أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - بوصلة السماء















المزيد.....

بوصلة السماء


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 19 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


"هناك لحظات يرفض فيها العقل البشري ان يعترف باكثر الحقائق بداهة..."
انتهت الصفحات الخمسمائة وإثنين وستون، وبقيت أتفكر في العبر التي جاءت بها الرواية .. رواية مسرحية، جرت أحداثها في إسبانيا زمن سقوط الأندلس وهزيمة المسلمين. يحاول الروائي ومن خلال قراءة التاريخ في هذه الفترة استرجاعها بحس ومخيلة الروائيين، مستعرضا أحداث محاكم التفتيش والمجازر والمحارق التي أبيد فيها العرب والمسلمون وحتى اليهود، من خلال ثلاثة رجال وامرأة، فيما المفتش الاسباني يراقبهم من بعيد، خوفا من هذا اللوح الازرق ان يؤكد دينا آخر غير المسيحية فتسقط دولة محاكم التفتيش...فالرواية فترة كانت الأشد مرارة، حيث سقطت الدولة الإسلامية في الأندلس، وغرناطة صارت قاب قوسين أو أدنى من الضياع، كما ظهرت محاكم التفتيش في إسبانيا ونقض ملوكها عهودهم باحترام باقي الأديان، أما حملات التنصير فعلى أوجها، تدعمها الكنيسة والملكين فرديناند وإيزابيلا..
الرواية مدهشة مليئة بعبقرية لاتصدق، طوال قراءتها وأنا أتساءل عن قدرة الكاتب على التخيل، رمزيتها هائلة، كتبت باسلوب مختلف، النص محكم، أسلوب بديع في السرد رائع في وصفه لبعض الاحداث يجعلك تتلمسها كما لو انك تعيشها، رغم انه يخوض في منطقة شائكة ، وهي اجتماع الثلاث ديانات بالاضافة الى فترة تاريخية جدلية في نهاية الدولة الاسلامية في الأندلس، لايمكننا انكار توفيقه وموضوعيته في سرد الوقائع أو الحقائق بأسلوب ممتع خاصة مع كم المعلومات عن تأريخ للديانات الثلاث، كم كبير ومثير للاعجاب من المعلومات في مجال مقارنة الأديان بدا واضحا في احداث الرواية وخوار الشخصيات مع بعضها البعض والنقاشات العقدية فيما بينها كانت ممتعة تمكن الكاتب من خلالها سبر اغوار النفس البشرية وتقلباتها في شخوص عبقرية تارة ومجنونة تارة اخرى، ومن الجميل ان تقرأ عن هذه الفترة من آخرين غير العرب، هناك مشاهد سينمائية في طريقة كتابتها مثل وصفة للراقصة ثم حمى الرقص وسط الغناء و الموسيقى، بالاضافة الى مشهد النهاية وان كانت غير واقعية، لكنه كان رائعا في طريقة ابراز النص تحمل رسالة سامية نحن بأمس الحاجة إليها ،التعايش الديني والبعد عن التعصب...
منذ البداية يؤكد المؤلف ان شخصيات الرواية خيالية رغم انه ربطها بالتاريخ، فنحن في عهد الملكين فرناندو وإيزابيلا وبداية محاكم التفتيش في اسبانيا وسقوط الدولة الاسلامية..