أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جلال مجاهدي - العقلانية بين مفهوم العلم و مفهوم المعرفة















المزيد.....

العقلانية بين مفهوم العلم و مفهوم المعرفة


جلال مجاهدي

الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 20 - 00:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مفهوم المعرفة هو مفهوم غير مرادف لمفهوم العلم فهو أوسع حدوداً ومدلولاً وأكتر شمولاً وامتداداً منه، والمعرفة في شموليتها تتضمن معارف علمية ومعارف غير علمية، وتقوم التفرقة بين النوعيين على أساس قواعد المنهج وأساليب التفكير المتبعة , فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي في التعرف على الأشياء والكشف عن الظواهر فإن المعرفة تصبح حينئذ معرفة علمية , أما إن اقتصر على الحس و الإدراك و الفهم و اكتساب المعارف عن طريق التجربة و الاطلاع و التأمل و التدبر و التفكر و التقليد , فإننا نكون أمام معرفة صرفة.
مع بداية عصر الأنوار عرف المفهومان الانفصال عن بعضهما ,حيث اقتضت المناهج العلمية رفض العديد من المعارف تحت ذريعة عدم مسايرتها للعقلانية , المسار الفكري بعد فك الارتباط مع العقل الكنسي عرف تطورا مضطردا من سؤال إلى تساؤل و من تراكم إلى تجاوز لهذا التراكم و من نقد إلى نقد النقد , العقل البشري كان في كل مرة يتجاوز نفسه و يتجاوز حقيقة ما كان يعتقد أنها حقيقة أو منهجا فكريا يمثل الحقيقة إلا أن تطور الفكر إبان فترة التنوير اتخذ مسارا أحاديا تمثل في تأليهه للعقل و نبد كل المعارف التي لا تساير منطقه العقلاني.
في هذا الخضم أصبحت اوروبا منفتحة فقط أمام العلم و العقل لوحدهما, ثورة العلم على الكنيسة كان لها انعكاس على مكانة العقل, حيث جعلت من العقل وحده معيارا للحقيقة , هذا المنحى كان نتاجا لتطور التقنية التي تلت الثورة الصناعية , العالم حينها كان مبهورا و مأخوذا بما اخترعه العقل البشري و في عز نشوته سعى العقل إلى عقلنة كل شيء فتحول هو نفسه إلى أداة و تحولت الطبيعة و الانسان إلى مواضيع و أدوات أيضا , هذا المنحى العقلاني السائد حينئذ كان يرجع إلى رغبة إنسان عصر التنوير إلى السيطرة على الطبيعة لاستغلالها و لهذا الغرض كان لا بد من معرفة قوانينها و قواعدها, إلا أن ما حدث هو أنه تم تعميم الأمر على مناحي المعرفة حتى التي لا تحتمل القياس و التقنين و التقعيد و استبعدت معارف شتى رفضها العلم لعدم استجابتها لمعاييره العلمية الجافة , بالنسبة لهذا العقل الأداتي المأخوذ بالتقنية و المبالغ في التعقل و العقلانية, فالحقيقة لا تعتبر كذلك إلا إذا تمت البرهنة عليها بالكم و القياس و البرهان , مما غدت معه مثلها مثل الاشكال الهندسية و الحسابية تعتمد على لغة القياس , العقلانية الأداتية و عقلنة الموضوعات كانت هي عنوان المرحلة التنويرية ,هذه المقاربة لم تسلم من تأثيرها حتى النظرية الماركسية حينما جعلت من الانسان أداة للإنتاج و حينما تمركزت على عمله , معتبرة إياه مقابل سلعة قابل للقياس حسب ساعات العمل اغترار العقل الموضوعي الامبيريقي الأداتي قاده إلى محاولة تعقيل كل شيء إيمانا منه بعدم محدودية قدراته خلافا لحقيقته و هكذا حاول عدد من المفكرين و علماء الفيزياء و علماء الاحياء عقلنة مجالات معرفية , كبداية الوجود و الحياة بطريقة علمية عقلانية عن طريق صياغة نظريات في هذا الشأن , وحاولوا البرهنة على إمكانية الخروج من العدم المطلق إلى الوجود و من الموات إلى الحياة عن طريق نظرية النشوء و نظرية تحول طاقة الفراغ إلى مادة و الحال أن المعطى التكويني للكون و الحياة هو شيء خارج عن القوانين الفزيائية و الرياضية و الطبيعية و يفوق حدود العقل.
إبان هذه المرحلة انتبه عدد من المفكرين و الفلاسفة إلى مشكل العقل الأداتي و الذي بعكس ما أريد منه , أصبح أداة لإخضاع الإنسان لمفاهيم العقل , مما أدى إلى طغيان هذا العقل الأداتي على الانسان نفسه و هكذا ظهر تيار فكري ينتقد العقل الأداتي تجلى في مدرسة فرانكفورت، و كان ماكس هوركهايمر(1895-1973) الذي ينتمي إلى المدرسة المذكورة أول من وضع أسس المدرسة النقدية مسلطا الضوء على المأساة الوجودية التي تسبب فيها العقل الأداتي الذي رفض ما هو روحي و قيمي و هو أول من ربط بين العقل الأداتي لعصر التنوير الذي تمحور حول تصوير الطبيعة كموضوع للسيطرة عليها والتحكم فيها واستغلالها، و بين نشوء نظرة متماثلة للإنسان نتيجة لذلك , كما سلط الضوء على تصلب العقلانية المطلقة و الموضوعية المبالغ فيها للعقل البشري و آثارها الوخيمة على العناصر المعرفية المعنوية للإنسان, نقد للعقل الأداتي ظل مستمرا و أدى