أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التحليل الحجاجي للخطاب القصصي القصير















المزيد.....

التحليل الحجاجي للخطاب القصصي القصير


محمد يوب

الحوار المتمدن-العدد: 5406 - 2017 / 1 / 18 - 00:51
المحور: الادب والفن
    


1- مقدمة

من جماليات القصة القصيرة أن باستطاعتها أن تقدم للقارئ استفادة مضاعفة؛ من جهة أنها تحمل في جسدها البنيوي متعة فنية وجمالية؛ ومن جهة أخرى أن لها القدرة والاستطاعة على الحوار والتواصل بين القاص والقارئ؛ تتغيا من خلاله مقصدية حجاجية؛ إما مقصدية واضحة أو ذات بعد حجاجي مضمر.
والحجاج فعالية لغوية بُرهانية غايتها إقناع المتلقي العاقل بمقبولية رأي من الآراء، من خلال مجموعة من التقنيات والآليات الخطابية التي تُوَجَّهُ إلى المتلقي بغرض إقناعه والتأثير فيه؛ وعليه فإن الحجاج هو (جملة الأساليب تضطلع في الخطاب بوظيفة هي حمل المتلقي على الاقتناع بما نعرضه عليه أو الزيادة في حجم هذا الاقناع)
وهدفنا من هذه الدراسة النقدية استكناه الأبعاد الحجاجية الاستدلالية في جغرافية النص القصصي القصير المقيد تحت مسمى (محاولة لكتابة قصة قصيرة) من المجموعة القصصية (كوابيس مرحلة) للقاص التونسي وليد سليمان. وهي قصة تقوم منذ الوهلة الأولى على أنها خطاب تتضافر في تكوين بلاغته صيغتان خطابيتان هما: السرد والحجاج؛ مبينا للقارئ:
أ‌- جماليات السرد القصصي القصير؛ بتحليل وتفكيك البنى الصرفية والتركيبية والمعجمية والدلالية؛ باعتبارها جسرا نعبُر من خلاله جسد القصة للنفاذ إلى بنيتها العميقة؛ للإطلاع على الحجج التي اعتمدها القاص في التأثير على المتلقين واستمالة عقولهم وعواطفهم؛ للاقتناع بالموقف الذي اعتمده والذي مرره في شكل متواليات سردية تواصلية على لسان السارد؛ لكون هذا الأخير وسيطًا تقنيًا بين القاص والمتلقي، فهو الأداة التوصلية الحية التي تمكن القاص من تصدير مواقفه وآرائه إلى المتلقين.

ب‌- حجاجية اللغة والاستراتيجيات الممكنة للتأثير في القارئ؛ والروابط والعوامل التي تساعد على نجاح الفعل الحجاجي.

