أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)















المزيد.....

فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)


محمود الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 02:58
المحور: الادب والفن
    


(2)
طوال يومين على التوالي، مهّد الطيران الحربي للإجتياح الإسرايلي بشن غارات على 55 منطقة وقرية، في بيروت والشوف والجنوب، وقامت البوارج الإسرائيلية التي تجوب البحر بقصف الساحل الجنوبي، في حين شاركت المدفعية الثقيلة من وراء الحدود بقصف مماثل على طول خط المواجهة. وكانت حصيلة هذه العمليات مجتمعة مقتل حوالي 160 شخصاً وإصابة 570 آخرين بإصابات متفاوتة، ومعظمهم مدنيون.
في اليوم الثالث، الموافق السادس من حزيران (يونيو)، اقتحمت ،لقوات البرية المؤللة الإسرائيلية الحدود الجنوبية من ستة محاور في القطاعات الغربي والأوسط والشرقي. في الغربي، تمكنت القوات الغازية من الوصول الى صور، وقامت بعمليات إنزال في رأس العين وبرج الشمالي، والبصّ. وفي الأوسط، احتدم القتال في قضاء النبطية. وفي الشرقي، تقدم العدو الى حاصبيا، وكوكبا، وبلدة قلاّيا.
وفي غضون أيام، شهدت ساحة المعركة أوضاعاً عسكرية دراماتيكية؛ أبرز ما فيها، فلسطينياً، ورود معلومة مؤكدة مفادها أن قائد القوات المعيّن حديثاً ترك موقع القيادة، فجأة، واتجه مع مرافقيه الى سهل البقاع. وقد عصفت هذه المعلومة بعقول الناس في المجتمع الفلسطيني، فتداولوها فيما بينهم باقتضاب وغضب: "الحاج اسماعيل هرب". كما كان لها تأثير شديد في الإنضباط الميداني للقوات المشتركة التي وجدت نفسها بلا قائد، فأُصيبت بالإرتباك، وتشرذمت في مجموعات صغيرة، وتشتتت في البراري والجبال.
وقد أتاح هذا الوضع للقوات المعادية سهولة التقدم نحو صيدا ومحاصرتها، وعبور الشوف، ودخول بلدة بعبدا ومحاصرة القصر الجمهوري. ومن هناك واصلت تقدمها، برفقة أدلاّء من الميليشيات المسيحية، نحو المتحف في بيروت، ونحو بلدة "الحدث" حتى مشارف "الشويفات" وعلى مسافة قصيرة من اللواء السوري المتخندق في التلال.
كنت حينذاك أسكن في "الفساقين"، وهي قرية درزية تقع فوق "عرمون"، ويقصدها المصطافون من بيروت الغربية، هرباً من الحرّ المصحوب بالقصف، وذلك بسبب ارتفاعها عن سطح البحر وقربها من أماكن عملهم في آن. فلقد استأجرت فيها، لمدة ستّة أشهر، منزلاً بشرفة فسيحة تطل على الطريق العام الواصل بين بيروت والجبل، عبر خلدة-عرمون-الفساقين-قبرشمون. ومن مفترق قبرشمون الحيوي تتفرّع الطرق: جنوباً عبر الشوف، وشمالاً الى بيصور وعاليه، وشرقاً الى عدد من القرى المسيحية. وكل ما عرفه أهل القرية عن شخصي هو ما ورد في هويّتي اللبنانية التي أبرزتها لصاحب المنزل عند توقيع عقد الإيجار. ومنه انتشرت المعلومات في أرجاء القرية. وأنا، من جهتي، أكتفيت بهذا القدر من الإفصاح عن نفسي بسبب طبعي الكتوم وتحسّباً لما قد يحمله المستقبل من مفاجآت.
ثمّة عائلتان باسم "الخطيب" في لبنان: "خطيب" شحيم (اقليم الخرّوب) التي ينتمي اليها النائب زاهر الخطيب، و"خطيب" منطقة البقاع التي ينتمي اليها قائد الجيش الأسبق، الجنرال سامي الخطيب. ويعرف اللبنانيون ذلك حق المعرفة، وبعضهم، أحياناً، يسأل: من خطيب شحيم؟ أم من خطيب البقاع؟
وبما أن مركز النفوس المسجل في الجنسية هو البقاع، فأنا إذاً، وبالضرورة، "بقاعي، زحلاوي" حظيت بالإنتماء الى خطيب الجنرال! وصرت، من باب "العلم بالشيء ولا الجهل به"، أكتسب، رويداً رويداً من خلال التردّد على المنطقة والمعايشة، لهحة أهلها التي ربما احتجت .اليها في هذا الزمان المتأرجح.
