أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى أعمال الشاعرعبدالرحيم منصور















المزيد.....


قراءة فى أعمال الشاعرعبدالرحيم منصور


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 23:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة فى أعمال الشاعرعبدالرحيم منصور
طلعت رضوان
الشاعرعبدالرحيم منصورأحد الشعراء المصريين الذين وعوا خاصيتيْن تميـّـزبهما شعبنا الأولى: الوجدان المصرى الذى رسّـخ لقيمة (التعددية) الثانية: وعيه العميق باللغة المصرية التى يتكلمها شعبنا فى حياته اليومية.
ومن منطلق هذا الوعى أهدى ديوانه الأول إلى أمه فقال ((أمى بنت الشيخ إسماعيل الخلاوى، من (دندره) تعلمتُ على يديها الشعر، فحينما كنتُ صغيرًا كنتُ أجلس بجوارها أمام (الفرن) وهى تخبزأرغفة الخبزعلى نيران شجرالسنط ، وأشعرأنّ الإنشادات التى تقولها أمام النار، كأنها نقش الفراعنة على المعابد القديمة، وأنّ هذه الإنشادات هى التى تــُـطيـّـب الخبز، وليس شجرالسنط)) وبعد أنْ نضج كتب فى أحد دواوينه ((ما تفسروش حلمى.. أنا بس باتمنى.. ريحة خبيزأمى.. جايه لى من الجنه))
ولأنّ منصورآمن بالنبل الإنسانى وتمنى سيادة (روح الإنسانية العالمية) لذلك كتب ((لا يهمنى اسمك. لايهمنى عنوانك. لايهمنى لونك. ولابلادك.. يهمنى الإنسان ولوما لوش عنوان))
وفى البداية أرى أهمية تحية ابنة شقيقه (مى منصور) التى أخذتْ على عاتقها تجميع أعماله الكاملة وصدرتْ عن هيئة الكتاب المصرية- عام2015. وكتبتْ فى التقديم عنه ((ليس بصفته (عمى) أوبصفتى ابنة شقيقه وتوأم روحه الشاعرحمدى منصور، ولكن بصفتى واحدة من عشاق هذيْن المبدعيْن اللذين أرضعا كلماتى بحليب إحساسهما المفرط)) وكتبتْ من أشعارها فى التقديم (كان ياما كان. كان ياما كان. شاعرقوته ف يومه كلام. عايش يحلم بالإنسان. خبى الحلم ف عتمة ليله. كان مستنى الفجريجيله.. كان بيحب الطيروالخير.. قال ح نغنى لكل فقير.. راسم برج حمام مهجور.. فوق الحرف وأرضه البور.. لاضم شق الحيط بالخيط.. خيط بيجر ف ديله العيد.. خنقو براح الدنيا الضيق (الديق) ساب الدنيا وهجْ بعيد.. وأهومن يومها ما جاش العيد))
000
فى ديوان (الرقص ع الحصى) ذكرفى قصيدة (الرحايه): ((قاعده على الرحايه مكفيه.. صوت الحبوب.. مغنى سواقى أناة خريفيه.. مين انتى يا شابه.. يا محنيه؟)) فمن هى تلك (المكفيه) رغم أنها (شابه)؟ فك الشاعرشفرة الغموض عندما أضاف ((عـُـقدى طوله بلاد.. كسيتْ بجلدى الولاد.. وجلابيتى سواد)) وهكذا يـُـدرك القارىء أّنّ تلك (المحنيه) هى مصرالتى كستْ الولاد بجلدها رغم سواد جلبابها (كناية عن تربة مصرالسمراء) يؤكد ذلك ما جاء فى باقى أبيات القصيدة ((فى أرض مشرعه وطالعه.. شبه الكنيسه.. والمادنه والحريه.. شبه النسيم والميه والزلعه.. أمشى فى جبالك.. خضرتك.. يا أرضى يا حبيبتى.. بتفتحى حضنك لحضنى مواسم.. أنا من حدا بنتك (قنا) وركــّـزالشاعرعلى تضفيرالوطن بأحاسيه الخاصة فقال ((يا أرضى يا حبيبتى.. يا مادنه طالعه لفوق ومشرّعه للسما))
