أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - وجهة أخري في الشعر، ليس عن معاوية وحده !















المزيد.....


وجهة أخري في الشعر، ليس عن معاوية وحده !


جابر حسين

الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


وجهة أخري في الشعر، ليس عن معاوية وحده !
حول جديد معتصم الإزيرق:( معاويةنور علي ضفاف التيمز ).
-----------------------------------------------------------

( إذا لم يجئ الشعر طبيعيا، تلقائيا، كما تنمو الأوراق علي الأشجار، فخير له أن لا يجئ ! ) ...

- كيتس -

قبل حوالي ثلاثة أسابيع صدر عن ( دار المصورات ) الكتاب الشعري الثاني للشاعر معتصم الإزيرق ( معاوية نور علي ضفاف التيمز ). الكتاب في146صفحة من القطع الكبير وصمم غلافه محمد الصادق الحاج. يحتوي علي 20 قصيدة. جاء في مفتتح الكتاب حيث رأي أن يرينا حاله وهو في مواجد العشق ويعايشها الكلمات. يمكننا أن نقول إنها بمثابة أفتتاحية للمجموعة الشعرية، ومدخلا يهديك عبره ضوء منير يؤشر لحال الشعر عنده، ولما تقوده، في ذاته، إلي حيث يكون الآن، في الشعر والعشق والحياة. ثم يجعل من الكلمات، التي هي الشعر، لبوسه في راهن حياته الآن، وكيف يكون سبيله إلي العشق وهو خائضا في بلباله. الشعر والموقف، إذن، هما قوله فينا، وفي الملأ الذي هو الحياة عنده. هكذا، رأيت في الشعر والموقف، كليهما، الباب العريض الذي المفضي إلي شعره كله في هذه المجموعة. رأيتها، تلك الأفتتاحية، المدخل المضئ الوسيع الذي يأخذك إلي ملكوت شعره كله. يقول من يقين ذاته، في تحد وزهو، حد تخاله يصرخ في الملأ :
( ... ولكن الحرائق وهي ترصد ما تبرعم بيننا
أشتعلت بنيران الكراهية
داهمتنا .. قبل ميلاد النهار.
وشرعت سنن الفراق لنا
وقالت إنها من أجلنا قدمت
لتنقذ عشقنا منا !
... ... ...
تعال إلي يا عشقي
تعالي .. يتها الكلمات نمضي العمر حرية
ونكتب باندفاعات الدم العشقي فينا
أننا لا نرتضي من كائن من كان
أن يتملق الأعتاب
أن يتسلق الأسباب
يسرق حلمنا منا،
ويجهض طفل ميلاد الهوي فينا! ) ...