والحقيقة انني حصلت على الجنسية في العام 1963، في أثناء عملي في الكويت. لقد نالني شرف حيازتها بموجب حكم قضائي لبناني غير قابل للطعن، وهي، بموجب القانون اللبناني، أقوى من مثيلتها التي تمنح بموجب مرسوم رئاسي. وقد أفادتني كثيراً لاحقاً، بعدما غادرت الكويت بعد عشر سنوات وعدت للإقامة في لبنان؛ إذ سهّلت لي، كمواطن وابن البلد، سبل العمل، فامتلكت منزلاً على بوليفار كميل شمعون، وسجّلت مؤسسة مالية-تجارية أمّنت لي ولعائلتي عيشاً رغيداً، وأصبحت أحظى ببعض النفوذ.
وفي المجتمع الدرزي، المحافظ، يُستَقبل القادم اليه، من أمثالي، استقبال الضيف، بكل الودّ والترحاب. فعلى غير توقُع، يطرق الجيران بابه بغية التعارف، وعرض خدماتهم إذا لزم الأمر، ولا يتوانون عن تقديم المساعدة إذا كانت في متناول قدراتهم. ومن باب الإمتنان ولياقة الجوار، ينبغي على الضيف، في المقابل، ردّ الزيارات: الرجل للرجال، والمرأة للنساء. ومع كل مظاهر الحفاوة هذه، تعجز عيونهم عن إخفاء نظرات الفضول اليه، والحذر منه.
ذات يوم، كنت في "عصرونية" مع أقرب الجيران اليّ، في منزله المقام على طرف حقله المزروع بشجر الزيتون. جلسنا مجموعة من أربعة رجال، على مصطبة من الباطون أمام المنزل، تظلّلها عريشة تتدلّى منها قطوف العنب، نتبادل الحديث، كما كل يوم، عن الحرب، والموت، والأوضاع المعيشية الصعبة.
لفت أحد الجالسين انتباهنا الى رجل يقف تحت الشجر على مسافة ،منّا، يرتدي ثياباً عسكرية مرقّطة، وعلى كتفه يتدلى حزام ذخيرة وفي يده رشّاش كلاشنكوف. كان ينظر الينا ويؤشر بيده يدعونا للذهاب اليه. تمنّع جميع الجالسين عن تلبية دعوته خشية أن يغدر بهم، فذهبت أنا اليه وسألته:
- من أنت؟
قال:
- أنا تائه، ولا أعرف أين أنا! أية قرية هذه؟
من لهجته عرفت أنه جندي سوري:
- هذه قرية درزية، وأنا فلسطيني أقيم فيها. لا عليك، أنت في أمان. ماذا تريد؟
- أريد أن أشرب. أسقني، أرجوك. أكاد اسقط من العطش؟
- حسناً، انتظر، لحظات وأعود اليك. هل أحضر لك طعاماً ؟
- رغيف خبز يكفي.
ذهبت الى منزلي. تناولت قنينة ماء، ووضعت رغيفين وقطعة جبنة "حلّوم" وتفاحتين في كيس، وعدت:
- هيا. اشرب على مهلك.
شرب. تنهّد. سألته مجدداً:
- كيف تُهت؟
أجاب:
- كنّا ستة في دورية استطلاع منذ أمس. اكتشفنا الإسرائيليون مع حلول الظلام، فأمطرونا بالرصاص. قتل خمسة، وأنا نجوت.غير أنني ارتميت على وجهي بينهم وتظاهرت بالموت حتى لا يلاحقونني. وطوال الليل على هذه الحال. ومع الفجر زحفت على بطني مسافة طويلة قبل أن أقف على قدميّ. وها أنا هائم كما ترى. هل يوجد قوات سورية في الجوار؟
- نعم، يوجد. وأشرت له بيدي:
- على هذه التلال التي تراها يتمركز لواء سوري. تابع سيرك تحت الشجر بمحاذاة الطريق حتى تتجنب الطيران الإسرائيلي الذي يجوب .الأجواء. نصف ساعة وتكون بين رفاقك.
فشكرني، ومضى.
وبوصوله، يكون ذلك الجندي قد حالفه الحظ مرتين: في الأولى، نجا من الموت الذي حلّ برفاقه في الدورية؛ وفي الثانية، التحق بجيشه، قبل فوات الأوان؛ إذ ما هي الاّ ساعات مضت، حتى آثر اللواء السلامة، فحزم أمتعته وانسحب مع الفجر الى منطقة البقاع من طريق قبرشمون - بيصور - عاليه دون أن يشتبك بالقوة الإسرائيلية المرابطة على مشارف الشويفات أو يطلق باتجاهها ولو رصاصة واحدة!

(يتبع)



#محمود_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعية بحلقات (1)
- في حالة ما
- النكبة 68
- على شُرفة حلم
- يوم الأرض (حكاية فلسطينيّة)
- الضحيّة
- ... ليس كأيّ صيف (أقصوصة)
- من ذاكرة الحرب (أقصوصة)
- حزن طويل الأجل (أقصوصة)
- في الطريق الى جانيس (قصة قصسرة)
- ليلة -محور المتحف-
- الرهان
- يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)