فى قصيدة (الرباب) أنسن الشاعرتلك الآلة الموسيقية الشهيرة والتى يستخدمها المطربون الشعبيون، فقال ((شدى رباب العيون.. نعس الحمام وفرش مناديله.. وبعلوحسى نفسى أغنى له)) ثم خاطب من لوّنتْ (الفجريه بالفرحه) ولكنه عندما يتذكرمآسى الغيرفإنّ ((عمرقلبى ما مات)) فهذا القلب عليه مهمة يؤديها ((عشان ما يسقى الطرح.. بالدم والدمعات)) لكن هذه الطرحه ((نهودها زنزانه.. دراعاتها سجانه)) ثم يعود ويغنى للرباب (وليس العكس) وعندئذ تفتح الصبية الأبواب (كحلت عينى بعنيها. ضمتنى ضمتها. انفرط الرمان حبايه حبايه. وكل حبه وليد غنى لها. وغناه بيحلا لنا) ثم ينتقل إلى علاقته بالنيل فقال (النيل شمطنى بدراعه. ولفنى بشراعه) وكما فى ميثولوجيا الشعوب، ظهرتْ (الجنيه) فقال لها (تعالى أشمك وأضمك. وأبل ريقى بدمك. قلبك مراجل بتغلى. تعالى نرقص يا خلى.. زى الغوازى فى بلدنا. ياحلويا مصرى. أزرع فى عيونك ديه. يا أم البزازبنيه. غنا حمامك غيه)) وكما فى المأثورالشعبى عن الحكمة أضاف (بتلعب النبابيت فى أنفاسى وأنا ناعس. طب كنت فين من زمان؟ لوكان غريمك قديمى. يبقى قديمك غريمى. مات فيه كل قديم. وبكره تصبح غريم. وبرضو ح أصبح غريمه)
وترجم أحاسيس أم مصرية (فى لحظة حرب) فكتب ((حليتْ كردانى.. ورميتْ الطرحه ورا ظهرى.. خدته فى حجرى.. ملستْ عليه بشفايف قهرى)) وهذه الأم تدرك أنّ العدو((واخد ع العتمه بعيون خوانه)) فماذا فعلتْ؟ غطــّـتْ ابنها ((بشىء ما أعرفش إيه كونه)) ورغم العتمة التى يتسترالعدوبها قالت الأم ((حلماتى رغم العتمه شايفه شفايفه)) ومثل الحركة الموسيقية التى تلتحم وتتآلف مع القصيد السيمفونى، فإنّ الأم وهى تتذكرزوجها قالت عن ابنها ((وانت فى إيديه سـُـنكى فى سدرالأعداء))
وهذا (السونكى) بعد هزيمة بؤونة/ يونيو1967 كان له طعم المرارة فكتب الشاعرفى قصيدة (الدم) على لسان أم أوحبيبة ((عشقته تفاحى على خدودك.. فى سنكى الهزيمه المره)) وفى قصيدة بعنوان (مصر) كتبها الشاعرعام1967 قال فيها ((يا مصريا للى طول السنين تتغنى.. يا حكمه.. يا قبه فى ضميرالأجيال.. يا طالعه من جوه الصدوربتئنى.. أنة جموع وأمل وأنة رجال)) ورغم فداحة الهزيمة قال الراوى ((خد الربابه يا بن بلدى وغنى.. بلدك حبيبتك نبض الموال)) ورغم المعاناة الاجتماعية بعد الهزيمة من تدميرمدن القنال وتهجيرالمواطنين إلخ فإنّ الرابطة العضوية الأصيلة بين المواطن (المصرى) ووطنه لم تتأثر، وظلت الرابطة كما هى لذلك قال الراوى ((بلدى يا مصر.. أنا بين ضلوعك جنين.. أنا على صدرك صبى.. مليان غنا.. مليان حنين)) ولكنه يدرك الموقف الصعب الذى تمربه مصر فأضاف ((يامصريا صبيه.. يا اللى فى شعرك شيبه بكريه)) وهكذا استخدم الشاعرهذا التشبيه البليغ عن صورة الفتاة بنت العشرين، وحوّلتها الهموم إلى عجوز. ولكن الشاعرتمسك بالأمل، وأنّ مصرالتى أصابها الشعرالأبيض (فى شيبه بكريه) سوف تنهض فقال ((يا مصر. إنت البداية. وإنت النهايه. صوتك يصحى بكره جوايا)) بل إنه- كما فى الفانتازيا الشعبية- يعتقد برجوع الشهيد لتستمرالمقاومة فقال ((صوتك يصحى الشهيد))