هو، هنا، ينادي البلاد، عشقه الذي يكاد لا يكف عنه، وهذي البلاد، نفسها، هي في الجوهر من شعره وحقيقته، ولا ضير أن يأتي، وهو في لبوس الشعر، أحيانا غامضا أو جهيرا باهرا، أو مالحا، أو واضحا ! كنت قد قلت في تحيتي إليه العام الماضي لمناسبة تدشين كتابه الشعري الأول ( وتريات صاحب الربابة ):
ذاك هو حال الإزيرق ، عاشق الإيقاع وأخته التوأم الموسيقي . يتذكر ، وهو في حضرة الذكري ، تماما كما قال درويش ، صدي الأشياء تنطق به ، فينطق ، وهذا شعره الآن مضموما إلينا بمحبة الشعر ورؤاه فينا ! الموسيقي ، إذن ، بإيقاعها، تتعمد في قصيدته ، تنثال في النصوص كلها حتي خاتمة الكتاب ، صورا ومشاهدا شتي مبثوثة في مناخ شجري ، في البستان وفي الحديقة ، ومثلما الفراشات يجعل للتعابير رفيف ، فينشط في إذكاء أوارها بالموسيقي والإيقاع ، لكأنه يودها تتسع لتغدو عوالما وسماوات ، لكنه لا يغفل عن سقياها ، فقد خلق اللحظة الأثيرة التي تؤذن بإنبجاسة الماء!
الموسيقي بنت الشعر ، والإيقاع ربيبهما الوسيم في الحياة ! الإزيرق – الذي نقرأ بعضه الآن – هو في الأصل " حلواني " علي قول أصحابنا المصريين . سر حلاوته في صواب إختيارهما معا ، الجميلان في أفق الشعر : الموسيقي والإيقاع ، في قصيدته . هذا الإنسان الجميل – والإنسانيون في مشهدنا الشعري قليلون قليلون – رغم واقع تخصصه في اللغة العربية منذ العام 1970 ، ثم - من بعد – حصوله علي الماجستير في " الأدب العربي الحديث " العام 1980 ، فقد عاد – بسبب من تلك الروح الحالمة في تحليقها العالي وتجلياتها – إلي أشواقه وعشقه الذي لا يكون إلا به ، إلي الموسيقي ، معشوقته التي شكلت شخصيته ورؤاه في الحياة ، حيث ذهب ، من بعد ، إلي " معهد الدراسات الأدبية " التابع لجامعة لندن لتلقي الدرسات في الموسيقي ، في وجهها الذي عرفه وخالطه هنا ، ووجهها هناك ، ولم يغادر إلا بعد أن نال درجة الماجستير في الموسيقي ، فتأملوا!. لكن، ما يتوجب قوله هنا، أن هذه المجموعة الشعرية الجديدة للإزيرق، تتجاوز، في ظني- فنيا ورؤيويا- ما رأينا عليه شعره في ( الوتريات )، وهذه، كما رأيت،وجهة إبتكار وتجديد علي نحو ما في مسيرته الشعرية التي يبدو لنا أنه يأتينا بها كل عام! ثم أنني أراها، في عديد وجوهها إنسجاما، أقول إنسجاما لا مطابقة ولا شبيهة، مع وجه وتوجهات الشعرية الجديدة الطالعة، الآن، فينا، دحضا فنيا مبتكرا وجديدا، للسائد المسيطر، حتي الآن، وتحليقا، ليس بأية إشتراطات، في فضاءات القصيدة، تلك التي تقول قولها من داخل جواهرها هي بالذات، من الكينونة الشعرية الكائنة لدي الشاعر باللغة الحميمة والإيقاع الرحيم، وأرأها، أيضا، في وجهة المغاير غير المألوف، تقسو علينا بجديدها حد أن تصيبنا بذات إيقاع العشق لدي وجدان الشاعر و ... في القصيدة نفسها!
في حواريته ( ياله من سفر )، يضع السؤال تلو السؤال ويلح عليه، يلح ويلح ليظفر بالجواب الذي يكون في موضع الإنتظار، لكنها، وحدها، الكلمات تنطق به وتقوله علنا، تقول به برغم القسوة التي في الحليب علي قول المجذوب، تقول به في آوان الحوار الجرئ مع الذات، ومع الآخر. فتأتي الإجابات لتزيح عديد الأقنعة والمقولات والرؤيات التي ذبلت، ماتت أو تكاد، فتنهض نهجا جديدا للتفكروالتأمل بشأن الذي جري ويجري ويحدث أمامنا شاخصا مديدا الآن. يفعل ذلك حتي يأتيه، من أعماق رؤياه، منادي اليقين الذي هو دليل قلبه ووعيه في هذا السفر الطويل الطويل:
( نزوج- أني أستطعنا- عذاري الشجر،
نحرر بعض الدعاوي القديمة،
بعض الطيور الرهينة في القيد
نكسر طوق الحمامة
وزن القصيدة،
ننشئ مملكة في جناح الفراش المسافر
نربح حينا .. ونخسر
ولكننا نتحرر
من حالة الإنتظار،
ونخرج من غرفة الإحتضار
وندخل في لهب النار،
من ذاتنا نتحرر
وفي ذاتنا نتغير،
نولد في ذاتنا من جديد
ونعلم أن القطار الذي فاتنا
لن يعود،
وأن علينا تعلم معني الزمان
ومعني المكان،
وإدراك مغزي
ووجهة هذا السفر! ) ...

