عن " الشريفة " كي تعتقني من فكرة الإقتران بها. على أنّ " شيرين "، بأيّ حال من الأحوال، جاءت متأخرة وعلى الرغم من كون ذلك قد جرى بعد أيامٍ قليلة من إنتقالي للسكنى في الضاحية.
استهتاري بتلك المعلومات، المتعلقة بأشياء شائنة، ما كان بسبب حَبَل " الشريفة " حَسْب. فإنّ إقامتي في مراكش لما يزيد عن العام، جازَ لها أن تجعلني أعقد مقارنة بين واقعها ـ كمدينة مُباحة لكل من يملك المال ـ وبين السيرة الشخصية لهذه المرأة، المشبوهة، كما عرضتها شقيقتي على مسمعي. بل إنني توصلتُ فيما سبقَ من أوراق سيرتي، إلى جعل " الشريفة " صنواً للمدينة الحمراء بكل ما فيها من فتنة وإنحلال ومكر ودهاء. هذا المجاز، ربما كنتُ قد قرأت ما يماثله في مخطوطة شقيقتي؛ هيَ مَن ذهبت أيضاً إلى حدّ إعتبار " الشريفة " نوعاً من قرين لشخصيتها. أوراق تلك المخطوطة، كانت في تلك الأثناء ما تزال بين يديّ " شيرين " في سجنها الإحتياطيّ، تعمل فيها بدأب وهمّة. لمحض الصدفة ( أو أنه تدبيرٌ من القدَر )، جاءت ثمرة علاقتي غير الشرعية ب " الشريفة " في نفس الفترة، التي أنهت فيها شقيقتي كتابة المخطوطة ومن ثمّ إختتامها لحياتها إنتحاراً.
كذلك ينبغي عليّ إعادة القول، بأن " الشريفة " كانت في حينه قد أكّدت صحّة معلومات شقيقتي عنها. بل وكشفت لي تباعاً أشياء أخرى من سيرة حياتها، صارت مادة للعديد من صفحات أوراقي هذه. فيما بعد، حينَ حلّقت روح " شيرين " بعيداً، شئتُ مواجهة امرأتي بمعلومات ضافية أستللتها من أوراق المخطوطة، التي سلّمني إياها المحامي. إذاك، بدت " الشريفة " مصدومة بقوّة. فلم تلبث دفاعاتها الذاتية، المبنية من مداميك الحذر والمكر، أن أنهارت دفعة واحدة. بيْدَ أنّ ذلك، لم يكن الحقيقة كلها. ولعلني، في آخر المطاف، لم أتوصّل إلى حقيقة " الشريفة " أبداً.
لقد نوهتُ، فيما سَلَفَ، بعقدة الرهاب من الأماكن العالية. وهأنذا أجدني الآن على حافّة هوّة سحيقة، لا قرار لها.. الآن، فيما أمضي ببصري بعيداً عبرَ نافذة الحجرة نحوَ الأبنية المجاورة، المضاءة شرفاتها بمصابيح ملوّنة تبشّر بقرب حلول أعياد الميلاد ورأس السنة. هنا، في غربتي السويدية الأكثر جدّة، ما أفتئ أسابق الزمنَ للإنتهاء من أوراق السيرة هذه ـ كما لو أنني على موعدٍ مع قدَر شقيقتي نفسه.
الهوّة تلك، المَوْسومة، أراها إذاً تنفتح تحتَ قدميّ كلما أضحت أوراق سيرتي تميل إلى الذبول، معلنةً اقتراب فصل الشتاء والكفن الأبيض. فأن أعلن وصولي إلى ما يُشبه الحقيقة المتكاملة عن المرأة، المقدّر لها أن تكون مانحة الحياة لثمرة من بذرتي، يعني أن أجدني على مفترق طريقين يؤدي كلاهما إلى الهاوية. فلم يَعُد في وسعي النزول من مركبة الهلاك هذه، ولا يحق لي فعل ذلك بحال.
السيرة، ليست فقط مادة أدبية يُمكن توشيتها بالزخارف اللغوية والأسلوب الحاذق، إنما هيَ قبل كلّ شيء مسؤولية أخلاقية جسيمة مثل الحقيقة سواءً بسواء. إنّ دافعاً خفياً، يكمن ثمة في داخلي، جعلني أحجمُ عن تحمّل مسؤولية الإحتفاظ بمخطوطة شقيقتي " شيرين ". وقد يكون هوَ الدافع ذاته، المتعيّن عليّ مداراته فيما يتعلق بمخطوطة سيرتي. إلا أنّ شقيقتي، في آخر الأمر، أمتلكت الشجاعة لإنهاء سيرتها بكل ما فيها من إشكالات ومحرّمات، وبكتابة مكشوفة أقرب لأسلوب أولئك الأدباء الغربيين، المعروفين بالشطح والإباحية. هذا، بصرف النظر عما إذا كانت كلتا السيرتان ستحظيان يوماً بإمكانية النشر. ملاحظتي الأخيرة، أعتبرها شفيعة لي في المضيّ قُدماً بالكتابة حتى خواتيمها. مع علمي، بطبيعة الحال، أنّ خلافَ ذلك إنما هوَ خيانة للحقيقة ولرسالة الأديب في آنٍ واحد. ولكن، فيمَ كل هذه الحاشية طالما أنّ الكاتب يستبعد وجود قاريءٍ لسيرته؟.. أم أنها، الحاشية، موجّهة لأشخاص معينين ربما لهم صلة بمتن السيرة؟
قبل الإجابة المباشرة، أسوق حقيقة معروفة؛ وهيَ أنّ كل كاتب يضعُ في ذهنه القاريءَ آنَ شروعه في التدوين. على أنّ الحقيقة، وهذا شيء معروف أيضاً، نسبية وليست مطلقة. على ذلك، فإنّ القاريء الأريب ( إذا وُجِدَ؟ ) يُمكن أن يُدرك أيضاً مغزى الشق الآخر من ذلك السؤال. وإنني هنا جواباً أقول، ببساطة وصدق، أنه لم يكن في وارد هذه السيرة تبرير مسلك كاتبها، ناهيك عن تصفية الحساب مع أحد من شخصياتها. بل إنّ ترددي في كشف معميات شخصية معينة ( أيْ قرينتي كما علمتم )، إنما كان من واردات خشيتي مما قد ينجم عنه من أضرار قد تقع عليها وعلى من يرتبطون بها بصلة القرابة. على المنقلب الآخر، فثمة سؤال قد يتبادر للبعض عن سبب عزمي كشف تلك الحقائق، وفي المقابل، استنكافي فعل ذلك بشأن سيرة حياتي في موطني الأول؟
الجواب، بالبساطة نفسها، لأنني أعدّ ما أكتبه هنا نوعاً من " رواية إنطباعية " أكثر منه سيرة ذاتية روائية. إنها أنطباعاتي عن المهلة الزمنية المبتسرة، التي منحنيها القدَرُ للتعرّف على المدينة الحمراء بكلّ ما فيها من مسرات وأتراح ومفارقات وتناقضات. فأنا مع رأي دستويفسكي ( المطروح على لسان أحد أبطاله )، بأنّ المرء يجب أن يكون على قدرٍ كبير من الغرور لكي يفكّر بكتابة سيرة ذاتية!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2