مذبحة دنشواى1906 التى ارتكبها ضباط الاحتلال البريطانى ضد فلاحى شعبنا، كتب عنها الشعراء الكلاسيكيون أمثال أحمد شوقى الذى بدأ بداية (رومانسية) رتيبة فقال ((يا دنشواى على رباك سلام.. وذهبتْ بأنس ربوعك الأيام)) وبعد عدة أبيات تذكرما حدث فقال ((كيف الأرامل فيك بعد رجالها.. وبأى حال أصبح الأيتام؟ إلخ)) أما حافظ إبراهيم فاستخدم المثالية الساذجة فخاطب ولاة الأموروقال لهم ((أيها القائمون بالأمر فينا.. هل نسيتم ولاءنا والودادا.. خفــّـضوا جيشكم وناموا هنيئــًـا.. وابتغوا صيدكم وجوبوا البلادا..إلخ)) هكذا يطلب الشاعرمن المحتل أنْ يجوب البلاد وكل ما يتمناه (بسذاجة) تخفيض عدد جيش الاحتلال، وبعد ذلك سوف (ينامون نومًـا هنيئــًـا) ولم يختلف الشاعرالكبيرصلاح عبدالصبورعن شوقى وحافظ فبدأ قصيدته بداية بعيدة عن الحدث فقال ((وثوى فى جبين الأرض الضياء.. ومشى الحزن فى الأكواخ.. تنين له ألف ذراع.. فى كل دهليزذراع..إلخ)) فلماذا كان هذا الموقف الرومانسى من هؤلاء الشعراء الثلاثة؟ هل هى الكتابة باللغة العربية؟ أم الابتعاد عن هموم الفلاحين أقارب ضحايا المذبحة؟ أما الشاعر(الأمى) فقال (يوم شنق زهران كانت صعبه وقفاته. أمه عليه بتنوح فوق السطوح واخواته. وأبوه كما السبع يوم الشنق لم فاته..إلخ) أى أنّ هذا الشاعر(الأمى) دخل فى الموضوع مباشرة. أو- كما تقول الدراسات الجادة عن الإبداع- أنه– بالفطرة وبدون أنْ يعرف (خصائص الإبداع التنظيرى) تعمّـد أنْ تكون بداية القصيدة تجسيدًا حيـًـا لمشاعرالأم التى وقفتْ (تنوح فوق السطوح) وموقف الأب الذى تحمّـل بشاعة المشهد ولكنه كان (كما السبع يوم الشنق لم فاته)
رأيتُ أنْ أبدأ بهذا التمهيد قبل الكتابة عن قصيدة منصوربعنوان (زهران) حيث قال فى أول بيت (ع المشنقه ولدى. ع المشنقه زهران) هذه هى البداية (الإبداعية) التى تتواءم وتأتلف مع الحدث وليس (الحزن الذى يتمشى فى الأكواخ) أما باقى أبيات قصيدة منصورفجاء بها ((ع المشنقه كبدى بينزف دم ع الأجران)) وهذا البيت يحتاج إلى تأمل عميق من القارىء، حيث أنّ الشاعرصاغ كلمات الأم صياغة إبداعية، فلم يقل (ع المشنقه ولدى) وإنما (ع المشنقه كبدى) وأعتقد أنه تعمّـد ذلك ليأتى الشطرالثانى من البيت متوافقــًـا معه حيث (بينزف دم ع الأجران) وهكذا وضع الشاعرنفسه مكان تلك الأم التى ترى (كبد ابنها بينزف ع الأجران) فما مغزى استخدام الشاعرللفظ (أجران)؟ هل جاء اعتباطيـًـا؟ أم لتجسيد البيئة المصرية الزراعية التى دنسّـها ضباط الاحتلال؟ أعتقد أنّ هذا ما قصده الشاعرمنصور، ولكنه لم يكتف بذلك فكتب ((زهران.. وكام زهران يا بنت الناس.. زهران فى دنشواى.. زهران فى بورسعيد.. زهران فى السويس.. زهران فى سينا وروحه ع المينا)) وهكذا لضم الشاعرالماضى بالحاضر. واستطاع بتلك الصياغة البليغة أنْ يـُـوصـّـل رسالته: إنّ ما حدث من ضباط الاحتلال البريطانى لايختلف عما فعله ضباط يوليو1952، مع اختلاف التفاصيل، وإنما المهم أنّ (زهران دنشواى) تكرّربعد سيطرة ضباط يوليوعلى مصر، فكان زهران فى السويس وفى بورسعيد (إشارة إلى هزيمة حرب عام1956، التى صوّرها النظام الناصرى على إنها انتصار) وزهران فى سينا (إشارة إلى هزيمة بؤونه/ يونيو67)
ثم يـُـكمل رؤيته عن طبيعة السطلة وعلاقتها بالجماهيرالشعبية وخاصة الفلاحين، فكان من رأيه أنّ مذبحة دنشواى1906ستتكرر، وأنّ مصرمنكوبة بتقديم الكثيرمن الضحايا أمثال زهران فكتب ((وكام زهران راح منك.. وكام زهران ح يجينا.. زهران ودنشواى.. والإنجليز والغناى.. والفلاحين الفقارى.. كلهم زهران)) ولكن هل هذا الظلم سيستمرإلى الأبد؟ تفاءل الشاعربقدرة الشعب على المقاومة فقال ((ويا شعب يا بـَـنــّـاى.. يا ماشى كما النيل والأبد.. يا شعب يا طيب.. يا اللى فديت أرضك بزهران الولد.. طيب، رحيم، بسيط ، لكن عمرك ما كنت عبيط.. عمرك ما تنسى الجراح.. شعب يعوم فى بحرالنار، ومالوش فى العوم.. زهران حمامه من حمام دنشواى))
كان الشاعرعبدالرحيم منصوريرى أنه لافرق بين حكم السراى والإنجليز، وحكم ضباط يوليو52 فخاطب مصر فى قصيدة (أدان الديوك) وقال لها ((يا مصرنا حوشى النيران.. حوشى النجوم الكدابين فوق الكتاف.. والزنازين والكرباج.. خلوا الشباب ينسى الطفوله.. وصوت الرباب.. قاعد بيسمع صوت الغراب.. نايم حزين وسط الخراب.. ولما جانا الفجر.. كل الديوك منعوا الأدان))
وتبدومرارته من حكم الضباط فى أكثرمن قصيدة مثل (الثورة والعسس) وخاطب فيها مصر التى تحملتْ (ظلم السنين) ورغم ذلك ((ولــّـعتى شمعة مزغرته.. جوا قلوب الفلاحين)) ولأنه مؤمن بالفلاحين والعمال أضاف ((أجمل موسيقى فى ودننا.. دقْ المكن.. لفْ الموتور)) ولكن السلطة الناصرية لم تتركهم يـُـنتجون ((جونا العسس.. وكل ولاد الحرام.. دبحوا الصبى ويا الصبيه.. بيولعوها نارجهنم والمرار.. يا كل قائد للعسس باستحلفك.. قفل الزنازين الكتار))
ونظرًا لتجربته مع حكم ضباط يوليو، وانتشارأسلوب التجسس والتلصص واقتحام الحرية الشخصية للمواطنين، لذلك كتب قصيدة بعنوان (العسس) الذين لفوا الحوارى والمدن، سجلوا ((كلام الغلابى.. وكوم من الشرطان (أى كوم من رجال الشرطة) جهزوا كرابيج العدم.. داير يعذب أهلنا.. وينسينا وقفة بورسعيد.. وقلوبنا عزمها من حديد.. فى الحرب ح نعلم من جديد.. ح نكتف الجن اللى سارح من سنين)) ثم يدفعه الأمل ليقول ((حريتنا من فوق العروش. ملعونه يا كل العسس))