في النار،هذه التي طلبها حتي كان فيها، تتجوهر جواهرنا فتصير صقيلة ناصعة وبأجلي وأوضح ما تكون، تغير كل ما حولنا و ... نتغير، وندرك معني الزمان والمكان ونتحرر، ذلك لنكون في قامة الذي يظللنا بالبهاء وبجدوي الحياة، ذلك هو الوطن! ولكن، ما هو الوطن؟ يقول درويش:( وما هو الوطن؟ليس سؤالا تجيب عنه وتمضي ,حياتك وقضيتك معاً.وقبل وبعد ذلك هو هويتك,ومن ابسط الأمور ان تقول:وطني...حيث ولدت..وقد عدت إلى مكان ولادتك لم تجد شيئا فماذا يعني ذلك؟ومن أبسط الأمور أن تقول أيضا:وطني حيث أموت.. ولكنك قد تموت في أي مكان وقد تموت على حدود مكانين فماذا يعني ذلك؟وبعد قليل...سيصبح السؤال أصعب. *)، ونضيف، لنمضي في الأسئلة، علي ذات نهج الإزيرق نفسه هنا، لماذا هاجرت....لماذا هاجرت؟منذ أن غشانا الظلام وأدلهمت ليالينا ونحن نسأل:لماذا هاجروا؟ليست الهجرة إلغاء الوطن..ولكنها تحويل المسألة إلى سؤال، فلا تؤرخ الآن، أيها الشاعر، حين تفعل ذلك تخرج من الماضي، والمطلوب هو ان تحاسب الماضي،فلا تؤرخ إلا جراحك، لا تؤرخ إلا غربتك أنت هنا،هنا والآن! هذا ما شرع الإزيرق يشتغل، شعريا، عليه، مراجعة الماضي ومسآلته، ليس تآرخته بأي حال من الأحوال! فعلها مع النيل في ( قليلا..قليلا ) حين وقف عاريا، إلا من الشعرويصدقه، فشرع يتلو، إليه وإلينا، مسوغاته:
( عسانا نرد إليه الحياة
عسانا نجدد فيه الشباب،
ونسدي إليه الجميل
ونشهد فيه الجمال
إذا ما أستطعنا إليه سبيلا
قليلا.. قليلا! )...
وعلي ذات النسق، ونفس النهج، فعلها مع ( عجوبة التي خربت سوبا ) في ( سوبا ومرثية المطر ) . هنا يتصدي الشعر أيضا ليعيد كتابة الحكاية في نهج جديد، يأخذ الوعي بيد الشعر ويعلي من أجنحته المشرعة للتحليق في فضاءات أخري، في قراءة أخري يحط طائر الشعر ليحكي ما جري، ليس كما تداولته الروايات في غير ما تبصر أو تفكير، فالوعي عندهم قد جري علي مسار المرويات ( الشفاهية ) المتداولة، صدقوها وقبلوا أن تكون هي، وحدها، بذرة الوعي في شأن الحكاية، فجرت علي أقلام المؤرخين والكتاب والأدباء، وها قد جاء الإزيرق ليعرض لنا رؤية أخري، قراءة أخري، وأن جاءت في لبوس الشعر وبهاء حسنه ومنظره. القصيدة من مطولات الديوان، لكننا، وحتي تستقيم لنا الحكاية كما قالت به القصيدة ننقل مجتزأ صغيرا منها وأن بدأ المجتزأ نفسه طويلا، فكيف هي عجوبة إذن في هذه الرؤيا:
( ... وهي تخرج من روايتها
وتدخل في أقاليم القطيعة والغياب،
أدني مآربها السلاح الأنثوي
الجارح الحدين،
تشبهها الغزالة..فيالتلفت والتفلت
والتوسل بالجمال إلي الجمال
لكن وجها آخر ينتاب صورتها
كما يحكي الرواة.
يقول شيخ طاعن في السن:
لاتدرون عن أخبار سوبا
أي شئ أيها الأحباب
لا تدرون ما فعلت عجوبة في البلاد
وفي العباد..وفي الرقاب!
قلنا:هي أمرأة جميلة
مثلما يحكي الرواة،
وهمها الأوحد أن تسبي
وتصطاد الرجال!
ما كانت أمرأة كما يحكون
بل جنا أتي متنكرا في صورة أمرأة
أو أنها أمرأة وقد عقدت
مع الشيطان حلفا
يستعين بها علي أهوائه
كي تستعين به علي أهوائها
بمقولة الشيطان( فرق كي تسد )،
قالت: سأشهدكم نجوم الليل في وضح النهار!)...