2- حجاجية العتبات
ما يستوقف القارئ في هذه القصة هو عنوانها (محاولة لكتابة قصة قصيرة) الذي جاء بصيغة التنكير؛ والذي يثير في ذهن القارئ انعدام الكفاءة عن كُتاب القصة القصيرة؛ فالعنوان هنا يكثف النص ودلالته؛ ويضعه في إطاره العام؛ حيث إنه يشير إلى بنيات محددة داخل النص هي التي تعبر عن مقصدية السارد؛ والقارئ للمجموعة القصصية يرى بأن هذا العنوان يتعالق مع نصوص قصصية أخرى تسير في نفس الاتجاه.
وتخضع البنية العنوانية في تشكيلها اللغوي والتركيبي لوعي القاص؛ اللغوي والنحوي وإدراكه العميق لأسرار المفردة وقيمتها التعبيرية في الحذف والتنكير والإسناد؛ وقدرته على ضخها بكثافة تعبيرية تناسب القضية التي يؤمن بها.
كما أن للبنية العنوانية وظيفة أساسية هي المرور السلس إلى متن الخطاب القصصي القصير؛ لاستمالة القارئ وحثه على الدخول عاطفيا وعقليا في عمق القصة؛ ولمزيد من القراءة ومزيد من التفاعل الإيجابي.
3- في عمق القصة القصيرة
لاتتعارض هذه القصة مع البناء المألوف للسرد القصصي القصير؛ لأنها جاءت محكومة ببناء فني بسيط؛ خال من الغموض والتعقيد؛ بلغة تقريرية واضحة؛ وبسرد تعاقبي ابتدأ بوضعية منطقية وبتحليل مفصل لهذه الوضعية؛ وبنهاية مقنعة؛ ويتجلى هذا على مستوى الفعل الإقناعي؛ إذ إننا نرى بأن القصة قد انحرفت عن مسطرة السرد المألوف لإثارة المتلقي وشده نحو مسألة نقدية تستقطب اهتمام القراء وهي الصراع الأبدي بين القاص والناقد .
وقد بدا السرد وكأنه جواب عن أسئلة مضمرة، يفترض السارد أن المتلقي يثيرها؛ مستهلا قصته بفعل ديكتاتوري بصيغة المضارع مرتبط بأن (يجب أن تحتوي القصة القصيرة على حبكة وبداية ونهاية) متربعا على صدر الجملة القصصية؛ وهو فعل فيه قوة الفعل وفعل القوة؛ يتضمن الفرض والوجوب؛ وكأنه أمر حتمي نازل من السماء؛ والفعل المضارع هنا يحرض على التفكير وإعادة النظر في ما قدمه من طرح نظري لمكونات القصة القصيرة؛ وهي الحبكة والشخصيات والبداية والنهاية...وهو مؤمن شديد الإيمان بأن القارئ يعرف جيدا هذه العناصر ويدرك أهميتها.
ويستمر في التأثير على القارئ بالتأكيد على أن هذا الطرح ليس طرحا صحيحا وإن كان صادرا عن جهات تمثل السلطة النقدية والإطار المرجعي الذي يستقي منه النقاد نظرياتهم؛ برابط حجاجي هو (غير أن ذلك غير صحيح تماما) التي لها صفة الجزم؛ ونفي ما سبق؛ حيث الصحيح في نظر السارد هو أن القصة القصيرة ما هي إلا عقد توافقي بين القاص والقارئ (فالقصة ما هي؛ في حقيقة الأمر؛ إلا عقد ضمني بين الراوي والقارئ) ؛ وهو بذلك يعبر عن وجهة نظر خاصة؛ تؤكد إيمانه بأهمية النظريات الحديثة في السرد القصصي القصير التي تنظر إلى القصة القصيرة على أنها انكتاب بين القاص والقارئ؛ وأن هذه العناصر والأركان ما هي إلا أقانيم وطابوهات ينبغي تكسيرها أو على الأقل تجاوزها؛ لإنتاج نص قصصي قصير يرقى بذائقة القراء ويلبي رغبة القاص في تحقيق ذاته بوصوله إلى نفسيات قرائه والتأثير فيهم.
فالسارد هنا في هذه القصة يطرح الرأي ويؤكده بالحجج الدامغة كما يطرح البديل بطريقة مقنعة تستميل رأي القارئ وتدفعه إلى التصديق بحقيقة ما يحكي؛ كما أنه يريد أن يصل إلى حقيقة مفادها هي عبثية كثير من الدراسات النقدية؛ التي باتت باهتة ؛ بعيدة كل البعد عن الخطاب القصصي؛ وخاصة تلك التي تدخل في إطار ما يسمى بالنقد الشللي ونقد الزمالة؛ والنقد المؤدى عنه إما ماديا أو معنويا؛ مما يتسبب في ضياع كثير من المواهب ونفورهم من الحقل الأدبي؛ ولهذه الأسباب ينبغي على القاص أن يكتب وفق ما تمليه عليه مواهبه؛ دون التقيد بوصايا النقاد وتعليماتهم (وطالما أن القارئ راض والراوي راض؛ فأنا لا أفهم سبب تدخل النقاد والمنظرين في الموضوع) .
إن السارد هنا ومن ورائه القاص الإله الخفي؛ يمرر خطابه عبر بوابة السرد القصصي القصير؛ لاستمالة المتلقي وجعله شريكًا أساسيًا في توليد النتائج؛ وهو بذلك يعمل من خلال تدخلاته في تهيئة أفق انتظار المتلقي لاستقبال وجهة السارد المتأطرة بالحدود الحجاجية. وهو فعل تأثيري يرتكزعلى المواجهة المتعارضة التي تستدعي فعلي الترسيخ/الدعم، والنقض/الهدم؛ أي محاولة السارد تدعيم وجهة نظره أمام القراء بشتى الوسائل الحجاجية المتاحة، وفي نفس الوقت يسعى إلى نقض وجهة النظر المضادة وإبراز ضعف حجيتها وإظهار نواقصها( لهذه الأسباب...)؛ لأن الخطاب الحجاجي القصصي خطابٌ تَبني فيه جهودُ القاص دعامةَ مواقفه الخاصة، في الوقت نفسه الذي ينقض فيه دعامةَ موقف خصومهم؛ وفي هذا استمالة لمشاعر القراء والتأثير فيهم.
4- على سبيل الختم
لقد قام الوضع البلاغي للقصة محط دراستنا على تداخل مقامين؛ مقام الحكي والحديث التخييلي السردي المشوق من جهة، ومقام التواصل أو الترافع أمام مخاطب يفترض التأثير فيه لصالح إحدى الأطروحتين؛ تحت رعاية ترسانة من الحجج القوية التي تتغيا ترسيخ وجهة النظر المتبناة؛ إذ إن السارد ينتقل بالمتلقي من قضية مشهورة (مُسلّمة) إلى النتيجة المُراد ترسيخها أو إثباتها؛لاستمالته واستقطابه إبداعا وإبلاغا؛ باعتباره الطرف الغائب/الحاضر؛ يخاطبه بلغة الإجبار وليس بلغة الإخبار.