وتبدونظرته التأملية لحكم ضباط يوليو، وما تركته من مرارة فى نفوس الجماهيرالشعبية والقوى الوطنية، فى أكثرمن قصيدة مثل المعنونة (العسكرى) فهذا العسكرى ((كتــّـف حروف الكلام.. وبيدفن الأشعار.. وكاره ولاد البلد)) وهذا العسكرى/ الضابط فى نظرالشاعر ((جوزالبياده ف رجليه تــُـقال.. يعشق سكون الليل..والضلمه والنعسان.. يجرى يفتش فى البيوت.. ياخد فى أحضانه الجبان.. حاضن بنادق صيد.. وبيرعب العصافير.. دايخه من الرجفات.. محزونه ع اللى فات.. يا عسكرى.. تعبت عصافيرالفضا.. م اللف والدوران.. داختْ ونامتْ ع الشجر)) وأعتقد أنّ رمزالعصافير(المحزونه ع اللى فات) لايحتاج إلى تفسير، وإنما إلى تأكيد بلاغة الشاعرالتعبيرية. والأهم أنّ هذا العسكرى/ الضابط (رغم قسوته وصلفه) فإنه مرعوب من الجماهير، ولذلك (يعشق سكون الليل والضلمه)
ولأنّ عبدالناصرهوالذى سلــّـم مصرللسادات، لذلك واصل الشاعرترجمة رؤاه عن الحاكم الجديد فكتب قصيدة فى عام1972 بعنوان (أيام الوجع) أكــّـد فيها على أنه لاتوجد فروق جوهرية بين العهديْن من حيث قمع الجماهير، فذكرأنّ ((نسوان البيوت.. ناموا مكسورين.. وفوق الفرن العيال محزونين.. وكرهوا ألعاب المسا.. والرقص من فوق الحصى.. موال حياتهم اتكسر.. معصوره يا قلوب الدروب.. من كل خطوات العسس.. مكتئبه يا دروب الحياه.. من كل طوابيرالغفر.. من نجمتين فوق الكتاف)) ومع ملاحظة أنّ تعبير(النجوم ع الكتاف) تكرّرفى أغلب الدواوين، مما يؤكد على موقف الشاعرمن الدولة البوليسية، ولكنه لايفقد الأمل فى مصرالعفية فخاطبها قائلا ((شدى شعوركل الشموس.. ضفرى شعورالأمان.. شمرى كل السواعد.. واطحنى القمح اللى جاى)) وببلاغة بديعة فإنّ رسالة هذه القصيدة: أنّ (العسس) عليهم قمع الجماهير، بينما هذه الجماهيرهى التى (تطحن القمح)
وفى قصيدة (دبلانه يا حروف الكلام) يكون الشاعرأكثروضوحـًـا وقوة فى التعبيرعن قهرالنظام لحرية التعبيرفبدأ القصيدة بداية مُـلفتة للنظرلشد انتباه القارىء فكتب ((الصمت يا لجام الكلام.. دايمًـا تكتــّـف صرخات البشر.. سرانتشر.. قلب انكسر)) فمن الذى تسبب فى الصرخات وانكسارالقلوب؟ يأتى البيت التالى مباشرة بالإجابة ((من فـُـجرك ياعسس)) ولكنه لايملك– فى الأبيات الأخيرة– إلاّ العزف على أوتارالأمل والتفاؤل فقال للمقهورين يشد من عزمهم ((دوسوا على كل الألم.. صحوا الحروف.. صحوا المعجزه.. انتوا القضيه وصلبها.. شدوا أوتارالكلام)) وإذا فعلوا ذلك فالنتيجة- من وجهة نظرالشاعر- أنّ أوتارالكلام سوف ((تخضرفى عيون الربيع))
وفى قصيدة (شكاوى النيل) يصل العسس وجواسيس السلطة لدرجة الزحف تحت جلد المواطن، لذلك فإنّ الشاعربدأ القصيدة قائلا ((العسس جوايا غاصوا)) وهؤلاء العسس مهمتهم مضاعفة شقاء التعساء (عشان يزيدوا تعاسة المتعوسين.. وسط الخلايق منبوذين.. ومقهورين ومكسرين.. والعيشه مره يابا.. ريقنا محنضل.. عايشه جواه السموم.. وزعق غراب.. وزعق بوم.. والعسس ما بيهمدوش.. فتشوا كل البيوت))