إلى ظهور مفهوم جديد هو مفهوم العقل التواصلي الذي أتت به نظرية الفاعلية التواصلية أو الفعل التواصلي لصاحبها يورغان هابرماس و التي من خلالها حاول هذا الأخير سد الفراغ بين الواقع و العقل و بين الحقيقة و العقلانية عن طريق تكوين نسق فكري جمعي ناتج عن نشاط التواصل بين مختلف الذوات في مجال تواصلي سماه الفضاء العام , هابرماس كان يهدف إلى تحطيم دوائر العقلانية الأداتية و دوائر العقل الشمولي الايديولوجي و إلى إعادة الحياة للفلسفة التي ابتعدت عن هموم الحياة اليومية و مشاكل الانسان الوجودية و إلى إعادة الاعتبار للمعرفة و أنسنتها بحيث يتوصل العقل و العقل الآخر و المحاور و المحاور المقابل له إلى التوافق الفكري الحر الذي يشكل العقل الجمعي الذي يعد مصدر القرارات , عقلنة المعرفة بالنسبة لهابرماس هي ناتجة التوافق و الاجماع العقلي الحر و العقلاني .
نظرية الفعل التواصلي في مثاليتها هي كمفهوم المدينة الفاضلة , فبرغم جمالية الطرح و الاهداف إلا أن تحقق ما تدعوا اليه هو غاية لا تدرك , مفهوم الفضاء العام كمجال للتواصل يفترض التقاء يتجرد فيه المحاور من عصبيته لأيديولوجيته و دينه و افكاره و انتمائه ليقبل بالفكر الآخر المغاير له و بالنسخة الفكرية المغايرة , هذه النظرية رغم جاذبيتها , لم تعرف الانتشار و لم تلاقي النجاح الذي توخاه هابرماس و مرد ذلك إلى الثنائية العدائية الموجودة في كل مكان في العالم , فالملحد لن يلتقي بالمؤمن و الماركسي الشيوعي لن يلتقي بالليبيرالي الرأسمالي و ما إلى ذلك , المفكر يورغان هابرماس في طرحه كان لا يرمي إلى التقاء الاشخاص من حيث هم أشخاص بل إلى التقاء الافكار , لكن حتى على فرض الالتقاء فنتيجة التواصل التي مثلها في اجماع الافكار ليست حتمية و ذلك ما أكده المفكر نيكلاس لوهمان بقوله أن التواصل قد يؤدي إلى الإجماع كما قد يؤدي إلى الاختلاف و هو دعوة إلى الاحتجاج و إلى تأكيد الاختلاف و ليس إلى القبول و التسليم , عدم نجاح العقل التواصلي في فرض نفسه أبقى السيادة للعقل الأداتي كمصدر وحيد للعقلانيته مما استمر معه هذا الأخير في عدم اعتبار مجموعة من المعارف الانسانية , لكن المدرسة النقدية لفرانكفورت كان لها بالغ الاثر في تسليط الضوء على الجانب المظلم للفكر التنويري الحداثي الذي أفرغ الانسان من معنى وجوده مقتصرا على الإنكار أي إنكار التفسيرات الدينية و إنكار وجود أية قوة وراء الإيجاد دون إعطائه أي جواب و الحال أن العقل البشري لا يقبل الاستمرار في حالة الانكار و لا يقبل الفراغ بل ينحوا بطبيعته إلى الإثبات و إلى البحث عن الاجابات خاصة فيما يتعلق بمسألة الوجود .
المدرسة الفرنسية ممثلة في المفكر جان فرانسوا ليوتار و آخرين أدلت بدلوها أيضا منتقدة الفكر الحداثي , ليوتار الذي أسس مفهوم ما بعد الحداثة يذهب أبعد من هابرماس مستخدماً أفكار الفيلسوفين فريدريك نيتشه ولودفيغ فتغينشتاين التشككية، ليثبت أن فكرة المعرفة الموضوعية و العقلانية الخالصة أسطورتين بحد ذاتهما , لكن على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى فلسفته التي تجعل من نفسها فكرا خارج دائرة الأسطرة في حين تقبع كل الأفكار في دائرة الشكوك و الأسطورة , إلا أن ليوتار كان له رأي فلسفي ثاقب بخصوص موضوع المعرفة , حيث كان يقدمها على العلم , لشمولها الأشياء الروحية إضافة إلى المادية و التي بالنسبة إليه هي ما يعطي القيمة الحقة للإنسان والتي تتعدى القوانين الرياضية والمنطقية و البرهان , لتخاطب النفس والوجدان إضافة إلى العقل .
لقد جر الاغترار بفاعلية العقل و المبالغة في العقلنة و الموضوعية إلى انحسار الفكر في ما هو مادي و إلى استبعاد مجموعة من المعارف الإنسانية المعنوية و الروحية مما أدى به إلى الانزلاق في مآزق فكرية و وجودية أفرغته من ماهيته و من جوهره ,هذا النقد الموجه إلى الفكر التنويري الحداثي لا يعني البتة التراجع عن الخط العقلاني, بل التراجع عن المبالغة في العقلنة بما يعني العمل على إيجاد إمكانيات فكرية جديدة بإعادة الاعتبار للمعرفة الانسانية بالانكباب على ما كان مستبعدا أو مجهولا من جوانب الحياة ومناطق الوجود و ما وراء الواقع, وبصورة تتيح صياغة عقلانيات معرفية جديدة تتسع لما ضاقت به العقلانية العلمية خاصة و أن الظواهر و المظاهر الخارجة عن حدود العقل هي كثيرة و لم يتم صياغة أي تصور عقلاني بخصوصها رغم مرور أكثر من قرنين على تبني العقلانية العلمية الصرفة, هذه المقاربة هي الوحيدة القادرة على توسيع دائرة العقلانية و إخراج الفكر و الفلسفة من دائرة اللاأدرية أو الانكار أو الاقتصار على التساؤل إلى دائرة الاجابات و الإثبات .