ثم يمضي الراوي، الذي، هو الشاعر هنا كما أظن، في سرد حكايتهاالعجيبة، فيرينا كيف أستخدمت حسنها وجمالها لرسم وتخطيط المكائد والإيقاع بالرجال و ... بالبلاد في أفخاخها المسمومة:
( ... كان يا ما كان
تعلن في البلاد أميرة
تدعي عجوبة
هي عينها من وقعت صكا مع الشيطان
وانتشر الخبر،
وتقلبت بين الرجال
وبين أعيان القبائل
بين آبا الكنائس..والبيوت،
تكيد منهم من تكيد
تبر منهم من تبر!
ولم تعد سوبا كما كانت تسمي
في قديم زمانها
( سوبا وشادوف المطر )
فلقد تجافاها المطر
مطر..مطر..مطر! ) ...

المطر، هنا، مثلما مطر السياب في قصيدته الشهيرة، مطر يغير،يغير ويضيف جديدا في الواقع وفي الرؤيا الشعرية، و ... الناس والمكان، أداة تغيير وإنبعاث يطلع فتيا، قادرا وجميلا، من بين الركام. فالركام هنا قد أحدثته عجوبة بمكرها ودهائها الذي سارت به في السياسة والأجتماع بنوايا تضمر شرا ومكائد، تجعلها، كل الوقت خافية بأستار شتي علي الناظرين إليها، لكنها، في محصلتها النهائية،تحدث دمارا وحرائق و... موت، فتبدو جلية، برعبها وصراخها، في الناس! تلك حقبة مظلمة للرؤيامن تاريخنا، ينهض الشعر هنا ليصرخ فينا، لكيما ننتبه لها، أليست تلك أحدي مهام الشعر في حياتنا وفي كل حياة، أن ينبهنا ويضئ لنا دروبا معتمة حتي نري ونحسن من سيرنا فيها؟! الديوان، فيما يمكنكم أن تلاحظوه، يحتوي علي قصائد مهمة تستحق أن نقف عندها كثيرا، لكننا، وبسبب من محدودية الحيز والوقت، سنكتفي هنا بالإشارة إليها، وهي، بقدر ما فيها من زخم شعري إبداعي ورؤيا متوهجة، مرتدية لبوسها الذي سبق ولاحظناه من إنتباهات ذكية تؤشر إلي واقع وموضوعات وتجليات راهن حياتنا في تجلياتها كلها، علي مستوي الفكر وعلي مستوي الشعر، وتلك من قيم الحياة في جدواها النبيلة بالغة الثراء في وجودنا الإنساني في معية الحياة الجميلة، جميلة هي بتلك الجماليات التي تحف بها وترافقها في معية الحياة! من قصائد الديوان التي يتوجب علينا، قراء ومعنيين بحال الشعر عندنا، أن ننتبه لها: ( رحلة/بيني وبين الليل/أما من طريق بديل؟/وجهي وصورتها/ولكن ضلعك أعوج/رباعيات/بيني وبينك/رحل الجنوب/طموح الطبيبة/بصيص من الحلم/تاجوج والمحلق/عصفورة بيضاء/شرنقات الحلم/لن أحاول/إرتجال علي مقام الرحيل ). وكما ترون هنا،من خلال تأمل عناوين القصائد، أن أيا منها تلجئك أن تكون في موضوعها بالذات، في ذات حلمها، وفي ذات جمالياتها الشعرية أيضا، وستأخذك،بمحض توسلات الشعر، لتكون في الرؤيا التي تشي بها القصيدة و ... تناديك إليها، للقصيدة و للرؤيا معا!