أبطال القصة هم عزرا (اليهودي المسن) وابن سراج (المسلم الكهل) والراهب المسيحي الشاب (رفائيل)، و"مانويلا" صديقة الملكة التي رافقتهم لمعرفة ماهية هذا الكتاب الازرق الذي سيخبر الجميع عن اي الاديان السماوية هو الصواب... تصلهم مجموعة ألغاز متفرقة من صديق (يهودي) مشترك كان قد مات في إحدى محارق محاكم التفتيش، نسج هذا (اليهودي) مجموعة ألغازه بشكل متقن جدا، تبدأ أولى حلوله باجتماع الثلاثة واضطرارهم إلى الارتحال سوية في أراضي الأندلس، وتصل الألغاز بهم في النهاية إلى اللوح الأزرق الذي هو عنوان الرواية. الرواية مليئة برموز يهودية ومسيحية وإسلامية أيضا، لم أكن اتوقع أن أجد كاتبا غربيا يكتب عن (اليهودية، المسيحية، الإسلام) دون الانحياز بشكل واضح في النص لأحد هذه الأديان، رغم ان الرموز اليهودية اعلى من البقية لسبب ما، كما اظهر شخصية (الحَبر) بأنه أنقى الموجودين إلا أنه حاول قدر الإمكان الابتعاد عن التصنيف، وترك هذا التصنيف للقراء!! شخصيات الراوية محبوكة بشكل رائع، ظهرت كل شخصية بشكل مميز ومختلف عن الآخر، فضلا عن إن أحد الشخصيات ظهر بذكاء ملفت في التحقيق والإستنتاج وتوقع ردات الفعل
الرواية تذكرنا "بشفرة دافنشي" لدان بروان بما تحمله من معلومات كانت سببا في محاربة الكنيسة للرواية ، إلا أن المؤلف في "اللوح الأزرق" لم يتعرض لأي من الأديان، بطل الرواية الرئيسي هو اليهودي "ابن برول" الذي حكم عليه بالموت حرقا لأنه احتفظ بدينه وجمع ثلاثة ممن تربطه بهم علاقات خاصة بطريقة مبدعة ليبحثوا عن اللوح الأزرق للوصول إلى إجابة عن السؤال عن أي الأديان أولى بالإتباع، الرواية تجمع بين الديانات الثلاث وتدعو الى الحوار بين الأديان بأسلوب شيق وتتطرق في كثير من فصولها إلى نقاشات بين الأشخاص الثلاثة اليهودي، المسلم، المسيحي عن أفضل الأديان وأصحها وتحصل بينهم جدالات ممتعة غالبا ما تنتهي بصحة مايطرحه المسلم من ادلة.
تقع أحداث الرواية في 562 صفحة عن كتاب ولد في فجر الزمان لم يذكر في الأديان الثلاث عن نص رباني خفي وعلى الأشخاص الثلاثة المختارين من قبل بطل الرواية (ابن برول اليهودي) التعاون في حل اللغز والذي هو مزيج من آيات قرآنية وانجيلية وتوراتية ، للوصول إلى مكانه الآمن خاتما رسالته الى الأشخاص الثلاث بهذه العبارة "سأرحل عن هذا العالم.. وقد دونت في رسالتي مجموعة من الإشارات والعلامات.. إنها خريطة صممتها في شكل نصوص وإذا فككت هذه الشفرات ستجد الكتاب بعد نجاحهم في حل الألغاز من خلال رحلة طويلة تضمنت مشاق ومخاطر ، حرص كل منهم على إمساك اللوح بيديه . جاء الدور في الأول على اليهودي الذي تراءى له نص مكتوب بحروف ذهبية من التوراة، ثم اختفت الكلمات ليستعيد اللوح المسلم الذي ظهرت له آيات من سورة البقرة ثم تلاشت الزرقة وعاد اللوح إلى هيئتة الأولى ، وعندما أمسكه النصراني ظهرت على سطحه أسطر من الأنجيل وبعدها تلاشت الزرقة شيئا فشيئا ولم يستعد اللوح هيئتة الأولى بل تحوّل إلى حمرة ثمّ أخذ يتلاشى حتى تحول فجأة إلى غبار، نهاية تهدف الى القول بان البشر مغرورون وعابثون ومجانين وغير متسامحين وان الاديان انما جاءت من اجل البشرية جمعاء وفيها دعوة لفكرة التعايش بين الاديان الثلاثة؟