ولكنه رغم حالة اليأس وشدة القهر، يلجأ إلى (نفخ روح شعبنا) حتى ينهض ويقاوم الظلم، فكتب فى قصيدة (شنق النسيم): ((ارشق سهامك يا ولد.. وشق صدرالظلم.. يشق فجرك يا بلد.. يقع شهيد.. ميه ألوف.. والحق رجلينه تطوف)) ومن تسببوا فى الظلم ((نصبوا المشنقه.. شنقوا النسيم.. دبحوا العذارى ودبحوا الصبى.. ظلم البشر.. ملعونه دايما سكته.. ارشق سهامك كلها.. من جوا صدرالمفسدين.. رجع لنا تانى النسيم))
وعندما يتذكرالمعتقلين فى قضايا الرأى كتب عنهم قصيدة (فجرالشقا) فبدأها بلحظات ولادة الفجر((الفجرشقشق ع البيوت.. وبخطوته يشق السكوت.. خبط على وش البيبان.. بكف ظالم لولد جبان)) فكأنه هنا يعيد (بالإبداع الشعرى) المشاهد المأساوية لظاهرة (زوارالفجر) التى انتشرتْ فى عهد عبدالناصر. فماذا فعل زائرالفجر/ الفاجر؟ ((خد العذارى للمجهول وللعدم. وضاع الشرف فى الزنزانات. والشباب لفوا عليهم كهربا واتكتفوا. والجلد نازل بالساعات)) ولأنه يعى أنّ ما حدث مع الشرفاء فى قضايا الرأى، هواعتداء على الوطن، لذلك قال ((يا بلدنا يا حبيبه.. ميتى إحنا نفك سجنك)) وهكذا مزج بين سجن المعتقلين وسجن الوطن.
ولأنه مؤمن بمصرخاطبها فى قصيدة (لوحدك) قائلا ((سفرك لوحدك.. ناسيه نفسك.. ومضحيه بولدك وشعبك.. عشان تفكى بفكرك وفنك.. كل ألغازالتاريخ.. وتجمعى المتبحترين.. وتصحى أهل الكهف يا أمى.. وتنفضى غبارالزمن.. وتطهرى وتنورى جميع القلوب.. وتنورى القلب البريىء.. قول احترس.. من كل ضربات العسس.. دولاقطاع طرق.. حاسبوا يا مخلصين.. من كل خطوات العسس))
000
وعبدالرحيم منصورله تجربة مهمة فى (رباعيات الموت والميلاد) وعلى سبيل المثال الشاعريسأل الفله: جايه منين يافله: فترد عليه: من حجرطينة قنا. فسألها: كيف العيون والغله. قالت: عطشانه زيى أنا. هنا لخـّـص الشاعرمأساة الفلاحين الذين لايستطيعون رى أراضيهم وبكلمات بسيطة.. وكتب- على طريقة الحـِكم المصرية- ((لاشىء باقى ودايم.. يا حلم أمى وخيه.. القش هواللى عايم.. ونا وزمانى فى خيه))
وعن علاقة الميلاد والموت كتب ((لاتنين سوا لاتنين.. البذره ويا الحصاد.. الفجرأبيض جنين.. والموت شهادة ميلاد)) وعن العلاقة بين الواقع والفانتازيا قال ((دا دم مين يا خال؟ حنه فى كفوف النسا؟ ولاجنين خيال؟ فى بطن أمه اتنسى؟)) وعن العلاقة بين لحظات الرعب الأقرب إلى الموت، ومواصلة الحياة قال ((عرفت عتبات بيوت.. لكن ما خطيتهاش.. ودُقتْ ياما الموت.. والقلب برضك عاش)) وعن الفرق بين محبى الحياة وتجارالسلاح قال ((فيه طلق يولد حياه.. أطفال فى عمرأساه.. وطلق أسود.. مدفع بيقتل رضيع)) وعن علاقة الأمل بين الحياة والموت قال ((أنا غنوه مش لاقيه قلب.. مش عايزفى الضل أموت.. خدونى كسوه ودرب.. شبابيك تستربيوت)) وعن العلاقة بين النيل (رمزالحياة) والغرقى فيه قال ((يا مية النيل يا رايقه.. جواكى سرغميق.. حواليكى ساقيه وسايقه.. سايقه الدموع ع الغريق)) وعن صراع البشرضد بعضهم البعض، رغم إيمانهم بحقيقة الموت، قال ((أنا والطريق والناس.. ماشيين نزاحم الأرض.. أخرتها نفس الكاس.. بنشربه مع بعض)) وعمّـق نفس المعنى فقال ((الدنيا دامت لمين.. وكيف تدوم على حال؟ ما بين بكا وحنين.. وبين ميلاد وزوال))