نعم ، أرجأت الحديث عنها، القصيدة التي، في ظني، هي " جوهرة " هذه المجموعة الشعرية، التي جعلها الشاعر عنوانا للكتاب، إشارة حرة، في المعني والدلالة لوجه الشعر عنده. ( معاوية نور علي ضفاف التيمز )، التيمز وليس النيل، برغم أنه قد وقف أمامه مناجيا إليه ومتأملا فيه ثم محاورا له، تماما مثلما لاحظنا تجواله وهو يقف، كل مرة، موقف المحاور لتلك الرموز الشاخصة بقوة في تاريخنا المعاصر. أخذ معاوية ليجعله في تلك الضفة من نهر التيمز، وأمامه شرع في حواره الجدلي معه، بالأحري، أنطقه أمام النهر، شاهدا علي ما سوف يقوله الشعر. كثيرون تناولوا سيرة معاوية وأعماله، وكلها، كما رأيت، تمدح عبقريته الفذة وعمق رؤاه وشمول ثقافته، لكن، في ظني، لم يستنطقه أحد من قبل مثلما فعل الإزيرق في هذه ( الملحمة ) الشعرية عنه. فمن هو معاوية، وكيف رأه الشاعر ثم أستنطقه وجعله في شعره إشارة وعلامة ذات دلالات شتي وأوجه عديدة تتيح لك أن تراجع، لمحض المعرفة، قراءة أخري وتأملا في وجهات سيرة الفريدة. كتاب واحد مهم تحدث عن سيرة معاوية ( 1909/1941م ): ( تلميذي معاوية محمد نور)، كتبه أدوارد عطية وترجمه عن الأنجليزية للعربية وقدم له محمد وقيع الله. وفي ظني أنه الكتاب الأكثرموضوعية ، برغم ما يزعمون أنه قد جعله ( غربي ) الهوي والفؤاد، وشمولا وعدلا في التعريف بمعاوية. ذكر عطيه عنه ميله العميق للأدب الأنجليزي وتفوقه في الإلمام به من كل وجوهه العديدة، وأثني عليه كثيرا، علي عبقريته وموهبته الفريدة النادرة، ومعلوم أن عطيه كان أستاذا لمعاوية في كلية غردون، معلما للغة والأدب الأنجليزي، وكان معاوية لصيقا ومقربا منه فنشأ بينهما، طوال فترة دراسته، ذلك الحوار الخصب بين الأستاذ وتلميذه. ثم هنالك الشهادة المهمة في حقه التي قال بها العقاد: ( لو عاش معاوية لكان نجما مفردا في عالم الفكر العربي. )، ثم قصيدته في رثاء معاوية التي أرسلها وقرئت في مأتمه. ذلك، علاوة علي إنغماس معاوية بكلياته العبقرية في المجتمع الفكري والأدبي في مصرونقده لكبار الكتاب والأدباء وقتذاك، مما أعلي من شأن معاوية في العالمين. أما الأعمال الكاملة لمعاوية فقد جمعها وأعدها للنشر رشيد عثمان خالد وصدرت عن ( دار الخرطوم للطباعة والنشر )ط.أ عام 1994م في 438 صفحة من القطع الكبير. وتنوعت أعماله فيما بين النقد في مجالات القصة والشعر والمسرح وفي السياسة وعلوم المجتمع و التعليم والأدارة وعن الإستعمار وضرورة الكفاح للتخلص منه وتحرير الوطن. معاوية كان أديبا كبيرا ومثقفا عميق الفكر، وله أراء وومواقف سياسية ووطنية مشهودة فقد نظرإلي الإمبريالية العالمية، في وقتها ذاك، بأفق تحليلي عميق شمل مجالات التنمية الأقتصادية والإصلاح الأجتماعي والتطور الثقافي، تلك القضايا جعلها في جوهر المسيطرة علي أدارة أمر البلاد في السودان كما في مصر! من بعد بعد نأي بنفسه عن السياسة، بسب مما أعتقده من فشل النخبة في أدارة الشأن السياسي لأجل الوطن وتحرره، فظل معاديا للإستعمار مناهضا بقلمه ومواقفه ضده مما جعل مدير المعارف يحرمه من التدريس في الكلية ثم شرعت المخابرات البريطانية في مراقبته وحصاره وترصده. ذلك مما عن لنا أن نقوله عن معاوية اضافة لما ذكره الإزيرق في هامش القصيدة علي صفحة 61 من الكتاب. ولكن ماذا عن القصيدة التي جعل منها الإزيرق وجها آخرا لمعاوية، لكنه من أجمل رؤي الشعر حين سكبها، كما الرحيق، علي ناصية حلمه ورؤاه؟!
القصيدة تقع في 20 صفحة من الديوان، فهي المطولة بإمتياز في هذه المجموعة، ولكن، لماذا أجلسه الشاعر هناك، في لندن وأمام نهرها بالذات؟ في ظني، أن الشاعر، لربما، كان في خاطره وعمق رؤياه شخصية مصطفي سعيد في رواية الطيب صالح المشهورة ( موسم الهجرة إلي الشمال ) حيث ذهبت به أقداره إلي ذات المكان، وفي ذات الزمان، وتقلبت به الحياة هناك علي عديد وجوهها مما حفلت به أحداثها وتجلياتها فجعلت منه تلك الشخصية التي هزمتها أقدارها جراء تدني فكرها ووعيها. الشاعر هنا، كما رأيت، يضع المقابل الواعي في مقابل الوعي المهزوم، ولماذا لا يكون معاوية؟ بخاصة أن هنالك مقولة للطيب صالح ذكر فيها أن معاوية لو أتي بلاد الأنجليز فرأي وتعرف علي النساء الأنجليزيات وجالسهن لكان مثل مصطفي سعيد. لهذا، فيما أري، تبلور وتجوهر الوعي بالفكرة في تمامها في وعي الشاعر ووجدانه الشعري فجعله يأخذ معاوية إلي هناك. بل وأجلسه معهن، هنا، في هذا المحفل المخملي، في هذا الملكوت الشعري والبهاء الذي يزين اللحظة فتبدو نار العشق ملاذا وإحتواء، إلتقيا، إذن، فكان ما سوف يكون، وكانت هذه الرؤية، حال معاوية هناك معهن،
و ... هذه القصيدة! تري كان اللقاء في رؤية الشاعر وفي القصيدة؟:

( ...ألتقي ( نارجس ميلر )
في قاعة ( ليزابيث )
حين كانت مثله
من بين رواد.. وعشاق موسيقي ( الجاز )،
وهي جوار مقعده
تميل بنشوة الإيقاع أحيانا،
وأحيانا تلامسه
بقصد..أو للا قصد
ويختلسان للبعض النظر،
فرحين يبتسمان في ولع
ويبتدران كلمات التعارف،
هو من ( أفريقيا )
عربي أفريقي.. ( كعطيل )!
وهي من ( إنكلترا )
من أب بيرطاني وأم من فرنسا،
وهي خريجة علم ( الأنثروبولوجيا )
حيث تعمل في خدمة معهد يتخصصفي درس الثقافة ( غير الأوربية )!،
حين تترك كفها في كفه
وتسيل نهر الأغنيات،
تموج خيل الذكريات،
تحيل ليل البهو بعضا
من ليالي ( ألف ليلة )
بين عينيه.. وعينيها،ويصدح بإختلاجات اللقاء البوق
في الوجدان
يدعوها إلي الرقص
علي إيقاع ( فالس ) شاعري.. هادئ،
وتنام في أحضانه.. طيرا أليفا
ساكنا للموج في ضفة نهر النيل
أو ضفة نهر الأبدية!،
حال يختصر الزمان زمانه
في ساعة من بعض ليل
يلتقي فيه غريب بغريبة،
فيصيران صديقين/عسي من بعد زوجين
يديمان الرحيل علي جناح الليل
في القاعات.. والحانات
في بعض المسارح،
حيث تعرض ( أوبرا عايدة )
وتعرض غيرها
في قرب نهر التيمز الخالي من السمار
والمسكون بالأسرار
أو في درب ( سوهو )،
حيث دنيا علب الليل
ولما آخر الليل
يعيشان احتراق الليل في الأقداح
يقتسمان مملكة الجسد!
حين كانت تناجيه
علي نار سرير العشق
كانت تتغني
برؤاه العبقرية
بإندفاع النيل في في شهوته الحري
وشمس الإستواء العسجدية،
في إهاب من سواد وثني!) ...