الرواية ليست تاريخية، لكنها وظفت التأريخ لخدمة فكرة معاصرة، فكرة تعد مطلبا ملحا في عصرنا هذا، وحدة الأديان وتلاحمها، وحدة روحية خالية من شوائب السياسة. إن مجرد التفكير باحتمال وجود نص رباني خفي، كما في "اللوح الأزرق" أو "كتاب السفير" من شأنه إثارة الشكوك لدى الحكام الذين يتسلطون على الناس وينصبون لهم المشانق والمحارق، "تصور، تصور للحظة واحدة أن هذا الكتاب موجود وتصور أنه يتضمن حقا رسالة من الرب إلى البشرية. عندئذ سنكون أمام أصعب الخيارات على الإطلاق، إما أن تدعم تلك الرسالة تفوق المسيحية، وإما أن تغلب عليها الإسلام أو اليهودية. ولو صحت الفرضية الثانية لا قدر الرب لكان ذلك إيذانا بهلاكنا وهلاك إسبانيا"، هذا الشك الذي راود السياسي في قلب الأحداث، قد يكون جوهر العمل وفكرته. إنه الشك الذي يساور جميع البشر مذ أن عرف فكرة الآخرة والجنة والنار… ماذا لو اكتشفنا أن الأمر مختلف؟
تنفست الصعداء حين انهيتها، حتما ستختلف مع الكاتب احيانا كثيرة الا ان سعة اطلاعه ومعارفه ستبهرك ، الخلاصة .. رواية تزج بك إلى المعرفة زجا... هدف سينويه من الرواية بالرغم من أنه موضوع شائك إلا أنه جميل "التسامح بين الأديان هو الطريق الأوحد لسلام العالم"، كما أنه من خلال الشك في حقائق الأشياء يطرح قضية جدلية واسعة وتفتح باب للتفكر: ماذا لو كانت الحقيقة غير ما نعرف؟
اعتقد ان جيلبرت سينويه أبدع في هذه الرواية، وحاول قدر الإمكان أن يكون حياديا، وان يبتعد عن التحيز لاي من الاديان الثلاثة وأن لا يبرز طرف على طرف، أو يميل لجهة عن جهة، وربما نجح في ذلك إلى حد كبير، ليخرج لنا بهذه الرواية التي تحمل بين ثنايها وتعيش تاريخا جميلا وواقعا ومستقبلا نحلم به، حين بدأت القراءة اعتقدت ان الرواية ستأخذ مني وقتا طويلا ولكنني فوجئت بانني انهيتها في وقت قياسي.. وضعت نفسي أمام شغف لا ينتهي، ما إن تبدأ صفحة حتى تتشوق لمعرفة محتوى ما يليها من صفحات، تسمرت في مكاني حين انهيتها لشدة تأثري باحداثها، باختصار، الرواية تستحق القراءة... مشوقة وروحها طيبة تحاول مد الجسور الروحية والثقافية والاجتماعية بين الاديان السماوية الثلاثة من خلال التماهي والذوبان للشخصيات الثلاثة مع بعضها رغم وجود تنافر مزاجي سطحي سرعان ما يختفي ويزول فيرجعون الى غاية رحلتهم، البحث عن التسامح والغفران، كما ان الترجمة المتقنة للتونسي آدم فتحي جعلت من الرواية سلسة ومقروءة تسحر الألباب.



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الاسطورة هي الخرافة؟
- في بلد العميان
- هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!
- أدباء وشعراء -منحوسون- واحلام على قائمة انتظار -نوبل-؟!
- وعد بلفور.. بيت العنكبوت الذي صار حصنا
- من هم البرابرة*؟
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟
- صناعة الغباء والتلاعب بالعقول؟
- بين الضوء والظل .. اللامنتمي!!
- قيس بن الملوح... امام العاشقين
- -قناديل ملك الجليل- لابراهيم نصر الله.. رواية الثورة والحلم
- -أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية
- -النفوس الميتة- ثقب في ضمير الانسانية!!؟
- رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية
- -الخيميائي- رواية فلسفية تأخذك لعالم الروح
- الف شمس مشرقة لخالد حسيني
- -عزازيل- يوسف زيدان.. تشابك المتخيل والتاريخي
- الفكاهة والهزل في الادب


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - بوصلة السماء