وعن قدرته عل توظيف اللغة الشاعرية التعبيرية كتب ((لويسألوكى علىّ.. قولى دا ولد الشقا.. شب وكبربين إيديه.. واتعلم الزقزقه)) وهكذا جاء البيت الرابع بالمفاجأة، ليكون (ولد الشقا) مثل العصفورالذى لم يتعلم (الزقزقة) أى لم يتعلم القدرة على التعبير.
وتلك اللغة التعبيرية استخدمها فى رباعية أخرى عن تحولات الأزهارومصيرها فقال ((محلا ثيابك يا زهره.. ف الصبح زها عبيرك.. ييجى المسا تبقى ذكرى..والدنيا صارت لغيرك)) وبتلك اللغة التعبيرية خاطب أمه على أنها مصرفقال ((أمى يا بذرة حنان.. يا أصل كل البشر.. فى كل حته ومكان.. ألاقى ليكى أثر)) ويعتب على المفكرين المرعوبين من بطش السلطة فيمتنعون عن قول الحق فقال ((الحكمه من غيرشفايف.. قول ياحكيم القبيله.. بترتعش ليه وخايف.. ما لناش غيرك وسيله)) وردّ على رُعب الممتنعين عن قول الحق برباعية قال فيها ((سمعت حكمه وقلت: يا هلترا مين كاتبها؟ قالوا الألم والكبت.. والصمت هوصاحبها))
وعن علاقة الإنسان بالآخرين وما يتمناه منها قال ((أنا سدرى غيط حـِـنه.. وقلبى دا كروان.. بحلم وباتمنى.. يكون ملاذ إنسان)) ولكن تلك العلاقة النبيلة (المنشودة) لاتكتمل إلاّ بالانفتاح والحوارفقال فى رباعية أخرى ((افتح يا برج الحمام..سدرك وشم الهوا.. خللى هديل الكلام.. فيه الشفا والدوا))
وعبدالرحيم منصورمثله مثل أغلب شعراء الكتابة بلغة المصريين، كان شديد الوعى بأهمية استخدام الشهورالمصرية/ الشمسية/ الزراعية، فهو- مثلا- بدأ قصيدة (اللؤلؤه البيضه) قائلا ((فى أبيب ومسرى وتوت.. الميه عاشقه الأرض)) وفى قصيدة (المسكه السوده) بدأها قائلا ((فى كياك وهاتوروبابه.. تشب الأرض)) وبدأ قصيدة (الزمرده الخضره) قائلا ((فى طوبه وأمشيروبرمهات.. يا أرض جواكى عصيرأخضر)) وبدأ قصيدة (السبيكه الصفرا) قائلا ((فى ضل برموده.. وبشنس وبؤونه.. الأرض ما طقتش توبها)) ونظرًا لشدة الحرفى الشهرالأخير، وما تعانيه الأراضى الزراعية من تشقق وجفاف، لذلك قال ((يا عينى يا أرضى)) ليس هذا فقط وإنما (أنسن) الأرض فجعلها تلجأ للإنسان وتحتضنه فقال ((الأرض ع السدرمالت))
وقد تأرجح الشاعرالكبير- مثله مثل غيره- بين الكتابة بالمصرى والكتابة بالعربى، فهو- مثلا- كتب فى قصيدة (الرباب) ((انفرط الرمان على بزتينها حبايه حبايه)) فاستخدم حرف الجر(على) وفق كتابته العربية، وهى كتابة تــُـحدث اللبس مع اسم العلم (على) بينما الكتابة المصرية حلــّـتْ هذا اللبس باستخدام حرف الألف بدل (الياء اللينة) لذلك يرى علماء اللغويات أنْ نكتب (الكتاب علا المكتب) و(محمد ضرب على علا عينه) إلخ. وكتب (غنى لها) بينما الأدق (غنا لها) خاصة وأنه التزم بالمصرى (فى نفس القصيدة) عندما كتب (وغناه بيحلا لنا) لأنّ كتابتها بالعربى: (وغناه بيحلى لنا) كما أنه تلافى الخطأ الذى وقع فيه كثيرون، حيث فصل الفعل عن الضمير(غنى لها) وليس (غنلها) كما يفعل البعض.