#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة المجتمعات من التثاقف إلى التثقيف إلى ثقافة العولمة
- المذهب الوهابي منبع إرهابي سطر تاريخه بالدماء
- ما وراء التعثر المؤقت في تشكيل الحكومة المغربية
- البوليزاريو و انعدام الشرعية و الصفة لتمثيل الصحراويين
- إصلاح القضاء في المغرب و الأركان المظلمة المسكوت عنها
- الخطاب القومي الأمازيغي المغربي و ضرورة إعادة الصياغة
- استخدام و توظيف مفهوم القيمة و فائض القيمة لكارل ماركس
- توصيات الصناديق الائتمانية الدولية و عرقلة الاقلاع الاقتصادي ...
- ضوابط استعمال رجل الشرطة لسلاحه الوظيفي في مواجهة مسلحي الشو ...
- نظام الحكم المخزني المغربي في مواجهة تفاعلات الحراك الفكري ا ...
- أمازيغ المغرب و الاستعراب و إشكالية الانتماء
- الالحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الثالث-
- الالحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الثاني -
- الإلحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الأول -
- ثقافة الثورة
- القرآن من تسامح النبي الى تعصب المسلمين
- القرابين البشرية و المنابع النصية للفكر الارهابي
- حزب العدالة و التنمية المغربي ليس حزبا إسلاميا
- حزب الأصالة و المعاصرة المغربي وانعدام الهوية
- إحراق الجسد :الاسباب و الدواعي


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جلال مجاهدي - العقلانية بين مفهوم العلم و مفهوم المعرفة