وهو انزياح إبداعي في بنية الخطاب القصصي الفنية والجمالية؛ مما نتج عنه بعدا دلاليا استطاع من خلاله السارد تمرير خطاب حجاجي؛ أكد فيه عبثية تحديد مفهوم محدد للقصة القصيرة؛ وفشل المشروع النقدي الغارق في تعويم النصوص القصصية في مناهج نقدية بعيدة كل البعد عن القاص وعن واقعه المتفرد.
كما نسجل أن القاص عمد إلى ترك بياضات دلالية يحاول القارئ سدها لأن القاص مهما قال فإنه لن يقول كل شيء؛ بل يترك المجال مفتوحا لتأويلات القارئ الذي يفترض فيه أن يكون ملما بمرجعيات الخطاب القصصي ودلالته التي هي مرجعيات القاص؛ وعند القراءة يخرج القارئ من حدود التأويل إلى التأثر والإنفعال مع طروحات القاص وكأنه كانت لديه (تجربة سيكولوجية ثم ترجمها ثانيا إلى رسالة لغوية قولا صعبا؛ أو كانت لديه تجربة لغوية استخلص منها بعد ذلك ترتيبات مختلفة لرؤية العالم)
كما أن القاص في هذه القصيصة ركز على لعبة تقويض وتدمير المفاهيم المغلوطة التي يؤمن بها كثير من المهتمين بالكتابة القصصة القصيرة؛ بمعنى أنه اشتغل على هدم الجاهز والمتعارف عليه؛ وخلخلة يقينيات الكتابة القصصية للسفر إلى عوالم سردية قصصية جديدة.
محمد يوب



#محمد_يوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية -المطرودون- للأديب معمر بختاوي
- شعرية القصة القصيرة
- تقاطعات الواقعي والخيالي
- نسقية المتن القصصي القصير
- القصة القصيرة والتقطيع السينمائي: قراءة في (زمن عبد الرؤوف) ...
- الرواية والهُوية
- الأدباء المثليون...النص والمنهج؛ أي قراءة؟
- القصة القصيرة السفر في الفضاء الورقي
- القصة القصيرة برائحة العطر
- التراث النقدي عند العرب وعملية المثاقفة
- حالة مابعد التخلف
- نظرية التخييل من الفلسفة إلى البلاغة
- اسم العربة...تاريخانية الرواية
- وهم الأصول
- نقد وحشي
- اتحاد الفيسبوكيين العرب
- فلسفة الفعل التواصلي عند هابرماس
- نظرية التلقي والتأويل في النقد الأدبي عند العرب
- حالة ما بعد الحداثة
- تُخمة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التحليل الحجاجي للخطاب القصصي القصير