وظهرالتأرجح بين المصرى والعربى فى استخدام حرفىْ (ض، ظ) فكتب (رميت الطرحه ورا ظهرى) فى قصيدة (أم فى لحظة حرب) بينما فى قصيدة (الدم) كتب الكلمة بالضاد (ضهر) ونفس الشىء حدث فى الستخدامه لحرفىْ (س، ص) فكتب (أنا على صدرك صبى) فى قصيدة (مصر) بينما فى قصيدة (أم فى لحظة حرب) كتب ((سنكى فى سدرالأعداء)) خاصة أنّ شعبنا يُـفضـّـل استخدام حرف السين عن حرف الصاد فنقول (سدرى بيوجعنى) ولانقول (صدرى يؤلمنى) وهوما فعله منصورعندما كتب ((ع السدر وشم أبوزيد)) فى الرباعية رقم 84.
وأعتقد أنّ هذا التأرجح بين طريقة كتابة الكلمة بين المصرى والعربى، يحتاج لجهود علماء اللغويات لتوحيد طريقة الكتابة، لتــُـنيرالطريق أمام الشعراء الذين يكتبون بلغة شعبنا فى حياتهم اليومية، الذين عبـًـرعنهم الشاعرالكبيرعبدالرحيم منصور، فى إنتاجه الشعرى البديع.
***




#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحدث لو أنّ شعبنا امتنع عن أداء العمرة ؟
- هل الأوطان لها سيقان للسجود ؟
- خانة الديانة والتعصب للدين
- كيف غاب عن مؤرخى الإسلام أنّ السيسى من أصحاب الرسلات؟
- أليس الموقف السعودى ضد مصر دليل على أكذوبة العروبة؟
- ما مغزى التنازل عن الأراضى المصرية للعرب ؟
- هل الكنيسة والأزهرمؤسستان وطنيتان؟
- أليست تخاريف الحاضر امتدادًا لتخاريف الماضى؟
- لماذا حفظ التحقيق مع طه حسين رغم ملاحظات رئيس نيابة مصر؟
- لماذا لم يحتج الأصوليون على إلغاء التقويم الهجرى ؟
- قراءة فى أعمال الشاعرطاهرالبرنبالى
- هل يستطيع العرب تحدى الكونجرس الأمريكى ؟
- الميديا المصرية والغزل فى الأصوليين الإسلاميين
- فخرى لبيب : شيوعى محترم كسرته الناصرية
- الوعى بقانون التغير وتقدم الشعوب
- البروفة الأولى للغزوات العربية
- العلاقة العضوية بين المؤسسات الدينية وأنظمة الاستبداد
- لماذا بدأت الديانة العبرية بالقتل ؟
- لماذا يقول الإسلاميون (فتح) ولايقولون (غزو)؟
- أليست الآيات المتعلقة بالواقع تؤكد أنها ليست سابقة التجهيز؟


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى أعمال الشاعرعبدالرحيم منصور