قصدنا من إيراد هذاالمجتزأ الطويل، وهو القليل القليل مما في القصيدةعلي أية حال، لتبيان هذا الطقس الإحتفالي، هذا الملكوت للحلم الذي غدا وقتا مأهولا بالعشق ، باللحظة الهاربة من طقس الحلم لتغدو، في المكان وفي الزمان، حقيقة يعيش عليها معاوية ويعايش فيها حلما عذبا وطعم رحيق لذيذ قد نال من روحه ورؤاه وحقيقته نفسها. أخذته، إذن، الحياة بأسبابها إليها، بالقدرة الهائلة لكينونة العشق حين يمتلك الجسد والروح ويروح يطوف بالوعي حتي يكون و ... يشرق! لكن، أينه ذاك المكان، وأينه الزمان منه، زمانه هو ومكانه هو أيضا، ذاك الملكوت الرابض، كما النيل والسهل والجبل، في ال هنااااك، في بلده الحدادي مدادي علي قول شريف، أين كل ذلك منك يا معاوية وأنت في الفضاء الملغز بجمالياته كلها التي هي، كلها، علي غير ما جماليات الوطن؟ القصيدة، وكما أشرنا، تعد ملحمة في تناولها سيرة معاوية، في فكره وإبداعه وفي شأن عبقريته وإنتباهاته لما حوله من حيوات وحياة وفكر ووعي بالذات والمجتمع في آن. ولكن، هل حقا، كانت حلما حياته هناك، ثم أفاق منه حين عاد إلي الوطن، تلك، تري، يقظة أم هي حلمه وقد تجدد وتحرر وحلق عاليا في ملكوت أرضه التي يعشقها؟! و ... تري، لماذا جعله الشاعر، والشعر نفسه وهو إبتكار الجواني من وعي الشاعر ووجدانه، مثل ( أوفيليا) الجميلة:
( في هدوء .. في هدوء ..
مثل ( أوفيليا ) الجميلة
غاب في الموج معاوية،
غاب في الموج معاوية،
ثم يصحو فجأة من نومه
ويري الأمر فصولا في كتاب،
من دراما .. ومرايا
من دراما .. ومرايا
ومرايا .. ومرايا!

تلك هي خاتمة القصيدة. تري هل كل ذلك، مما رأيناه، كان حلما عاشه وعايشه معاوية، أم كان هو نفسه حلما، حلق به، وبنا عاليا عاليا، ثم ذهب عنا، إلي حيث لا ندري؟! لنقرأ القصيدة كرة أخري وكرات، ولنقرأ قصائد الشاعر في المكان وفي الزمان، ثم ننتظر جديده، والعام يلملم أطرافه ليولد عاما آخر وقصائدا أخر. تحية، أيضا، إليك الشاعر الفنان معتصم الإزيرق.
-------------------------------------------------
* ورقة عن ديوان ( معاوية نور علي ضفاف التيمز ) للشاعر معتصم الإزيرق أعدت لأمسية تدشين الكتاب يوم الثلاثاء 22/11/2016م بدار العاملين بديوان الضرائب بود مدني وبحضور الشاعر. نشرت في " الممر " الذي يعده مأمون التلب كل جمعة بجريدة السوداني علي ثلاث حلقات ومجلة البعيد ونشرتها الميدان الثقافي في حلقتين ، نعيد نشرها هنا مكتملة لأجل أن تكون دعوة لقراءة هذه القصيدة المهمة في مسارنا الشعري المعاصر .



#جابر_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث لوحات لمحمد محي الدين ...
- في الكتابة يشرق الحب أيضا !
- وداعا شاهندة مقلد !
- الشاعر محجوب شريف ، مات مقتولا !
- كلمات في مقام الشعر !
- كتابة إليه ، إلي الحزب وإلي شعبنا لمناسبة رحيله !
- دعوة للجنون !
- د . محمد محمود يكتب بعد موت الترابي ...
- الهوستس ، بين العجيلي ويوسف إدريس !
- كمال الجزولي بخير ...
- كمال الجزولي ، لا تتركنا بالله عليك !
- وداعا عثمان إبراهيم ، العامل الشيوعي ، قائد الحزب في شرق الس ...
- وداعا خليل كلفت ، الشيوعي النوبي الجميل !
- الشيوعيون أيضا ، يحبون عثمان بشري !
- أعراس محمد محي الدين !
- في التشكيل ، - أب سفة - حين يستنهض الألوان !
- رسالة بدر إلي جابر ...
- وداعا يعقوب زيادين !
- في مدني ، وأسيني الأعرج يتجلي فيمتدح الأمير !
- ود المكي وكت نزل مدني ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - وجهة أخري في الشعر، ليس عن معاوية وحده !